بقلم: مارك كورتيس*  —————

 

(موقع ” middleeasteye “البريطاني، النسخة الفرنسية، ترجمة: اسماء بجاش- سبأ)

 

 

 

تشير التحقيقات التي أجرتها وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية في الآونة الأخيرة، إلى أن القوات اليمنية التي تتلقى الدعم من قبل دول التحالف العربي المنضوية تحت راية المملكة العربية السعودية والتي تحظى بدورها بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة الأعضاء الفعليين في الحالف بحكم الأمر الواقع، تعمل على تجنيد المئات من مقاتلي تنظيم القاعدة لمجابهة القوات التابعة لجماعة الحوثي, وذلك من أجل إعادة حكومة المخلوع عبد ربه منصور هادي.

كما عمد التحالف العربي إلى أبرم العديد من الصفقات والاتفاقيات السرية مع مقاتلي تنظيم القاعدة, ناهيك عن الدفع ببعض هؤلاء المقاتلين إلى ترك المدن الرئيسية وهم مدججون بالأسلحة وبحوزتهم أموال منهوبة تقدر بـ   100مليون دولار.

هذه الحقيقة وغيرها من القصص المشابهة التي نقلت على مدار ثلاث سنوات من الحرب في اليمن تطرح تساؤل جوهري:

بما أن واشنطن ولندن تقومان بتسليح الرياض، هل تساعدان أيضاً في تسليح مقاتلي تنظيم القاعدة في اليمن وتعزيز قوتهم وتواجدهم؟

ترى مجموعة الأزمات الدولية في التحالف القائم في اليمن بين مقاتلي تنظيم القاعدة ودول التحالف العربي بأنه “تحالف ضمني”.

تقاتل جماعة أنصار الشريعة, وهي جماعة مسلحة تم أنشأها من قبل تنظيم القاعدة كفرع محلي للتنظيم بانتظام جنباً إلى جنب مع قوات التحالف العربي ضد الحوثيون في مدينة عدن ومناطق أخرى من الجنوب، بما في ذلك العاصمة الثقافية للبلد مدينة تعز, وبالتالي يتم الحصول على أسلحة التحالف ولكن بشكل غير مباشر.

 

مجموعة هائلة من الأسلحة:

 

على أرض الواقع في اليمن، تضم قوات التحالف خليط من القوات والفصائل وأمراء الحرب القبليين الذين يكنون العداء لجماعة الحوثي، إذ يربط هذا الخليط علاقات مع تنظيم القاعدة المتشدد في جزيرة العرب والمتواجد على جميع الخطوط الأمامية.

يستفيد تنظيم القاعدة من الكميات الهائلة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة التي ترسلها الرياض ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى اليمن لتسليح تلك القوات, حيث تضم  مجموعة من البنادق الهجومية والصواريخ الموجهة والمضادة للدبابات.

ووفقا لمجموعة الأزمات الدولية، فقد استحوذ تنظيم القاعدة على مجموعة واسعة من الأسلحة الجديدة، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة التي أكتسبها بصورة غير مباشرة من التحالف بقيادة السعودية ومن معسكرات الجيش اليمني.

ومن جانبه, كشف موقع “ميدل ايس آي” في العام الماضي أن أكبر قوة سلفية متشددة في مدينة تعز حصلت على أسلحة وأموال من قبل قوات التحالف العربي, والتي كان يقودها القيادي “أبو العباس”الذي تم تعيينه فيما بعد من قبل السعوديين والأميركيين كداعم لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف بتنظيم داعش.

ومن جانبه, ذكر أحد مقاتلي تلك المجاميع المسلحة, أن أبو العباس عكف على عقد اجتماعات بصورة شهرية مع قادة التحالف في مدينة عدن الجنوبية.

تساهم هذه الإمدادات من الاسلحة منذ فترة طويلة في تطوير وتعزيز تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.

 

وفي هذا الصدد, أشار “جوك بورينجا” مستشار وزارة الخارجية الهولندية لليمن قبل ما يربوا من ثلاث سنوات إلى أن الرياض تعمل على تسلم الأسلحة لتنظيم القاعدة الذي أخذ بتوسيع نطاق نفوذه.

ومن جانبها, تسعى الإدارة الأمريكية ونظيرتها البريطانية إلى تشويه صورة النظام الإيراني الذي يشار اليه بأصابع الاتهام بأنه الجهة الرافدة للأسلحة للحوثيين، في حين يفترضون أن الصراع في اليمن هو عبارة عن صراع سعودي إيراني، وليس حرب تسعى الرياض من خلالها فرض سيطرتها على كامل المنطقة.

أشار الخبير في الشأن اليمني “مايكل هورتون” من مؤسسة جيمس تاون للدراسات والتحليلات والمعنية بقضايا الإرهاب، إلى أن التنظيمات الإرهابية كالقاعدة استفادت كثيراً من الحوثيين من خلال تدفق الأسلحة إلى اليمن, بينما في الوقت الراهن, لا تملك إيران سوى تأثير ضئيل على الحوثيين، الذين هم في الأساس يمنيون بامتياز ومتجذرون في نسيج ثقافي اجتماعي يمني بحت.

أسلحة أمريكية وبريطانية:

في حال وصلت الأسلحة من السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى متشددي تنظيم القاعدة في اليمن، هل يمكن أن يكون هذا هو نفس نوع الأسلحة التي ترسلها واشنطن ولندن إلى الرياض وأبو ظبي؟

عملت المملكة المتحدة, على سبيل المثال، على أبرام صفقات بيع للأسلحة بلغت قيمتها أكثر من 5.9 مليار دولار مع الرياض منذ بدء التدخل العسكري في اليمن أواخر مارس من العام 2015.

فتلك الصفقات لا تشمل المعدات الجوية  للقوات السعودية، بما في ذلك الطائرات الحربية والصواريخ فحسب, فهي تشمل اسلحة للجماعات المتمردة, مثل القنابل اليدوية, والقنابل والبنادق.

 

أقرت حكومة المملكة المتحدة علناً بأنها لا تراقب استخدام صادراتها من الأسلحة بعد عملية البيع, وعلى حد قولها : “ليس لدينا نظرة شاملة على المعدات المحددة المستخدمة في اليمن”.

وهذا يعني بشكل أو بأخر انه لا يبدو أن هناك أي قيود على كيفية استخدام السعوديين للأسلحة البريطانية التي يتلقونها.

وبالتالي، لا يمكن للحكومة البريطانية الجزم بشكل قاطع إن أسلحتها لا تنتهي في متناول يد تنظيم القاعدة، وهو خطر سيستمر ما دامت لندن محافظة على تدفق الأسلحة إلى الرياض, وبالإضافة إلى كونها متواطئة في جرائم الحرب التي تقترفها السعودية في اليمن، والذي يكشف عنها الدور المباشر لها في توريد وتخزين الأسلحة المستخدمة في العمليات العسكرية, بالإضافة إلى دورها في عمليات الصيانة للطائرات السعودية، فالحكومة البريطانية أيضا تساهم في صعود تنظيم القاعدة.

ففي يوليو المنصرم, أشار وزير الخارجية البريطاني “اليستير بيرت” في كلمته التي القاها أمام البرلمان إلى أن الصراع المحتدم في اليمن سمح للمنظمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة و تنظيم الدولة الإسلامية بتسوية ونشر رسالة العنف والتطرف.

وفي الواقع، ذكرت مجلة “جين ديفينس ويكلي” وهي مجلة أسبوعية معنية بالشؤون العسكرية, أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية اصبح بمثابة المهيمن على معظم الارضي الجنوبية في اليمن, حيث يقدر عدد منتسبي تنظيم القاعدة الذين هم في ازدياد مستمر ما بين 6000 إلى  8000 مقاتل, وذلك وفقا لتقديرات المسؤولين الأمريكيين, فهذه الحرب توفر للجماعة العديد من الفرص لصقل مهارتها وتكتيكاتها.

يثير الخبير في الشأن اليمني “مايكل هورتون” نقطة حاسمة أخرى: “إذا كانت القوات التي تدعمها قوات التحالف العربي قادرة على إجبار الحوثيون على التراجع، ستسعى القاعدة لملء بعض الثغرات والفجوات التي خلفها الحوثيون وحلفائهم على الأقل على المدى القصير.

 

محاربة الإرهاب؟

 

كثفت الإدارة الأمريكية التي تدعي أنها تحارب الإرهاب في اليمن من هجماتها بطائرات بدون طيار ضد أهداف تابعة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية منذ وصول “دونالد ترامب” إلى البيت الابيض.

ومع ذلك, فإن المهمة الكبرى تكمن في كسب الحرب الأهلية ضد الحوثيون، في حين أن مقاتلي تنظيم القاعدة هم في الواقع يقطنون نفس المخيم الذي تسيطر عليه قوات التحالف العربي.

ومن خلال وضع الرياض نفسها كقوة سنية منضبطة قادرة على التصدي لحركات التمرد الحوثية، أصبح تنظيم القاعدة بحكم الامر الواقع شريك فعلي لدول التحالف.

إذ يظهر ذلك جلياً من خلال المعركة الحالية التي يشهدها ميناء الحديدة الاستراتيجي، والذي يمر من خلاله السواد الاعظم من الإمدادات الغذائية والإنسانية.

ومن جانبها أشارت وكالة “أسوشيتد برس” إلى أن اثنين من كبار القادة الأربعة المدعومين من قبل قوات التحالف العربي المتواجدين على طول ساحل البحر الأحمر هم في الأصل حلفاء لتنظيم القاعدة.

قائد يمني آخر تم ادراج اسمه العام الماضي ضمن قائمة الإرهابيين في واشنطن بسبب علاقاته مع تنظيم القاعدة, إذ يتلقى أموالاً من دولة الإمارات العربية المتحدة لقيادة ميليشياته.

مرة أخرى تجد واشنطن ولندن نفسيهما – كما هو الحال في سوريا وليبيا والعديد من الصراعات الأخرى –أمام اعتبار الميليشيات الإرهابية قوى وسيطة لتحقيق الأهداف العامة لسياستهم الخارجية.

 

كان العام  2009 شاهداً على عملية دمج فرعي تنظيم  القاعدة في السعودية واليمن, حيث ركز التنظيم على استهداف أهدافا أمريكية وبريطانية في المنطقة، كما كان التنظيم وراء محاولة تفجير طائرة ركاب أمريكية أثناء قيامها برحلة إلى مدينة ديترويت التابعة لولاية ميشيغان الأمريكية في 25 ديسمبر من نفس العام، كما تبنى التنظيم ايضاً الهجوم الذي استهدف  صحيفة ” شالي إبدو” الفرنسية حيث أسفر ذلك الهجوم عن مقتل 12 شخصا في العاصمة باريس مطلع  يناير من العام 2015.

ولعكس تطوير تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية, ووضع حد للحرب الكارثية والمدمرة التي تعيشها اليمن سيكون من الضروري التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في هذا البلد، في الوقت الذي يجب فيه أن تفي هذه التسوية بمتطلبات الحكم الذاتي والحماية المحلية أثناء نشرها تحت رعاية الدولة المتحوّلة.

يجب أن نخاف على اليمن والمصير الذي قد يؤل اليه، حيث أن تنظيم القاعدة بعيداً كل البعد عن الذوبان، فمن المرجح أن يتوطد ويصبح أقوى مع استمرار الحرب.

كما يجب علينا أن نخشى من الغرب، نظراً للأولويات السياسات الخارجية لحكوماتنا التي لا تزال بعيدة كل البعد عن تعزيز المصلحة العامة في اختيارهم للحروب والحلفاء.

 

*مارك كورتيس, مؤرخ ومحلل متخصص في السياسة الخارجية والتنمية الدولية في المملكة المتحدة, لدية العديد من المؤلفات,  كان آخرها طبعة محدثة لكتاب “الشؤون السرية: التواطؤ البريطاني مع الإسلام الراديكالي”.