بقلم: زيبنيم آرسو، سوزانه كوبل وماكسيميليان بوب، كريستوف رويتر، رانيا ساللوم، كريستوف شويرمان، كريستوف شولت و بيرنارد زاند—————

 

 

 

 

تحولت الجريمة الشنيعة بسرعة إلى أزمة في العلاقات الدولية، حيث يُعتقد أن عملاء سعوديين قد قاموا بتقطيع أوصال صحفي معارض بارز بأوامر من ولي العهد السعودي. يشعر الغرب بالاشمئزاز  ويجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه في موقف حرج.

 

هامبورج (مجلة “در شبيغل” الألمانية، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)- :

 

تمت طباعة هذا الموضوع ليلة الخميس قبل التصريح الرسمي للحكومة السعودية الذي صدر يوم السبت بأن عملاء البلاد قاموا بخنق الكاتب المنفي جمال خاشقجي خلال معركة داخل القنصلية السعودية في اسطنبول. ويقول مسؤولون سعوديون إنه تم اعتقال 18 رجلاً لهم صلة بالقضية ، من بينهم 15 رجلاً تم إرسالهم إلى القنصلية، إلى جانب سائق واحد واثنين من موظفي القنصلية. ووصف رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب البيان بأنه جدير بالثقة وقال إن عمليات اعتقالهم “خطوات أولى جيدة”. وقال إن حكومته ستدرس أيضا العقوبات لكنها لا تريد إلغاء عقد مبيعات أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار كان قد تم الاتفاق عليها إلى المملكة العربية السعودية. فيما يلي تقرأون الموضوع الذي جعلناه قصة الغلاف الخاصة لهذه النسخة من مجلة “در شبيغل” حول الأحداث في اسطنبول:

استبعدت الحكومة السعودية اللواء أحمد العسيري، نائب مدير المخابرات السعودية، الذي ادعى أنه قام بتنظيم العملية، ومسؤولين آخرين في المخابرات.

الدكتور صلاح محمد الطبيقي خبير ذو مهارات استثنائية. تخصصه هو التشريح السريع. كان يتباهى في مقابلة مع صحيفة عربية في يوم من الأيام بأنه يستطيع تفكيك جثة إلى أجزاء ويمكنه التحكم فيها في وقت قياسي.

كانت مهنة الطبيقي داخل الجهاز الحكومي السعودي هي إعداد كتب القصص. وبعد الانتهاء من دراساته الطبية، افتتح أحد معاهد البحوث الأولى بالشرق الأوسط في الطب الشرعي. وهو الآن حاصل على رتبة ملازم عقيد ويرأس قسم الطب الشرعي في وزارة الداخلية. كانت مهمته هي جعل البحث في المملكة العربية السعودية يصل إلى المعايير الغربية. والآن، قام هو و14 رجلاً بإغراق البيت الملكي في واحدة من أخطر الأزمات التي تواجه البلاد منذ الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.

ووفقاً للتحقيقات التي أجرتها الشرطة التركية، نزل الطبيقي في 2 اكتوبر في الساعة الثالثة وثلاث عشرة دقيقة مع ثمانية من أفراد الخدمة السرية والعسكريين السعوديين من طائرة تابعة لشركة غلف ستريم التابعة  لولي العهد محمد بن سلمان هبطت في مطار إسطنبول. وصل ستة رجال آخرين إلى المدينة التركية بعد بضع ساعات على متن طائرة أخرى.

ظهر الطبيقي في كاميرات الأمن وهو مرتدٍ لسترة جلدية مخططة أثناء مروره عبر مراقبة الجوازات.

وكان قد حجز للبقاء ثلاث ليالٍ في فندق يقع بالقرب من القنصلية السعودية، لكنه غادر المدينة في تمام الساعة 10:46 مساءً في نفس اليوم.

قصة غريبة على نحو بشع

هناك نسختان لما حدث في 19 ساعة ونصف الساعة بين وصوله ومغادرته. وبغض النظر عما إذا كانت إحداها صحيحة، فإنها تظل قصة جريمة تتضمن تفاصيل شنيعة ومشوشة بحيث تنافس فيلم جيمس بوند. وهي التي هزت المجتمع الدولي منذ ذلك اليوم.

زعم التلفزيون السعودي أن الطوبقي وزملاؤه سافروا إلى اسطنبول للسياحة. لكن ذلك القول ليس جديرا بالمصداقية بالنظر إلى كون المجموعة غادرت جوا عائدة إلى بلادها بعد ساعات قليلة فقط من الوصول. من جانبها، الشرطة التركية مقتنعة بأن الرجال الخمسة عشر لعبوا دوراً حاسماً في مقتل جمال خاشقجي وهو معارض بارز للنظام السعودي. اختفى خلال زيارة للقنصلية السعودية في اسطنبول وكان مفقودا منذ 2 أكتوبر.

يعتقد المحققون ومسؤولون استخباراتيون أتراك أنهم يعرفون ما حدث في تلك الساعات، فوفقاً لنسختهم من الأحداث، انتظرت فرقة الكوماندوز من الرياض خاشقجي في مكتب القنصلية. قام الرجال بتخديره وضربه. ثم، بينما كان لا يزال واعياً ، قطعوا أصابعه. في النهاية، قام  الرجال بقطع رأسه.

يقولون أن خبير الطب الشرعي الطبيقي قام بتفكيك الجثة وقد شوهد منشار العظام عندما أحضره معه. ووفقا للتحقيق التركي، وضع سماعات للاستماع إلى الموسيقى وأوصى الناس الذين في الغرفة المجاورة أن يفعلوا نفس الشيء لأن ذلك سيجعل العمل أسهل.

ثم قام بتقطيع جسد خاشقجي. يقول أحد المحققين الأتراك: “كان الأمر أشبه بفيلم تارانتينو”. ووفقا لتقرير نشر في صحيفة “يني شفق” ، إحدى الصحف الموالية للحكومة في أنقرة، لدى السلطات التركية تسجيلات صوتية توثق جريمة القتل.

أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع بلومبرج أن خاشقجي ترك القنصلية بعد وقت قصيرمن دخولها. لكن الأمير لم يقدم بعد أي دليل لدعم هذا الادعاء. للأسف، فشلت جميع كاميرات المراقبة من تأكيد حدوث ذلك في ذلك اليوم، على الرغم من أن الشركة المصنعة للنظام تقسم أن عدم التقاط لحظة خروجه أمر غير ممكن تقنيا.

لم ترد وزارة الخارجية السعودية على طلب للتعليق من مجلة “در شبيغل”. وفي الوقت نفسه، ذكرت شبكة “سي إن إن” أن الحكومة تعد بياناً جديداً يدعي أن خاشقجي توفي في استجواب خرج عن السيطرة.

لقد تسببت قضية خاشقجي في توتر العلاقات بين المملكة العربية السعودية والغرب. كما أنها تشكل تهديداً لموقف محمد بن سلمان، الذي يعمل على تعزيز سلطته منذ أن عينه والده الملك سلمان، ولياً للعهد في يونيو 2017.

علاوة على ذلك، صدَّعت هذه القضية رأس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أهم حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط. إذ يتمتع بعلاقات وثيقة مع الدولة، بعد أن أنهى العديد من الصفقات التجارية تقدر بالملايين مع المملكة العربية السعودية. وعلى أوروبا مرة أخرى أن تواجه السؤال حول كيف تريد الاقتراب من بلد يمنحها نفطها نفوذاً هائلاً في الاقتصاد العالمي، ولكنه يتجاهل حقوق الإنسان بشكل صارخ.

حتى وقت قريب، بدا الأمر وكأن محمد بن سلمان البالغ من العمر 33 عاماً، يمكنه فعل كل ما يريد. نجح الأمير في شن حرب مدمرة على اليمن واختطف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وفرض حصار على قطر وتعقب عشرات المعارضين في السعودية دون أي عواقب عليه أو على نظامه. ولكن قضية خاشقجي تمثل الآن نقطة تحول.

على تواصل جيد ومحترم

كان خاشقجي يبلغ من العمر تسعة وخمسون عاماً وقت اختفاءه وهو ليس أي شخص.  وهو ابن شقيق تاجر الأسلحة المتميز والملياردير عدنان خاشقجي وابن عم دودي الفايد الثاني، عاشق السيدة ديانا الراحلة.

كان محترماً كصحفي في جميع أنحاء العالم، وقد كتب لوسائل الإعلام السعودية والدولية، بما في ذلك در شبيغل. شغل مرتين منصب رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية وأُجبر على الفرار بسبب تقاريره المنتقدة. في بداية حياته المهنية، تعاطف مع المجاهدين في أفغانستان وزار أسامة بن لادن، الذي أصبح فيما بعد رئيس تنظيم القاعدة. وفي السنوات الأخيرة، تحول إلى الأفكار الليبرالية وانتقد التفسير الصارم للإسلاميين المتطرفين للإسلام.

كان خاشقجي رجلاً ضخماً – وممتهن لمهنة الحرف على نحو يكبر ثوبه الأبيض الذي يصل إلى الكاحل وكان غالبا ما يتم تفصيله بإحكام في المملكة العربية السعودية. كان قاسياً، نشطاً، متهوراً. في الأماكن التي كان يظهر فيها، يتوقف الناس ويطلبوا منه التوقيعات والتقاط الصور معه. وكان  خاشقجي يوافق دائما وكان يشعر بالراحة بين الناس وتحدث بلغة بسيطة وراقية ويبتسم. كان يستنكر شدة ونزوة النخبة في الرياض. كان مجنون بالنكت حول “مصارعة الثيران” في البيت الملكي في الرياض وهوس النساء في جدة بالأمور المتعلقة بالجمال، ولكن يظل هو الرجل الذي قدم المملكة العربية السعودية للعالم.

عدد قليل من الصحفيين الآخرين الذين يرتبطون بشبكة مراكز القوة في الرياض كما كان خاشقجي. كان يعلم الكثير عن التحالفات والمنافسة بين الأمراء – وعرف لفترة طويلة كيف يتحرك بأمان تحت حماية الرُعاة المتغيرين. أنشأ محطة تلفزيونية للأمير الوليد بن طلال، الذي يعتبر اليوم أغنى رجل في العالم العربي. والأهم من ذلك أنه خدم لفترة طويلة كمستشار ومقرب للأمير تركي الفيصل عندما ترأس الفيصل جهاز المخابرات.

كما رأى خاشقجي أن هناك فرصاً في نهضة محمد بن سلمان. كان يعتقد في البداية أن الأمير قد يقوم بتحديث البلاد، لكنه سرعان ما بدأ ينفر من سلالة بن سلمان الاستبدادية. وشجب في مقالاته، سياسات بن سلمان، لا سيما العملية العسكرية في اليمن والشراكة الوثيقة للمملكة العربية السعودية مع حكومة ترامب.

بعد أن تم اعتقال أصدقاءه وتم منعه من نشر قصص له في السعودية، هرب خاشقجي إلى الولايات المتحدة في الخريف الماضي. وكان مؤخراً قد قال لمجلة “در شبيغل”:  “منذ أن أصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد أخبر أصبح كان هناك انتقام فوري وسريع”. لكنه  دفع ثمن ثورته تلك. تقدمت زوجته بطلب الحصول على الطلاق وقطع أقاربه الاتصال معه. لكن خاشقجي رفض الصمت. وكتب في أحد أعماله لصحيفة واشنطن بوست “أستطيع أن أتكلم عندما لا يستطيع الكثيرون ذلك.”

يقال إن البيت الملكي مد يده مرة أخرى إليه خلال الصيف وأن الوسطاء قدموا عرضاً لخاشقجي ليعود إلى السعودية كمستشار لمحمد بن سلمان لكنه رفض.  فهل كان هذا القرار هو الذي ختم مصيره؟

“التخلص منه”

يقارن الكاتب البريطاني جون برادلي، وهو صديق قديم لخاشقجي في المملكة العربية السعودية، بين آل سعود والمافيا التي تفرض قوانينها الخاصة ولا تعترف بشيء غير ذلك. ويقول إن خاشقجي كان مرتبطًا بالعائلة المالكة لسنوات وكان جزءاً من النظام. ولكن من المعروف أن المافيا لا توقع سوى عقود مدى الحياة، كما يقول برادلي. ولا يُسمح للناس بالانقطاع عنها فجأة. ويقول إن حالة خاشقجي كانت في نهاية المطاف حالة الرجل الذي حاول ترك المافيا، وبالتالي “تم التخلص منه”.

أثار اختفاء خاشقجي الذعر في جميع أنحاء العالم. وفي بيان مشترك يوم الأربعاء، دعت مجموعة الدول الصناعية السبع إلى “تحقيق شامل وموثوق وشفاف وسريع” من قبل الحكومة السعودية. وأرسل ترامب بسرعة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى الرياض وتركيا هذا الأسبوع. يقول علي صوفان، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، إن الأضرار السياسية “ستكون كبيرة”.

كان محمد بن سلمان قد دعا نخبة العالم المالي العالمي إلى مؤتمر كبير يُعقد في الرياض الأسبوع المقبل أطلق عليه اسم “دافوس في الصحراء”، لكن مدير صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد، ورؤساء البنوك الرئيسية HSBC ، ستاندرد تشارترد وكريدي سويس وغيرهم من رجال الأعمال ألغوا مشاركتهم في المؤتمر. كما أعلن وزراء المالية في فرنسا وبريطانيا أنهم لن يشاركوا كما فعل وزير الخزانة الأمريكي.

حتى الآن، لم يظهر أي دليل قاطع يتعلق بالجريمة المروعة في القنصلية. وحتى مساء يوم الخميس، لم تكن الحكومة التركية قد قدمت أي مادة مزعومة من القنصلية العامة، بعد أن سربت تفاصيل فردية حول القضية. من المحتمل أن تكون الحكومة التركية قد انتقدت القنصلية سرا، مما مكنها من الحصول على التسجيلات الصوتية المزعومة في المقام الأول. إن الإعلان عن التسجيلات سيكون مساويا للاعتراف بأن أنقرة قد استهانت بالتقاليد الدبلوماسية. ومع ذلك، فإن الأدلة الظرفية التي تشير إلى القتل تتصاعد.

استرجاع الجريمة

بدأت قصة خاشقجي يوم الجمعة ، 28 سبتمبر، عندما زار الصحفي القنصلية السعودية للمرة الأولى لأخذ بعض الوثائق. تلقى ترحيبا حارا وقيل له أنه يجب عليه العودة في الأسبوع التالي وأن الأوراق ستكون جاهزة له في ذلك الوقت. ثم اتصل به موظف قنصلي في عطلة نهاية الأسبوع لتحديد موعد يوم الثلاثاء ، 2 أكتوبر.

تقع القنصلية السعودية في حي ليفنت التجاري في شمال اسطنبول، وهو مبنى بسيط يحمل القليل من التشابه مع أنواع القصور التي تبنيها المملكة العربية السعودية في مدن أخرى. تنمو الأشجار في الفناء ويرتفع صف الأبراح إلى السماء في الخلفية.

سجلت كاميرات المراقبة التي تديرها السلطات التركية خاشقجي لدى دخوله القنصلية الساعة 1:14 بعد الظهر. في الثاني من أكتوبر، كان يعلم أنه يخاطر بالذهاب إلى هناك، لكنه لم يعتقد أنها كانت مخاطرة كبيرة. تحدث خاشقجي علانية مع معارفه حول مخاوفه من تعرضه للخطف.

لم تسجل وكالات الاستخبارات الأمريكية إلا حديثاً في محادثة كان يناقش فيها المسؤولون السعوديون اختطاف الصحفي بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان. لكن خاشقجي شعر بأمان في اسطنبول، لأنه كان صديقاً للرئيس رجب طيب أردوغان. وكان قد أخبر صديقا تركيا أن محمد بن سلمان سوف يخجل بالتأكيد من الاشتباك مع الرئيس التركي.

لقد تحولت اسطنبول إلى نقطة جذب للمعارضين الذين يفرون من العالم العربي. متمردو الجيش السوري الحر موجودون في المدينة كما يتواجد معارضو الطغمة العسكرية في مصر، ووزراء سابقون في الحكومة من اليمن ونواب سابقون من الكويت. يقول أيمن نور، وهو سياسي مصري معارض ومستشار سابق للرئيس السابق والإخونجي محمد مرسي: “اسطنبول هي البلد المتبقي للربيع العربي”. نور يعيش أيضا في المنفى في اسطنبول.

رحب خاشقجي بالربيع العربي. وفي عمود له في صحيفة “واشنطن بوست”  دافع عن جماعة الإخوان المسلمين. وكتب يقول “القضاء على جماعة الاخوان المسلمين لا يقل عن القضاء على الديمقراطية وضمان استمرار العرب في العيش في ظل أنظمة استبدادية وفاسدة.” كما وقف ضد ولي العهد محمد بن سلمان، الذي ينظر إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنهم تهديد ويعمل مع مصر والإمارات العربية المتحدة لشن حملة من أجل أن يصنف الأوروبيين والأميركيين الحركة كجماعة إرهابية.

وفقا لتقرير في موقع “ذا ديلي بيست” الإخباري الأمريكي، كان خاشقجي قد خطط لإنشاء مجموعة ضغط لتوحيد أبطال الربيع العربي المنتشر حول العالم. وفي اسطنبول، كان يعقد الاجتماعات بصورة منتظمة مع مستشار مرسي نور، وهو صديق له منذ فترة طويلة. كما ورد أن خاشقجي كان ينوي الانضمام إلى محطة الشرق التلفزيونية العربية، التي تربطها علاقات وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين. كل هذه يمكن أن تكون عوامل وراء وفاته.

في مايو، التقى خاشقجي بطالبة الدكتوراه التركية هاتيس جنجيز في مؤتمر. ومنذ ذلك الوقت، بدأ في التنقل بين ماكلين، فيرجينيا، حيث كان مقيماً منذ عام 2017  واسطنبول. اشترى شقة في المدينة، التي قام بتأثيثها مع جنكيز. وكان الاثنان يعتزمان الزواج في الثالث من اكتوبر.

وبموجب القانون التركي، يجب على الأزواج إثبات أنهم غير متزوجين بالفعل في أي مكان آخر بوثائق من بلدهم الأصلي قبل أن يتمكنوا من الزواج. هذا هو السبب في تحول خاشقجي إلى القنصلية السعودية في اسطنبول. وقد أكد المخبرون القريبون من دائرة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أنه ليس لديه ما يخشاه، كما يقول توران كيسلسيكي، رئيس جمعية الإعلام العربية التركية وصديق خاشقجي.

ومع ذلك، ترك خاشقجي هاتفيه مع خطيبته قبل دخول القنصلية في ذلك اليوم. انتظرته خارج الباب. كانت جنكيز من معارف ياسين أكتاي، مستشار أردوغان وكان الزوجان صديقين له، ويلجئان له في حالة الطوارئ.

وفقا لبيانات أدلى بها المحققون، كان خبير الطب الشرعي طوبقي وفريق الموت المشتبه به من الرياض في انتظار خاشقجي في القنصلية. هاجمه القتلة فور دخوله المبنى. نقلا عن نسخ التسجيلات الصوتية غير المشروعة، تقول المصادر التركية إن القنصل السعودي محمد العتيبي عارض ذلك.

ونقلت الشرطة التركية عن الدبلوماسي قوله “افعلوا ذلك في الخارج. ستضعوني في مأزق.” وقال أحد القتلة: “إذا كنت تريد أن تعيش عندما تعود إلى الجزيرة العربية، فلتصمت”. كان الموظفون المحليون الأتراك في القنصلية قد أُعطوا ذلك اليوم إجازة قصيرة.

وفقا لتصريحات أدلى بها مسؤولون أتراك، غادر الرجال القنصلية في ست سيارات في الساعة 3:08 مساء. شقت سيارتان أخريان طريقهما إلى مقر القنصل العام ، الذي يقع على بعد 200 متر (650 قدم) من القنصلية. كانت إحدى السيارتين، كما يشتبه المحققون، تحتوى على جسد خاشقجى الممزق.

في هذه اللحظات، كانت هاتيس جنجيز لا تزال تنتظر خطيبها. سألت أحد حراس الأمن عند المدخل عنه. أجاب الرجل: “لا يوجد أحد هنا”.

وعندما لم يعاود خاشقجي الظهور حتى منتصف الليل، أخبرت أكتاي ، مستشار أردوغان وكذلك بلغت الشرطة. وقالت لـ “در شبيغل” عبر الهاتف هذا الأسبوع: “أنا أعيش في وقت صعب ومؤلم. أنا لم أعد أشعر بأنني على قيد الحياة.”

استغرق الأمر بعض الوقت إلى أن أصبحت التفاصيل قضية رأي عام. في البداية ، كانت هناك تكهنات بأن خاشقجي قد تم اختطافه. لم يكن هو الصحفي الأول الذي اختفى على يد محمد بن سلمان. فوفقاً لمنظمة مراسلون بلا حدود، اختفى ما لا يقل عن 15 صحفياً ومدوناً منذ سبتمبر 2017. وكثيراً ما كان لا يتم الإعلان عن اختفاءهم إلا بعد أشهر.

الضغط يزداد على الأمير السعودي

يوم السبت، 6 أكتوبر، ذكرت وكالة رويترز أن الشرطة التركية كانت تفترض أن خاشقجي قد قتل في القنصلية. وأكد أكتاي هذه الشكوك بشكل غير مباشر بالقول بأن محققو الحكومة التركية لديهم “معرفة واسعة النطاق”.

وكان أردوغان قد وجه سلطاته بتزويد وسائل الإعلام يوميا تقريبا بمعلومات جديدة، دون أن يتحدث بنفسه عن أي عمق حول التحقيق. يبدو أنه تبنى هذا النهج في محاولة للحصول على دعم من الغرب. وقال المستشار الرئاسي “أكتاي” لـ “در شبيغل”: “لقد حولت المعلومات الحادثة إلى قضية دولية”.

لقد كانت العلاقة بين تركيا والسعودية متوترة بالفعل قبل اختفاء الصحفي، حيث يقاتل كلاهما من أجل بسط النفوذ في الشرق الأوسط. أنقرة تدعم الإخوان المسلمين، التي تصنف على أنها جماعة إرهابية من قبل الرياض. وأثناء النزاع بين السعودية وقطر، انحاز أردوغان إلى الإمارة. ووصف محمد بن سلمان تركيا بأنها جزء من “مثلث الشر”.

في الوقت نفسه، يحب أردوغان تصوير نفسه على أنه شفيع المسلمين الأتقياء. يجب أن يثير اغتيال خاشقجي المشكوك فيه غضبه، لأن ذلك يظهره ضعيفا ولا يستطيع ضمان سلامة الناس في بلده. ويشك المراقبون في أن أردوغان يريد الآن إجبار المملكة العربية السعودية على تقديم تنازلات جيوسياسية في المنطقة – فيما يتعلق بصراع قطر على سبيل المثال.

ومن المحتمل أيضا أن تطلب أنقرة أموالاً من الرياض  لدعم الاقتصاد التركي المُدمر. يقول أحد السياسيين في الحكومة التركية: “يمكننا أن نعرض على محمد بن سلمان مخرجاً من هذه القضية أو أن نمارس المزيد من الضغط عليه في شكل إفادات إضافية. السؤال هو، بكم يقدر الأمر ثمن سمعته؟”

عواقب وخيمة

إذا كانت التسجيلات الصوتية موجودة بالفعل – وهناك الكثير مما يشير إلى أنها موجودة – فستكون هذه هي ورقة مساومة أردوغان. فالتسجيلات، يمكنه أن يمرغ أنف السعوديين في العالم العربي. إن من شأن بث جريمة القتل المرتكبة صوتيا عبر العالم سيكون له عواقب مدمرة.

حتى الآن، يبدو أن استراتيجية الحكومة التركية هذه تؤتي مفعولها. المملكة العربية السعودية سمحت لوفد تركي بتفقد القنصلية مساء الاثنين. ولكن قبل ساعات قليلة من التفتيش، وصل طاقم التنظيف مع المماسح. قام العمال بتنظيف مسرح الجريمة المزعوم.

كما جاء عُمال لطلاء الغرف. من المحتمل أن الطبيقي قد كان سريعا، على افتراض أنه كان متورطاً، لكنه لم يفعل عملا نظيفاً للغاية. فجسم الشخص البالغ يحتوي من خمسة إلى ستة لترات من الدم، وكان لدى الطبيقي منشاراً، لكن دون وجود أي طاولة تشريح.

خلال ساعات الصباح الأولى يوم الخميس، قام المحققون الأتراك أيضا بتفتيش مقر إقامة القنصل العام. كانت هناك شكوك بأن القتلة ربما دفنوا جثة خاشقجي الممزقة في الفناء. ولكن مساء الخميس، كان من الممكن أيضا أن يكون الرجال من الرياض قد دفنوا خاشقجي في غابة في اسطنبول.

اقترح أردوغان نفسه أن “المواد السامة” قد تكون موجودة في القنصلية. في هذه الأثناء، غادر القنصل العام تركيا مع عائلته. حيث سيكون استجواب محمد بن سلمان له أفضل من استجواب الأتراك.

لقد أدركت الحكومة السعودية على ما يبدو أنها لن تتمكن من التوصل لشيء بزعمها أن خاشقجي قد غادر القنصلية بعد بضع ساعات. وقد أمر الملك سلمان بإجراء تحقيق داخلي. وتشير تقارير إعلامية إلى أنه يفكر في نقل المسؤولية عن القتل إلى مسؤولين أقل رتبة لإبعاد ابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من خط النار.

في الرياض، تقول المصادر إن الجنرال أحمد العسيري، مستشار ولي العهد ونائب رئيس جهاز المخابرات، يمكن أن يتم تحويله إلى كبش فداء. ومن المحتمل أيضًا أن يقوم الملك بنقل مسؤوليات السياسة الخارجية والأمنية إلى خالد شقيق سلمان، الذي يشغل حالياً منصب السفير السعودي في واشنطن. ومهما كان الحال، فقد تم استدعاؤه إلى الرياض عندما تكشفت قضية خاشقجي.

كان كثير من الناس في الغرب متفائلين بمحمد بن سلمان.  وكان يصور نفسه على أنه مصلح منذ توليه السلطة عن والده. فقد حد من سلطات الشرطة الدينية، التي طالما عارضت وضع النساء الماكياج أو السفر بمفردهن وكانت تعاقبهن أو تسلمهن إلى أزواجهن أو آبائهن. ورفع الحظر المفروض على الحفلات الموسيقية والسينما في المملكة العربية السعودية. ومنذ يونيو ، سُمح للنساء بقيادة السيارات.

زيادة القمع

في الوقت نفسه، ازداد القمع ضد المنتقدين في ظل قيادة محمد بن سلمان في الخريف الماضي، حيث اعتقل النظام آلاف المعارضين ويواجه بعضهم عقوبة الإعدام. وفي أغسطس ردت المملكة بغضب على تغريدة في تويترعن سجلها في مجال حقوق الإنسان لوزارة الخارجية الكندية، وقامت بطرد السفير الكندي وألغت الرحلات الجوية إلى تورنتو من قبل شركة الطيران السعودية وأجبرت حوالي 8300 طالب سعودي يدرسون في كندا على مواصلة دراستهم في مكان آخر.

وقالت لولوا الرشيد، المديرة المشاركة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، لمجلة “در شبيغل”: “يتصرف محمد بن سلمان كطفل مدلل امتلك فجأة صلاحيات الدكتاتور”. وتنحدر الرشيد نفسها من أحد فروع العائلة المالكة السعودية. عندما كانت طفلة، لعبت مع الأمير، وهي الآن تعيش في المنفى في بيروت وباريس. وتقول: على المرء أن يفهم كيف نشأ محمد بن سلمان. وهي تشير إلى أنه على عكس إخوانه، لم يدرس أبداً خارج البلاد.

وتؤكد أن ولي العهد ينتهك أيضا التصور الذاتي للحكام السعوديين. تقول الرشيد: “لم يخش أحد من الملوك. لم تكن الوحشية علامتهم التجارية. ويريد محمد بن سلمان أن تغير ذلك. إنه يريد أن يُخيف الناس، مثلما فعل صدام حسين في العراق.”. وتقول إنه انتزع السطلة   من الوزراء وحكام المقاطعات من النخبة القديمة ووظف حاشية من الرتبتين الثانية والثالثة. لم يعد هناك أي تصحيح يمكن أن يعيقه.”

ومثل العديد من الخبراء، تعتقد رشيد أنه من غير المرجح أن تتم العملية السرية المزعومة في اسطنبول دون علم محمد بن سلمان – أو حتى أنها تمت بدون إرادته.

يسأل المحقق التركي: “لماذا أرسل السعوديون مسؤولين – بمن فيهم طبيب شرعي – إلى اسطنبول إذا كانوا يريدون فقط استجواب خاشقجي؟ كيف يمكن أن يقتلوا خاشقجي في غضون ساعتين ويتخلصون من جسده إذا لم يكونوا قد خططوا لذلك؟”

ونشرت صحيفة “صباح” التركية، التي تعتبر قريبة من الحكومة، وكثيراً ما كانت لديها مصادر جيدة من شخصيات ذات رتب رفيعة، قائمة بأسماء وصور 15 رجلاً وصلوا إلى اسطنبول من الرياض في 2 أكتوبر. وبصرف النظر عن الطبيقي، الطبيب الشرعي ، هناك 11 منهم رصدت اتصالاتهم مع جهاز الأمن السعودي. والأهم من ذلك أن العديد منهم ينتمون إلى دوائر قريبة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وهذا يجعل من المستحيل تقريباً إخراجه من خط النار.

رجال الأمير

يتألف فريق الموت المزعوم من حراس أمن أصغر سناً من الأمير ولي العهد. وقد تم وضع ضباط أمن أقدم معهم، ويعتقد أن اثنين منهم عملوا مباشرة في مكتب ولي العهد، ورافق أحدهم ولي العهد في رحلة إلى الخارج هذا العام.

وكان الشخص الرابع في قائمة “صباح”، وهو محترف يدعى محمد سعد الزهراني، من بين الحراس الشخصيين. كان على مرأى من التلفزيون السعودي في أبريل خلال استقبال زعماء القبائل اليمنية على بعد أمتار قليلة من محمد بن سلمان، وهو قد يكون أحد أفراد الحراسة الشخصية. وثائر غالب الحربي، رقم 10 في القائمة ، يمكن رؤيته يقف خلفه مباشرة. منذ عام مضى، قام محمد بن سلمان بترقيته إلى رتبة ملازم شكراً لشجاعته في الدفاع عن قصر ولي العهد في جدة ضد المهاجمين.

ووفقًا لتقرير صحيفة واشنطن بوست، فإن الشخص السادس في القائمة، خالد العتيبي، هو أيضًا عضو في الحرس الشخصي الملكي. وقد حددت صحيفة نيويورك تايمز رقم 7، عبد العزيز محمد الحوساوي كواحد من حراس سمو ولي العهد المرافقين له أثناء الرحلات. رقم 8، وليد عبد الله الشهري هو عضو في سلاح الجو السعودي، وقد تمت ترقيته شخصياً إلى رائد من قبل محمد بن سلمان في عام 2017.

كبار المسؤولين الأمنيين الذين سافروا من الرياض إلى اسطنبول هم ماهر عبد العزيز مطرب، الذي تم اعتماده كدبلوماسي سعودي في لندن حتى عام 2007. ومن المؤكد أن غانم الدوسري، وهو معارض سعودي يعيش في لندن، على يقين بأن مطرب يعمل في لندن لصالح الخدمة السرية السعودية. . رافق مطرب محمد بن سلمان إلى أوروبا والولايات المتحدة هذا العام. وقد يكون الآن هو مسؤول الأمن الشخصي لولي العهد.

يوم الخميس، نشرت صحيفة “صباح” اليومية التركية صوراً يُزعم أنها تُظهِر مُطرب أمام القنصلية ومقر إقامة القنصل العام.

لم يتم بعد تحديد الأسماء المتبقية في قائمة “صباح” بشكل واضح. يفترض فريق من الباحثين الدوليين الذين يستخدمون المصادر المتاحة للجمهور أنهم أعضاء في المخابرات السعودية. من المفترض أن اثنين منهم يقدمان تقارير مباشرة إلى ولي العهد. وعلى مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، على الأقل، هناك أدلة تربطهم مباشرة بمكتب محمد بن سلمان – واحد كعضو في جهاز المخابرات وآخر كرئيس هيئة الأركان لولي العهد.

حتى قبل أيام قليلة، كان لدى معظم أعضاء فرقة القتل المشتبه بهم حسابات على الفيسبوك. إجمالا كان تسعة أعضاء في الفريق الشخصي. ووصفوا أنفسهم بفخر أنفسهم كأعضاء في الجيش. من المستحيل إثبات أن هذه الصفحات الشخصية هي حقاً للأشخاص الذين يتم البحث عنهم ، ولكن تم حذفهم جميعاً الآن. وهذا أمر غريب بعض الشيء.

مهما فعل هؤلاء الذين زُعم بأنهم سُياح في اسطنبول، فهم رجال الأمير. تبث الرياض شائعات عن مقتل خاشقجي على أنها مؤامرة ضد المملكة السعودية. قناة العربية بثت برنامجاً خاصاً مدته 40 دقيقة بعنوان “ما علاقة قطر باختفاء خاشقجي؟” إن علامة هاوتاغ على تويتر “تغرد بحبك للمملكة العربية السعودية” كانت تتجه أيضًا. قام المستخدمون بتدوين صور ولي العهد والعلم الوطني والجمل مثل: “نحن فخورون ، لا نحتاج إلى أحد. لكن العالم كله يحتاج إلينا”.

خارج البلاد  يتقدم المشتبه بهم المعتادون إلى الآن في دعم المملكة العربية السعودية: الإمارات العربية المتحدة ومصر. وزير الخارجية الإماراتي ، أنور قرقاش ، تحدث عن “حملة خبيثة”. في غضون ذلك ، واشتكت وزارة الخارجية المصرية من محاولات “معالجة القضية سياسياً ضد السعودية”. ومن غير الواضح ما إذا كان حلفاء السعودية العرب قد تم إبلاغهم باختفاء خاشقجي. من الجدير بالذكر أن الطائرات السعودية لم تتوجه مباشرة إلى الرياض، ولكنها اتخذت الطرق الملتفة الليلية – واحدة إلى القاهرة والأخرى إلى دبي – وكأن شيئا ما يجب تفسيره لأجهزة المخابرات هناك.

تحفظ في أوروبا

امتنع الأوروبيون حتى الآن عن إبداء تعليقاتهم. على الرغم من أن كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا قد دعت إلى “تحقيقات ذات مصداقية” من قبل الرياض في بيان مشترك، إلا أنها لا تريد أن تتحدث عن النتائج حتى تقدم الحكومة السعودية، كما وعدت، تفسيراً للحادث.

بالنسبة للحكومة الألمانية، تأتي قضية خاشقجي في أكثر الأوقات غير المناسبة. فقبل شهر واحد فقط على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن وزير الخارجية هيكو ماس، إلى جانب نظيره السعودي عادل الجبير، على عودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية. وقال ماس إنه يأسف على “سوء التفاهم” الذي ظهر بسبب سلفه سيغمار غابرييل.

وكان غابرييل قد اتهم محمد بن سلمان  بـقيامه بـ “مغامرات في السياسة الخارجية”، لأنه أحتجز رئيس الوزراء اللبناني الحريري في الرياض لعدة أيام من أجل إقناعه باتخاذ موقف نقدي من إيران. ردا على ذلك، استدعت السعودية مؤقتا سفيرها من برلين، مما شكل عبئا على العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

عندما تولى ماس رئاسة وزارة الخارجية، دفعت شركات مثل سيمنز ودايملر، من بين شركات أخرى، إلى إصلاح العلاقة بين البلدين. عمل ماس بشكل محموم في المصالحة. ودافع، من بين جملة  أمور، عن تسليم قوارب دورية ونظام رادار إلى المملكة. إن بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية مثير للجدل بشكل عام في البرلمان الألماني، البوندستاغ، ولكنه بات مثيرا للجدل على نحو خاص منذ أن بدأت المملكة العربية السعودية بقصف اليمن.

ألغى ماس الآن اجتماعاً كان مخططاً له مع محمد بن سلمان في الرياض في أكتوبر. إذا ما كبر الشك في أن النظام السعودي قد أمر بقتل خاشقجي، فإن برلين ستواجه المزيد من الضغوط لفرض عقوبات على الرياض. يقول السياسي سيغمار غابرييل: “إن القتل المرتكب بدوافع سياسية سيكون أكثر من مجرد المغامرة. هذه الأنواع من أعمال العنف شيء نعرفه نحن ألألمان من الأيام الحالكة للحرب الباردة. لا يمكن للغرب، ولا سيما أوروبا، أن ينظروا إلى الطريق الآخر خوفاً من التهديدات السياسية أو الاقتصادية”.

“سيئ، عمل سيئ”

في نهاية المطاف، فإن مسألة ما إذا كان محمد بن سلمان سيخرج بشكل أو بآخر من حادثة القتل المشتبه بها تعتمد بشكل كبير على رد الولايات المتحدة. حتى الآن، رد ترامب بشكل غير متوقع على قضية خاشقجي. وهدد الرياض “بعقوبة شديدة” في مقابلة مع شبكة “سي بي إس” الإخبارية، إلا أنه توصل لاحقاً إلى اتفاق مع الرواية السعودية للحادث، قائلاً إن “قتلة مارقين” غير معروفين قد يكونون مسؤولين عن اختفاء خاشقجي. وفي يوم الخميس، اعترف أن خاشقجي يبدو فعلا قد مات وأن الأمر برمته يعد “سيئا، عمل سيئ”.

ويرى ترامب أن محمد بن سلمان شريك يمكنه مساعدة الولايات المتحدة في حل بعض المشاكل الأكثر إلحاحاً في المنطقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بإيران. ويتفق هذا النهج مع وجهة نظر ترامب المتمثلة بـ “إما صديق أو عدو” للعالم، فمحمد بن سلمان في نظره شخص جيد وطهران سيئة. يعلق ترامب آمالا عريضة على أن محمد بن سلمان سيجعل السلام في الشرق الأوسط أمرا ممكنا، ويضمن النفط الرخيص، ويستثمر مليارات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، ويشتري الدبابات والطائرات الحربية الأمريكية. وسيكون حليفًا موثوقًا به في الصراع مع إيران.

في المقابل، عزم ترامب على ضمان أمن السعودية، وتكثيف الصراع مع إيران ، وتجاهل الحرب الدموية في اليمن، البلد المجاور للسعودية.

إن نعومة ترامب مع الحكام المستبدين معروفة جيدا. فهو يُكن احتراما كبيرا  للحاكم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورودريغو دوتيرتي من الفلبين. وعندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية، تتوافق ميول ترامب التجارية مع الحاجة السياسية. يعرف ترامب من تعاملاته التجارية السابقة فقط مدى ثراء العائلة المالكة السعودية. ويمكن أن تصبح تلك العلاقات التجارية السابقة مشكلة بالنسبة له على المسرح الدولي.

في مناسبتين منفصلتين على الأقل، أنقذته استثمارات من المملكة العربية السعودية عندما كان في حاجة ماسة إلى المال. ففي عام 1991، اشترى الأمير السعودي الوليد بن طلال اليخت ترامب برنسيس. وفي عام 1995، قام بن طلال بشراء يخت آخر من ترامب، هذه المرة فندق بلازا في نيويورك بمبلغ 325 مليون دولار. وسيحصل على كثير من المال من السعوديين في العام التالي: فطابق واحد من برج ترامب العالمي أصبح للسعوديين. وخلال حملته الرئاسية، قال ترامب: “المملكة العربية السعودية! أنا  ألتقي بهم جميعاً. إنهم يشترون شققاً مني. إنهم ينفقون 40 مليون دولار ، 50 مليون دولار. هل ينبغي أن أكرههم؟ أنا أحبهم كثيراً”.

بمجرد أن أصبح ترامب رئيسا، انقلبت الأدوار. وأخذت البعثات السعودية تؤمن جني فوائد القرب من البيت الأبيض. كان تركيزهم الأساسي هو القانون المتعلق بالهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 ، وهو قانون تعتبره الرياض أمراً مرفوضاً.

كارثة سياسية

أقر الكونغرس في  سبتمبر 2016 قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” بسبب الفيتو الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما. إنه يجعل من الممكن للمصابين أو أفراد عائلات الذين قتلوا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر مقاضاة المملكة العربية السعودية – وهي كارثة قضائية ودبلوماسية وسياسية من وجهة نظر المملكة العربية السعودية. يدعي محامو المدعين أن موظفي الحكومة السعودية ساعدوا إرهابيي القاعدة المتورطين في الهجوم. ومع ذلك، فإن الرياض نفت باستمرار كل هذه الاتهامات. وفي ربيع هذا العام، أصدر قاضٍ في نيويورك حكماً يسمح بتطبيق الدعاوى القضائية ضد المملكة العربية السعودية.

منذ البداية، ركزت استراتيجية بيت آل سعود على إلغاء القانون. لقد شاركوا في جماعات الضغط في هذه الجهود، إلى جانب شركة للمحاماة في واشنطن العاصمة، وأنفقوا الملايين في سبيل ذلك. ومع ذلك، تأمل العائلة المالكة أكثر من أي شيء آخر في أن تثبت علاقتها مع الرئيس وأسرته فهي مفيدة  وخاصة العلاقة مع صهر ترامب جاريد كوشنر.

كوشنر هو واحد من مستخدمي شبكة ترامب في الشرق الأوسط. منذ انتخاب ترامب، أصبح أقرب إلى محمد بن سلمان ويجري اتصالات مع الرياض باستمرار وقد حدث بعضها دون علم وزارة الخارجية الأمريكية.

كوشنر ومحمد بن سلمان لديهما الكثير من القواسم المشتركة. هم تقريبا بنفس العمر، وهما الاثنان ولدا والملعقة الفضية في فاههما ومرتاحين بما يملكان من ثروة وقوة. كلاهما طموح سياسيا، وينتميان إلى جيل من رجال الأعمال وصانعي القرار الشباب الذين يشعرون بأنهما في وطنهما، في عالم التكنولوجيا. خلال زيارة قام بها كوشنر إلى الرياض في أكتوبر 017 2، من المفترض أنهما ظلوا حتى الساعة الرابعة فجراً يتبادلان الأفكار. اختارت شبكة “سي إن إن” الإخبارية “قصة أمراء” العنوان الرئيسي لتعليق مارس على علاقتهما.

‘في جيبه’

ينصب تركيز كوشنر على تعزيز قضية السلام في الشرق الأوسط بينما يقيم محمد بن سلمان علاقات مع مستثمرين أمريكيين يمكن أن يدعموا رؤيته لإصلاح المملكة العربية السعودية التي لا تعتمد على النفط. لكن الأمير السعودي قد يكون له اليد العليا في العلاقة: يقال إن بن سلمان أخبر المقربين بأنه يملك كوشنر “في جيبه”.

ولكن قضية خاشقجي هزت الثقة بين الاثنين. ولا يزال والد زوج كوشنر يكرس نفسه للحفاظ على المملكة العربية السعودية كشريك، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى المال، وعقود الأسلحة التي تبلغ قيمتها مليار دولار، كما أكد مراراً وتكراراً. لكن العديد من الجمهوريين البارزين عبروا عن مخاوفهم علانية. لقد ذهب السيناتور ليندسي غراهام، وهو حليف بارز من ذوي النفوذ، إلى حد المطالبة بعقوبات بعيدة المدى. وقال نائب الرئيس مايك بنس إنه يجب تقديم الجناة إلى العدالة.

إذا أُجبر الرئيس الأمريكي على التراجع عن المملكة العربية السعودية، فسوف يكون ذلك في الأساس علامة على فشل سياسته الشرق أوسطية بأكملها حتى الآن. إنه يحتاج إلى الملك ويحتاج إلى ولي العهد أكثر. وقد شدد يوم الثلاثاء، على المعيار القانوني المتهم بريء حتى تثبت إدانته. في محاولة له على الأرجح لتضييع الوقت على أمل أن تتلاشى العاصفة الحالية. نصح وزير الخارجية بومبيو ترامب بمنح آل سعود بضعة أيام أخرى لتقديم نتائج التحقيق. بالنسبة  لترامب، من المفيد ، مع اقتراب انتخابات منتصف المدة، ألا يكون الكونجرس في طور الإعداد. وهذا يعني أنه حتى في حالة النظر في العقوبات، فإنها لن تأتي بسرعة.

الآن، يتبقى أن نرى كيف ستكون القصة القادمة للمملكة العربية السعودية. أما سُياح مع مناشير العظام؟ هذه قصة لا يمكن أن تنطلي على أحد في الغرب.