بقلم مريم الكردي
ترجمة: أسماء بجاش- سبأ
ابدت المنظمات غير الحكومية قلقها البالغ بشأن مصير المدنيين الذين يصطلون بنيران الحرب المشتعلة في اليمن, ومن جانبها، دقت منظمة “إنقاذ الطفولة” البريطانية ناقوس الخطر, إذ يواجه 5 ملايين طفل خطر المجاعة جراء هذه الحرب, حيث اشارت التقارير الصادرة عن الامم المتحدة, أنه منذ اواخر مارس من العام 2015 تمكنت هذه الحرب من حصد ارواح ما يقرب من 10 آلاف شخص, بينهم 2200 طفل, وبحسبها, فهذه أسوأ أزمة إنسانية تعصف بالعالم.
يدور هذا الصراع بين القوات الموالية للحكومة اليمنية والمدعومة من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وبين المتمردين الحوثيين الشيعة الذين يتلقون الدعم بدورهم من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
تعود احداث هذه الحرب إلى أواخر سبتمبر من العام 2014, عندما تمكن المتمردون الحوثيون من الاستيلاء على عدة مناطق, بما في ذلك العاصمة صنعاء, وفي يناير من العام التالي, قاموا بتطويق القصر الرئاسي والسيطرة عليه.
وفي مارس من نفس العام, واصل الحوثيون زحفهم إلى أن تمكنوا من بسط سيطرتهم على مدينة تعز الواقعة جنوب العاصمة صنعاء, إذ تعتبر هذه المدينة ثالث أكبر حاضرة يمنية.
وفي تقريرها الصادر في 19 من هذا الشهر، حذرت المنظمة غير الحكومية “إنقاذ الطفولة” من وقوع البلد في شرك المجاعة بشكل لم يسبق له مثيل.

الهجوم على مدينة الحديدة بيت القصيد في الأزمة الإنسانية:
ووفقاً للمنظمة البريطانية, فإن هذه الأزمة هي نتيجة مباشرة للهجوم العسكري الذي شنته القوات الموالية للحكومة على ميناء مدينة الحديدة الواقعة في الجهة الغربية من البلد, والراسية على ضفاف البحر الأحمر.
وبالتالي فقد اصبحت المدينة ومينائها الاستراتيجي في مرمى نيران القوات الموالية للحكومة منذ يونيو المنصرم, حيث شهدت الأيام الأخيرة, شن غارات جوية حول الميناء من قبل القوات اليمنية المدعومة من الرياض وابو ظبي.
إن الهدف المنشود من هذه العمليات يكمن في محاولة استعادة السيطرة على مدينة الحديدة الواقعة تحت سيطرة المتمردين الحوثيين الشيعة و بدعم من طهران, بالرغم من وجود 60 آلاف مدني يعيشون فيها.
يعتبر ميناء الحديدة نقطة العبور الرئيسية للواردات والمساعدات الانسانية, إذ يمر من خلاله أكثر من 70 ٪ , ومع ذلك، يحتاج 3 من كل 4 يمنيين إلى المساعدات بما في ذلك المواد الغذائية.
يرى مدير مكتب منظمة “إنقاذ الطفولة” في اليمن “تامر كيرلس” إن الصراع في اليمن كان لها تأثير مدمر على الاقتصاد وعلى العمالة، كما القى هذا الصراع بظلاله أيضا على المواد الغذائية المتاحة, كما أدى تصاعد العنف والمواجهات القتالية حول مدينة الحديدة, لاسيما في الأسابيع الأخيرة, إلى قطع طريقان رئيسان من الحديدة إلى باقي مناطق البلد.
وكنتيجة أخرى لذلك, فقد تضاعفت أسعار المواد الغذائية في بعض الأماكن, ناهيك عن ارتفع أسعار الوقود والمشتقات النفطية بشكل كبير.
ومن جانبها, القت منظمة العفو الدولية باللوم على جميع أطراف الصراع باعتبارها المسؤول الرئيسي عن تصاعد حالة انعدام الأمن في الحديدة, حيث أشارت المنظمة على لسان مدير أبحاث الشرق الأوسط “لين معلوف” وجدنا أن طرفي الصراع والمكون من قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية الطرف الأول والطرف الآخر، جماعة الحوثي المسلحة تحد على حد سواء من الوصول إلى المساعدات الإنسانية والواردات, إذ يعمل التحالف العربي على ابقاء السفن لفترات طويلة للغاية في عرض البحر حتى يتمكنوا من الوصول بأمان إلى اليمن، بينما تقوم المليشيات الحوثية بإقامة حواجز على الطرق وفرض إجراءات إدارية ولوجستية ثقيلة جداً، والنتيجة بالتالي عرقلة وصولها إلى الجهات المستهدفة على طول امتداد البلد.

الأطفال: الضحايا المباشرين للصراع:
تتوالى العواقب الدرامية في الحرب اليمن والتي لم تستثني القطاع الصحي, إذ توجد مشاكل كبيرة في الوصول إلى المياه النظيفة والصالحة للشرب, وهذا ما يسبب انتشار الاوبئة والأمراض مثل وباء الكوليرا.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية, فقد تمكن وباء الكوليرا من اطباق خناقه على أكثر من مليون شخص, في حين تمكن من انتزاع ارواح أكثر من 2400 شخص في الفترة ما بين سبتمبر 2016 ومارس 2018. إن السكان المدنيون وخاصة الأطفال هم أول ضحايا تزايد انعدام الأمن وارتفاع الأسعار.
يواصل العاملون في منظمة ” إنقاذ الطفولة” في اليمن وصف الحالة التي يعيشها المدنيين, إذ تتفاقم الحالة المأساوية التي يعيشها المزيد والمزيد من اليمنيين جراء هذه الحرب, حيث لا يحصل المدنيين على الطعام من أجل البقاء, وبالتالي, يجب على السواد الاعظم من الأسر اتخاذ اقل الخيارات ضرراً: إما أن تنفق ما لدية من اموال على صحتهم، أو أن تنفقه على توفير الطعام, إذا لطالما اضحى مشهد الآباء الذين يصلون مع أطفالهم لتلقي العلاج طبيعياً, ولكن لسوء الحظ, غالباً ما يصلون متأخرين جداً, فالموت اصبح المحطة الاخيرة لهم.
من الواضح أن هذا يرجع، بحسب “تامر كيرلس” إلى ارتفاع تسعيرة النقل وصعوبات الوصول إلى المستشفيات, وبالتالي يعاني 40 الف طفل من سوء التغذية الحاد.
ومن جانبها, أشارت “هيلي ثورننغ شميدت” المدير التنفيذي لمنظمة “أنقذوا الطفولة” أنه عندما كانت في زيارة لاحد المستشفيات في شمال اليمن, كان الأطفال الرضع أضعف من أن يتمكنوا من البكاء وأجسادهم منهكة بسبب الجوع.
ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، فإن هذه الحرب أودت بحياة 2200طفل, وللأسف فمن المحتمل أن تتفاقم هذه الحالة, كما حذر برنامج الغذاء العالمي من أن الوقت شارف على الانتهاء لمنع وقوع البلد في شرك المجاعة المدمرة ولا يمكننا أن نتحمل أي خلل في توزيع المساعدات.

الحرب في ارقام للفترة مابين مارس 2015 إلى أغسطس 2018:
– سقوط ما بين 10 آلاف إلى 14 الف شخص بينهم 6592 مدني.
– جرح 50 الف شخص بينهم 10470 مدني.
– منذ 28 مايو 2018 اسفر هجوم القوات الحكومية المدعومة من التحالف على مدينة الحديدة عن سقوط 450 مقاتلا و 55 مدنيا.
الوضع الانساني في ارقام:
– يحتاج 22.2 مليون شخص من أصل 29 مليون شخص إلى المساعدات الانسانية.
– يعاني 4.72 مليون طفل من سوء التغذية.
– وفاة 2310 شخص جراء انتشار وباء الكوليرا, في حين تم تسجيل 1.15 مليون حالة اشتباه.

جرائم حرب:
تقول “لين معلوف ” أن جميع أطراف الصراع ارتكبت انتهاكات صارخة للقانون الدولي، بالإضافة إلى انتهاكات وجرائم الحرب، بما في ذلك “الغارات الجوية التي تشكل انتهاكات لقوانين الحرب, بمعنى أن هذه الانتهاكات نتج عنها عددا غير متناسب من الضحايا مقارنة مع هدف عسكري, كما تدين المنظمة أيضا استخدام القنابل العنقودية التي يحظر استخدامها.
إن العملية العسكرية في الحديدة قد يكون تأثيرها على السكان المدنيين مأساوياً للغاية, كما أن التكلفة البشرية لهذا الهجوم لا تحصى, إذ تم تسجيل انتهاكات أخرى يمارسها الجيش والميليشيات الحوثية من اعتقالات تعسفية واختفاء قسري في المدينة.
استنكرت منظمة العفو الدولية العديد من انتهاكات حقوق الإنسان, إذ اشارت “لين معلوف” إلى أن المنظمة أحصت أكثر من 50 حالة من حالات الاختفاء القسري للمدنيين والنشطاء في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
ففي صيف عام 2018, تم القى القبض على اثنين من المؤسسين لواحدة من أكبر المنظمات الحقوقية في اليمن ” منظمو مواطنة” من قبل قوات التحالف العربي أثناء محاولتهم مغادرة البلد لحضور مؤتمر حول اليمن, حيث تم إطلاق سراحهم في نهاية المطاف تحت ضغط التعبئة الشعبية, في حين يعتقد أن أحد عناصر الباحثين في المنظمة تحتجزه قوات الحوثي, وذلك وفقاً لمنظمة العفو الدولية.
تدعو المنظمات الإنسانية إلى ضرورة وقف إطلاق النار في المنطقة, كما جددت دعوتها أيضا لصناع القرار في الغرب والمنخرطين في هذا الصراع, وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا بوقف بيع الأسلحة إلى قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية, كما أن عمليات بيع واستخدام هذه الأسلحة يشكل خطر كبير قد يؤول إلى ارتكاب جرائم حرب.
موقع ” franceculture ” الفرنسي