اليمن: الإمارات تنسحب تكتيكيا من المنطقة
بقلم: أندرياس كريج
( موقع “لية كخيز- ” les crises الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
يأتي انسحاب دولة الإمارات العربية المتحدة من قاعدتها العسكرية في إريتريا في الوقت الذي تعيد فيه إدارة بايدن الجديدة تقييم مشاركتها في الحرب في اليمن.
ومع ذلك، وبقدر ما كان انسحاب الإمارات من اليمن في العام 2019 بمثابة انسحاب رمزي، يجب النظر إلى تفكيك قاعدة عصب في إريتريا على أنه انسحاب تكتيكي من الالتزام الإماراتي الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي.
وبعبارة أخرى، فإن انسحاب أبو ظبي هو في معظمه خطوة تحذيرية للإدارة الأمريكية وليس انسحاباً حقيقياً من المنطقة.
ومن خلال القيام بعمليات استطلاعية في ليبيا والقرن الأفريقي واليمن، وجدت الإمارات طريقة للعمل تحت عتبة الحرب، حيث فوضت العمليات القتالية وتعطيلها إلى شبكة واسعة من الجهات المساعدة.
وبعد أن تفننت دولة الإمارات في فن الخداع والمكر، حافظت على وجودها ونفوذها القويين في اليمن من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي والمرتزقة والميليشيات الأخرى التي توفر لإمارة أبو ظبي وسائل منفصلة لتحقيق أهداف استراتيجية مع إنكار معقول.
استخدمت أبو ظبي نظيرتها الرياض ببراعة ودهاء كدرع للاختباء من الانتقادات العالمية للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي يرتكبها “التحالف الذي تقوده السعودية” سيئ السمعة.
وبالنظر إلى تغطية الصراع على مدى السنوات الست الماضية، فقد وُصفت دولة الإمارات على نطاق واسع بأنها شريك صغير مبتدئ يدعم شريكها الأكبر، المملكة العربية السعودية في حربها ضد الحوثيين.
وفي الواقع، استطاع ما يسمى الشريك الصغير أن يصرف النظر عن انتقاد معسكرات التعذيب وحالات الاختفاء وجرائم الحرب، حيث كان الرأي العام العالمي قلقاً في المقام الأول بشأن دور السعودية في الصراع.
وفي الوقت نفسه، تمكنت الإمارات من تحقيق أهدافها في اليمن، على حساب الرياض في كثير من الأحيان.
والواقع أن استراتيجية أبو ظبي في المنطقة كانت بمثابة مباراة, حصيلتها صفرية مع السعودية: فأي هدف تؤمنه الإمارات هو هدف تفقده السعودية.
في العام 2019, أثار التخلي الواضح عن السعودية من قبل الإمارات في اليمن غضب شديد.
ولكن بعد ما يقرب من العامان أصبح من الواضح أن مرور الإمارات من الحرب الاستبدالية المباشرة إلى الحرب الاستبدالية غير المباشرة كلفت السعودية ثمنا باهظا.
لم تعد التكلفة البشرية التي يتحملها الجيش الإماراتي وسمعته قابلة للاتكاء بالفوائد التي جلبتها الحملة إلى الإمارات.
وفي الواقع، حققت أبو ظبي منذ أمد طويل أهدافها الرئيسية في البلد: تأمين الوصول إلى نقاط الاختناق البحري حول مضيق باب المندب.
لم يكن الحوثيون الذين كانوا آنذاك محصورين في المناطق الشمالية من اليمن على طول الحدود السعودية، مدرجين ضمن الاستراتيجية التجارية الجديدة لدولة الإمارات ولم يكونوا جزءاً من اعتبارات الأمن القومي الإماراتي.
وعلى غرار البريطانيين حتى العام 1967, لم تكن الإمارات مهتمة بالأراضي الداخلية التي يتعذر الوصول إليها للسواحل اليمنية ذات الأهمية الاستراتيجية.
فقد كان تأمين موطئ قدم في عدن والحفاظ على السيطرة على المياه الساحلية اليمنية في الجنوب مهمة يمكن لأبو ظبي تفويضها إلى شبكة من المساعدين الذين أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي أهمها.
ومن خلال تدريب وتجهيز وتمويل شبكة واسعة تضم في طياتها أكثر من 90 ألف مقاتل في جنوب اليمن، استفادت أبو ظبي من تجاربها في ليبيا، وهي أن أي حرب عن طريق الوفد يمكن أن توفر عمقا استراتيجيا في الخارج بتكاليف محدودة أو معدومة من الناحية الإنسانية أو السياسية أو ما يتعلق بالسمعة.
وفي حين أن السعودية لا تزال موضع انتقادات دولية بسبب الكارثة الإنسانية التي ساهمت في إحداثها، فقد أسندت أبو ظبي بالفعل تكاليف سمعة هذه الحرب إلى الرياض.
غير أن أبو ظبي انسحبت من الصراع في اليمن خلال شبكتها من المساعدين, حيث كان انسحاب قواتها من اليمن في أحسن الأحوال انسحابا تكتيكيا, مما يدل على أن المجتمع الدولي لم يعد يريد أن يرتبط بالفظائع التي ارتكبتها وأن شبكتها البديلة ما زالت ترتكبها.
لعب المجلس الانتقالي الجنوبي، على وجه الخصوص، دور رئيسي في عمليات “مكافحة الإرهاب” التي تقوم بها الإمارات، حيث اعتمد على 27 موقعاً للاحتجاز, تعرض فيها خصومه السياسيون والإسلاميون من جميع الأطياف إلى التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء.
وفي الوقت نفسه، يمكن لأبو ظبي أن تدعو مرتزقتها الإسرائيليين والأمريكيين إلى مطاردة وقتل منافسيها السياسيين في اليمن.
وقد استعانت الإمارات بالفعل بمصادر خارجية فيما يتعلق بجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان لوكلائها في اليمن.
ومن خلال القيام بذلك، تمكنت أبو ظبي من تطهير الأجزاء ذات الأهمية الاستراتيجية من المناطق الجنوبية في اليمن من أي معارضة لمشروعها التجاري الجديد.
تم تنصيب المجلس الانتقالي الجنوبي ووكلاء أخرين من البدائل الإماراتية على الرغم من تمويلهم من قبل أبو ظبي، يُسمح لهم بالحكم باستقلالية كبيرة.
وإلى حد أن المجلس الانتقالي الجنوبي أصبح شبكة غير متوازنة بشكل متزايد من الجهات المساعدة التي لا يمكن السيطرة عليها، مما يقوض بشكل نشط عمل الأهداف السعودية في اليمن.
وقد شابت الإمارات العديد من اتفاقيات الرياض بين المجلس الانتقالي وحكومة الرئيس هادي المدعومة من السعودية, مما قوض الحكومة المركزية في مواجهة استمرار المد الحوثي.
وعلى هذا فبدلاً من التخلي عن المملكة العربية السعودية ببساطة ، خلقت الإمارات العربية المتحدة وحش فرانكنشتاين الذي يشكل الآن تحدياً نشطاً للأهداف السعودية في اليمن.
ومن ناحية أخرى، بذلت أبو ظبي جهوداً كبيرة لإضفاء الشرعية على المجلس الانتقالي الجنوبي كجهة فاعلة شبه حكومية في حد ذاتها.
كما قادت أبو ظبي رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، إلى السلك الدبلوماسي وكأنه رئيس لليمن.
وفي محاولة لتعزيز الوضع الدولي للمجلس الانتقالي الجنوبي، استخدمت الإمارات العربية المتحدة علاقاتها الدبلوماسية لتقديم الزبيدي إلى محاورين من الأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وحتى إسرائيل.
وفي جزيرة سقطرى التي تستخدم كنوع من حاملة الطائرات في المحيط الهندي، أفادت التقارير بأن المجلس الانتقالي الجنوبي وافق حتى على إنشاء جهاز استخبارات إسرائيلي في أعقاب اتفاق إبراهيم.
وبالتالي، فإن التأثير الكبير للإمارات على الصراع الدائر في اليمن لن يستمر فحسب، بل سيزداد أيضا، وإن كان بصورة غير مباشرة.
كما سوف تسمح قدرات حربها بالوكالة لأبو ظبي بالاحتفاظ بالسيطرة على مناطق هامة من مصالحه البحرية.
ومن خلال منح دولة الإمارات حكماً ذاتياً كبيراً في جميع القضايا الأخرى، فقد حررت بالفعل قوة سياسية وعسكرية قوية في صراع مستقطب في الأصل.
وفي أعقاب سياسة “فرق تسد”، استغلت العمليات البديلة لدولة الإمارات في جنوب اليمن الروايات الانفصالية في الجنوب لتقويض وحدة اليمن ذاتها.
ومع تزايد خضوع حكومة هادي لضغوط الحوثيين في الشمال ووكلاء الإمارات في الجنوب، منيت السعودية بخسائر فادحة في حيثيات الصراع، في حين تستوعب معظم التداعيات السلبية للحرب في اليمن.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع