عن الضربة الأميركية على سورية
معين الطاهر
خلال ساعات أو أيام، ربما قبل نشر هذه المقالة أو بعدها بوقت قصير، ثمّة ضربة عسكرية أميركية، قد تشارك بها فرنسا وبريطانيا، ضدّ مواقع للنظام السوري. وقد تمتد لتشمل الوجود العسكري الإيراني وحلفائه، ومواقع القيادة والسيطرة، والقواعد الجوية، والتجمعات العسكرية، ومستودعات الأسلحة، وربما مقرّات كبار المسؤولين، وما هو في حكم ذلك من أماكن.
ليس هذا كلاما من فراغ، فالعالم بأسره يضج به، واحتمالاته تقترب من أن تصبح واقعًا ملموسًا، فالمحللون والمتابعون للشأن الأميركي الروسي السوري يتفقون على أنّ ثمّة ضربة، ويختلفون في مداها وأسلوبها وحجمها ونتائجها وجدواها ومدى تأثيرها في ميزان القوى الحالي في سورية، وفي ما إذا كانت ستجرّ العالم إلى مواجهة روسية أميركية شاملة، أو تصعيدٍ غير مسبوق مع إيران، وحول كيفية احتواء الضربة والحدّ من نتائجها، وتأثير ذلك كله في الوضع السوري واحتمالات الحل السياسي وتوازناته، وعلى الوجود الإيراني، وفي ما إذا كان ذلك سيشكّل بدايةً لسياسة أميركية، مختلفة عن سابقتها في عهد الرئيس باراك أوباما، أو حتى عن العام الأول لإدارة الرئيس دونالد ترامب، وانعكاس ذلك كله على دول الإقليم، وهل تكون تلك الضربة تلويحًا مُعلنًا لشكل السياسة الأميركية المستقبلي باتجاه تنفيذ ما عُرفت بصفقة القرن، وإدخال إسرائيل طرفًا في معادلات المنطقة.
سابقًا، كان ثمّة دلائل على استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية. يومها اكتفى العالم بموقف المتفرّج، وجرت صفقة داخل أروقة مجلس الأمن تضمنت تجنب القيام بعمل عسكري مقابل إنهاء مخزون النظام السوري من الأسلحة الكيميائية، وأُلّفت لجان من أجل التحقق من ذلك، وأُسدلت الستارة على ذلك المشهد، ليبدأ الفصل الثاني منه اليوم. لم يكن الرئيس أوباما راغبًا في التدخل العسكري المباشر في سورية، فما الذي جدّ ليُظهر الرئيس ترامب كل هذه الحماسة لمثل تلك الضربة الآن.
ليس العام الثاني لولاية الرئيس ترامب مثل عامه الأول، فهو يبدو ممسكًا أكثر فأكثر بمقاليد السلطة بعد إطاحته أهم رموز إدارته. يريد ترامب أن يؤكد أنّ ثمّة رئيسا واحدا في الولايات المتحدة الأميركية، وأنّ على الدولة العميقة أن تخضع لسلطته، وهو أمر ليس سهلًا على أي حال. ويريد ترامب أيضًا، عبر ضربة ما على سورية، أن يثبت عدم صحة الاتهامات المتداولة عنه، والمتعلقة بشبهات تربط نجاحه في الانتخابات بتدخل ودعم روسيين. وفي الوقت نفسه، فإنّه سيسعى إلى الحدّ من احتمال مواجهة روسية أميركية واسعة، كما أنّه يريد أن يُظهر حزمًا أمام حلفائه العرب، لإقناعهم بجدية موقفه في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة والحدّ منه. وقد يعمل بتأثير من اللوبي الصهيوني المتغلغل في إدارته على تهيئة الواقع للقبول بدور إسرائيلي متعاظم في الإقليم، وقد يكفل لها منطقة نفوذ أكبر في الجنوب السوري.
ثمّة محاولة أوروبية لجعل الضربة محدودة بقصف المواقع التي يُشتبه في أنّها مواقع كيميائية، وتجنّب المواجهة مع حلفاء النظام السوري، أي تحويل الضربة إلى فرقعةٍ إعلامية لن تتعدى قصفًا محدودًا لفترة وجيزة. لكن يبدو أنّ إدارة ترامب تريد تحقيق أهداف أكبر من الهدف الأوروبي، ولعلّه هنا يكمن سرّ تأخير الضربة.
لن يصل التحرك العسكري الأميركي المرتقب إلى حدّ المواجهة مع روسيا أو القوات الروسية المنتشرة في سورية، وسيسعى إلى تطويق أي حادث عرضي قد يقع خلال العملية. وثمّة نموذج راهن يمكن الاقتداء به يتمثّل في الضربات الجوية الإسرائيلية التي تحدث من دون أي تدخل أو سعي روسي لوقفها أو التصدّي لها. ومع أنّ الاحتمال الأكبر هو أن تعتمد الولايات المتحدة وحلفاؤها على قصف المواقع المستهدفة بصواريخ باليستية عابرة للقارات، مثل صواريخ توما هوك والتي يمكنها الانطلاق من سفن وقواعد أميركية، وحتى لو أُسقط بعضها عبر منظومات S400 وS600 الروسيتين، فإنّ هذا العمل لن يجرّ إلى مواجهة أميركية روسية.
ستتدخل الطائرات الأميركية في المناطق البعيدة عن وجود بطاريات الصواريخ والمواقع الروسية في المنطقة المحاذية للوجود الكردي أو بالقرب من المنطقة الجنوبية، وقد يشمل ذلك التدخل عمليات برية محدودة لتوسيع السيطرة الأميركية بالقرب من قاعدة التنف، حيث سيكون الهدف لهذه العملية الأميركية هو حسم المعركة في الجنوب السوري، وتأمين الحدود مع إسرائيل، وتوسيع نطاق نفوذها، ومنع النظام وحلفائه من التمدّد باتجاه هذه المنطقة في ضربة استباقية لمحاولات النظام السوري التقدّم بهذا الاتجاه، بعد انتهاء معارك الغوطة وتأمين دمشق. ولن تكون الضربة الأميركية، على الأرجح، خاطفة، ستستمر أيامًا وربما أكثر قليلًا، إلى حين تهيئة الظرف وميزان القوى للدخول في اتفاق جديد، وهي حتمًا ليست مرتبطة باستخدام النظام السوري غازات سامة في دوما، فلو لم توجد هذه الحجة لوُجّهت الضربة بذرائع أخرى.
تبدأ الحرب دائمًا من طرفٍ يشعلها، وفي سورية ثمّة حرب مستعرة ومستمرة، تداخلت فيها جميع الألوان، وثبت فشل التوقعات المختلفة حول نتائجها، ففي نهاية كل فصل ثمّة بداية لفصل جديد، يختلف أبطاله وتتنوع حوادثه. يمكن لنا وللأميركان والروس محاولة وضع الاحتمالات المختلفة، فهذا ما يعكف عليه دومًا الخبراء وصنّاع القرار، لكن دائمًا ثمّة حقيقة غائبة، فالخروج من الحرب ليس مثل الدخول فيها.
وكالة معا الفلسطينية