شارل أبي نادر
السياسية:

ما تقوم به المقاومة الفلسطينية اليوم يحمل أبعاداً استراتيجية وتغيرات أساسية في الصراع التاريخي مع الصهاينة.

لا شكّ في أن ما يخوضه الفلسطينيون اليوم من مواجهات حساسة يشكل نقطة مفصلية في الصراع مع الاحتلال الصهيوني. وقد تكون مفاعيل مواجهة اليوم في القدس المحتلة، وفي مدن الضفة الغربية وبلداتها، وفي المناطق المحتلة العام 48، وعلى أبواب غزة الصّامدة الأبية، ونتائجها، أهم وأكثر تأثيراً من جميع المعارك التي خاضها العرب والفلسطينيون في مواجهة “إسرائيل”. وما تقوم به المقاومة الفلسطينية اليوم يحمل أبعاداً استراتيجية وتغيرات أساسية في الصراع التاريخي مع الصهاينة.

بعد هذه المواجهة، يمكن أن نتحدث عن “المقاومة الفلسطينية” كعنوان واضح ومحدد، من دون ذكر الفصائل بأسمائها، سواء “حماس” أو “الجهاد الإسلامي” أو “ألوية الناصر صلاح الدين” أو “كتائب الأنصار” أو “كتائب المجاهدين” أو “كتائب أبو علي مصطفى” أو غيرها، لأن هذه الفصائل برهنت اليوم أنها جسم واحد يقاتل ويضحي ويقاوم من أجل كل فلسطين المحتلة. وقد برهنت ذلك بالهبة الواحدة، وبالكلمة الواحدة، وبرابطة الدم المشترك الواحد الَّذي سال في المعركة نفسها، وفي سبيل الأهداف نفسها، في مواجهة محتل واحد معروف: العدو الإسرائيلي.

تخوض المقاومة الفلسطينية اليوم معركة تاريخية ذات أبعاد مهمة. وإضافةً إلى بُعد تثبيت معادلة منع استهداف المدنيين في غزة وغيرها، من خلال الرد باستهداف المدنيين والمناطق المدنية لدى الكيان الصهيوني، تخوض المقاومة أيضاً معركة تثبيت شرعيتها كمقاومة تقاتل وتفاوض بالحديد والنار وبذل التضحيات، لنصرة كلّ فلسطين، وكل الأراضي المحتلة.

تخوض المقاومة الفلسطينية أيضاً معركة إثبات صحة نظرتها ورؤيتها، والتي لطالما اعتبرت من خلالها أن المقاومة هي السبيل الوحيد الذي يحمي الحقوق ويعيد ما تم اغتصابه منها، وأن مسار التسويات والتطبيع أو التفاوض مع عدو مثل الصهاينة، هو مسار فاشل وغير مناسب، وما حصل ويحصل في القدس وفي أحيائها القديمة، وعلى أبواب المسجد الأقصى وفي باحاته، من عربدة صهيونية، وقبل أن ينطلق أي صاروخ من غزة، هو خير دليل على صحة موقف المقاومة الذي لطالما كانت ثابتة عليه.

حساسيّة معركة المقاومة الفلسطينيَّة اليوم تكمن أنَّ “إسرائيل” تخوض أيضاً المعركة نفسها بشراسة، وبالأبعاد والأهداف نفسها، وفي أساسها منع المقاومة الفلسطينية من إثبات معادلاتها. وفي حال حدوث أيّ تراخٍ أو تراجع صهيوني أمام المقاومة الفلسطينية اليوم، تكون “إسرائيل” قد خسرت القدرة على الردع أولاً، وهو ما سيكون بالنسبة إليها نقطة مفصلية في المواجهة لاحقاً، كما أنّها ستخسر ثانياً مناورة واستراتيجية الخداع والتسويات المضلّلة مع العرب والفلسطينيين والعالم، بعد أن أثبتت المقاومة الفلسطينية لكلّ العالم أنَّ طريقها واستراتيجيتها في الجهاد ضد الاحتلال هما الأنجح والأنجع والأصدق.

صحيح أنَّ المقاومة الفلسطينية أظهرت في هذه المواجهة أسلحة نوعية ودقيقة تجاوزت من خلالها منظومات الدفاع الجوي والقبة الحديدية العدوانية الأكثر تطوراً في العالم، والتي كانت تعتبرها أهم وسائل الحماية والأمان لها، وصحيح أنَّ هذه الأسلحة والتكتيكات التي أظهرتها المقاومة – رغم ضغوط التضحيات وشراسة الردود الإسرائيلية عليها وعلى مواقعها ومراكزها، ورغم استهداف خيرة قادتها الميدانيين – كانت صادمة بقدرتها وقوتها وثباتها وبتأثيراتها الفعلية والمعنوية، وصحيح أنها أظهرت صواريخ جديدة فاجأت الأقربين قبل الأعداء، وقبل داعميهم في الإقليم والعالم، ولكن السلاح الأكثر صدماً وفعاليةً وتأثيراً، والذي قاتلت المقاومة عبره، ومن خلاله، وبرعايته، كان سلاح الوحدة والموقف الواحد بين كلّ مكونات فلسطين ومجموعاتها ومناطقها، في الأراضي المحتلة العام 48 والضفة الغربية وغزة والقدس المحتلة.

حتى الآن، يمكن القول إنَّ المقاومة الفلسطينية أفقدت العدو القدرة على الردع، وإنه ما زال يحاول منع اكتمال ذلك بشتى الوسائل الشرسة والعنيفة، وفي مقدمتها استهداف المدنيين، بهدف الضغط ومحاولة ليّ ذراع المقاومة وفرض تراجعها.

وعلى عكس طبيعة الأمور ومنطقها، حيث كان العدو هو الطّرف القويّ بالأسلحة والقدرات والأموال، والمتحكم في المعابر وفي دخول المواد الحياتية إلى غزة وغيرها، نرى أنّه يتصرّف اليوم أمام صمود المقاومة الفلسطينية وثباتها برد فعل، وليس بفعل وقرار.

وبعد أن ألغى مناورات مقرّرة منذ أكثر من عام على حدود فلسطين الشمالية، وعلى حدود قطاع غزة (مناورة مركبات النار)، سارع إلى سحب عشرات وحدات حماية الحدود وأغلب وحدات الاحتياط، بهدف محاولة السيطرة على الموقف الذي تدحرج بمواجهته في كلّ مناطق فلسطين المحتلة، من الضفة الغربية، إلى مناطق المحتلة العام 48، إلى مداخل المسجد الأقصى وأبوابه وساحاته، إلى الحدود مع غزة.

وإضافةً إلى استهداف المدنيين في غزة، يعمل العدو أيضاً على استهداف المقاومين ومراكزهم ومواقعهم، من خلال بنك أهداف كان حضر له على فترة طويلة، ركَّز من خلاله على وحدات القوات الصاروخية لدى المقاومة، التي نجحت، من خلال مناورتها الفعالة، في عملية إطلاق صاروخية صادمة طالت كل مناطق الاحتلال جنوباً وشرقاً وشمالاً. وبعد أن تجاوزت صواريخها منظومات القبة الحديدية العدوة، وُضعت قدرات الأخيرة على حماية أجواء العدو في دائرة الشكّ، بعد أن سُخِّرت لها مبالغ ضخمة لهذه الغاية.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل يستسلم العدو بعد أن فرضت المقاومة في مواجهته معادلات القوة والتحدي، ويكون بذلك قد أنهى فصلاً من فصول المواجهة، وأدخل نفسه في فصل جديد، سيكون فيه مقيّداً عن استهداف المدنيين، وسيتراجع عن إجراءات التهويد التي وضعها مؤخراً في صلب مخططاته أو أنه سيطور مواجهته ومعركته ضد المقاومة والشعب الفلسطيني، من الاستهداف الجوي والصاروخي الموجّه إلى تنفيذ عملية برية واسعة ضد قطاع غزة، ويكون بذلك قد وضع نفسه في موقع المخاطرة الحساسة التي سيكون إخفاقه فيها بداية مسار الهزيمة نحو إنهاء تواجده في المناطق المحتلة، وفي المنطقة بشكل عام؟

– المصدر : الميادين نت
– المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع