السياسية:

عادت حركة طالبان لتفرض نفسها بقوة في أفغانستان مع نهاية عملية انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من البلاد. وأصبحت الحركة منتشرة في غالبية الأقاليم وهي تطوق العديد من المدن الكبرى كما كان الحال في التسعينيات. ومع تضاعف انتصاراتها العسكرية، أصبح احتمال وصولها إلى السلطة من جديد في الأشهر القليلة المقبلة وارداً وليس من ضرب الخيال.

هذه التطورات الهامة في المشهد السياسي والعسكري في البلد الذي يرزح تحت الحرب منذ عام 2001 أثارت قلق الدول المجاورة لأفغانستان ومنها روسيا وإيران خاصة في حال عودة الحركة المسلحة إلى الحكم الأمر الذي يبدو قريباً.

طالبان التي كانت قاب قوسين أو أدنى من عودتها للمشهد السياسي بالكامل في أفغانستان سعت لطمأنة الدول المجاورة لها خاصة بعد سيطرتها على المعابر الحدودية مع طاجيسكتان وإيران.

قادة الحركة أرسلوا وفداً إلى روسيا من أجل طمأنة موسكو التي اعتبرت أن خاصرتها الجنوبية باتت مهددة بسبب القتال وعودة الحركة الإسلامية للمشهد مرة أخرى.

رسائل طالبان لروسيا كانت حول وقف القتال في حال التوصل لحل سياسي مع الحكومة الأفغانية الحالية بقيادة أشرف غني، ومجابهة الحركة لتنظيم داعش الذي ينحدر عدد كبير من مقاتليه من الدول الإسلامية السابقة في الاتحاد السوفييتي؛ ولعل هذه هي الرسالة الأهم من الحركة إلى روسيا.

روسيا قلقة

ذكر دبلوماسي روسي سابق ومحللان لوكالة رويترز أن خروج الولايات المتحدة من أفغانستان يمثل صداعاً بالنسبة لروسيا التي تخشى أن يدفع القتال المتصاعد اللاجئين للفرار إلى فنائها الخلفي في آسيا الوسطى ويؤدي إلى تسلل المتشددين، بل قد يثير حرباً في إحدى دول الاتحاد السوفييتي السابقة.

وأخلت القوات الأمريكي قاعدة باجرام الجوية الرئيسية الأسبوع الماضي وانسحبت كذلك معظم قوات حلف شمال الأطلسي. وجرأ ذلك طالبان، التي تحرز تقدماً على الأرض مما أثار المخاوف بشأن مدى إحكام حكومة كابول قبضتها على السلطة ودفع أكثر من ألف من قوات الأمن الأفغانية للهرب إلى طاجيكستان.

وتثير الاضطرابات قلق روسيا لأنها تعتبر المنطقة، وهي جزء من الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان يُدار من موسكو، خاصرتها الدفاعية الجنوبية ونطاق نفوذ قد تنبع منه تهديدات الإسلاميين المتشددين.

وأوضح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن من غير المرجح أن تتدخل موسكو عسكرياً في أفغانستان، لا سيما أن ذكريات الحرب الأليمة التي خاضتها في ذلك البلد من 1979 إلى 1989 ما زالت تطاردها إلى الآن.

لكن المصادر الثلاثة قالت إن نزوح اللاجئين إلى طاجيكستان سيشكل، إن حدث، تحدياً إنسانياً وقد يتسلل إليها المتشددون. وطاجيكستان دولة فقيرة يسكنها 9.3 مليون نسمة وخاضت حرباً أهلية شارك فيها مسلحون إسلاميون من 1992 إلى 1997.

وقد تواجه أوزبكستان وتركمانستان تداعيات أيضاً.

قال فلاديمير فرولوف، وهو دبلوماسي روسي سابق رفيع المستوى: “طاجيكستان هي على ما يبدو الأكثر عرضة للخطر، فهي دولة هشة وفي خضم توريث الحكم لابن (الرئيس إمام علي) رحمان”.

وأضاف: “يكمن الخطر في أن تستغل قوات المتشددين الانقسامات الاجتماعية الحالية والمطالبات اليائسة بالعدالة من أجل إشعال الحرب الأهلية مجدداً”.

وتوجد أكبر قاعدة عسكرية روسية في الخارج بطاجيكستان قرب الحدود الأفغانية وتضم نحو ستة آلاف جندي ودبابات وحاملات أفراد مدرعة وطائرات مسيرة وهليكوبتر. ولديها أيضاً قاعدة جوية في قرغيزستان المجاورة.

استعداد روسي للمساعدة إذا تطلب الأمر

وأبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الطاجيكي رحمان يوم الإثنين بأن موسكو ستساعد دوشنبه في مواجهة أي تداعيات إذا لزم الأمر.

وقال فرولوف: “ثمة تهديد آخر يكمن في تركمانستان، التي هي ليست دولة في واقع الأمر ولا تسيطر تماماً على حدودها مع أفغانستان”.

وما زالت أفغانستان ترمز لمشاعر وذكريات أليمة في ضمير روسيا القومي بعد أكثر من 30 عاماً، عندما أنهى الاتحاد السوفييتي حملته العسكرية هناك عقب مقتل 14 ألفاً من مواطنيه.

قال أندري كورتونوف، رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي، وهو مركز بحثي مقرب من الخارجية الروسية: “لا أعتقد أنهم يفكرون في تدخل عسكري مباشر في أفغانستان. إنها قضية حساسة للغاية لكثير من الروس”.

وأضاف أن أمن الحدود من الأمور الأساسية بالنسبة لموسكو، إلى جانب تبادل البيانات بشأن أنشطة مكافحة الإرهاب وعمليات المخابرات المضادة والعمليات الخاصة.

لعبة صفرية

قال كورتونوف إن موسكو تستهدف الحيلولة دون أن تصبح أفغانستان مرتعاً للإرهاب الدولي وتقويض دورها كمصدر كبير للهيروين.

وقالت المصادر الثلاثة إن خطة روسيا تشمل العمل مع طالبان، التي تعتبرها رسمياً جماعة إرهابية لكن استضافتها في موسكو من أجل محادثات السلام.

ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن وفد من طالبان يزور موسكو اليوم الخميس قوله إن الحركة لن تهاجم الحدود مع طاجيكستان أو تسمح باستخدام أفغانستان قاعدة لشن هجمات على روسيا.

وقال أركادي دوبنوف، وهو محلل يعمل انطلاقاً من موسكو، إن روسيا حرصت على عدم انتقاد طالبان في بياناتها الأخيرة.

وقال فرولوف: “موسكو تراهن على أن طالبان قوة قبلية محلية إلى حد بعيد وليس لديها بالتالي مصلحة أو طموح لفرض قوتها وسيطرتها خارج حدود أفغانستان”.

وأضاف: “الرهان هو أن عدم شن الحرب على طالبان (حتى دعائياً) سيؤتي أُكله بالتوصل إلى تسوية مؤقتة مع الحكومة الجديدة في كابول التي تسيطر عليها طالبان”.

أما السيناريو الذي تريد موسكو تحاشيه فهو إعادة انتشار قوات حلف شمال الأطلسي في آسيا الوسطى بعد خروجها من أفغانستان.

قال زامير كابولوف، الممثل الروسي الخاص بشأن أفغانستان، الأسبوع الماضي: “عملية (الخروج) هذه لا يمكن ويجب ألا تتحول إلى إعادة انتشار لمنشآت البنية التحتية العسكرية الأمريكية والتابعة لحلف شمال الأطلسي في الدول المجاورة لأفغانستان، خاصة في آسيا الوسطى”.

وقال لافروف أمس الأربعاء إن خروج الولايات المتحدة “متسرع”، لكن فصائل تمثل الصقور في روسيا تريد منذ فترة طويلة خروج الغرب من أفغانستان. وقال دوبنوف إن هذه التطلعات قد تأتي بنتائج عكسية.

وأضاف: “موسكو وواشنطن دائماً ما تلعبان لعبة صفرية في أفغانستان، فالسيئ للولايات المتحدة جيد لروسيا والعكس صحيح”.

ومضى يقول: “والآن هناك مرحلة جديدة في الحرب وما هو جيد لأمريكا، وهو سحب قواتها أخيراً، يتبين أنه سيئ لروسيا”.

إيران هي الأخرى قلقة

سيطرت حركة “طالبان” الخميس، على المعبر الحدودي “إسلام قلعة” بين إيران وأفغانستان.

وأفاد مسؤول أفغاني طلب عدم الكشف عن هويته، أن طالبان سيطرت على المعبر الحدودي مع إيران الواقع في ولاية هرات غربي البلاد، بحسب إعلام محلي.

إيران تعلن عن امتلاكها طائرات مسيّرة بعيدة المدى – رويترز

بدورها، أكدت وسائل إعلام إيرانية، سيطرة طالبان على المعبر الحدودي، مشيرة إلى أن العديد من الجنود الأفغان فروا ولجأوا إلى إيران.

من جهته، نشر ذبيح الله مجاهد، أحد المتحدثين باسم طالبان على “تويتر”، مقطع فيديو يظهر احتفال عناصر طالبان بالسيطرة على المعبر الحدودي.

يشار إلى أن المعبر الحدودي “إسلام قلعة” يقع على بعد 120 كيلومتراً عن ولاية هرات.

هذا التطور في المشهد الأفغاني يقلق إيران أيضاً التي تخشى من عودة داعش مرة أخرى بسبب الخلاف الأيديولوجي بين داعش وإيران.

عربي بوست