بقلم: أردافان أمير أصلاني وإيناس بلخيري         

(صحيفة “لو نوفل ايكونميست- le nouvel economiste” الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

إن الانسحاب الأميركي بعيدا كل البعد عن التسبب في إشعال الفوضى، ولكن الظاهر يبدو على العكس من ذلك, فالانسحاب قد يؤدي إلى تهدئة التوترات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

دوامة الشرق الأوسط:

قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، هذا الأسبوع، إن السعودية تسعى إلى “إقامة علاقات جيدة مع إيران”، بما في ذلك العمل مع شركائها في المنطقة “للتغلب على خلافاتهم مع إيران”.

كما أشار إلى أن “إيران دولة مجاورة, وأن السعودية تريد بناء علاقات جيدة ومميزة معها, مشيراً إلى أن السعودية لا تريد أن يكون وضع إيران صعباً أو متعثراً معها.

بل على العكس من ذلك، فهي تريد لإيران أن تكون مزدهرة”, وعلى الرغم من سرعة تطور العلاقات الجيوسياسية المعاصرة، فإن التحول من الخطاب العدائي إلى خطاب تهدئة الجوار أمر مثير للدهشة.

والواقع, كان خطاب الأمير محمد بن سلمان مختلفاً تماماً قبل أربع سنوات من الآن.

وأكد لكل من أراد أن يسمع منه أن الحوار مع إيران مستحيل بهذه المصطلحات: “كيف يمكن أن يكون لديك حوار مع نظام مبني على أيديولوجية متطرفة؟”، مصراً على حقيقة أن النقاط والقواسم المشتركة بين الأنظمة كانت “تقريباً” غير موجود أو شبه معدومة”.

بلغت التوترات بين الرياض وطهران ذروتها في العام 2016, بعد الهجوم الذي استهدف مبنى السفارة السعودية في طهران من قبل المتظاهرين, رداً على إعدام السلطات السعودية رجل دين الشيعي نمر النمر.

خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم يتردد الأمير محمد بن سلمان، الذي حافظ على علاقات ممتازة مع الرئيس الأمريكي, في الانضمام إلى اتهاماته ضد إيران فيما يتعلق بتسليم الصواريخ والطائرات بدون طيار إلى الحوثيين في اليمن الذين يسيطرون على عاصمة بلدهم منذ أواخر سبتمبر من العام 2014.

كانت مواقف الرياض القوية حينها نتيجة منطقية لقطع العلاقات بشكلٍ كامل بينها وبين إيران, والتي كانت نقطة الخلاف هي الهيمنة غير المفاجئة على المنطقة.

ومنذ ذلك الحين، انتهى الوقت, نظرا لأن العديد من الاجتماعات عقدت بصورة غير رسمية خلال الأشهر القليلة الماضية.

محادثات سرية جارية:

على الرغم من نفي السعوديين والإيرانيين على حد سواء، إلا أن الحقيقة سرعان ما تجلت.

ومن وراء الكواليس، عمل العراق، البلد الذي دمرته الحرب على انتهاز الفرصة لتخفيف حدة التوتر بين المملكة العربية السعودية التي تعتبر نفسها زعيمة العالم الإسلامي السني وبين إيران القوة الشيعية الرئيسية, عن طريق تسهيل المناقشات بين كبار المسؤولين الأمنيين في كلا البلدين.

قال قائد قوات القدس الإيرانية، وهي وحدة النخبة في الحرس الثوري، إن “إيران لديها 80 مليون نسمة، ويمكن أن تكون للسعودية مصالح معنا، لاسيما في مجال الطاقة”.

كما أضاف أن العلاقات السلمية بين إيران والسعودية ستكون في مصلحة كلتا السلطتين.

شاركت دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر ومصر في المحادثات منذ بداية العام, وعلى سبيل المثال، أيد وزير الخارجية القطري دعوة الأمير محمد بن سلمان.

وعلى الرغم من المصالح المتعارضة بشكلٍ كامل بين طهران والرياض في الصراعات الجارية في كلاً من لبنان والعراق وسوريا واليمن، فإن المناقشات جارية بشكل جيد وحقيقي.

بيد أن تحسين العلاقات بين الرياض وطهران، الأعداء التاريخيين، من شأنه على الأقل أن يخفف إلى حد كبير من حدة الصدامات والتوترات في المنطقة أو حتى أن يبعث الأمل في خلق سلام دائم.

التحول الاستراتيجي بعوامل متعددة:

لا ريب أن السبب الرئيسي لهذا التغيير يرجع في الأساس إلى انسحاب القوات الأميركية مؤخراً من المنطقة، وذلك نظراً لعدم اهتمامها التدريجي في منطقة  الشرق الأوسط والتركيز الكامل على آسيا.

وأدى عدم تدخل واشنطن تدريجياً في النزاعات الدائرة في الشرق الأوسط إلى قيام الأمير محمد بن سلمان بهذا التغيير في الإستراتيجية.

شكلت حادثة استهداف  المنشآت النفطية السعودية نقطة تحول ملحوظة, حيث أن هذا الهجوم الذي لم يعقبه أي رد فعل من جانب ما يسمى بحليفهم دونالد ترامب ضد المشتبه فيه الرئيسي إيران، كان بمثابة ضربة قاصمة للسعوديين.

وبما أنهم تركوا اليوم بشكل واضح لأجهزتهم الخاصة، فقد فهموا أن عليهم أن يخلقوا حلفائهم على الأرض، بل وأكثر من ذلك, منذ وصول جو بايدن الذي أكد نهاية الدعم السياسي والعسكري الأميركي للرياض.

والواقع يشير إلى أن الرئيس الأميركي الجديد أشد صرامة وقسوة من سلفه في التعامل مع الأمير محمد بن سلمان، وخاصة بعد عملية الاغتيال الشنيع الذي تعرض لها الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية مطلع أكتوبر من العام 2018, وذلك بحسب, التقرير الذي أعدته وكالة الاستخبارات المركزية.

وعلاوة على ذلك، في مواجهة الحوثيين اليمنيين، اضطر بن سلمان مؤخرا إلى إعلان أنهم عرب وليس عملاء لإيران.

إن ارتفاع معدل الهجمات التي شنها الحوثيون ــ والتي تقدر بحوالي 150 هجوماً منذ العام 2019 ــ على المنشآت النفطية في المملكة السعودية، وخاصة على عملاق النفط “أرامكو”، كان سبباً في دفع ولي العهد إلى الرد.

وأخيراً، فإن انهيار أسعار النفط بسبب جائحة الفيروس التاجي, يقوض بشكل خطير قدرة مشروع “رؤية 2030” على البقاء والذي تبناه الأمير محمد بن سلمان.

وتتمثل مهمة هذا المشروع في إعادة بناء الاقتصاد السعودي ليصبح اقتصادا أقل اعتمادا على النفط وجذب الاستثمارات الأجنبية على وجه الخصوص.

وعلى هذا, فإن بن سلمان يدرك تمام الإدراك, أنه ليس أمامه من خيار آخر, سوى التخلي عن سياسته الخارجية العدوانية لصالح دبلوماسية أكثر سلاماً، وخاصة مع النظام الإيراني، بعد أن لاحظ على وجه الخصوص أن سياسة “الضغط الأقصى” على إيران فشلت في إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية.

وفي الوقت نفسه، فإن إيران التي وضعت في موقف دقيق وحساس بعد سنوات من العقوبات القاسية ضد اقتصادها، تمر بمرحلة تحول بتزامن مع إجراء الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو القادم.

ميلاد الدبلوماسية الإقليمية:

وعلى الرغم من التوقعات، فإن الانسحاب الأميركي لم ينتج عنه خلق الفوضى في المنطقة، بل يبدو أنه سمح بظهور دبلوماسية إقليمية، حتى ولو كانت في بدايتها فقط.

ومع ذلك، إذا كان هناك المزيد والمزيد من المناقشات بين السلطة الفارسية والبلدان العربية، فمن الوارد أيضا أن القادة قد لا يكون قادرين على الاتفاق بسبب الفجوة بين هذه الجهات الفاعلة.

ومما يزيد من حدة ذلك أنه لا توجد في المنطقة مؤسسة متعددة الأطراف بوسعها  أن تعمل على الحد من وتيرة المفاوضات في إطار سلمي.

وبالتالي، من خلال انعدام الثقة الكبيرة والعداوة التاريخية لهذه البلدان، يمكن لأقل شرارة أن تدمر كل شيء.

*  المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع