السياسية:

بينما يستعد الائتلاف غير المتجانس، بل المتناقض شكلاً ومضموناً، لتولي مقاليد الحكم في إسرائيل، يمثل وجود أحزاب عربية ضمن ذلك التحالف سابقة تاريخية لفلسطينيي الداخل.

ولم يكن دعم منصور عباس، رئيس القائمة العربية الموحدة، لحكومة “التغيير” التي ستطيح برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مفاجئاً، إذ أعلن عباس موقفه هذا منذ ظهور نتيجة الانتخابات التي أجريت في مارس/آذار الماضي وحصول القائمة على 4 مقاعد من إجمالي عدد الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) البالغ 120 مقعداً.

ففي مقابلة أجرتها معه وكالة الأناضول التركية في منزله في بلدة المغار (شمال إسرائيل) عقب ظهور نتيجة الانتخابات، قال عباس إن القائمة العربية الموحدة، باتت تحتل موقع “بيضة القبان” في السياسة الإسرائيلية.

لحظةٌ تاريخية لفلسطينيي الداخل

وسعى نتنياهو بالفعل لاستمالة عباس لكنه فشل، وظل موقف القائمة العربية الموحدة من الانضمام- لأول مرة- للحكومة الإسرائيلية معلقاً حتى اللحظة الأخيرة، حيث نجح زعيم حزب “هناك مستقبل” اليساري يائير لابيد في إبرام اتفاق مع عباس قبل ساعة واحدة من انتهاء مهلة لابيد لتشكيل الحكومة، وكان ذلك الموعد ينتهي منتصف ليل الأربعاء 2 يونيو/حزيران.

وقال عباس للصحافيين بعد توقيع الاتفاق: “قررنا أن نكون آخر من يوقع، وعندما شاهدنا هذا يتحقق، وقعنا”. وكانت القائمة العربية الموحدة قد أصدرت قائمة من 11 بنداً، تضمنت مطالب للمواطنين العرب، الذين يشكّلون 20% من عدد مواطني إسرائيل البالغ أكثر من 9 ملايين نسمة، حصلت عليها بموجب الاتفاق الذي وصفته بـ”التاريخي”.

وتاريخياً، تحرص الأحزاب العربية على عدم التعاطي الإيجابي مع أي حكومة إسرائيلية- إلا في حالات نادرة- كونها “صهيونية”، ولا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، وترفض إنهاء الاحتلال.

فلسطينيون يتظاهرون في الناصرة ضد زيارة نتنياهو الذي كان يحاول استجداء الناخبين العرب

لكنّ عباس، كسر هذا “التقليد”، حيث أعلن صراحة استعداده للتفاوض مع الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة، ومقايضتها على تمرير بعض مصالحها، مقابل إيجاد حلول لمشاكل العرب الكبيرة، “القانونية والمعيشية”.

وفي حينه، قال عباس: “قلنا إننا كقائمة عربية موحدة، لسنا في جيب اليسار ولا اليمين، وخياراتنا مفتوحة نتفاوض مع اليمين ونتفاوض مع اليسار، هل يمكن أن نتفق أو لا نتفق؟ هذه مسألة خاضعة لنتائج المفاوضات بشأن ما يمكن أن نحصل عليه”. وأضاف: “خطوطنا الحمراء هي حقوقنا، سواء أكانت قومية أو مدنية لا نتنازل ولا نقايض ولا نساوم عليها، من الممكن ألا نحققها كلها ولكن لا نتنازل عنها”.

علامات استفهام معلقة

ورصد تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية وجهات النظر المتعددة بين الفلسطينيين في الداخل تجاه الموقف الذي اتخذه عباس، بين مؤيد للخطوة ومستنكر لها.

ورأت الصحيفة الأمريكية أن الاتفاق على ائتلافٍ يطيح بنتنياهو ويضم حزباً عربياً مستقلاً في الحكومة لأول مرة، من شأنه أن يفجِّر الانقسامات في السياسة الإسرائيلية، وأن يفتح الباب أمام حقبةٍ جديدة مُحتَمَلة.

فإذا دعم البرلمان الائتلاف المُكوَّن من ثمانية أحزاب، فإنه يقدِّم احتمالاً بأن يضطلع المواطنون العرب في إسرائيل، الذين يشكِّلون حوالي خُمس السكَّان، بدورٍ أنشط في الحياة السياسية.

وفي الوقت نفسه، فإن احتمال اعتلاء نفتالي بينيت، الزعيم القومي اليميني، منصب رئيس الوزراء، يثير قلق العديد من العرب في إسرائيل. فلابيد وبينيت سيتناوبان على رئاسة الحكومة الجديدة، وسيجلس بينيت على المقعد الذي احتكره أستاذه نتنياهو 12 عاماً متتالية في العامين الأولين من عمر الحكومة المفترض أنه أربع سنوات، حال إكمال مدتها بالطبع.

وقالت ديانا بوتو، المحامية الفلسطينية البارزة المقيمة في حيفا، للصحيفة الأمريكية: “لقد تجادلت مع بينيت، وقال بصراحةٍ شديدة: (أنتِ لستِ مساويةً لي). هل كنت أريد خروج نتنياهو؟ نعم، لكن هل إلى حدِّ أن أريد بينيت رئيساً للوزراء؟ لا”.

ويرى البعض أن قرار حزب القائمة العربية الموحَّدة، وهو حزبٌ صغير، بالانضمام إلى الحكومة، بعد فترةٍ وجيزةٍ من تعرض فلسطينيي الداخل لهجمات عنيفة من جانب جيرانهم اليهود في إسرائيل الشهر الماضي ربما يعكس إدراكاً متزايداً بأن تهميش الأحزاب العربية لا يؤدِّي إلا إلى الشلل والانتخابات التي تتكرَّر نتائجها. وأشار هذا القرار أيضاً إلى وجود رغبة لدى بعض المواطنين العرب في إسرائيل لممارسة المزيد من التأثير السياسي.

وقالت فخيرة حلون، الخبيرة في حلِّ النزاعات، لنيويورك تايمز: “عادةً ما يكون الخطاب السائد هو تصوير الفلسطينيين داخل إسرائيل باعتبارهم أعداءً داخليين. نحن بحاجةٍ إلى تغيير هذا التصوُّر من خلال عدم التواجد دائماً في موقع المعارضة”.

وتطرح حلون أنه لدى انضمام منصور عباس للحكومة، فقد أعلن أنه يريد بناء معنى المواطنة بالنسبة للعرب؛ من خلال إشراكهم في العملية السياسية، حتى لو أن بعض الأحزاب اليمينية في الائتلاف “لا تمنحنا الشرعية للقول بأننا فلسطينيون، ولا تمنح الشرعية لتاريخنا”.

حقبة ما بعد نتنياهو

لقد كانت سيطرة نتنياهو على المجتمع الإسرائيلي والتصوُّرات الإسرائيلية من الشدة التي تجعل رحيله في نهاية المطاف يبدو مرادفاً لاحتمالٍ جديد. على مرِّ السنين، حكم نتنياهو من خلال الخوف بشكلٍ متزايد، وفي الواقع كان يخبر الإسرائيليين بأن البقاء من دونه أمرٌ مستحيل. 

وقد وضع نتنياهو المواطنين العرب في إسرائيل في القلب من تلك الاستراتيجية، فبينما كان يغازلهم في بعض الأحيان مؤخَّراً، غالباً ما كان يستخدم وجودهم لإثارة الخوف بين قواعده المؤيِّدة، وحذَّرَ في انتخابات عام 2015 من أن العرب كانوا يصوِّتون “بأعداد كبيرة”، وعمل على تأجيج الانقسام كلَّما أمكن ذلك.

ساهمت مثل هذه الاستفزازات، وإقرار مشروع قانون الدولة القومية في عام 2018 الذي ينص على أن الحق في ممارسة تقرير المصير “حصريٌّ على الشعب اليهودي”، في تأجيج الغضب الواضح خلال المواجهات العنيفة التي وقعت الشهر الماضي بين اليهود والعرب. وكانت الأسباب المباشرة هي سلسلةً من الأعمال العدوانية للمستوطنين والشرطة الإسرائيلية خلال شهر رمضان، ليس فقط بحق فلسطينيي الداخل ولكن أيضاً بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، مما أجج المشاعر العربية التي كانت بالفعل في حالةٍ من الهياج.

أما كيف يمكن لبينيت ممارسة السلطة في ائتلافٍ يضم العديد من الأعضاء على يساره، بما في ذلك كبير مهندسي الائتلاف، يائير لابيد، فهذا أمرٌ لا يزال غير واضح بعد. وقد يدفعه السعي وراء البقاء في المنصب نحو البراغماتية الإبداعية بدلاً من القومية العقائدية والتوسُّع الاستيطاني.

فرصة لتغيير قواعد اللعبة

وقال جعفر فرح، مدير مركز مساواة، وهو يمثِّل جماعةً مناصرةً للمواطنين العرب في إسرائيل، لنيويورك تايمز: “لا أعتقد أن حلَّ الدولتين أو المصالحة مع الفلسطينيين سيتحقَّق في العام أو العامين المقبلين. لكنني أعتقد أن هناك فرصةً للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل لتغيير قواعد اللعبة”.

من المؤكَّد أن القائمة العربية الموحَّدة، التي تتمتَّع بأربعة مقاعد في البرلمان، ستكون حاسمةً لبقاء ما سيكون ائتلافاً ضعيفاً، حتى لو لم تشغل أيَّ مناصب وزارية. وسيتعيَّن على الائتلاف النظر في مصالح فلسطينيي الداخل بطريقةٍ مختلفة.

ومن الناحية العملية، من المُرجَّح أن يضغط عباس من أجل زيادة الإنفاق على المجتمعات العربية، التي تتخلَّف عن السكَّان اليهود في إسرائيل في المدارس والمرافق الرياضية والبنية التحتية.

ورحَّب العرب البدو بإعلان القائمة العربية الموحَّدة بأن الحكومة الناشئة، إذا دعمها البرلمان، ستعترف بثلاث قرى في صحراء النقب في أول 45 يوماً من توليها السلطة، وإعداد خطة للتعامل مع القرى الأخرى غير المُعتَرَف بها في الأشهر التسعة الأولى من ولاية الحكومة.

ومن شبه المؤكَّد ألا تتأثَّر المسألة الشاملة المتمثَّلة في تحقيق سلامٍ يقوم على حلِّ الدولتين بوجود حزب عربي في الحكومة، وكان بينيت قد قال فعلاً إنه لن يقبل أبداً بدولةٍ فلسطينية.

لكن لابيد، الذي سيكون وزيراً للخارجية، لديه آراء أكثر اعتدالاً، ويمكن أن يمثِّل رحيل نتنياهو نهايةً لفترةٍ طويلةٍ كان هدف إسرائيل الثابت خلالها هو جعل إقامة الدولة الفلسطينية أقل احتمالاً أو حتى ممكناً.

وتشكُّ بوتو، المحامية الفلسطينية، في أن عباس يمكن أن تكون له أهمية من خلال دخول الحكومة، فقالت: “لقد فعل هذا لترك بصمته، لكنه لن يحصل على أيِّ شيء. إنه يدعم حكومة يقودها متطرِّف يريد توسيع المستوطنات”.

بالتأكيد كانت تجربة السنوات الأخيرة تمثِّل تهميشاً تدريجياً للفلسطينيين، ويمكن أن يستمر ذلك في ظلِّ حكومة بينيت. لكن حرب غزة الأخيرة في مايو/أيَّار أظهرت أن إسرائيل دائماً ما تكون أقل استقراراً مِمَّا تبدو عليه طالما أن صراعها الأساسي يتفاقم.

عربي بوست