أزمة “القبائل” و”بيغاسوس”.. ما سيناريوهات التصعيد بين الجزائر والمغرب؟
السياسية: رصد
شهدت العلاقة بين الجزائر والمغرب في الآونة الأخيرة توتراً على الصعيد الدبلوماسي، بسبب ملفي “القبائل” و”بيغاسوس”، فما هي سيناريوهات التصعيد التي توعدت بها الجزائر تجاه الرباط؟
خلال اجتماع دول عدم الانحياز الافتراضي بأذربيجان، في 13 و14 يوليو/تموز الماضي، دعا عمر هلال، مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة، إلى “استقلال شعب القبائل” بالجزائر، حسبما نقلته وسائل إعلام مغربية.
وجاءت دعوة هلال، بعد إعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، دعم حق تقرير مصير سكان إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ 1975.
ويقترح المغرب حكماً ذاتياً موسعاً للصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو “البوليساريو” إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
استدعاء السفير
وفي 17 يوليو/تموز، طالبت الجزائر المغرب بتوضيحات بشأن ما وصفتها بـ”تصريحات عدوانية” لسفير الرباط لدى الأمم المتحدة، يعلن فيها دعم حركة انفصالية، في إشارة إلى “الحركة من أجل استقلال القبائل” (الماك).
وأفاد بيان الخارجية الجزائرية بأنّ “الممثلية الدبلوماسية المغربية بنيويورك (بالأمم المتحدة) وزّعت وثيقة رسمية على جميع الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، يكرس محتواها بصفة رسمية انخراط المغرب في حملة معادية للجزائر”.
وأوضح البيان أنّ “الوثيقة عبرت عن دعم ظاهر وصريح لما تزعم أنه حق تقرير المصير للشعب القبائلي” الذي، حسب المذكرة المذكورة، “يتعرض لأطول احتلال أجنبي”.
وأدانت الجزائر بشدة ما وصفته بـ”الانحراف الخطير”، بما في ذلك على المغرب نفسه داخل حدوده المعترف بها دولياً، في إشارة إلى وجود أمازيغ داخل المملكة.
وتقدر نسبة الأمازيغ في المغرب بحسب إحصاء للمندوبية السامية للتخطيط (حكومية) 26.7% بحسب إحصاء 2014، بينما تتحفظ الجمعيات المدافعة عن الأمازيغية على هذا الرقم، وتقول إن نسبتهم تفوق 50%.
بينما لا توجد إحصاءات رسمية عن نسبة الأمازيغ في الجزائر والمقسمين بين قبائل وشاوية وطوارق وشنوية، لكن بعض التقديرات تقول إن نسبتهم تمثل نحو ربع السكان.
الخارجية الجزائرية أوضحت أنّ “هذا الادعاء المزدوج يشكل اعترافاً بالذنب بخصوص الدعم المغربي متعدد الأوجه الذي يقدم حالياً لجماعة إرهابية معروفة (الماك)”.
وخلص البيان إلى أنّه “في ظل هذه الوضعية الناشئة عن عمل دبلوماسي مريب صادر عن سفير، يحق للجزائر الجمهورية ذات السيادة وغير القابلة للتجزئة أن تنتظر توضيحاً للموقف الرسمي والنهائي للمملكة المغربية بشأن هذا الحادث بالغ الخطورة”.
وفي مايو/أيار المنصرم، صنّفت الجزائر “الماك”، ضمن المنظمات الإرهابية والتعامل معها بهذه الصفة.
وبعد “غياب أي صدى إيجابي ومناسب من الجانب المغربي” بحسب بيان الخارجية الجزائرية، استدعت سفيرها لدى الرباط للتشاور، وذلك في 18 يوليو/تموز.
ولم يصدر عن الرباط أي تصريح رسمي بعد رد الجزائر على مندوبها لدى الأمم المتحدة.
“بيغاسوس” يُعمّق الأزمة
حالة التوتر لم تتوقف عند هذا الحد فقط، بل عقّدت قضية برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” الأزمة بين البلدين.
ففي 23 يوليو، أبدت الجزائر قلقها العميق من “قيام سلطات بعض الدول وخاصة المغرب، باستخدام واسع النطاق لبرنامج التجسس بيغاسوس ضد مسؤولين ومواطنين جزائريين”، بحسب بيان وزارة الخارجية.
وقالت وزارة الخارجية إنها “تدين بشدة الاعتداء الممنهج والمرفوض على حقوق الإنسان والحريات الأساسية”.
وأوضح البيان أنّ “الجزائر تحتفظ بالحق في تنفيذ استراتيجيتها للرد، وتبقى مستعدة للمشاركة في أي جهد دولي يهدف إلى إثبات الحقائق بشكل جماعي”.
“زيرو كليك”.. ما هو برنامج بيغاسوس الإسرائيلي لاختراق الهواتف والتجسس عليها وكيف يعمل؟ / عربي بوست
كما فتحت النيابة العامة الجزائرية، تحقيق بشأن “معلومات حول عمليات تجسس طالت شخصيات محلية باستعمال برنامج بيغاسوس”.
وقبل أيام نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية نتائج تحقيق أجرته 17 مؤسسة إعلامية، عن برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي للتجسس، انتشر على نطاق واسع حول العالم، “واستخدم لأغراض سيئة”.
وأفاد التحقيق بأن حكومات 10 بلدان على الأقل من بين عملاء شركة NSO الإسرائيلية، بينها مملكتا المغرب والسعودية -اللتان نفتا الاتهامات- بالتجسس على هواتف شخصيات عامة وأجنبية، باستعمال أحد البرامج.
سيناريوهات التصعيد المحتملة
ويرى رضوان بوهيدل، الأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أنّ سيناريوهات التصعيد المحتملة من الجزائر تجاه الرباط مرتبطة بموقف الجزائر أكثر من المغرب.
وقال بوهديل، في حديث للأناضول، إنّ “المغرب مَن وضع نفسه في حالة ضعف وحرج، وأدخل نفسه في فضيحة دولية”.
وأضاف: “المغرب يدافع عن نفسه، بينما قامت الجزائر بمبدأ المعاملة بالمثل، وتصعيد مبدئي باستدعاء سفيرها بالرباط للتشاور”.
وأشار بوهيدل إلى أنّه “في حال عدم رد وتجاوب المغرب مع الطلب الجزائري، من حق الجزائر التصعيد إلى درجة أكبر”.
مبادرة فتح الحدود بين المغرب والجزائر
ولفت إلى أنّه “يمكن للجزائر إطالة بقاء السفير مع تقليص البعثة الدبلوماسية والذهاب ربما إلى طرد السفير المغربي وقطع العلاقات مع الرباط”.
وأوضح بوهيدل أنّ بلاده “لا تزال تتعامل بحكمة وتنتظر ردة فعل الرباط التي تبحث عن مبررات لقطع العلاقة مع الجزائر”.
واستطرد: “تجلى ذلك بإصدار مذكرة مزعومة وتوزيعها على أعضاء حركة عدم الانحياز بالأمم المتحدة وهو أمر مرفوض”.
واعتبر أنّه” لو كان الأمر مجرد تصريح، كان بالإمكان احتواؤه من قبل المغاربة، والقول إنّه زلة لسان، وموقف يخص السفير وحده”.
وقال بوهيدل: “هذه المذكرة التي وزعها السفير المغربي بالأمم المتحدة لا تكون إلاّ بموافقة السلطات العليا في بلاده”.
ورجح أن “التصعيد سيزيد في ظل الوضع المتأزم بين البلدين”.
هل وصلت الأمور لنقطة اللاعودة؟
من جهته، يعتقد رضا شنوف، الصحفي المختص بالعلاقات الجزائرية المغربية، أنّ “تجسس المغرب على شخصيات جزائرية سامية وأخرى سياسية من المعارضة وصحفيين جاء بعد موقف مغربي غير مسبوق بإعلانه رسمياً دعم مزاعم تقرير مصير شعب القبائل”.
وقال شنوف، للأناضول، إنّ “مواقف وتصرفات المغرب زادت من تعقيد الأزمة بين البلدين الجارين”، وأضاف: “احتفاظ الجزائر بحق الرد يحيل إلى توقع سيناريوهات عدة حول طبيعة ردها”.
واستطرد: “لا أتصور أن يكون الرد خارج الأطر الدبلوماسية المعهودة للعقيدة الجزائرية في التعامل مع الأزمات المحيطة بها، خاصة مبدأ التعامل بالمثل سواء ما تعلق بقضية دعم تقرير مصير شعب القبائل، وهي خطيئة كبرى ارتكبها المغرب في حق نفسه قبل الجزائر، (أو ما تعلق بقضية بيغاسوس)”.
وأشار شنوف إلى أنّ “ارتداداتها ستكون أكبر على المغرب التي يرفع قطاع من أبناء الريف (أمازيغ) مطالب بالاستقلال، وإحياء الدولة التي كانت قائمة على الأرض في عهد عبدالكريم الخطابي”، حسب قوله.
أنصار المغرب وجبهة البوليساريو في تظاهرة خلال المنتدى الاجتماعي العالمي بتونس في مارس/آذار 2015، أرشيفية/ الأناضول
والأمير عبدالكريم الخطابي (1882-1963) أسس “الجمهورية الاتحادية لقبائل الريف”، أو كما يسميها الباحث المغربي محمد أونيا “إمارة الريف”، ما بين 1921 و1926، لمكافحة الاستعمار الإسباني والفرنسي بمنطقة الريف المغربي (شمال).
ولفت الإعلامي الجزائري إلى أنه “على عكس (منطقة الريف المغربي) فوضع منطقة القبائل مختلف، حيث كانت دائماً في طليعة الدفاع عن وحدة الجزائر وأمنها”.
واستدل الإعلامي الجزائري بأنّ “ما قام به الراحل حسين آيت أحمد (زعيم أمازيغي وأحد قادة الثورة الجزائرية) الذي وقف مع النظام الجزائري خلال حرب الرمال أكبر دليل على ذلك”، على حد قوله.
جدير بالذكر أن آيت أحمد انضم بعد الاستقلال في 1962 إلى وحدات متمردة بمنطقة القبائل بقيادة العقيد محند أولحاج، الذي كانت له مطالب سياسية وليست انفصالية، حيث ضم هذه الوحدات لاحقاً إلى الجيش الجزائري عقب اندلاع حرب الرمال مع المغرب في 1963، بينما ألقي القبض على آيت أحمد في 1964 بجبال القبائل، بحسب مذكرات قائد الأركان الجزائري الطاهر الزبيري (1964 -1967).
ووفق شنوف، “كان هناك حديث عن إجراء فرض التأشيرة على المواطنين المغاربة، لكنه مستبعد حالياً لانعدام حركة الطيران بين البلدين بسبب كورونا والحدود المغلقة منذ سنوات”.
المغرب ينفي “التجسس”
لكن الحكومة المغربية في المقابل نفت اتهامات بالتجسس على هواتف شخصيات عامة وأجنبية، باستخدام برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي.
وطالب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة كل شخص أو هيئة وجهت اتهامات لبلاده، بـ”تقديم الدليل أو تحمل تبعات افترائها الكاذب أمام القضاء”.
ومن ثم، عمل المغرب على رفع دعاوى قضائية ضد هيئات ووسائل إعلام أجنبية اتهمته بالتجسس، منها صدف فرنسية وألمانية وإسبانية.
وفي السياق، دعا العاهل المغربي محمد السادس، في خطاب بمناسبة الذكرى الـ22 لتوليه العرش، الجزائر إلى فتح الحدود بين البلدين، المغلقة منذ عام 1994.
كما جدد الملك المغربي في خطابه، مطلع أغسطس/آب الجاري، دعوة الجزائر إلى “بناء علاقات ثنائية مع بلاده، مبنية على الثقة وحسن الجوار”.
وخاطب الملك الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قائلاً: “أدعو فخامة الرئيس الجزائري للعمل سوياً في أقرب وقت يراه مناسباً، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك”.
وأضاف: “الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول بالنسبة للعديد من الدول”.
وتابع أنه مقتنع بأن “الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين”.
وحتى كتابة التقرير، لم يصدر أي تفاعل من السلطات الجزائرية على دعوة العاهل المغربي لفتح الحدود.
*المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن راي الموقع