إسرائيل في متاهة النهاية
السياسية: متابعات : صادق سريع
الخطر يحيط بالمشروع الصهيوني بعد “سيف القدس” ويعيد للواجهة نبوءات نهاية إسرائيل بعد “انتهاء” دورها للعالم الغربي وتفاقم مشكلات مجتمعها “الاصطناعي” الذي يوشك على الانفجار.
اختفاء إسرائيل من الوجود ليس مجرد حلم عربي أو فلسطيني.. إنه سؤال يومي لكل مواطن إسرائيلي.
سؤال قديم شغل باحثين عرباً ومسلمين، فكتبوا عما سمّوه “نهاية إسرائيل”، وزادت فرضية اعتقادهم بعد المواجهات الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
بعد عجز جيش “الدفاع” عن حماية مدنه.
بعد الاحتجاجات التي تجاوزت بلاد العرب إلى جميع أنحاء الأرض، منددة بسياسة الفصل العنصري، ومطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والمعاناة الفلسطينية.
عاد الجميع ليسأل عن قدرة إسرائيل على البقاء، أو الاستسلام لمؤشرات الانهيار التي تتزايد.
الدول تنهار عندما تعجز عن تحقيق أهدافها القومية.
الدول تنهار عندما تكون موجودة بالخطأ في المكان الخطأ.
الدول تنهار عندما يبدو اليأس في وجوه وعبارات قادتها، وشعبها.
لكن قبل كل هذه المؤشرات يبدو أن “بقاء” دولة إسرائيل كان سؤالاً قديماً، يعود في بداياته إلى ما قبل وخلال وبعد النكبة.
وقتها تساءل الآباء المؤسسون حول مستقبل الدولة وشروط بقائها.
ومن وقت النكبة سقطت أساطير المستوطنين ومبرراتهم للسطو على فلسطين، لكن الأهم من ذلك ظهور مؤشرات كثيرة تؤكد خطأ الفكرة، وعدم قابليتها للاستمرار.
وبعد حرب “سيف القدس” سقط المزيد من الأساطير.
الجيش الذي لا يُقهر، وأمان القبة الحديدية، وسطوة الردع الإسرائيلي.
ومن جديد أطلت الشكوك تجاه قدرة إسرائيل على البقاء، إذا ما واصلت السياسات والممارسات.
هذا التقرير يستعرض أبرز مؤشرات الخطر على المشروع الصهيوني، ثم نبوءات نهاية إسرائيل المبنية على قراءة لوقائع التاريخ والجغرافيا السياسية والمجتمع.
الخطر يتسرب من الداخل والخارج
في عام 2000 التقى نحو 300 من أهم الشخصيات الإسرائيلية الفكرية والدينية والعسكرية والسياسية في اجتماع شديد الأهمية.
كتبت الصحافة الإسرائيلية وقتها أن هذا المؤتمر مهم لدرجة أن أي شخص لم يحضره فهو غير مهم.
اجتمعوا في مدينة هرتسيليا لإجراء نقاش استراتيجي حول مستقبل إسرائيل.
وأجمع الحاضرون على أن هناك خطراً وجودياً وحيداً على إسرائيل، وهو الخطر الديموغرافي، بعد أن أجروا حسابات حول النمو الطبيعي لكل من العرب واليهود وكذلك إمكانات الهجرة اليهودية التي أخذت تواجه صعوبات في السنوات الأخيرة.
داخلياً: الخطر الديموغرافي العربي لا يمكن ترويضه
السكان من العرب الفلسطينيين يزدادون بمعدل سنوي يفوق بكثير نظيره من الإسرائيليين اليهود.
وفقاً لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، يقترب عدد السكان العرب من مليوني نسمة، أي 21% من سكان إسرائيل، ويفوق عtددهم 9 ملايين نسمة. يشكل المسلمون في إسرائيل نحو 72% من السكان العرب، وفي حال تم ضم البدو فترتفع النسبة إلى 82%.
والسكان العرب داخل دولة الاحتلال يشكلون حالياً أكثر من 20% من مجموع السكان، وربع هذه النسبة العربية من الشباب دون سن 19 عاماً.
الضفة الغربية يسكنها أكثر من 3 ملايين من العرب الفلسطينيين.
ماذا عن المستقبل؟
بحلول العام 2065، سيصل عدد اليهود بين النهر والبحر إلى 16 مليوناً والعرب إلى 13 مليوناً، ما يعنى أن عدد السكان فى هذه المنطقة سيصل إلى قرابة 30 مليوناً.
فإذا أضفنا كل منطقة الضفة الغربية وكل سكانها إلى إسرائيل، ستتقلص الأغلبية اليهودية إلى 60%، ما يجعل مصطلح “دولة يهودية ديمقراطية” فاقداً لمعناه عملياً.
وإذا أضفنا سكان غزة، فإن الأغلبية اليهودية ستتقلص إلى 50% وسيصل مشروع الدولة اليهودية إلى نهايته.
الحلول التي فكرت فيها إسرائيل هي ضم كتل استيطانية في الأرض المحتلة لإسرائيل وإخراج تجمعات عربية في إسرائيل لتصبح خارج حدود إسرائيل، إلى بدائل أكثر تطرفاً مثل إمكانية اتباع سياسة “الترانسفير” أو الترحيل الجماعي بالقوة للفلسطينيين إلى الخارج.
الحلول غير واقعية لحل المعضلة الديموغرافية في إسرائيل.
وفي حال عودة اللاجئين الفلسطينيين، تصبح كل الحلول مستحيلة.
توترات المجتمع الإسرائيلي المنقسم طائفياً وسياسياً
بعد سبعة عقود على قيام إسرائيل، فإن المجتمع الإسرائيلي ما زال يحمل مميزات مجتمع مهاجرين لا يتمتع بدرجة كافية من التجانس بين مركباته، الأمر الذي ينعكس على نسيجه ومستوى التضامن الداخلي بين الفئات والشرائح التي تشكله. وقد أدى عدم التجانس دائماً إلى نشوء توترات اجتماعية في مجتمع المهاجرين ما زالت قائمة حتى الآن.
يتكوَّن المجتمع الإسرائيلي من 4 أنواع من المواطنين على أساس الهجرة، والإقامة، والولادة، والتجنّس.
التوتر الديني بين المتدينين والعلمانيين
يشكل اليهود المتزمتون (الحريديون) نحو 10,2% من اليهود، يضاف إليهم 11,5% يُعرّفون عن أنفسهم كمتدينين غير حريديين، و33,0% من اليهود المحافظين، أي الذين يلتزمون تأدية الفرائض الدينية، كلها أو بعضها.
أي أن أكثر من 54% من اليهود يصنفون أنفسهم متدينين بدرجة أو بأخرى.
والباقون، بنسبة 44,3% من اليهود، يعتبرون أنفسهم علمانيين أو، لمزيد من الدقة، غير متدينين.
ويدور الصراع حول طبيعة المجتمع الإسرائيلي بصورة عامة، وعلى مجتمعات المدن المتعددة التي بدأ الحريديون ينتشرون فيها، مثل طبرية وبيت شيمش، بشكل مكثف، إضافة إلى تل أبيب وحيفا والعفولة وغيرها. وعادة، تتمحور الخلافات حول قدسية السبت، وإبعاد النساء عن الحيز العام في المدن اليهودية المختلطة التي يعيش فيها الحريديون إلى جانب يهود علمانيين.
التوتر بين اليهود الشرقيين والغربيين
يعاني المجتمع الإسرائيلي من صراع طبقي بين الأشكناز، اليهود الغربيين، والسفارديم، يهود الشرق.
الأشكناز هم الطبقة العليا في المجتمع، والطبقة الثرية والمهيمنة على المؤسسات السياسية والاجتماعية، على اعتبار أن المؤسسين الأوائل لقيام الدولة اليهودية وأغلب حكماء الصهيونية من الأشكناز.
السفارديم، وهم أبناء الطبقة الأفقر، معظمهم من بلدان العالم الثالث والبلدان العربية.
التمييز ضد اليهود الشرقيين ما زال موجوداً، سواء في فرص العمل أو في الأجور حتى عند الحديث عن أشخاص يملكون المؤهلات نفسها المهنية والأكاديمية. والنظرة الدونية عند التعامل مع الثقافة الشرقية وموسيقاها، والكثير من الآراء المُسبقة التي تصل إلى حد العنصرية.
وفي أدنى السلم الاجتماعي تقبع طائفة اليهود الإثيوبيين، وهم ذوو مؤهلات متدنية وقدرات ضعيفة لا تلائم سوق العمل الإسرائيلية، وهو ما يعرقل فرص تطور هذه الفئة الفقيرة وتقدمها.
ويواجه الإثيوبيون عداء الشرطة لأبنائهم بسبب لون بشرتهم، والتشكيك في انتمائهم اليهودي، ويتم بسهولة اتهامهم واعتقالهم والاعتداء عليهم، وحتى قتلهم في بعض الأحيان.
الاضطهاد داخل إسرائيل لا يقتصر على عرب الداخل، والانتماء إلى الديانة اليهودية لا يكفي للحماية من العنصرية، وهو ما ينطبق على اليهود من أصول إفريقية، غالبيتهم جاؤوا من إثيوبيا، والقليل من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية، هاجروا منذ ستينيات القرن الماضي.
ويبلغ عدد الإسرائيليين من أصول إثيوبية 140 ألف شخص، أي قرابة 2% من تعداد السكان، وغالبيتهم يمارسون أعمالاً منخفضة الأجور لا تحتاج إلى تأهيل علمي.
خارجياً: حل “الدولة الواحدة” يعني نهاية المشروع الصهيوني
حل الدولتين الذي لم يرَ النور ولم يكن خياراً فلسطينياً بل هو “التنازل” الذي رضي به الفلسطينيون في أوسلو حين قبلوا بـ22% من فلسطين الانتدابية.
وترى الكاتبة الفلسطينية دلال عريقات أن “الدولة الواحدة تمثل السيناريو الحضاري الذي نحلم به، ولكن الواقع السياسي يعكس غير ذلك، فإسرائيل دولة عنصرية يقودها مجموعة من مجرمي الحرب”.
مشروع الدولة الواحدة يعني نسف أسس الحركة الصهيونية، لأن الفلسطينيين قد يشكلون الأغلبية في هذه الدولة.
ونظرية الدولتين المتجاورتين ليست مجرد حل متوازن للصراع الدائر في الشرق الأوسط بين الطرفين، ولكنها في نظر البعض حل واقعي لا بد أن يحظى بتأييد المجتمع الدولي، بل ويؤكد الأكاديمي الأمريكي مايكل أورين.
بغير حل الدولتين، فإن الضغط الدولي كفيل بأن يتواصل إلى حيث تتحول إسرائيل إلى دولة ثنائية العنصر العربي واليهودي، وهو ما يصفه أورين بأنه “نهاية المشروع الصهيوني” لأن هذه الثنائية كفيلة بدورها بأن تذكي الصراعات بين الطرفين، الأمر الذي يؤدي في رأيه إلى هجرة أعداد كبيرة، بل غفيرة من يهود إسرائيل إلى خارجها.
“الدولة الديمقراطية الواحدة تُنهي فكرياً وتاريخياً ومبدئياً قيام الدولة العبرية الإسرائيلية اليهودية المنفردة، وتشطب فكرتها الأيديولوجية الصهيونية، ولا تجد فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة أي قبول، أو أي استجابة، من أي من الشرائح المتنفذة لدى مجتمع المستعمرة العبري الإسرائيلي”، في رأي الكاتب الأردني حمادة فراعنة.
سقوط نظرية الردع الإسرائيلية
أظهرت الحروب الأخيرة التي خاضتها إسرائيل في لبنان وغزة تراجعاً ملحوظاً في قدرة الجيش الإسرائيلي على حسم المعركة وفق الأسلوب القديم القاضي بتدمير قوات الخصم واحتلال أرضه.
في معركة “سيف القدس” بادرت المقاومة إلى إطلاق الصواريخ، واستمرت في إطلاقها حتى اللحظات الأخيرة.
وتم التوصل إلى وقف إطلاق نار متبادل متزامن، وليس كما أرادت حكومة نتنياهو أن توقف المقاومة إطلاق النار أولاً، وتفرض شروطها. واعتمدت المقاومة سياسة “إن زدتم زدنا” و”إن عدتم عدنا”.
وغطت الصواريخ كل مساحة فلسطين المحتلة.
وكانت أكثر دقة وتطوراً وتدميراً من الصواريخ السابقة.
يشكل فشل منظومة الدفاع الصاروخي في مواجهة حركة حماس، بالرغم من محدودية قدراتها الصاروخية بالنسبة لقوى أخرى، خطراً جسيماً على الشعور بالأمن داخل المجتمع الإسرائيلي.
لقد أصبحت إسرائيل تحت رحمة “قوس من التهديدات” شمالاً وجنوباً، حيث تمتلك “قوى معادية” ومنظومات صاروخية قوية، في مقابل ذلك هناك خشية من انهيار أنظمة الدفاع الإسرائيلية بسبب هجوم صاروخي واسع.
عسكرياً، “سيف القدس” قلب تماماً موازين التفوق العسكري، وجعل إسرائيل في مرمى الردع الفلسطيني.
سياسياً، أصبح على إسرائيل ما بعد “سيف القدس” أن تعيد النظر في كل قواعد اللعبة التي فرضتها، وقيمة الأوراق التي يمتلكها كل طرف، قبل الموقعة المقبلة، التي لن تتأخر كثيراً.
إسرائيل تخسر المزيد من الرأي العام العالمي
تدرك إسرائيل ودبلوماسيتها واستخباراتها أن الفوز في هذا الصراع يعني كسب اهتمام ودعم الرأي العام العالمي، وتقديم إسرائيل على أنها الضحية مقابل إبراز الفلسطينيين كإرهابيين رافضين للحلول الدبلوماسية.
ونجحت إسرائيل منذ الخمسينات وحتى بداية القرن الـ21 في الحفاظ على هذه الأطروحة خاصة في الغرب، لعوامل منها استغلال الهولوكست.
ثم الحرب الباردة؛ حيث كان المعسكر الشرقي مع الحق الفلسطيني.
ثم تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول التي ربطت العرب بالإرهاب.
وبعد الربيع العربي انشغلت الشعوب العربية بأوضاعها الداخلية، وعانت فلسطين من التهميش بتحريض من أنظمة عربية.
لكن تغيرت الكثير من المياه في بحار الرأي العام العالمي بعد “حرب مايو/أيار 2021”.
انطلقت التظاهرات التضامنية في أوروبا وأمريكا اللاتينية، بل حتى في الولايات المتحدة، مثل تظاهرتي شيكاغو ديترويت كانتا أكثر عدداً مقارنة مع تلك المسجلة في العالم العربي.
وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ التضامن مع فلسطين.
وتراجعت شعبية “إسرائيل” في عدد من الدول الأوروبية بعد التصعيد الأخير في قطاع غزة، وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز “يوغوف” YouGov البريطاني.
يظهر الاستطلاع أن شعبية إسرائيل عانت في جميع أنحاء أوروبا، حيث انخفض معدل التفضيل الصافي للدولة 14 نقطة في جميع البلدان التي شملها الاستطلاع.
وكانت بريطانيا الأقل تفضيلاً لدولة الاحتلال، تليها فرنسا، كما شهد تأييد إسرائيل انخفاضاً لافتاً في الدنمارك.
رغم ذلك تبقى ألمانيا الأعلى تفضيلاً لإسرائيل، تليها السويد.
كما تشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة إلى تراجع قاعدة الدعم لإسرائيل.
أعرب 25% ممن شملهم استطلاع أجرته مؤسسة “غالوب” في مارس/آذار 2021 عن تعاطفهم مع الفلسطينيين، مقارنة بـ16% في عام 2001.
وطالبت أغلبية المشاركين بممارسة ضغط أكبر على إسرائيل لتحقيق السلام.
ومع هذه التغيرات في المشهد، فإنه من المرجح أن تتخذ واشنطن نهجاً أكثر انتقاداً للسياسات الإسرائيلية كما تشرح السطور التالية.
والصحفي الإسرائيلي سارنا:
.. أو في عام 2023
الصحفي الاستقصائي اللامع في “يديعوت أحرونوت”، يغيئال سارنا كتب رواية شهيرة عنوانها (2023)، وتنتمي إلى الأدب الديستوبي الذي يقدم صورة واقع أقرب للكابوس، يختلط فيه الفقر والظلم والمرض.
سئل سارنا في 2014: كيف وصلت إلى الرقم (2023)؟
أجاب: “بالصدفة، لقد راودني وحسب”. ثم أضاف: “وتبين لي لاحقاً أنه في عام 2023 ستكون قد مرت 75 عاماً على قيام إسرائيل وخمسون عاماً على حرب يوم الغفران (1973). لم أنتبه لذلك في البداية”.
وتابع سارنا: “وأعتقد أنه إذا استمر اليهود المتدينون المتعصبون في محاولة تحريك الأقصى وبناء الهيكل، فإن قصة إسرائيل ستنتهي، لأنه في كل مرة تم فيها بناء الهيكل جاء الخراب”.
ويخبرنا سارنا بأن “الأديب الإسرائيلي” حاييم غوري الذي نعته “بآخر الصهاينة”. قال له: “قرأت ما كتبت وبكيت. جعلتني أقرأ هذه الرؤية القيامية وأنا في سن الـ(91) عاماً. هل حقا أنت مؤمن بهذا؟
وأجبت أنه إذا استمر الوضع كما هو الآن فإنني أعتقد، وربما ليس في عام 2023، أن هذا المكان سيفرغ من مضمونه”.
أيها المواطن الإسرائيلي:
أنت صاحب القرار
قبل سنوات قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر إنه في غضون 10 سنوات لن يكون هناك المزيد من إسرائيل.
السؤال الرئيسي ليس ما إذا كانت إسرائيل ستستمر في الوجود بعد 10 سنوات، ولكن ما نوع إسرائيل التي ستكون هنا بعد 10 سنوات، إن وُجدت.
من الواضح اليوم أن المعركة قد حُسمت بالفعل وأن الصهيونية الدينية قد انتصرت.
لقد فازت لأن معظم الشعب اليهودي في إسرائيل هم صهاينة متدينون، حتى لو تنكر البعض خلال الانتخابات على أنهم يدعمون “حزباً وسطياً”.
والوضع ليس على وشك أن يتغير، لا غداً ولا أبداً.
يزداد وزن الصهاينة المتدينين في السكان، بينما ينخفض وزن الإسرائيليين العلمانيين الليبراليين.
إذاً من أين سيأتي الناخبون؟ ومن الذي سيسقط الحكومة الدينية الصهيونية؟
انظر فقط كيف أصبح نظام التعليم قومياً ودينياً أكثر فأكثر.
أصبح الجيش الإسرائيلي وقادته صهيونيين متدينين أكثر فأكثر.
أصبحت القوانين صهيونية دينية أكثر فأكثر.
أصبحت المحاكم صهيونية أكثر تديناً.
الإعلام العلماني الليبرالي ينهار، والعالم الأكاديمي أيضاً بدأ في التصدع والوقوع في أحضان الصهيونية الدينية.
وإذا رفعت عينيك فوق الأسوار التي بنيناها لإخفاء الواقع عن أنفسنا، فماذا سترى هناك؟
هل يختفي الحي اليهودي في غزة ويختفي عداؤه إذا واصلنا تجاهله؟ هل يصبح الفلسطينيون في الضفة الغربية أكثر صهيونية كلما زاد عدد المستوطنات؟ وإذا قصفنا إيران، فهل سيؤدي ذلك إلى تحسين علاقاتنا مع شعوب هذه المنطقة، أم لا؟
كلما استمرت هذه الاتجاهات، وليس هناك ما يوقفها في الأفق، في غضون ثلاث أو سبع أو 10 سنوات، ستصبح إسرائيل صهيونية أكثر تديناً.
أكثر تعصباً.
أكثر انعزالاً عن العالم.
وعصية على الترويض.
ستكون في حالة حرب مستمرة مع الدول المجاورة، حيث تقاطع العديد من الدول منتجاتها.
سوف يضعف اقتصادها، الذي تزداد فيه عدم المساواة، وسيتركه أفضل الشباب العلماني الليبرالي من الرجال والنساء، ويعودون إلى كندا أو جزيرة كامتشاتكا Kamchatka.
هل يمكن لدولة مثل هذه أن تستمر في الوجود بمرور الوقت؟
أنت صاحب القرار.
كوبي نيف Kobi Niv
إسرائيل مجتمع “اصطناعي” غير قابل للانصهار والاندماج.
دولة محددة الوظيفة، كرأس حربة للمصالح الغربية في المنطقة العربية، لا عمل لها بعد إنجاز المهمة.
قريبة من البترول الذي كان عصب الحياة ذات يوم، لكن عصره يوشك على كلمة النهاية.
دولة قريبة من الممالك الحليفة على ضفتي الخليج منتصف القرن الماضي، وتلك خريطة لا يعرفها الواقع الآن.
وقريبة من ساحات المعارك مع أعداء الغرب، المعسكر الشرقي بأفكاره الشيوعية والاشتراكية، وممثليه في مصر والعراق وليبيا.. ذات زمان بعيد نكاد ننساه.
دولة قامت على أسس العنصرية الدينية والعرقية، ومارستها في عناد على مر السنوات.
دولة أساسها المساعدات الخارجية، وإرهاب الجيران وتعقب أصحاب الأرض في المخيمات والمنافي.
أجيال من الضحايا توالت وإسرائيل تزداد عنفاً، وتطرفاً وانعزالاً عن محيطها، وعن العالم بأسره كما بدا واضحاً بعد معركة سيف القدس.
إسرائيل الآن في لحظة الحقيقة، وسؤالها الوجودي يختلف عن الجميع.
السؤال الطبيعي هو: أن تكون أو لا تكون.
لكن إسرائيل إما أن تتغير، أو لا تكون.
لكن أن “تكون” بتعريفها الراهن، وممارساتها القديمة، فهو المستحيل بعينه.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رآي الموقع