بقلم: يوردان شيلتون ————————

برلين (موقع اللجنة العالمية للأممية الرابعة www.wsws.org، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)-

 

هناك المزيد والمزيد من الأدلة الجديدة التي تُظهر أن الصحفي جمال خاشقجي تعرض للتعذيب وقتل في 2 أكتوبر في القنصلية السعودية في اسطنبول من قبل قتلة النظام السعودي. ومع ذلك، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسليم الأسلحة إلى الرياض ويرفض أي دعوة لوقف صادرات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.

وفي حديثه في مؤتمر صحفي يوم الخميس الماضي، سُئل ترامب عما إذا كان الاختفاء والقتل المزعوم للصحافي السعودي سيؤثر على مبيعات الأسلحة الأمريكية للحكومة السعودية أجاب قائلا: “لا أعتقد أنه سيتم إيقاف الطلبات المقدمة لأميركا التي تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار أميركي. هل تعرف ماذا سيفعلون لو تم إيقافها؟  سينفقون هذا المال في روسيا أو الصين أو أي مكان آخر “.

وبهذا، يتحدث ترامب عن بيع أسلحة أميركية بقيمة 110 مليارات دولار و كانت حكومته قد تفاوضت بشأنها مع الرياض في العام الماضي.

ليس هناك تفكير في معالجة مسألة الحرب الوحشية والمميتة التي يشنها النظام السعودي الحاكم على الحوثيين في اليمن، بل على العكس من ذلك: واشنطن تدعم هذه الحرب ليس فقط من خلال تزويد السعوديين بالأسلحة، بل أيضا من خلال تقديمها الخدمات اللوجيستية والاستخباراتية الهامة.

عززت حكومة ترامب التحالف بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والذي ظلت تحتفظ به الحكومات الأمريكية السابقة للرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. إن جبهة الولايات المتحدة المشتركة مع ممالك النفط في الخليج وإسرائيل هي محور استراتيجية العزل وزعزعة الاستقرار والإعداد ضربة عسكرية ضد إيران.

وفي وقت سابق في نفس اليوم، قال ترامب في مقابلة تلفزيونية إن المحققين الأمريكيين سيعملون مع مسؤولين حكوميين سعوديين وأتراك لتحديد ما حدث لخاشقجي. لكنه سارع إلى التأكيد على أن العلاقات بين الولايات المتحدة والرياض “ممتازة”.

وكا في يوم الأربعاء الماضي قد بعث رؤساء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي رسالة من الحزبين إلى ترامب توصي بفرض عقوبات على الحكومة السعودية. وأشاروا إلى قانون ماجنيتسكي لعام 2016، الذي يمنح السلطة التنفيذية 120 يوماً لاتخاذ قرار ضد أو مع العقوبات المفروضة على المسؤولين الحكوميين الأجانب الذين اقترفوا انتهاكات لحقوق الإنسان.

كان خاشقجي كاتبا صحفيا تربطه علاقة جيدة بواشنطن بوست وواحداً ممن كانوا داخل النظام السعودي. وقد أدى القتل الفظيع له إلى إشعال المشاجرات التكتيكية في الجهاز الأمني الأمريكي بسبب الثناء الفاضح الذي أطلقه ترامب على النظام الاستبدادي ودور الولايات المتحدة في القتل الجماعي للمدنيين والكارثة الإنسانية في اليمن. تحاول وسائل الإعلام، والشركات والساسة من كلا الطرفين أن ينأوا بأنفسهم عن النظام السعودي وأن يغطوا على علاقاتهم الطويلة معه.

وذكرت قناة سي إن إن يوم الجمعة الماضية أن السلطات التركية لديها تسجيلات صوتية وصور تثبت قتل خاشقجي في القنصلية. أراد الحصول على أوراق طلاق للزواج من خطيبته التركية. وقال مصدر من لجنة التحقيق التركية في اختفاء خاشقجي إن المواد أظهرت أن هناك مشاجرة دارت داخل المبنى. ووصفوا الأدلة بأنها “صادمة ومثيرة للاشمئزاز”.

وقال أحد المخبرين لصحيفة واشنطن بوست “يمكنك في التسجيل الصوتي سماع صوته وأصوات الرجال الذين يتحدثون العربية. يمكنك أيضا سماعه يتعرض للاستجواب والتعذيب والقتل “.

وفي يوم الجمعة الماضية، أعلنت كل من تركيا والسعودية عن فتح تحقيق مشترك. وعلى الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد صرح بوضوح أن الرياض هي المسؤولة عن وفاة خاشقجي، إلا أنه يتجنب توجيه الاتهام علناً للسعودية.

في السابق ذُكر أن وحدة كوماندوز من خمسة عشر عضوا من عملاء الاستخبارات السعودية وصلوا بعد يوم من اختفاء خاشقجي إلى اسطنبول وغادروا المدينة بعد ذلك بوقت قصير. وكان من بينهم علماء الطب الشرعي وهم يحملون منشار العظام. ووفقاً لبعض التقارير، فقد تم تقطيع جثة خاشقجي ومن ثم تم إخراجها من القنصلية في حقائب.

إن مقتل خاشقجي يظهر مرة أخرى التجاهل التام للقانون الدولي في خضم أزمة الرأسمالية المتقدمة. وهذا لا يُظهر فقط الطابع المتهور للنظام السعودي، بل أيضاً للإمبريالية الأمريكية باعتبارها الداعم الرئيسي للسعوديين. لقد قامت الولايات المتحدة بجعل المملكة العربية السعودية حليفا إقليميا مهما لضمان فرض هيمنتها بلا منازع على الشرق الأوسط.

تبنت واشنطن سياسة عمليات القتل بالطائرات بدون طيار التي طورتها إسرائيل وتطبقها على نطاق غير مسبوق. وقد أدت هذه السياسة في أفغانستان وباكستان وليبيا والصومال وبلدان أخرى إلى مقتل الآلاف من المدنيين. وأعطت واشنطن إسرائيل الضوء الأخضر لاغتيال المتظاهرين الفلسطينيين غير المسلحين على حدود قطاع غزة.و قُتل المئات من الرجال والنساء والأطفال هناك خلال الأشهر الستة الماضية.

لقد زودت الحكومات الأميركية، الواحدة تلو الأخرى، ديمقراطية وجمهورية على حد سواء، الرياض بأسلحة تقدر بمليارات الدولارات. وتعد البلاد واحدة من أكبر عملاء صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة. وقد تم استخدام العديد من هذه الأسلحة لقمع أي إشارة على المقاومة الاجتماعية للنظام الشمولي في المملكة العربية السعودية وكذلك مواصلة المذبحة في اليمن.

واحدة من أفضل الشركات التي تمثل النظام السعودي في واشنطن ترتبط بكلينتون. مجموعة شركات جلوفر بارك Glover Park Group ، التي تتلقى 150 ألف دولار شهرياً من العائلة المالكة السعودية. وقد أسسها مسؤولون سابقون في إدارة كلينتون.

وللحد من الأضرار، تحاول أجزاء من الطبقة الحاكمة الآن أن تنأى بنفسها عن الرياض بطريقة منافقة وتطالب بموقف أكثر صرامة. وقد ذكر العديد من رجال الأعمال ووسائل الإعلام، بما في ذلك صحيفة فاينانشال تايمز و صحيفة نيويورك تايمز وسي إن إن و بلومبرغ أنها ستنسحب من مؤتمر للمستثمرين، الذي سيعقده ولي العهد محمد بن سلمان في نهاية اكتوبر.

وأكد رؤساء تنفيذيين من بنك جي بي مورجان تشيس ومجموعة بلاكستون، وهما من أكبر الشركات الاستثمارية في العالم، وكذلك وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منيوشن مشاركتهم في مؤتمر المستثمرين الذي أطلق عليه اسم “دافوس في الصحراء”.

تخشى هذه الدوائر قبل كل شيء أن تعيق الوحشية المخزية في حالة خاشقجي محاولاتهم إلباس أهدافها الإمبريالية في الشرق الأوسط عباءة قلق حول “حقوق الإنسان” و “الديمقراطية”. انهم يخشون أيضا أن  تثير عملية قتل خاشقجي وأعمال العنف الأخرى المعارضة في الشعب السعودي وعدد من سكان العالم ضد العائلة المالكة في السعودية ورعاتها الإمبريالية.

إنه استثمار بمليارات الدولارات. وبحسب وكالة الاستثمار العام بالمملكة العربية السعودية، يبلغ حجم الاستثمارات الأمريكية في المملكة نحو 55 مليار دولار. ففي عام 2017 وحده، عندما بدأ الأمير محمد بن سلمان حملته المزعومة للحداثة، دخلت ستة عشر شركة أمريكية السوق السعودية. تصل قيمة مشاريعها إلى حوالي 100 مليون دولار.

وفي حين أن الولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي للرياض، فإن حلفاء واشنطن في أوروبا يشاركون بعمق في دعم الدكتاتورية. فقد باعت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا أسلحة بقيمة مليار دولار للمملكة العربية السعودية. منذ بداية الحرب في اليمن قبل ثلاث سنوات ونصف وقد ازداد نطاق هذه الأعمال.

والحكومة الألمانية، والتي دخلت في  نزاع دبلوماسي مع الرياض بفعل الحملة السعودية ضد قطر في الآونة الأخيرة، وتعقد أكثر بفعل قضية خاشقجي  لا يتجلى قلقها إلا على بشكل سطحي. وكان وزير الخارجية الألمانية هيكو ماس قد أثنى قبل أسبوع واحد فقط في ظهور مشترك له مع نظيره السعودي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة على دور المملكة العربية السعودية بأنها تلعب دورا هاما  في “السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.”