ما يعنيه استيلاء الإمارات على جزر اليمن
بقلم: أروى مقداد
( موقع “لية كخيز- ” les crises الفرنسي – ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
بعيدا عن الانسحاب من الحرب الدائرة في اليمن، تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة خطاً متشدداً ونصبت نفسها كقوة عسكرية طويلة الأجل.
على الرغم من كونها سبق وأن أعلنت في العام 2019, عن انسحابها العسكري من اليمن، إلا إنها لم تغادر حقا.
وحتى اللحظة، لا تزال دولة الإمارات تتمتع بنفوذ كبير في البلد الذي يعتبر من أفقر بلدان المنطقة، وهي الآن تستغل مواطن الضعف في اليمن من خلال بسط سيطرتها على جزيرة ميون وجزيرة سقطرى، التي اعلنتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” محمية طبيعية, وبالتالي, فإن هذا التعدي يهدد بإطالة أمد الصراع المدمر الدائر في اليمن.
في بادئ الأمر، شاركت دولة الإمارات بشكل مباشر في الحرب في اليمن كشريك في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والذي بدء في سرد فصوله منذ أواخر مارس من العام 2015.
وفي العام 2019, اعلنت القيادة الإماراتية سحب قواتها من اليمن، حيث شكك البعض في أن هذا الإجراء كان مدفوعا بصورة جزئية جراء الانتقادات الدولية لتأثير الحرب على المدنيين والأزمة الإنسانية.
ومع ذلك، تحتفظ الإمارات العربية المتحدة بجماعات مسلحة متعددة خارج إطار الدولة, حيث تدعم قرابة 90 ألف جندي يقوضون مضجع الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك، تسيطر الإمارات على العديد من الموانئ والمطارات الرئيسية في اليمن.
ويجري حاليا بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون، وهي جزيرة بركانية قبالة ساحل اليمن, تقع في موقع اختناق بحري لشحنات الطاقة والشحن التجاري الحيوي.
كما يمكن للجزيرة نفسها أن تكون بمثابة منصة لأي عملية عسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن ومنطقة شرق إفريقيا.
بالإضافة إلى ذلك، من السهل شن غارات جوية على البر الرئيسي لليمن من هذه الجزيرة.
إن بناء هذه القاعدة ينتهك سيادة اليمن، نظراً لعدم إبلاغ الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي بهذا البناء.
وعلى الرغم من أنه لم يطالب أي بلد بوجود القاعدة الجوية، إلا أن هناك صلات واضحة مع نظام الحكم في الإمارات.
كما تسيطر دولة الإمارات على جزيرة سقطرى, التي تقع من الناحية الفنية تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي ــ الانفصاليون الذين يطالبون بإعادة إحياء دولة اليمن الجنوبي المستقل ــ وبهذا, فإن الإمارات تسيطر عليها بحكم الأمر الواقع.
تقع الجزيرة بين البحر الأحمر وخليج عدن وشرق أفريقيا, ونظراً لموقعها الاستراتيجي الواقع بالقرب من طرق الشحن الرئيسية، قامت الإمارات ببناء قواعد عسكرية في الجزيرة بغرض جمع المعلومات الاستخبارتية عن حركة المرور البحرية ومراقبة قنوات تداول النفط.
تعمل القواعد العسكرية للإمارات العربية المتحدة وغيرها من التأثيرات على فرض تغير جذري لإيقاع الحياة اليومية في أرخبيل سقطرى, حيث يعيش ما يقرب من 60 ألف نسمة في الجزيرة منذ آلاف السنين دون أي اتصال يذكر بالعالم الخارجي.
واليوم، يمول النظام الإماراتي مشاريع رئيسية للبنية التحتية في الجزيرة, والتي تشمل الأرصفة والمستشفيات وشبكات الاتصالات التي تربط سكان الجزيرة بالإمارات وليس باليمن.
كما عملوا على إجراء تعدادات خاصة بهم ويدعون السقطريون المؤثرين إلى أبو ظبي للحصول على الرعاية الصحية المجانية وتصاريح العمل الخاصة.
حتى أن هناك أخبار تفيد بأن دولة الإمارات تخطط لإجراء استفتاء على الانفصال عن البر الرئيسي وأن يصبح الأرخبيل رسمياً جزءاً من دولة الإمارات.
ولم تكتفي السلطات الإماراتية عند هذا الحد فحسب, بل عملت على جلب السياح إلى الجزيرة دون إذن من الحكومة اليمنية المعترف بها من الأمم المتحدة.
ولضمان حماية الجزيرة، وضع المسؤولون في الحكومة اليمنية وسلطات الجزر إجراءات للسياحة الإيكولوجية لا تتبعها الإمارات العربية المتحدة.
تأشيرات الدخول الحالية إلى الجزيرة لا تتبع نظام الهجرة المعمول به في اليمن, كما لا تخضع الزوار للشروط القانونية الواجبة التطبيق.
من أجل بناء البنية التحتية السياحية والعسكرية، عجلت الإمارات العربية المتحدة من وتيرة البناء في أجزاء من الجزيرة على الرغم من هشاشة النظم الإيكولوجية.
يصل السياح القادمون من دول الخليج وإسرائيل كل أسبوع في رحلات جوية تستغرق ساعتين من مطار أبو ظبي.
وفي الوقت نفسه، تمنع دولة الإمارات المواطنين اليمنيين من دخول الجزيرة, وهذا أمر مقلق بشكل خاص لأن سقطرى هي واحدة من أكثر الجزر ثراءً بالتنوع البيولوجي في العالم
تعتبر جزيرة سقطرى موطن لمجموعات نادرة من الحيوانات والطيور والزواحف على مستوى العالم, بما في ذلك عدد من الأنواع المهددة بالانقراض, كما تشكل الأراضي المحمية في الجزيرة نحو 70 % وهي موطن لـ 700 نوع متوطن.
نشر موقع “الحلم الأخضر- Green Dream” اليمني تقريرا عن السياسات التي يتبعها النظام الإماراتي والتي تضر بالبيئة في الأرخبيل, حيث يصف التقرير مجموعة واسعة من الممارسات البيئية السيئة بما في ذلك الصيد الجائر، والاتجار غير المشروع في الأنواع المستوطنة، وزيادة النفايات والتعدي على النسيج الثقافي للجزيرة.
ولهذا, أعربت منظمات دولية عديدة عن قلقها إزاء الأعمال التي تنتهجها دولة الإمارات في الأرخبيل وآثارها السلبية على السكان والبيئة.
ومن جانبها, أعربت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو عن قلقها إزاء التدهور البيئي في الجزيرة.
وتشمل هذه الشواغل التنمية غير الخاضعة للمراقبة، والاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية، والأخذ بأنواع غريبة وغائرة وتدهور المواطن.
وفي الآونة الأخيرة، اعتبر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة أرخبيل سقطرى منطقة ذات أهمية بالغة.
وفي حين كانت جزيرة سقطرى تتمتع بحماية جيدة نسبيا قبل اندلاع الحرب، فإن التطور السريع للجزيرة أصبح على نحو متزايد على حساب بيئتها الفريدة.
ونظراً لأهمية الجزيرة، فلابد من تحميل دولة الإمارات العربية المتحدة المسؤولية الكاملة عن تدمير الأنظمة البيئية المتنوعة التي يحتضنها الأرخبيل, فهذه الأنظمة البيئية تعايش معها سكان الجزيرة لعدة قرون.
يشير فارع المسلمي، زميل غير مقيم في معهد تشاتام هاوس: “لقد فاجأت الإمارات الجميع، حتى أنفسهم، بمدى أدائهم العسكري الجيد في اليمن.
وأكدت لهم حرية السيطرة والتواجد في كل ما يريدون في البلد، بما في ذلك موانئ اليمن التي تشكل رصيدا لهم”, لكن (سقطرى) ليست ثروة, فهي نظام إيكولوجي غني بالسكان الأصليين.
أوجد الموقع المتميز للجزيرة ثقافة فريدة متأثرة بالشرق الأوسط وأفريقيا والهند, ويقدر سكان الجزيرة تراثهم وبيئتهم، وكلاهما مهدد اليوم.
ليس فقط جزيرة سقطرى الواقعة تحت التهديد، ولكن أيضا اليمن برمته, فمن خلال بناء القواعد العسكرية في الأرخبيل وفي جزيرة ميون، اتخذت الإمارات العربية المتحدة موقفا عدوانيا في اليمن وهم يؤكدون أنفسهم بوصفهم قوة عسكرية طويلة الأجل.
وعلى الرغم من الإجراءات الحربية التي تنتهجها دولة الإمارات في اليمن، قررت إدارة الرئيس الامريكي جو بايدن إعادة تفعيل صفقة بيع للأسلحة مع البلد بقيمة 23 مليار دولار.
ويعتبر هذا القرار كارثيا بامتياز, نظرا لاستمرار مشاركة الإمارات العربية المتحدة في الحرب في البر الرئيسي لليمن، ولكن أيضا تعديها العسكري على جزر اليمن الذي يهدد بإطالة أمد الحرب.
لقد أثبت النظام الإماراتي أنه ممثل معادي في اليمن, فكلما تمكنت من بسط سيطرتها على الأراضي اليمنية، كلما عرقلت جهود السلام في البلد.
لا يستطيع المجتمع الدولي أن يسمح للإمارات العربية المتحدة ببناء قواعد عسكرية غير قانونية على الأراضي اليمنية، وخاصة على حساب أساليب الحياة المحلية والتدهور البيئي.
إن أرخبيل سقطرى, هو موقع التراث العالمي مُصنف من قبل اليونسكو، وليس دبي.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع