السعودية في حرب ضد اليمن

بقلم: بيير بيوديه*

أوتاوا,22 اكتوبر 2018(صحيفة ” ledevoir” الكندية, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

لا تزال المملكة العربية السعودية والمدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية تمضي قدما منذ أواخر مارس من العام 2015, في حربها ضد النظام المقرب من إيران والذي ترى فيه التمرد غير مقبول, إنها قبل كل شيء حرب جوية تشنها مقاتلات عربية على نطاق واسع ضد أهداف برية, ولسوء الحظ ضد السكان اليمنيين, حيث وجد هذه التحالف في عدد كبير من المدارس والمستشفيات والبنى التحتية لقمة صائغة لها، مما تسبب في وقوع البلد في شرك أسوأ كارثة إنسانية عرفها العالم.

تشير التقديرات إلى أن التحالف العربي قام بتسيير أكثر من 20 الف غارة جوية حصدت خلالها حتى الآن 10 ألاف شخص جلهم من المدنيين.

وفي الوقت نفسه, وبحسب التقارير الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة, أصبح 8 مليون شخص من أصل أجمالي السكان البالغ عددهم   28مليون شخص هم ضحايا  التحقيقين للمجاعة التي تسببت بالفعل في وفاة آلالاف من الناس, شكل الاطفال السواد الاعظم بينهم.

ومن جانبها, أشارت “هيل ثورنينغ شميت” الرئيس التنفيذي لمنظمة إنقاذ الطفولة – وهي واحدة من الوكالات الإنسانية الرئيسية المشاركة في هذا البلد- إلى أن هذا الصراع المستمر يبدو وكأنه “حرب حقيقية ضد الأطفال”.

عكفت العديد من المحاولات المختلفة للوساطة والتي اقترحتها الأمم المتحدة على إنشاء “ممرات إنسانية ” تهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية من أغذية وسلع أساسية إلى السكان الأكثر تضررا, لكن تلك المحاولات والمفاوضات تعثرت بسبب الهجوم المستمر على ميناء الحديدة البوابة البحرية الرئيسية في البلد.

فشلت قوات التحالف العربي المنضوية تحت راية الرياض وعلى الرغم من القصف المكثف الذي تمطره على المدينة التي يقطنها 400 ألف نسمة, فشلت في السيطرة على القوات اليمنية التي يقودها تحالف مؤلف من قوميين ومتمردين حوثيين “طائفة دينية سياسية”.

على الصعيد الاقتصادي, يعاني البلد من تدهور كبير جراء نقص الإمدادات, ناهيك عن تضاعف أسعار المواد الغذائية والغاز إلى أكثر من الضعف، كل هذه الأحداث القت بظلالها على غالبيه السكان الذين يكافحوا من أجل البقاء كل يوم.

في حين أن الحوثيون من جانبهم غير قادرين على التعامل وإدارة هذه الأزمة أو حتى فرض السيطرة ومراقبة الجنود الخاضعين لسيطرتهم وردعهم عن ارتكاب الفظائع.

 

صراع أزلي:

 

لطالما كان اليمن بمثابة أبن العم الفقير في منطقة الخليج، في الوقت الذي تنعم فيه المملكة السعودية والممالك النفطية الأخرى مثل دولة الإمارات والكويت بإنتاجها النفطي الوفير.

مئات الآلاف من اليمنيين العاملين في هذه الدول الغنية يعيشون في ظل ظروف بائسة, على الرغم من المحاولات المختلفة لإعادة بناء منطقة إقليمية للحد من التفاوت والفروقات، إلا أن المملكة العربية السعودية ظلت على موقفها، وذلك على الرغم من ظهور العديد من علامات التحذير للأزمة الحالية في السنوات القليلة الماضية.

كان العام  2011 شاهداً على انفجار الوضع في المنطقة والذي عرف آنذاك بثورات “الربيع العربي” حيث كان لمنطقة الخليج نصيبها من التلوث العام, وبالأخص في مملكة البحرين, التي عملت على سحق الانتفاضة الشعبية بمساعدة من قبل الجيش السعودي الذي يسعى بوتيرة عالية إلى لعب دور حامي الحمى الإقليمي.

وفي وقت لاحق، عملت الملكية على الانخراط بشكل كبير في الحرب الأهلية المحتدمة في سوريا لدعم مختلف الفصائل الإسلامية التي تتحكم بها الرياض وواشنطن والتي ترى فيهم المرشح الانسب لخلافة نظام الرئيس بشار الأسد.

إن الفوضى الهائلة التي أعقبت ذلك، والتي نتج عنها مئات الآلاف من الضحايا وملايين الناس الذين وجدوا أنفسهم على قارعة الطريق مشردين، كلها كانت نتيجة حتمية لفوضى مختلقة مصاحبة لعنف مسلح من قبل النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين.

وفي هذا السياق، ألقت المملكة العربية السعودية بنفسها في أتون الحرب اليمنية منذ 3 سنوات حتى الآن.

 

قضايا مشكوك فيها:

 

وصفت المملكة العربية السعودية والإدارة الأمريكية الحكومة التي تسيطر على أجزاء شاسعة من اليمن على أنها تهديد قاتل ومميت, خاصة أن المتمردين الحوثيين الذين يقودون تحالف مؤلف من عناصر مختلفة يتلقون الدعم من طهران.

وفي الأصل, أصبح الصراع في اليمن عبارة عن حرب بالوكالة بين الرياض وطهران, حيث تسعى الاولى إلى منع الثانية وحلفائها من تعزيز نفوذها في المنطقة.

وبالنسبة للرياض، فمن الضروري تعزيز دورها  “كحامي الحمى الإقليمي”, القادر على خوض صراعات حادة، بما يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

 

وفي واشنطن، كان من المعتقد أن التحالف الذي لم يسبق له مثيل بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل والأنظمة الاستبدادية الأخرى في المنطقة قد يؤدي إلى تقيد وعزل النظام الإيراني, بالإضافة إلى استعادة السيطرة على المنطقة الغارقة في خضم فوضى عميقة.

 

ولكن حتى الآن، لم تحقق الخطة أهدافها, وبالتالي فإن الوضع خطير جداً بالنسبة للرياض التي تعاني من أزمة اقتصادية خطيرة ناجمة عن انخفاض أسعار النفط والتي تمثل 90٪ من صادراتها.

وفي المقابل، تؤثر هذه الأزمة على الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتمد صناعتها القوية في مجال الأسلحة بشكل جزئي على المشتريات السعودية للطائرات الأسرع من الصوت وغيرها من المعدات المتطورة والتي لم يتم استخدامها بالفعل من قبل الجيش السعودي بسبب نقص في الكفاءات, وهذا ما يفسر عدم قدرة هذا الجيش على هزيمة بضعة آلاف من المقاتلون الحوثيون المسلحين نسبياً، ولكن، الأسوأ من ذلك زعزع استقرار المملكة جراء نيران الصواريخ بدائية الصنع التي أدت إلى تفاقم الاضطرابات الاقتصادية والشعور بالإحباط الذي خيم على سماء هذا البلد المدلل.

*أستاذ في قسم العلوم الاجتماعية جامعة كيبيك الكندية