بسام أبو شريف*

لم تكن من عادة القائد حسن نصر الله ان يلقي كلمة وان يتبعها بعد ثلاثة ايام بكلمة اخرى لو ان الامر ضروري لإثبات وتثبيت انطلاق المرحلة الجديدة من النضال والكفاح ضد معسكر الاعداء.

في الكلمة الاولى اعلن عن كسر حصار الطاقة، وانذر الجميع بأن الباخرة التي تحمل المازوت الى شعب لبنان هي ارض لبنانية منذ لحظة انطلاقها وتوجهها الى لبنان وهذا انذار كافي يعني بوضوح بأن من يمس تلك الباخرة سوف يعرض نفسه لهجوم من محور المقاومة.

واتبع ذلك بخاطب اخر حدد فيه ان تلك الباخرة أول الغيث، الذي سنهمر بعده الشتاء، اي ان باخرة ثانية وثالثة ورابعة سوف تتلو الباخرة الأولى، وان هذا الخط هو مسار دائم لتزويد الشعب اللبناني بما يحتاجه من المحروقات لتشغيل معامل الكهرباء والمستشفيات والمدارس والسيارات وكل نواحي العمل المنتج في لبنان.

ولم يكتفي بذلك بل تابع مستثمراً الظروف المناسبة التي اتاحت وتتيح لمحور المقاومة ان يصعد من ردعه للعدو وان يكثف هجومه الدفاعي فقد اعلن ان فكرة استخراج النفط من مياه لبنان ، فكرة سلمية ويجب السير بها وتكليف قوة تستطيع استخراج النفط وتحمي تلك العملية وهي دعوة واضحة للصين او لروسيا او ايران لاستخراج النفط والغاز اللبناني حتى ينعم الشعب اللبناني باقتصاد خارج سيطرة الاحتكارات والحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة واسرائيل والدول الاوروبية على الشعب اللبناني لإكراهه على الغضب من المقاومة وفك الارتباط معها بحيث تضعف محور المقاومة في لحظات تهيء هي نفسها اي قوى العدوان لشن هجوم على محور المقاومة يشمل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين.

وبالأمس اعلن وزير الدفاع الاسرائيلي ان الخطط قد جُهزت تماماً لتوجيه ضربات لإيران تمنعها من صنع القنبلة النووية في حال اطرت اسرائيل الى القيام بذلك وحدها ، اي في حال فشل بينيت والذي سيتفاوض اليوم مع الرئيس بايدن حول الاتفاق النووي في حال فشلت محاولات بينيت اقناع بايدن بعدم العودة للاتفاق النووي الإيراني

ولقد مهد مسؤولون أمريكيون لهذا اللقاء الذي اجل بسبب افغانستان وما جرى في افغانستان ، اعلن هؤلاء المسؤولون ان بايدن يريد ان يتابع الطريق الدبلوماسي لإيجاد حل للمسألة النووية الايرانية وان المخاوف التي تشعر بها اسرائيل يشارك الامريكان فيها ويتخوفون من نوايا ايران ومن سياستها الارهابية كما سموها في المنطقة بأسرها.

وهذا الكلام يعني ان ادارة بايدن التي ستسير في المفاوضات وتضع كل التعقيدات اللازمة لجعلها صفقة سياسية ترفضها ايران ، الادارة الامريكية تشارك في التخطيط والتهيئة لعمليات عسكرية واسعة في المنطقة رغم الانتكاسة التي اجلت هذه الضربات ، الانتكاسة التي جرت في افغانستان ، ولا شك ان موضوع افغانستان لم ينتهي ولن ينتهي بسهولة بل ستبقى الولايات المتحدة منغمسة في هذا الصراع خاصة بعد ان اتضح انها تعتمد يوماً بعد يوم بشكل أكبر على علاقتنا مع طالبان وليس مع الحكومة القديمة ، وتسعى لإيجاد تسوية ما تشارك فيها وجوه خلقتها الادارة الامريكية على مدى عشرين عاماً في افغانستان اي وجوه عميلة مع طالبان التي حققت انتصاراً واضحاً على الاحتلال الامريكي.

ويبدو هذا الامر أكثر الحاحاً يوماً بعد يوم مع بروز دور داعش وفصائل اخرى أكثر تطرفاً في افغانستان ترفض خط طالبان وترفض النهج الذي وقعت عليه قيادة طالبان في قطر في الدوحة اثناء المفاوضات مع الولايات المتحدة الامريكية.

نعود للقول، بان هذه الظروف التي جعلت الادارة الامريكية تنغمس في امر لم يكن متوقعاً وجعلها تنقل جثث جنودها الذين قتلوا في مطار كابول والجرحى وتجد مشكلة كبرى في استمرار اجلاء الافغان الذين كانوا عملاء لها ولقوات الناتو اثناء احتلالها لافغانستان ، هذا الاجلاء اصبح اكثر تعقيداً ورغم اعلان الادارة الامريكية ان واحد وثلاثين من اب تاريخ نهائي لإنهاء الاجلاء ، اصبح واضحاً ان هذا الامر ليس عملياً وليس محسوباً بدقة.

وان عدداً كبيراً من الذين يرغبون بمغادرة افغانستان سيبقون في افغانستان انتظاراً باجلائهم بعد واحد وثلاثين من شهر اب.

وهذا الشيء سيضطر الادارة الامريكية للتفاوض مع طالبان حول تمديد المدة وتسهيل مغادرة هؤلاء افغانستان بأمان وسلام.

هذا يعني ان الادارة الامريكية سوف تكون غارقة في ايجاد حلول لهذه المسألة ، اضافة لذلك سوف تبدأ المفاوضات في فينا مرة اخرى كما يبدو من كلام وزير خارجية روسيا الذي اتصل بوزير الخارجية الايراني الجديد وطلب منه العودة للمفاوضات في فينا.

وكانت ايران قد اظهرت بوضوح عدم اكتراثها والحاحها على الاستمرار في المفاوضات لأن الولايات المتحدة تريد ان تضع نتائج تلك المفاوضات من رفع العقوبات ضمن صفقة أشمل تتضمن نشاط ايران في المنطقة بأسرها وصناعة الصواريخ والطائرات المسيرة.

هذان الميدان الأول والميدان الثاني، حيث ستغطس الإدارة الأمريكية في تفاصيل كل ميدان على حذا ، هما ، الميدانيين الذين سيشكلان عاملاً دافعاُ باتجاه ان يكون الوقت لصالح محور المقاومة من حيث تطوير المرحلة الجديدة التي شكلت نقلة نوعية في تصعيد المقاومة من ناحية وفي رفع مستوى الردع لاسرائيل من ناحية اخرى.

الامر يزداد حرارة وقد يصل درجة الغليان قريباً، لأن حكومة بينيت تشعر بالاحراج من تصاعد الحملة الشعبية المقاومة للإحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولقد دفع هذا التصعيد وزير دفاع اسرائيل لقول بأن هنالك عملية واسعة تحضر وتهيء ضد قطاع غزة وهذا الامر يترافق مع تصعيد غير مسبوق لتدخل ودخول وقمع وقوات الاحتلال الاسرائيلية لتنامي الحركة الشعبية المقاومة في الضفة الغربية شمالاً ووسطاً وجنوباً.

فقد شاهد الفلسطينيون قواتاً احتلالية كبيرة تقتحم رام الله ونابلس والخليل والقرى والبلدات الفلسطينية وتطلق الرصاص الحي دون سابق انذار بناء على تعليمات بينيت الذي يتخذ منهجاً ومنحى اكثر دموية من نتنياهو لاثبات انه اقدر من نتنياهو على قمع حركة الشعب الفلسطيني.

اذا كان العدو الاسرائيلي يحضر لمثل هذه الخطط ويرتب الامور ويجهزها للأعتداء على المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وعلى ايران، فحريُ بمحور المقاومة وايران بأن يصعدوا من التصعيد الذي اعلن عنه وشكل نقلة نوعية في مواجهة معسكر الاعداء ، اي التغير النوعي من حيث النوع وليس الكم فقط، في مستوى مواجهة محور المقاومة للعدو الصهيوني والسير قدماً في نهج الهجوم الدفاعي على كل صعيد الاقتصادي والسياسي والعسكري.

وهذا ما سيجعل من قوى العدو تتفت تدريجياً وتنهك في وقت وزمن لا تشعر معه الادارة الامريكية بقدرتها على التصرف بحرية عدوانية تجاه الشعوب في كل مكان بينما هي تغطس في مغطس افغانستان ومغطس مفاوصات الاتفاق النووي الايراني ومحاولة سحب يدها من حرب اليمن التي تحولت الى مغطس ومستنقع يكوي الاعداء على يد بطولات شعب اليمن وصموده وقتاله وهجومه الدفاعي.

واذا اردنا ان نحدد بشكل أوضح بعض الاهداف التكتيكية للهجوم الدفاعي في المراحل التي يجب ان تتابع وتترابط وتتساند واحدة تلو الاخرى ، نقول:
على الساحة الفلسطينية لابد من تصعيد التحرك الشعبي الذي اثبت انه يحرك قلقاً عميقاً لدى المحتل الاسرائيلي، فما يجري في قطاع غزة خصوصاً جنوبها، وشرقها ، يجب ان يجري في الضفة الغربية في كل مكان ، وما اثبته اهل بيتا عند قمة جبل صبيح وما اثبته أهل كفر قدوم وأهل نابلس من قدرة الشعب على مقاومة الاقتحامات الاحتلالية ، لابد من تعميمه على كل مدينة وكل بلدة وقرية ومخيم ولابد من أخذ خط لا مساومة فيه وهو التصدي لكل محاولة لبناء مستوطنة او توسيعها على أرض الضفة الغربية هذا ما سيعمق من قلق العدو الصهيوني ومن اهتزاز ثقته بنفسه.

وعلى الصعيد اللبناني، لا شك ان الخط الذي أعلن عنه القائد حسن نصر الله سيسر دون تلكؤ وهذا يعني ان الحرب المزدوجة التي يخوضها المقاومون اللبنانيون من حيث كسر الحصار ومن حيث محاربة الاحتكار وكشف الفساد والفاسدين والمحتكرين سوف تأتي بنتائج ايجابية ، فشعبية حزب الله في لبنان وفي المنطقة ازدادت اضعافاً منذ ان اعلن القائد حسن نصر الله الخط الجديد خط الهجوم الدفاعي المستمر والمتتابع والمترابط والمنسجم والمتزامن مع حرب ضد الفساد والمحتكرين الذين لا يخدمون سوى من يحاول ان يحاصر لبنان وان يدمر مؤسساته وان يجوع الشعب اللبناني ويتركه دون دواء.

على صعيد سوريا، وهنا بيت الراحة اذ ان الادارة الامريكية اعطت الضوء الاخضر بلا حدود لتوجيه المال والدعم والسلاح لكل من يعادي الجيش العربي السوري وهذا يتطلب نقلة نوعية في طريقة مواجهة الجيش العربي السوري للقوى التي تحتل اجزاء من ارض سوريا خاصة تلك التي تختزن النفط والغاز وهو حق للشعب السوري ينهب يومياً على يد عملاء للامريكان واسرائيل ويهرب الى تركيا التي تحتل جزء من الارض السورية.

ان جهود الجيش العربي السوري، يجب ان تتكامل مع جهود فصائل المقاومة السورية لا تخضع للمقاييس التي يحددها التعامل والاتفاق الدولي القائم في سوريا، هذه الفصائل لا مهمة لها سوى ضرب من يحتل الارض السورية ومن يسرق النفط والغاز السوري ، لابد من فتح هذه المعركة من خلال جبهة مقاومة شعبية لا تتوقف عن مهاجمة المحتل وتضرب كل من يحاول سرقة المال السوري والثروات الطبيعية السورية التي هي حق للشعب السوري.

اما في العراق، فهنالك مؤامرة كبيرة ، لابد للحشد الشعبي من ان يضاعف جهوده ويكثفها ضد عصابات داعش التي ترسلها الولايات المتحدة وضد الخط الذي تشغله الولايات المتحدة بين المناطق السورية التي تحكمها قسد في سوريا وكردستان العراق ، ان كردستان العراق اصبحت مقراً للمخابرات الاسرائيلية ومقراً لقواعد المسيرات الامريكية وهي مصدر لتسويق ما يهرب من نفط وغاز من الارض السورية الى اعداء سوريا وبعيداً عن حق الشعب السوري في امتلاك ثرواته واستخدام مردودها لرفعة شأن سوريا وسد المجاعة واحتياج الدواء والمستشفيات التي تنوء تحتها سوريا وتحتاج لكل المساعدة لإيقافها على قدميها.
باختصار، ان الاستمرار والتتابع والترابط في خطوات التصعيد على طريق الهجوم الدفاعي هي القاعدة الأساسية ، التي يجب ان يسير محور المقاومة لأن العدو يخطط للاعتداء الواسع النطاق وهذا الخط الهجومي هو الذي يفتت مثل هذه المخططات والنتائج التي يرجوها العدو من ورائها.

* المصدر : رأي اليوم