الدكتور محسن القزويني

لا يَشك أحدٌ أن بنيامين نتنياهو 72 عاما هو أحد دهاة الصهيونية المؤسسين للدولة الإسرائيلية الحديثة منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما كان عضوا في الكنيست الإسرائيلي عام 1988 ثم رئيسا للوزراء لأربع مرات وزعيما لحزب ليكود منذ 1980 وحتى نزول سيف القدس على هامته، وقد لعب خلال نصف قرن أدوارا خطيرة في تاريخ إسرائيل مثله مثل بن غوريون وموشي ديان وارييل شارون فهو عسكري سياسي وكاتب سياسي خريج معهد ماتسشويستس في الهندسة المعمارية ثم العلوم السياسية، عَمِل مع جلاد الشعب الفلسطيني ارييل شارون في حكومتين كان يرأسها شارون، ثم نافسه على زعامة الحزب وشارك في أكثر الحروب الإسرائيلية؛ حرب الاستنزاف، حرب أكتوبر، حرب لبنان، معركة الكرامة وحرب سيف القدس التي رمت به أخيرا إلى منحدر التاريخ ليواجه مصيره الأسود أمام المحكمة الإسرائيلية التي تطارده منذ 2019 على التهم الثلاث؛ الرشوة، الاحتيال وخيانة الأمانة في القضايا المعروفة باسم 1000 و2000 و4000.

وأعظمُ خدمة اسداها نتنياهو لإسرائيل انه استطاع بدهائه أن يغير معادلة ايلي كوهين وزير المخابرات الإسرائيلي من سلام مقابل السلام إلى سلام بلا مقابل والتي قامت عليها صفقة القرن بالتحالف مع صهر ترامب كشنر والتي اجهضتها المواقف الفلسطينية والاردنية الرافضة للصفقة، ثم جاءت أحداث غزة الأخيرة لتحوِّل أوراق صفقة القرن إلى رماد ولتدك ما تبقى من الحلم الإسرائيلي في ضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية بما فيها غزة إلى خارطة المساومات السياسية التي تضمنتها صفقة القرن.

وهنا لابد أن يقف العرب والمسلمون جميعاً ليقدموا التحية والشكر والعرفان للمقاومة الباسلة التي أسقطت معادلة ايلي كوهين سلام مقابل السلام والتي أطلقها في مقابل المبادرة العربية التي انطلقت من بيروت عام 2002 والتي قامت على مبدأ الأرض مقابل السلام والتي أكدت عليها قرارات مجلس الأمن 242 و 338 و425 والتي أجمعت على تخلي إسرائيل عن الأراضي التي احتلتها بالقوة مقابل سلام دائم ومستقر لكن سنوات الصراع الرهيبة أثبتت أن إسرائيل لا تريد السلام بل تريد المزيد من الأرض حتى تحقيق حلمها التلمودي في إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

فعسكرة المجتمع الإسرائيلي من ناحية وتحالفاتها الدولية القائمة على الدعم اللامحدود لإسرائيل وإستراتيجية بناء القوة التي لا تُقهر والمتفوقة عسكرياً على دول المنطقة تكشف للقاصي والداني أن إسرائيل لا تريد السلام إلا اذا كان هذا السلام في خدمة تلك السياسة.

وقد جاء نتنياهو يترجم هذه السياسة من خلال اتفاقيات التطبيع التي عقدها مع بعض الدول العربية بدون أن يعطي شيئا، فمنذ الوهلة الأولى وهو يخطط لاحتلال غزة والتخلص من المقاومة في الوقت نفسه كان يمد يد التطبيع إلى بعض العواصم العربية طالبا من عواصم أخرى أن تلتحق بقطار التطبيع، وقد بانت مطامع نتنياهو من هذا السلام انه ليس أكثر من مجرد فرصة للانقضاض على المقاومة الفلسطينية والتخلص منها تحت صمت وحيادية الدول المطبعة.

لكن مسار الأحداث غيّر كل شيء فقد وقفت المقاومة صَلِدة أمام المؤامرة الصهيونية ووقف الشعب الفلسطيني برمته مع المقاومة ووقفت الدول العربية حتى المطبعة شعوبا مع غزة الصامدة وعادت الدوائر العالمية تتحدث عن دولة فلسطينية مقابل دولة إسرائيلية تلك المعادلة التي كادت تندثر ولم يتحدث عنها أحد أمام أطماع نتنياهو في ابتلاع كل الأرض الفلسطينية.

إن التاريخ سوف لا ينسى ما قدمته المقاومة للقضية الفلسطينية حيث انها أجبرت الإسرائيليين على نبذ نتنياهو وإخراجه من حلبة السياسة الإسرائيلية وإلى الأبد، وإلى الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تشكيل دولته وعلى هذا المبدأ تقوم المساعي المصرية اليوم وهذا هو أول الطريق لتحرير كامل الأرض الفلسطينية من الاحتلال الصهيوني، فقد جاءت الظروف مواتية لتحقيق الأهداف الفلسطينية في استعادة كامل التراب الفلسطيني فمن خلال وحدة الشعب الفلسطيني والتلاحم العربي والإسلامي مع قضيتهم والتعاطف الدولي سيحقق هذا الشعب ما يصبوا اليه وهي الذخيرة الحية التي يجب أن تستثمرها المقاومة في أية مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.

كاتب عراقي

رأي اليوم