السياسية :

كتبت نهال طوسي في مجلة “بوليتكو” الأميركية مقالة تناولت فيها جهود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للتوصل إلى إطلاق النار بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية.

وقالت الكاتبة إن مسؤولي إدارة بايدن وضعوا في اعتبارهم خلال سعيهم إلى إنهاء القتال الإسرائيلي الفلسطيني الأخير، معركتي 2012 و2014 بين “إسرائيل” ومقاتلي حركة حماس الذين يسيطرون على قطاع غزة.

فقد استمر القتال في عام 2012 ثمانية أيام، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 160 فلسطينياً وستة إسرائيليين. ولعبت وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون دوراً رئيسياً. أما حلقة 2014 فهي غالباً ما توصف بأنهل حرب إذ استمرت نحو 50 يوماً وأسفرت عن مقتل أكثر من 2200 فلسطيني وأكثر من 70 إسرائيلياً. وكان جون كيري، خليفة كلينتون، منخرطاً بعمق في محاولة التوسط للتوصل إلى حل.

وأضافت الكاتبة أن مساعدي الرئيس بايدن – الذين عمل الكثير منهم مع كلينتون أو كيري أو مع كليهما – كانوا يعلمون أنهم لا يستطيعون منع “إسرائيل” من الانتقام عندما بدأت “حماس” في إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية في 10 أيار / مايو. لذلك قرروا أن يتأكدوا أن القتال سيكون قصيراً مع عدد قليل من الضحايا ما أمكن ذلك، أي بعبارة أخرى، أكثر شبهاً بعام 2012 مقارنة بعام 2014. تطلب ذلك تطبيق ما يعتقدون هم والعديد من المحللين أنه الدروس المستفادة من الحربين السابقتين.

العمل خلف الكواليس

وبحسب ثلاثة أشخاص مطلعين على الوضع الحالي، تضمن هذا النهج أن يعمل مسؤولون أميركيون خلف الكواليس على الجبهة الدبلوماسية، وخاصة في البداية، والقيام بعرقلة تحركات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك المطالب بوقف إطلاق النار، والاعتماد على لاعبين آخرين في المنطقة، ولا سيما مصر، للقيام بالعبء الثقيل في مفاوضات التهدئة.

وأوضحت الكاتبة أن الأيام القليلة المقبلة ستظهر ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستنجح. يوم الخميس، أعلنت الحكومة الإسرائيلية و”حماس” عن موافقتهما على وقف إطلاق النار.. لكن لا أحد يتوقع أن تدوم الهدنة إلى الأبد، لكنها بداية.

وقال بايدن في مساء الخميس بعد إعلان وقف إطلاق النار: “في حديثي مع رئيس الوزراء [بنيامين] نتنياهو، أثنت عليه لقرار إنهاء الأعمال العدائية الحالية في أقل من 11 يوماً”. وأضاف: “لقد أجرينا مناقشات مكثفة رفيعة المستوى ساعة بساعة، مع مصر والسلطة الفلسطينية ودول الشرق الأوسط الأخرى [بهدف] تجنّب هذا النوع من الصراع المطول الذي شهدناه في السنوات السابقة عندما اندلعت الأعمال العدائية”.

المقارنة بحربي 2012 و2014

وقالت الكاتبة إنه من الصعب مقارنة معركة بأخرى، حتى في صراع دوري ويبدو أنه لا نهاية له مثل الصراع بين “إسرائيل” والفلسطينيين. إذ لكل حلقة من حلقات القتال سياقها الخاص سياسياً ولوجستياً. ومع ذلك، يعتقد المسؤولون والمحللون الأميركيون أنه في هذا الصدام الأخير، كانت هناك دروس يمكن تطبيقها من عام 2012، وخاصة عام 2014.

وأشارت إلى أن عاملاً جوهرياً هو أن يكون لديك مستوى مناسب من المشاركة الدبلوماسية الأميركية القوية ولكن الهادئة. فقد قررت الإدارة، من تجربة سابقة، أن وضع الولايات المتحدة في المقدمة وفي وسط الحرب يمكن أن يؤجج التوترات وربما يحفز أحد الجانبين أو كليهما على مقاومة الضغط الأميركي، حتى لو كان ذلك من أجل الاستعراض السياسي. لذلك، قرر مساعدو بايدن أن الولايات المتحدة لن تكون غائبة، بل ستعمل بشكل أساسي عن بعد وخلف الكواليس.

80 اتصالاً أميركياً بالإسرائيليين

وهذا يعني عشرات المكالمات من المسؤولين الأميركيين (أكثر من 80 “مشاركة”، قال البيت الأبيض يوم الخميس)، ليس فقط مع الفلسطينيين والإسرائيليين ولكن كذلك مع الحكومات الإقليمية مثل قطر ومصر. وهذان البلدان لهما صلات بحركة حماس، التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها جماعة إرهابية ولا تتواصل معها بشكل مباشر.

أُجريت بعض المحادثات في الفترة التي سبقت يوم الاثنين، 10 أيار / مايو، على وقع المخاوف من التوترات المتزايدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشأن الوصول إلى الأماكن المقدسة، وعمليات الإخلاء المحتملة لبعض العائلات الفلسطينية، والطريق الاستفزازي المحتمل لمسيرة الجناح اليميني الإسرائيلي. أدت هذه الاضطرابات إلى اشتباكات أسفرت عن إصابة أكثر من 300 فلسطيني، مما دفع “حماس” إلى البدء في إطلاق الصواريخ على “إسرائيل” التي ردت بضربات جوية على غزة.

وكشفت الكاتبة أنه لم يتم الإعلان عن العديد من الاتصالات الأميركية، التي تضمنت مسؤولين على جميع المستويات. لكن الإدارة شاركت ملخصات عديدة لهذه الاتصالات بين مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكين ومسؤولين إسرائيليين ومسؤولي دول آخرين. وقد عمل بلينكين بشكل خاص على تسريع وتيرة الاتصالات مع قادة الشرق الأوسط مع استمرار الصراع، على الرغم من أنه أمضى الأيام القليلة الماضية في زيارة أيسلندا والدنمارك وغرينلاند. وكان للرءيس بايدن نفسه دوره، فقد تحدث إلى نتنياهو ست مرات على الأقل، ويبدو أنه زاد الضغط مع كل مكالمة. وأكد مسؤول كبير في الإدارة أنه أجرى مكالمتين معه يوم أمس الخميس.

أخطاء عام 2014

لكن الولايات المتحدة لم ترسل مسؤولاً رفيع المستوى إلى “إسرائيل”. وأرسلت نائب مساعد وزير الخارجية هادي عمرو الذي يشرف على الملف الإسرائيلي الفلسطيني لكن صلاحياته محدودة. ومن غير الواضح تماماً لماذا لم ترسل إدارة بايدن شخصاً أعلى رتبة. ربما كان ذلك بسبب بقاء العديد من الوظائف شاغرة في الإدارة ولأن الشخصيات، مثل بلينكين، قد تعرضوا لضغوط. لكن أحد الأشخاص المطلعين على الوضع قال للكاتبة إن الإدارة لم تكن تريد أن يُنظر إليها على أنها تسيطر على محادثات وقف إطلاق النار، على الرغم من أنها ساعدت في تسهيلها.

وقالت الكاتبة إن كان هذا خطأً يعتقد العديد من المسؤولين والمحللين الأميركيين أنه حدث في عام 2014، عندما وجد كيري نفسه يحاول التوصل إلى هدنة. تم وقف إطلاق النار عدة مرات، لكن سرعان ما انهار، مما أدى إلى تجدد القتال.

وقال دينيس روس، وهو مفاوض قديم بشؤون الشرق الأوسط وعلى اتصال بمسؤولي إدارة بايدن: “كيري أقحم نفسه في عام 2014، وقد دخل في منتصف الأمر بطريقة أطالت أمده بالفعل”. وقال روس إنه أرسلت شكاوى من الإسرائيليين والفلسطينيين حول تورط كيري. وأضاف روس أن أحد الأخطاء التي ارتكبها كيري هو أنه اعتمد كثيراً على قطر القريبة من “حماس” والتي يمكن أن تؤثر عليها. ترك القطريون لقيادة “حماس” انطباعاً بأنهم يمكن أن يحصلوا على أكثر مما كانت “إسرائيل” مستعدة بالفعل لإعطائه في محادثات وقف إطلاق النار، كما أدى وجود كيري إلى زيادة توقعات “حماس”.

أهمية دور مصر

وقال روس إنه نتيجة لذلك، كان هناك درس آخر تم تعلّمه وهو الاعتماد أكثر على المصريين للتوسط في الهدنة.

كما أن حرب 2014 قد سببت أضراراً بالغة للعلاقة المتوترة أصلاً بين الرئيس آنذاك باراك أوباما ونتنياهو، اللذين اختلفا، من بين أمور أخرى، بشأن قرار الولايات المتحدة متابعة المحادثات النووية مع إيران.

تحدث أوباما مرات عدة بشأن القتال في عام 2014، وتحدث مع نتنياهو مرتين على الأقل. مثل بايدن اليوم، صرح مراراً أن لـ”إسرائيل” الحق في الدفاع عن نفسها ضد “حماس”، ولكن مع استمرار الاشتباكات وتزايد الخسائر في صفوف المدنيين، ازداد إحباط أوباما. في مرحلة ما، ضغط على “إسرائيل” من أجل “وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار لأسباب إنسانية”.

في عام 2012، تحدث أوباما مع نتنياهو مرتين على الأقل وسط الأعمال العدائية. كما أرسل هيلاري كلينتون إلى المنطقة للمساعدة في دفع وقف إطلاق النار. وقال روس إن سبب الحاجة لوجودهاهناك هو أن الرئيس المصري محمد مرسي أنذاك، وهو شخصية من جماعة الإخوان المسلمين لم يرغب في التعامل بشكل شخصي مع “إسرائيل”.

قد يبدو للوهلة الأولى أن معركة عام 2012 الأقصر قد تم التعامل معها بشكل جيد من قبل كلينتون وآخرين في إدارة أوباما، إلا أن بعض المحللين ليسوا متأكدين من أن الآثار طويلة المدى كانت إيجابية. لسبب واحد، وهو أن القتال تجدد بعد عامين فقط، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان لدى “إسرائيل” ما يكفي من الوقت لنزع السلاح بشكل كافٍ من البنية التحتية العسكرية التي بنتها “حماس” في غزة.

عرقلة بيانات مجلس الأمن

وقال جوناثان شانزر، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات”: “من المحتمل أن تكون هناك عواقب سلبية لترك الصراع يستمر، وكذلك عواقب سلبية محتملة لتركه ينتهي بسرعة كبيرة”.

ولكن عندما سئل عما إذا كان ينبغي على إدارة بايدن أن ترسل بلينكين لدفع وقف إطلاق النار أو تعزيز المحادثات، قال شانزر: “لا ، لا. يجب أن يقدم توني الدعم الكامل لطرف ثالث موثوق به في المنطقة. مصر هي ذلك الطرف”.

وأوضحت الكاتبة أنه مع أخذ عامي 2012 و2014 في الاعتبار، اختارت إدارة بايدن منع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من إصدار بيانات وقرارات تتعلق بالصراع، بما في ذلك دعوات لوقف إطلاق النار. إذ كان هناك اعتقاد قوي بين المسؤولين الأميركيين بأن الحكومة الإسرائيلية، التي لطالما اعتبرت الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة متحيزة ضدها، سيكون رد فعلها سلبياً على ضغوط المنظمة الدولية.

وقال شخص مطلع على الوضع إن الإدارة الأميركية أدركت أنها ستُتهم بعدم الوفاء بوعودها بتعزيز حقوق الإنسان إذا أعاقت تحرك مجلس الأمن. لكنها قررت أن الأمر يستحق المخاطرة إذا كان الصراع سينتهي بشكل أسرع مع خسارة عدد أقل من الأرواح.

في عام 2012، مع اقتراب وقف إطلاق النار، منعت إدارة أوباما مجلس الأمن من إصدار بيان يدين العنف. وفي عام 2014، لم تمنع إدارة أوباما دعوات عدة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، بما في ذلك تلك التي تم إجراؤها بعد أسبوع تقريباً من القتال الذي استمر 50 يوماً.

الضغوط على “إسرائيل”

وكان هناك كذلك سؤال حول مدى إصرار الولايات المتحدة نفسها على موافقة الجانبين على وقف إطلاق النار.

في الأيام الأخيرة، كانت واشنطن تضغط وراء الكواليس أكثر من أجل هدنة مع مرور الأيام ومقتل المزيد من الناس. في السر، كان المسؤولون الأميركيون، بمن فيهم الرئيس بايدن، ينقلون للإسرائيليين أنهم لا يستطيعون حماية “إسرائيل” لفترة أطول على المسرح الدولي. شعرت الإدارة بضغط من الكونغرس أيضاً، حيث دعا الديمقراطيون التقدميون إلى وقف إطلاق النار وشككوا في جدوى المساعدة العسكرية الأميركية لـ”إسرائيل”.

ومع ذلك، كانت إدارة بايدن في تصريحاتها العامة أكثر حرصاً، قائلة في وقت مبكر إنها ستساعد في تسهيل وقف الأعمال العدائية إذا كانت الأطراف المتحاربة مهتمة. وهذا الأسبوع، وسط مؤشرات على أن كلاً من “حماس” و”إسرائيل” على استعداد لوقف القتال، بدأت إدارة بايدن في أن تكون أكثر انفتاحاً بشأن الرغبة في وقف إطلاق النار.

وفي اتصال هاتفي مع نتنياهو يوم الاثنين، أعرب بايدن عن “دعمه لوقف إطلاق النار”. وتحدث بايدن مع نتنياهو مجدداً يوم الأربعاء وزاد الضغط. وبحسب البيت الأبيض، فإن “الرئيس أبلغ رئيس الوزراء أنه يتوقع تهدئة كبيرة اليوم في طريق وقف إطلاق النار”.

ورد نتنياهو على هذا الضغط ببيان يشير إلى أن “إسرائيل” مستعدة للقتال لفترة من الوقت، لكن مسؤولي الإدارة في تلك المرحلة كانوا واثقين بشكل متزايد من أن وقف إطلاق النار في متناول اليد.

المناورة السياسية

وقال محللون إن العمل وراء الكواليس للتحضير لهدنة أعطى كلاً من بايدن ونتنياهو بعض المجال للمناورة السياسية. وكان يمكن لبايدن أن يزيد الضغط علناً على الزعيم الإسرائيلي كوسيلة لتهدئة الديمقراطيين التقدميين، بينما قد يبدو أن نتنياهو أنه يوبخ بايدن في إيماءة للعديد من أنصاره اليمينيين الإسرائيليين.

انتقد النشطاء الإدارة بسبب ما بدا أنه رد فعل بطيء على الأزمة الشاملة، والتي بدأت بتوترات متزايدة قبل أن تطلق “حماس” صواريخها في 10 أيار / مايو. ولا يزال هناك قلق بشأن ما إذا كان وقف إطلاق النار الجديد سيستمر، وإلى متى.

وقال شانزر إن “إسرائيل” قد ألحقت على ما يبدو أضراراً بأصول “حماس” خلال هذه الأيام الـ11 أكثر مما تمكنت من إلحاقه خلال معركة استمرت ثمانية أيام في عام 2012.

وقالت الكاتبة إن ثمة سؤالاً واحداً الآن هو ما إذا كانت إدارة بايدن ستجعل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أولوية أكثر. فقد تولى بايدن منصبه من دون أوهام بأنه سيكون قادراً على حل النزاع طويل الأمد. لقد كان أكثر تركيزاً على التحديات الأخرى، مثل تلك التي يمثلها صعود الصين ووباء فيروس كورونا.

ولا يزال من غير المحتمل أن تحاول الإدارة إطلاق محادثات سلام أوسع نطاقاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين في أي وقت قريب، لكن قد يعزز بايدن بعض الموظفين المخصصين لهذا الموضوع. وقد يشمل ذلك تعيين سفير أميركي لدى “إسرائيل” بشكل أسرع وإعادة فتح القنصلية الأميركية التي تتعامل مع السلطة الفلسطينية. وقد أغلق الرئيس السابق دونالد ترامب القنصلية في واحدة من سلسلة من التحركات التي أضعفت روابط الولايات المتحدة بالفلسطينيين.

وأشار روس إلى أن غزة ستحتاج إلى مساعدات إعادة الإعمار، وأن بإمكان بايدن تسمية شخص ما للإشراف على الدور الأميركي في هذه الجهود، وهو دور زاد تعقيداً بسبب عدم رغبة الولايات المتحدة في التعامل مع “حماس”. وقال روس: “سيتطلب ذلك جهوداً نشيطة جداً، وكذلك نوعاً من التركيز”.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع