معونة ترامب لتنظيم القاعدة في اليمن
معونة ترامب لتنظيم القاعدة في اليمن
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية مع تنظيم القاعدة فرع اليمن، إما بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق الوسيط الإماراتي.
بقلم: جان بيير فيليو*
باريس، 20 أكتوبر, 2018( مدونة صحيفة “”le monde الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش, سبأ)
أمر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” فور وصوله إلى البيت الأبيض، بشن غارة عنيفة ضد معاقل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية فرع اليمن, فقد كانت هذه الغارة هي الاعنف منذ أن تسلم “ايمن الظواهري” زمام الامور بعد مقتل زعيم التنظيم “أسامة بن لادن” في العام 2011.
كان العام 2017 شاهداً على اول عملية تدخل بري لقوات الكوماندوز الأمريكية على الأراضي اليمنية وبالتحديد في 29 يناير, جنبا إلى جنب مع القوات الخاصة التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
أجرت القوات الأمريكية ما يقرب من 40 غارة جوية ضد أهداف تابعة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في الفترة ما بين 2 إلى 6 مارس 2017 ، مقارنة بعدد الغارات التي استهدفت معاقل التنظيم في ظل إدارة الرئيس السابق “بارك أوباما” في العام 2016, والتي بلغت 30 غارة.
ترى الولايات المتحدة الأمريكية في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية بأنه الأخطر, وذلك لتبرير هذا الالتزام العسكري.
ومع ذلك، تم التأكيد على أن واشنطن على دراية كاملة بمشاركة تنظيم القاعدة في التحالف العربي في اليمن والمدعوم من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في حين أن واشنطن على دراية بتقديم تلك الدول الدعم لذلك التنظيم.
كان هذا نتيجة التحقيق الشامل الذي أجرته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، والذي لم يعلق عليه أي مسؤول أمريكي.
أعداء أعدائي:
قرر الرئيس الأمريكي ” ترامب” موصلة ما بدء به سلفه ولكن بوتيرة أعلى للهجوم الذي بدء أولى عملياته العسكرية في اليمن اواخر مارس من العام 2015, على يد الرجلان القويان: محمد بن سلمان ولي العهد السعودي, ومحمد بن زايد ولي عهد دولة الإمارات
جاء قرار تشكيل التحالف العربي لاستعادة سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي اضطره مسلحي جماعة الحوثي الموالين لإيران للهروب من العاصمة صنعاء.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المهمة شاقة جداً، في حين يدفع السكان المدنيين تكلفتها الباهظة.
وفي خضم هذه الصراع, ترى الجهات المنخرطة فيه إعطاء الأولوية لمحاربة الحوثيين، الذين تصفهم الدعاية الجهادية بأنهم “زنادقة” بسبب ارتباطهم بالشيعية، في حين احتل تنظيم القاعدة المركز الثاني في حيثيات هذا الصراع، خصوصاً بعد أن تمكن تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف بتنظيم داعش من إيجاد موضع قدم له في اليمن, مما جعل تنظيم القاعدة يبدو وكأنه “أهون الشرين”.
يضم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في طياته ما بين 6000 إلى 8000 مقاتل، فهذا العدد يمثل قوة كبيرة في الصراع اليمني.
يعد المقاتلون الجهاديون ذو المهارات القتالية العالية والمنضبطون في جبهات القتال كخيار دعم وتعزيز لبعض قيادات الممالك في المنطقة كالسعودية والامارات المدعومتين من قبل الولايات المتحدة.
سطر هذا الدعم بشكل علني في يناير من العام 2017، خلال الهجوم الناجح والذي استهدف ميناء مدينة المخاء المطل على البحر الأحمر.
كما يترجم هذا الدعم أيضا بشكل كبير في مدينة تعز التي اصبحت ساحة للقتال الشرس, والتي آل فيها الصراع في نهاية المطاف لصالح الرئيس هادي, حيث استعان الاخير بأحد القادة السلفيين والمقربين من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والذي تمكن من الهروب من أحدى سجون مدينة عدن الجنوبية في العام 2008, والأخطر من ذلك هو التعاون بين الزعيم السلفي “أبو العباس” الذي يتمتع بقوة كبيرة جداً في تعز وبين مقاتلي تنظيم القاعدة.
كان هذا التواطؤ للإدارة الأمريكية والرياض هو الذي أدى في أكتوبر من العام 2017, إلى إدراج “عادل عبده فاري” والمكنى “أبو العباس” ضمن “القائمة السوداء” للإرهابيين المطلوبين.
لم يغير هذا الاجراء من النهج الذي ينتهجه “أبو العباس” في تعز، ولا من ارتباطه بتنظيم القاعدة, لدرجة أن دولة الإمارات ضمنت له استمرارية تقديم الدعم العسكري والمالي له.
اللعبة المضطربة من أبو ظبي:
في الحقيقة، إن دولة الامارات هي القوة المهيمنة للتحالف العربي على أرض الواقع, في حين غاب الدور السعودي، بينما اقتصر الدور الأميركي بالقيام بعمليات خاطفة من حين لآخر.
فقد تمكن محمد بن زايد من استثمار الصراع في اليمن لشخصه واضعا نصب عينيه ما فيه مصلحة الاماراتيين,
إذ يتكون الجيش في هذا الصراع 6٪ من المدنيين في تلك المناطق، وهو العمود الرئيسي للهوية الوطنية بين الإمارات السبع “الموحدة” في الاتحاد، في حين لحقت باليمن خسائر فادحة ومستمرة يدفع ثمنها الدم اليمني.
هذه الخسائر غير المسبوقة أقنعت محمد بن زايد بالعدول عن كل الانتقادات التي تعرض لها بسبب تعامله مع الأعمال العدائية في اليمن، سواء كانت تتعلق بالتسامح إزاء الانفصال الجنوبي أو وجود مراكز تعذيب.
وفي هذا السياق, عملت ابو ظبي على التفاوض، بدون شك, من الناحية المالية، على سحب تنظيم القاعدة من بعض معاقلها، أولاً من مدنية المكلا اليمنية ومن ثم من ارخبيل زنجبار الواقعة على ساحل المحيط الهندي.
وصفت الدعاية الاماراتية هذه الصفقات بأنها “انتصارات” للدولة, وقد رافقها عمليات تجنيد 250 من مقاتلي الجماعات الجهادية ضمن الميليشيات التي استحدثتها دولة الإمارات في جنوب اليمن.
ربما يكون لـمحمد بن زايد تأثير أكبر على الرئيس ترامب أكثر من ذلك التأثير الذي يمارسه الامير محمد بن سلمان بسبب الوسطاء المشبوهين لا أقل أو أكثر.
إن الحقيقة تكمن في كون دولة الإمارات العربية المتحدة تبدو أكثر تصميماً من المملكة العربية السعودية في التطبيع المحتمل مع إسرائيل، وهذا هو ما يسعى إليه البيت الأبيض.
إن لعبة أبو ظبي المضطربة مع الجهاديين اليمنيين هي انتهازية بحتة في طبيعتها، في الوقت الذي لا تمثل فيه ذات الخطورة التي تمثلها بعض الإيديولوجيات في منطقة الخليج.
ومع ذلك، فإن هذه اللعبة تلقي المزيد من الشك على تأثير التحالف اليمني، والذي يمكن أن تصاحبه كارثة إنسانية مستمرة في ظل عودة ظهور تنظيم القاعدة.
اعتمد زعيم تنظيم القاعدة “ايمن الظواهري” نهاية القرن الماضي نظرية “البدء بقتال العدو القريب قبل العدو البعيد” كما دعا في تلك الفترة إلى محاربة الحوثيين, الذين يمكن استيعابهم لمواجهة أمريكا و التعامل معها بشكل مفيد من قبل الجهاديين من أجل اضعاف “الزناديق ” أو “المرتدة”.
وخلاصة الحديث، اليمن هو من يدفع الثمن غاليا فهو يعيش في وضع مأساوي ليس له نهاية بكل المقاييس.
*جان بيير فيليو أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر في علوم معهد العلوم السياسية في العاصمة باريس, كما عمل أستاذ زائر في جامعات كولومبيا, ونيويورك, وواشنطن, ترجمت أعماله في العالم العربي والإسلامي إلى 12 لغة.