أفغانستان وحلم (الحرية) الذي تبخر
عبدالعزيز الحزي
سيطرت حركة طالبان مؤخرا على العاصمة الأفغانية كابول بسرعة أشبه بالسحرية، وأدّى ذلك إلى أزمة إنسانية خطيرة في مشاهد مثيرة للرهبة والشفقة معا ظهرت في هروب الكثير من الأفغان عبر مطار كابول خوفا من جحيم نظام طالبان.
كذلك في عام 1996م تمكنت طالبان أيضا من الاستيلاء على كابول بسرعة خاطفة، فهاجمت المستشفيات والجامعات وقتلت الآلاف وأقامت بعد ذلك نظاما “بدائيا” غريبا معتقدة أنه إسلاميا، فأدّى الأمر إلى أزمة إنسانية وهروب الملايين من الأفغان من نظام طالبان.
وشهدت أفغانستان التي تبحث عن السلام منذ نحو عقدين من الزمن عدة حروب بدءًا بانقلابات الشيوعيين ومرورا بالتدخل العسكري السوفياتي وبقتال أمراء الحروب (المجاهدين الأفغان) وبسيطرة طالبان والتدخل العسكري الأمريكي، ووصولا إلى عودة طالبان من جديد.
عشرون عام بقيت القوات الأمريكية في أفغانستان دربت جيش حكومي أفغاني لهذا البلد فأين ذهب هذا الجيش ولماذا تبخر أمام مقاتلي طالبان؟!! ..الكثير من الناس لا يستطيعون استيعاب الأمر هل كان ذلك قرارا سياسيا، أم أنها خيانة حكومية (بامتياز) منعت موجهة أو قتال طالبان “البشتونيه” بأوامر من الرئيس الهارب أشرف غني وهو من ايضا من عرقية “البشتون” فهل كان الانتماء الديني والعرقي حاسمان في تحديد الولاءات كما يعتقد الكثير من الأفغان؟!!
هكذا تخلت الولايات المتحدة عن أفغانستان بعد إبرامها اتفاقا مع لطالبان، وتركت الأفغان يواجهون أثار رحيل قواتها من البلاد، لكن الكثير من الأفغان -حسب اعتقادي- يرون أن الأمريكيين كانوا يدركون ما الذي سيحدث بعد رحيل قواتهم وإجلاء رعاياهم للسكان الأفغان المدنيين خاصة من الموالين للحكومة وبالتالي للأمريكيين في نظر طالبان.
ويمثل رحيل القوات الأمريكية والأمريكيين المقيمين أفغانستان من دبلوماسيين وغيرهم بهذا السرعة نهاية لأطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة فخلال 20 عاماً، كان الرؤساء الأمريكيين، من الجمهوريين والديمقراطيين، بمساعدة الناتو والحلفاء، معنيين بأوضاع أفغانستان ضماناً لوجودهم المستمر هناك فأنفقت هناك مبالغ أمريكية طائلة تقدر بأكثر من 83 مليار دولار على مواد للجيش الأفغاني، وكان لدى الجيش الأفغاني أكثر من 300000 جندي تم تجهيزهم وتدريبهم من قبل واشنطن مقابل ما يقرب من 75000 مقاتل لدى طالبان، لكن الأغرب هو تخلي أمريكا عن كل شي لطالبان من معدات عسكرية وغيرها.
وبوجود طالبان في السلطة، يعتقد الكثير من الأفغان أن ثمن ذلك هو نهاية آمال الحرية فهم لا يعرفون ما إذا كانت الحرب قد انتهت أم لا، فنجل أحمد مسعود شاه، القائد السابق لتحالف الشمال، أعلن مؤخرًا الحرب على طالبان وكذلك مقاتلون آخرون، من الجنود الفارين، سيلتحقون به.
المتأمل للوضع في أفغانستان يدرك أهمية أن تقدم الدول الأجنبية التي كانت تتواجد في أفغانستان مساعدات إنسانية عاجلة وإجلاء الأفغان الراغبين في مغادرة البلاد…وإلا فما جدوى اتفاقية السلام الموقعة في الدوحة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في عام 2020 أي بمعنى أخر ليس لها تأثير في ضمان اقرار السلام وانتهاء الحرب بل ستتحول الحرب في أفغانستان الى حرب أهلية بامتياز.
أمريكا التي ارتأت أنها صنعت الحرية لأفغانستان صورت للعالم أنها بنت جيشا وحكومة للأفغان وأهلت أفغانستان لتكون دولة ديمقراطية، لكن سرعان ما تبخر كل شي -الجيش والحكومة والحرية والديمقراطية- أمام الطالبان وتبخر معه حلم الأفغان في الحرية والسلام.

