الشبح الذي يطارد واشنطن في كل مكان.. هل أصبحت الصين حجة القادة الأمريكيين لتحقيق مكاسب سياسية؟
السياسية:
الصين ذريعة لكل التغييرات التي تحدث في أمريكا، من ترك الشرق الأوسط يشتعل إلى إعطاء أولوية منخفضة لقضية التغير المناخي.
إذ صار الانتصار في الحرب الباردة على بكين تبريراً أساسياً لتصرفات الحكومة الأمريكية، سواء القريبة من شواطئ الصين أو على الجانب المقابل من العالم. فبدايةً من دبلوماسية لقاح كوفيد-19 وصولاً إلى استثمارات البنية التحتية، تُخيّم الصين على كل قرار كبير يجري اتخاذه أو مناقشته في الكابيتول، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وفي الشرق الأوسط سوف يكون هناك ضغط مستمر على الشركاء العرب وإسرائيل، للحد من علاقاتهم مع روسيا والصين، وسوف يكون هذا واضحاً بوجه خاص في مجالات الدفاع والأمن، والفضاء الإلكتروني، والذكاء الاصطناعي، والطاقة النووية، حسبما قالت الخبيرة السياسية كريستين فونتينروز، مديرة مبادرة “سكوكروفت” الأمنية للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأمريكية.
ومن المؤكد أنه سوف يكون هناك تأكيد على المشاركة في تحمل الأعباء. وقال أحد الأصدقاء المقربين لبايدن مؤخراً إن الرئيس لا يفكر في سحب القوات الأمريكية، ولكنه يفكر في إنهاء الحروب، وسوف يعني هذا الضغط بقوة على دول المنطقة لتكون وسطاء لتحقيق السلام، وتقديم تنازلات، وتوفير حوافز للخصوم لإنهاء الصراعات.
وتضيف فونتينروز أنه سوف يكون هناك ضغط مستمر على الشركاء العرب وإسرائيل للحد من علاقاتهم مع روسيا والصين، وسوف يكون هذا واضحاً بوجه خاص في مجالات الدفاع والأمن، والفضاء الإلكتروني، والذكاء الاصطناعي، والطاقة النووية.
وفي الشهر الماضي اقترح باحث العلاقات الدولية فرانسيس فوكوياما أن تُقدّم الولايات المتحدة “استثماراً صغيراً نسبياً لاستعادة النفوذ على دولة الجبل الأسود المهمة استراتيجياً من الصينيين”.
وبالطبع استغل صقور الإدارة الفرصة لإضافة اسم الصين في خطابهم من أجل الحفاظ على سير الأمور كالمعتاد في واشنطن.
وقبل ذلك حاول ترامب استغلال العداء للصين، ليتنصل من أخطائه في مكافحة فيروس كورونا، حتى إنه وصف الفيروس بفيروس ووهان أو الفيروس الصيني.
الجيش الأمريكي يستغل شبح الصين لتعزيز قوته
حذّر تقريرٌ لمكتب مدير الاستخبارات القومية من أنّ الصين “هي منافسٌ شبه نظير” وأكبر تهديد دولي يواجه أمريكا. وحذّر التقرير أيضاً من أن الصين تريد مضاعفة مخزونها من الرؤوس الحربية النووية، والسعي الجاد إلى إعادة توحيد الصين مع البر الرئيسي الأم خلال العقد الجاري.
وبالطبع، أدّى ذلك إلى دعوات لتعزيز قدرات البنتاغون بتخصيص المزيد من الأموال له. واستجابةً لميزانية بايدن الدفاعية الأخيرة، قالت ماكينزي إيغلن من American Enterprise Institute إن “الجيش الأمريكي هو الكيان الفيدرالي الوحيد الذي يخضع لحميةٍ غذائية مالية”.
لكن ميزانية الدفاع الأمريكية ضخمةٌ بالفعل، حيث قال فريد زكريا من شبكة CNN الأمريكية: “أهلاً بكم في عصر تضخم ميزانيات البنتاغون الجديد، وكلها بحجة التهديد الصيني الكبير”، مشيراً إلى أنّ إنفاق البنتاغون الدفاعي يتجاوز إنفاق الكيانات الفيدرالية العشرة التي تليه”.
والقوة الفضائية الأمريكية التي أسسها ترامب تُعطَى الأولوية في عهد بايدن، وأحد الأسباب الرئيسية هي المنافسة على الصين في ريادة الفضاء.
حتى عند الحديث عن البنية التحتية فإن الصين تُقحَم في الخطاب
كما أن الاستثمارات التي لا علاقة لها بالجيش صارت تحدث أيضاً بحجة الصين، حسبما ورد في تقرير موقع Responsible Statecraft.
إذ ذكر بايدن في خطاب البنية التحتية، يوم الأول من أبريل/نيسان، اسم الصين 6 مرات. بينما لم يتطرق لأزمة المناخ سوى مرة واحدة بحسب مراسلة مجلة The New Republic الأمريكية كيت أرونوف.
لدرجة أن توزيع لقاح كوفيد-19 تجري صياغته كنوعٍ من أنواع مواجهة النفوذ الصيني، بدلاً من حقيقة كونه أمراً للمصلحة العامة.
حتى إنّ الرئيس التنفيذي لشركة الأسلحة Lockheed Martin استغل حجة التنافس بين القوى العظمى لتبرير ضرورة السماح لشركته -التي تصنع طائرة إف 35 سعرها 80 مليون دولار- بتجنب مخاوف مكافحة الاحتكار والاستحواذ على شركة Aerojet Dynamics.
كما أنّ اللجنة القومية للذكاء الاصطناعي، التي يرأسها الرئيس التنفيذي السابق لـGoogle إيريك شميت، قد حذّرت من أنّ الذكاء الاصطناعي “سيُغيّر كافة أوجه الشؤون العسكرية” وأنّ الصين وروسيا لن تمتثلا على الأرجح لشروط معاهدات السيطرة على أسلحة الذكاء الاصطناعي.
وسلك أيضاً العديد من المسؤولين الدفاعيين السابقين هذا المسلك. إذ حذّر الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس من أنّ الولايات المتحدة “في طريقها إلى كارثة حرب سيرانية تُشبه بيرل هاربور، في ظل عدم تخصيص الموارد العسكرية والمدنية للمشكلة. ويجب عليها بناء ثالوث استراتيجي جديد من الهجمات السيبرانية، وقوات النخبة، والمركبات المسيّرة”.
ولا شكّ أنّ التعبئة الشعبية لمواجهة قوةٍ عظمى أخرى تُعتبر من سمات الحرب الباردة، على حد وصف المعلقين والساسة لها.
تحالف للمستبدين
وحربٌ باردة جديدة تعني بالطبع تنافساً عالمياً، إذ اقترحت صحيفة New York Times الأمريكية أنّ الصين تحاول بناء “تحالف عالمي للأنظمة الاستبدادية”. وعلى وتيرة إيقاع الصحيفة الأمريكية، كتبت صحيفة Wall Street Journal، أنّ الصين تعتقد الآن أنّها مساويةٌ للولايات المتحدة، وبالتالي فهي تستطيع إنشاء نظامٍ عالمي جديد.
وهذا الخطاب أتاح لقادة الجيش الأمريكي حول العالم فرصة الضغط من أجل الحصول على موارد أكبر في مناطق اختصاصهم، بعيداً عن الشواطئ الصينية. إذ جادل كبار قادة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وإفريقيا بحججٍ تتعلق بالصين للدلالة على مدى أهميتهم في الشهادات الأخيرة أمام الكونغرس.
إذ قال قائد القيادة الجنوبية الأمريكية الأدميرال كريغ فالر، أمام الكونغرس في مارس/آذار الماضي: “نرى أيضاً أنّ ارتفاع نفوذ جمهورية الصين الشعبية وتأثيرها لا يُعد مشكلةً في منطقة بحر الصين الجنوبي فقط، بل هي مشكلةٌ عالمية، وزيادة قوتنا تزيد أمننا القومي”.
بينما قال زميله ستيفين تاونسيند، قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا، أمام الكونغرس الشهر الجاري: “لقد استثمرت الصين بشكلٍ هائل في قارتها الثانية، أو سلسلة جزرها الرابعة أو الخامسة كما تصفها بعض المؤسسات البحثية”.
وأي تراجع في الصراعات القديمة القائمة لم يعد يصب في مصلحة الإرهابيين فقط، بل في مصلحة بكين أيضاً. حيث جادل النائب آدم كيدزينغر مؤخراً بأنّ الانسحاب من أفغانستان سيكون قراراً خاطئاً، لأنّ الصين تريد المعادن الأفغانية “من أجل إحكام قبضتها على العالم”.
وطالب بعض صقور الإدارة كذلك بتكثيف الصراعات القديمة بحجة الصين.
إذ قال الرئيس التنفيذي لـFoundation for Defense of Democracies مارك دوبوتيز إنّ الموقف المتشدد من إيران سيساعد في الإشارة إلى ما تعتزمه الولايات المتحدة لمواجهة الصين، وذلك خلال نقاش على تطبيق Clubhouse الشهر الماضي.
وأردف: “يتجه الروس والصينيون نحو الشرق الأوسط”، محذراً من أنّ شركاء الولايات المتحدة قد يسعون إلى نيل الحماية من تلك الدول في حال تراجع الولايات المتحدة. وأوضح: “لا يمكننا أن نتواجد في كل مكان في نفس الوقت، ولكن لا يسعنا أيضاً أن نبعث برسالة تقول إنّنا سنتخلى عن حلفائنا بتأجيل البت في مشكلة إيران”.
وفي الوقت ذاته شجّع دوبوتيز شركاء الولايات المتحدة على تنفيذ المزيد من الأعمال التجارية مع الصين، “بالتزامن مع الدور المهم للسعوديين وغيرهم في توفير بدائل لنفط الجمهورية الإسلامية”، ما سمح لبكين أن تمتثل للعقوبات الأمريكية وتقلل تجارتها مع إيران.
ما الحل مع الصين؟
ويعتقد دوغ باندو في مقال كتبه في موقع معهد كاتو الليبرالي التوجهات، إن هذا التوتر بين الصين وأمريكا لا يعود لصعود الصين الاقتصادي بشكل أساسي، بل العامل الأكبر هو صعود الرئيس شي جين بينغ.
فعلى الرغم من أن السياسات الصينية بدأت تتشدد قبل صعود شي، فإنه عزز وضع الحزب الشيوعي الصيني (CCP) كمؤسسة لينينية، وانتقل إلى الوراء نحو الشمولية الماوية في الداخل.
وفي عهده، بدت الاشتراكية ذات الخصائص الصينية مثل الفاشية، وتم تجنيد الشركات الخاصة كأداة لسلطة الدولة، وسعى إلى تحقيق امتيازات قومية في الخارج.
ولكن باندو يرى أن حكم شي لن يستمر إلى الأبد، فعندما يذهب، سواء من خلال الموت أو التقاعد أو الانقلاب يمكن للصين أن تعود إلى مسار أكثر ليبرالية.
فلقد أدت وفاة جوزيف ستالين في عام 1953 إلى تحرر كبير في الاتحاد السوفييتي، على الرغم من استمرار الحرب الباردة. حكم رئيس الوزراء نيكيتا خروتشوف بلمسة أخف، فيما كان يعد نسخة مبكرة ومحدودة من البيريسترويكا والغلاسنوست.
مع عدم اليقين بشأن مستقبل الصين يجب على واشنطن أن تلعب اللعبة الطويلة. يجب على الدول الغربية أن تكون نموذجاً أفضل للقيم الديمقراطية، وأن تشجع تدفق المعلومات بشكل أكثر حرية إلى الشعب الصيني، عبر الإنترنت وخارجه.
في المقابل، فإن هذا النوع من الهجوم المباشر على شرعية الحزب الشيوعي الصيني الذي أطلقه وزير الخارجية السابق الأمريكي السابق مايك بومبيو، يخاطر بإقناع القيادة الصينية بأنها تواجه تهديداً وجودياً، ما يضمن استجابة أكثر عدائية ومحمية. والأسوأ من ذلك أن مثل هذه التكتيكات تساعد قيادة بكين على ارتداء عباءة القومية الصينية.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رأي الموقع