بقلم: كاميل نجم*

(موقع ” لبنان نيوز- libnanews” الناطقة باللغة الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

إن الهدوء الذي أعقب العاصفة، وجو من الاسترضاء والشعور بالراحة يسود بعد الانتقال الفريد من نوعه والأكثر اضطراباً ـ مثل هذا الاحتجاج حول التحول الرئاسي لم يكن مسموحاً به منذ العام 1877 ــ والرحيل الفوضوي على وجه التقريب لدونالد ترامب الذي قاطع مراسم تنصيب خليفته، يعتبر الأول من نوعه.

حتى اللحظة الأخيرة حبست الولايات المتحدة الأمريكية والعالم أجمع أنفاسهما إلى هذا الحد، لأن أسوأ ما يخشاه المرء بعد الاستيلاء على الكابيتول “مبنى الكونجرس الأمريكي” قادم؛ مشهد شبه سريالي أو فوق الواقعيّ يكون فيه الواقع قد تجاوز الخيال.

أزمة الفيروس التاجي، الركود، التوترات الاجتماعية والمجتمعية والعرقية العميقة و الفضائح باختصارأصبحت “أمريكا فريسة للتشاؤم”.

بعد انتشار جائحة وباء الفيروس التاجي والذي يعتبر أكبر أزمة صحية تجتاح الولايات المتحدة الأمريكية منذ انتشار الإنفلونزا الإسبانية في العام 1918، قد أثر بشكل غير متناسب على الطبقات الأكثر حرمانا وكبار السن والأقليات.

وما يزيد على ذلك أن أعضاء الحزب الجمهوري سبق لهم أن قاموا بتفكيك جزءا من برنامج “أوباما كاري- Obamacare” دون اقتراح أي بديل أخر، كما عملوا أيضا على خفض معدلات البرامج الغذائية ومكافحة الفقر.

ونتيجة لهذا، فقد شهد الملايين من الأميركيين المزيد من الانكماش في شبكة الأمان الاجتماعي الضيقة.

لذا، فإن الرئيس جو بايدن يرث أمريكا الضعيفة والهشة والمكسورة والمستقطبة التي تستيقظ منهمكة ومتعبة وفي حالة ذهول.

كما أنها فترة الهدوء بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط الذي سوف تجد صعوبة في التعافي من الاضطرابات والهزات التي سببتها إحدى أكثر الإدارات تضارباً.

ففي غضون السنوات الأربع الماضية، كان ترامب وحارسه المقرب قد تجاوزا جميع الخطوط الحمراء، متجاهلين جميع الممارسات والقواعد الدبلوماسية ولكن أيضا المبادئ الأساسية للقانون الدولي.

إن الشخص الذي وعد بأن بجعل أميركا “عظيمة مرة أخرى” من خلال معالجة قانون الهجرة، والتجارة الحرة، والقضاء على مؤسسات وجماعات الضغط  في واشنطن، وإرجاع إلى الموطن الأمريكي وظيفته وكرامته، سوف يكون قد حكم بشكل غير منتظم وواسع الانتشار مع تغريدة  “حقائق بديلة” من المحابات والمحسوبيات وقرار مفاجئ وطائش.

ومما يؤسف له أن العديد من الوعود قد أوفت بها، في حين لم يتمكن البعض منها من النجاح بفضل الضمانات القضائية.

إن التعددية، وقلة الخبرة، والهواية، والنسبية العلمية، وعدم الانسجام أو الاتساق، والجهل، والتصوف أو التزمت، والأساطير الدينية، والبدعة، والغطرسة، والازدراء، والسخرية، والتشاؤم، والاستفزاز، والتحيز، والعنصرية، ومعاداة السامية، والإسلاموفوبيا أو كراهية الإسلام، ورهاب المثلية الجنسية التمييز على أساس الجنس، والفضائح, حيث سيكون الاستقطاب بمثابة علامة على فترة حكم الشخص الذي صعد على رأس القوة العالمية الأولى.

ولقد اكتسب النصر في المقام الأول من خلال أزمة العولمة؛ وعنف الليبرالية الجديدة؛ وصعود القومية والموجة الشعبوية؛ وطي الهويات؛ وأزمة الثقة في السياسة والنظام وخيانة النخب بالمعنى الواسع.

لا تزال الأسباب التي سهلت انتخابه وآثار سياسته موضوعية وذات صلة، وهي مكونه من مزيج متفجر يمكن أن يضع البلد على حافة الانهيار الضمني تحت تأثير العنف والإرهاب بين الأعراق، وخاصة تأثير اليمين المتطرف القومي والتفوق الذي يشكل الآن تهديدا عابرا للحدود الوطنية.

سوف يبقى دونالد ترامب قبل كل شيء أول رئيس تم استهدافه من قبل اثنين من إجراءات العزل، حيث عمل على تكريس أسطورة سرقة الانتخابات، في حين دعا أنصاره في واشنطن للاحتجاج على التصديق على تصويت الهيئة الانتخابية.

وسوف يتذكر التاريخ أيضاً صِلاته وروابطه المعقدة مع اليمين وارتفاع معدل التطرف بشكلٍ عنيف، والانتشار الفيروسي لنظريات المؤامرة التي شجعها، بل وإضفاء الشرعية عليها.

إن تعامله غير المسؤول مع احتجاجات شارلوتسفيل القاتلة في العام 2017، وهي مسيرة “وحدوا اليمين” والتي كانت مؤيدة لسيادة البيض، وتعامله مع حركة الأنتيفا – هي حركة محتجين يسارية مناهضة للفاشية والنازية ومعارضة للرأسمالية والنيوليبرالية واليمين المتطرف، ويعتنق أغلبهم الأفكار الشيوعية والاشتراكية واللاسلطوية مع بعض الأفكار الليبرالية- على أنها منظمة إرهابية، كما أدى افتقاره إلى التفاهم والتعاطف أثناء مقتل بريونا تايلور وجورج فلويد – من أصل أفريقي- وصعود حركة “حياة سوداء” إلى تفاقم التوترات العنصرية والعنف بين الجماعات اليمينية المتطرفة واليسارية المتطرفة.

وبهذا سيكون قد وضع الديمقراطية وعمل المؤسسات على المحك ونجح في إقناع ملايين الأمريكيين، من خلال الأكاذيب والحقائق البديلة والمعلومات المضللة بنسختها المزورة من الواقع.

وبالتالي، فإن ما لا يقل عن ثلاثة أرباع ناخبيه يعتقدون أنه فاز في الانتخابات الرئاسية وأن انتصاره قد تم اغتصابه من قبل المؤسسة الأمريكية.

سوف يكون لديه أكثر من أي رئيس سابق, أمكانية تسخير قوة وسائل الإعلام الاجتماعية وطمس الحدود بين الترفيه والسياسة من أجل تجاوز الانتقادات والتواصل المباشر مع مؤيديه.

ولو لم يخلق هذه الكسور لكان قد ساهم إلى حد كبير في تفاقم وإبراز الوضع، إن موقفه غير الرسمي وتجاوزاته، وتصرفاته الوضيعة، وملاحظاته الاستفزازية، وإجراءاته الطائشة كل ذلك من شأنه أن يحفز ويثير أكثر أطراف اليمين المتطرف تطرفا.وسيكون قد اختصر شبح التوضيح القادم الذي تم زرع التهم فيه بالفعل، كما عمل هو وإدارته على تسريع الآليات التي بداء آنفاً، حيث أيقظ الشياطين القديمة التي عادت إلى الظهور بعد نزوة الأزمات والفترات التي تعود جذورها الأيديولوجية إلى أصول الولايات المتحدة الأمريكية.

كان الإنذار مرتفعا، وإذا تم تجنب الكارثة على نحو ضيق، فإن الخطر لا يزال قائما.

سوف يسلط دونالد ترامب الضوء على الاختلالات والعيوب ونقاط الضعف الممتدة جذورها في المجتمع والنظام الأمريكي وفي عكس المشهد وتناقضاته الصارخة.

ولسوف يكون هذا النظام قد كشف كل الغموض الذي يكتنف النظام الرأسمالي: العنصرية والاستغلال والازدراء الطبقي.

ففي الواقع أن العديد من الأوجه والثوابت التي حاول النظام إخفاءها دوماً، عمل ترامب على الكشف عنها، إلى حد التفاخر والتباهي بها.

كما أعرب عن مخاوف وشواغل سكان المناطق الريفية في أمريكا، والعمال البيض الذين يعانون من الفقر وتوتر الهوية وأولئك الذين يعتبرون أنفسهم مهمشين والذين اُستبعدوا من النظام.

إن أولئك الذين يقفون وراء الإنجيل والتبشير الإنجيلي يمثلون انهيار القيم الأخلاقية وأيضا الواجهة الأخلاقية لحقوق الإنسان والمثل الأعلى الديمقراطي الذي تحمي وراءه القوة الناعمة الأمريكية نفسها.

وسوف يكون قد أوضح الصراحة الضمنية، كما سوف يكون قد انضم إلى إيماءات الكلمات التي تكشف بذلك النفاق والازدواجية في السرد الأمريكي وخاصة في ما يختص بالمجال السياسي الخارجي.

وفي النهاية، فقد خسر ترامب أمام “سليبي جو” وهو لقب نسبه إلى خصمه الديمقراطي والمرشح الأضعف في تاريخ الحزب الديمقراطي.

إن التصويت الجزائي الذي يمثل هزيمة لترامب أكثر من كونه انتصار لبايدين.

إن التأسيس أو المؤسسية، وأيضاً الإدارة المتقلبة وغير المنتظمة والكارثية لوباء الفيروس التاجي، التي قلل ترامب من شأن هذه الشدة وتناقض مع مستشاريه العلميين ونفذ استراتيجية فيدرالية فوضوية.

ولكن ليس من الممكن وصف الأمور على أنها عادة إلى طبيعتها، وفي أفضل الأحوال العودة المؤقتة إلى النظام التقليدي.

وإجمالا، فإن الوضع الطبيعي النسبي الذي أنجب أيضا جورج دبليو بوش والذي يظل في حد ذاته هدفا غير كاف أو غير مرغوب فيه وغير مناسب لتأطير التغييرات العميقة الجارية التي حدثت.

وإذا كان تنصيب جو بايدن يشكل بالفعل تجديداً للتجربة الديمقراطية الأميركية، فإن التهديد لا يزال يلوح في الأفق وسيكون من الصعب حل الخلاف، حيث تمكن ترامب من الفوز بأكثر من 74 مليون صوت؛ وبهذا فالبلد منقسم للغاية ويواجه ثورة حقيقية مضادة.

لذا، فإن الوضع القائم أكثر من مجرد علة وفشل مؤقت، حيث تشير الأعراض إلى شدة المرض.

وقد سلط اقتحام أعضاء من اليمين المتطرف لمبنى الكابيتول الضوء على التهديد الوشيك للديمقراطية الأمريكية.

فهذا التمرد لم يسبق له مثيل ولم يسمع به أحد، على الأقل منذ الحرب الأهلية ونهاية إعادة الإعمار في العام 1876 الذي اتخذ مظهر ثورة مضادة حقيقية.

وحتى ذلك الحين، لم يكن البلد قد أدرك بعد مدى حجم التهديد والخطورة اللذان تمثلهما الحركة القومية البيضاء العنيفة والمفرطة التسليح.

بيد أن مؤيديها قاموا بمضاعفة الأعمال الإرهابية على مدى العقدين الأخيرين وأثبتوا أنهم لن يترددوا في اتخاذ الإجراءات.

فعلى مدى الأعوام 150 الماضية، لم يكن المجتمع الأميركي قط منقسما ومستقطبا على هذا النحو؛ حيث تعمقت الانقسامات والعداوات، كما حدث في القرن التاسع عشر، حيث حدث الانقسام حول العلاقات العرقية.

لقد ذهب ترامب ولكن أعماله السيئة وآثارها لا تزال قائمة، فالضرر قد حدث، والوضع سوف يظل متدهوراً بالفعل لفترة طويلة.

إن الأفكار التي يمثلها أولئك الذين يدعون ويدعمون المؤيدون، والناخبون، والمسئولون المنتخبون (المحافظون، والقضاة، وأعضاء مجلس الشيوخ والنواب) لا تزال قائمة.

وبحسب ما أشارت إليه ماري فرانسيس بيري، أستاذة التاريخ الأمريكي والفكر الاجتماعي بجامعة بنسلفانيا والعضو السابق في لجنة القانون المدني الأمريكية، فإنه أكثر من أي رئيس آخر كان يقوم بإعادة تشكيل النظام القضائي والبدء بثورة يمينية هناك، وتغيير دائم على مدى السنوات العشرين المقبلة في الكيفية التي ستصمد بها السياسات أمام الاختبارات القانونية.

“يتم التحكم في المحاكم من قبل الجمهوريين, وفي بعض الأحيان يفاجئنا القضاة، ولكن في معظم الحالات، تُظهر الأدلة التاريخية أنهم يفعلون إلى حد كبير ما تقول سياستهم، حيث تشير خلفيتهم إلى ما سوف يفعلونه”.

بعد نيل غورسوش و بريت كافاناو، تم تعين – قبيل الانتخابات، وهي المرة الأولى في التاريخ- قاضيا ثالثا في المحكمة العليا والمتمثل في شخص إيمي كوني باريت المحافظة جدا بعد وفاة روث بادر جينسبورغ التقدمية.

منذ ولاية ريتشارد نيكسون الأولى، لم يكن لأي رئيس أعلى ولاية قضائية في البلد.

وعلى سبيل المثال، سوف يكون ترامب وأغلبيته الجمهورية في مجلس الشيوخ قد عينوا 218 قاضياً فيدرالياً، أي أكثر من 25% من إجمالي القضاة.

وغالبية الرجال بنسبة 75٪، والشباب والبيض 85٪، جميعهم اختارتها جماعات الضغط المحافظ اجتماعيا واقتصاديا ودينيا والتي تشكل العمود الفقري للحزب.

ومن خلال هؤلاء سيتمكن القضاة من الدفاع عن السياسات الجمهورية لعقود؛ وهو إرث ترامب الأهم.

غادر ترامب البيت الأبيض، ولكنه لم يغادر المشهد السياسي والإعلامي، وبالأخص السياسي، بل إنه ذكر أثناء مغادرته في 20 يناير عودته “بشكل أو بآخر”.

إن التكهنات حول ترشيح ترامب لرئاسة جديدة في العام 2024 “تتضاعف”، وذلك بحسب ما أشارت إليه صحيفة “ذا هيل”، حتى أنه تحدث من فلوريدا عن إمكانية إنشاء حزب سياسي جديد يفكر في تسميته “الحزب الوطني”.

من المفارقات أن الاسم الذي يردد خطاب العديد من الجماعات اليمينية المتطرفة، بما في ذلك الميليشيات المناهضة للحكومة، يطلق على “تنظيم القاعدة الريفي” أو “فانيلا إيزيس”.

يعلم ترامب أنه لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة بين الناخبين الجمهوريين، وذلك وفقاً لاستطلاع الرأي الذي نشرته شبكة ” إن بي سي نيوز- NBC News”، في منتصف يناير، حيث أيد 87% منهم تصرفه، وأظهر أنه قادر على الاعتماد على قاعدة واسعة من المؤيدين، بالرغم من أن بعضهم لم يكونوا من أتباع الحزب الجمهوري قبل الحملة الرئاسية في العام 2016.

وفي حال كان لديه حزبه الخاص، فقد يتمكن بشكلٍ فعلي من منع المرشحين الجمهوريين الآخرين من الترشيح للانتخابات الرئاسية.

لذا، في حين أن 20 يناير يمثل نهاية الرئاسة، إلا أنه لا يغلق الباب أمام حركة ترامب.

وعلى الرغم من أن الحشود التي اقتحمت مبنى الكابيتول يشار إليها على نطاق واسع باسم “المتشددين البيض”، فإنها تشمل شبكة غير متجانسة من الجماعات والمنظمات التي تشمل، في جملة الأمور، “الاولاد الفخورون”، الذين أعلنتهم كندا مؤخرا جماعة إرهابية، وأفراد من كيو أنون، وميليشيات مسلحة، وجماعات شبه عسكرية مثل منظمة “حفظة القسم” و”ثلاثة بالمائة” الذين يدعون إلى المقاومة ضد الحكومة الاتحادية.

هذه كلها مجموعات متميزة، على الرغم من استقلالها، تجمعُها أيديولوجيتها اليمينية المتطرفة، وتكوينها الذي يغلب عليه اللون الأبيض الذكوري، وولائها لترامب الذي يغذي تعصبها وقلقها من الهوية البيضاء.

وبارتفاع الرئيس المنتهية ولايته إلى مرتبة الرمز في مواجهة التصفية الداخلية للبلد، يمثل لافتة يلتفون حولها.

غادر ترامب ولكن الكراهية التي أحياها انتشرت على نطاق واسع، وهناك دلائل على احتمال تصاعد الخطر الذي تشكله هذه الجماعات في الأشهر المقبلة.

إن الفترة الحالية خطيرة بشكل خاص لأنهم يدركون عنصري النصر والهزيمة.

يعتبر البعض الاستيلاء على مبنى الكابيتول إنجازا تاريخيا ويحتفلون به على الإنترنت باعتباره “يوم الاستقلال”.

ومع ذلك، فإن رحيل ترامب من البيت الأبيض يقلل من مساحتهم السياسية ويشكل انتكاسة.

وإذا كان أغلب المواطنين المؤيدين لترامب سوف يمضون قدماً، فإن أكثر الأوليتراس – المتطرفين- الأكثر تطرفاً سوف يرون في السنوات الأربع المقبلة باعتبارها سنة واحدة.

وفي حين أن التدابير أو الإجراءات الرئاسية ال 17 الأولى التي اتخذها الرئيس بايدن مكنت من محو بعض القرارات الرئيسية لسلفه بجرة قلم، إلا أنها تركز قبل كل شيء على القضايا الداخلية، باستثناء عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس بشأن المناخ والعودة إلى منظمة الصحة العالمية[1].

وبالإضافة إلى العودة إلى اتفاق باريس، سوف يراجع أيضاً سلسلة من تدابير إلغاء الضوابط التنظيمية التي اتخذتها الإدارة المنتهية ولايتها بشأن المعايير البيئية، كما سوف يلغي موافقة دونالد ترامب على مشروع خط أنابيب كيستون إكس إل المثير للجدل بين الولايات المتحدة وكندا.

كان الرئيس المنتهية ولايته قد جعل من مكافحة الهجرة غير الشرعية علامة واضحة خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض.

كما سوف يتخذ الرئيس بايدن خطوة معاكسة أخرى، حيث وعد بإلغاء الأمر التنفيذي المثير للجدل الذي أمر به سلفه بمنع مواطني الدول ذات الأغلبية المسلمة من دخول الولايات المتحدة.

ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد, يقول جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، إن هذا الإجراء “متجذر في كراهية الأجانب والعداوة الدينية”.

ومن التدابير الرمزية الأخرى التي سوف يتخذها الرئيس بايدن، التوقيع على “إعلان” وقف بناء الجدار على الحدود مع المكسيك وتمويله من خزينة وزارة الدفاع، حيث أثار هذا الأمر معارك سياسية وقضائية مريرة على مدى السنوات الأربع الماضية.

وفي الوقت نفسه، قدمت إدارة بايدن بتمرير مشروع قانون الهجرة إلى الكونغرس، حيث سوف يستفيد من هذا الإصلاح من يطلق عليهم اسم “الحالمون”، وهم نحو 700 ألف شاب دخلوا الولايات المتحدة بشكل غير قانوني أثناء فترة طفولتهم وموجودون على أراضيها، كما ينص مشروع القانون على إمكانية حصول “الحالمون” بوقت أسرع على الجنسية الاميركية.

يتحتم على الرئيس الجديد من ناحية أن يضع علامة فاصلة حادة وواضحة قدر الإمكان مع سلفه، ومن ناحية أخرى، لم يتقبل أحد من المؤيدين لترامب هزيمته وقد يثير العنف.

يعتقد جو بايدن، من خلال خبرته وقدرته على العمل مع الجمهوريين، أنه قادر على تبني موقف التوازن السياسي الذي ليس سهلاً، حيث لطالما أصر بشكل مستمر منذ فوزه على أنه يريد أن يكون رئيساً لجميع الأميركيين.

فهذه النوايا جديرة بالثناء ولكن من الصعب تنفيذها في بلد منقسم من الناحية السياسيه والاجتماعية أكثر من أي وقت مضى.

وفقاً لما أشار اليه جان إيريك برانا، المتخصص في الشؤون الأمريكية في جامعة باريس الثانية والذي قابلته فرنسا 24: ” هذا هو التحدي الرئيسي لبداية هذه الولاية، وكان هذا الاهتمام بالكسر أو التفكيك دون التصادم هو بالفعل “الخيط المشترك الذي يدور حول تشكيل حكومته”.

وفي مواجهة صورة إدارة ترامب التي تميزت بتعيينات أفراد من أقاربه الذين غالبا ما يكونون غير مؤهلين في كثير من الأحيان ويهيمن عليهم شخصية الرجل الأبيض الثري، فإن إدارة بايدن “تفي بمتطلبين: “الكفاءة والتنوع”.

كما يشير الباحث في جامعة باريس الثانية إلى “أن بايدن سوف يعيد تأهيل دور الكونغرس ويكفل الاحترام الواجب للفصل بين السلطات”.

استراتيجية الاسترضاء والتهدئة من خلال العودة إلى الوضع المؤسسي الطبيعي,  وعلى نحو مماثل، حيث يهدف استخدام السلاح الاقتصادي إلى طمأنة ناخبين دونالد ترامب.

يرى جان إيريك برانا, أنه لم تكن من قبيل المصادفة السياسية أن “خطة التعافي التي وضعها تركز بشدة على دعم الطبقات المتوسطة والمحرومة” وهي الفئات التي تمثل أغلبية ناخبين ترامب.

ومن ناحية أخرى، سوف يواجهه الجمهوريون صعوبة كبيرة في ألتأقلم خلال الأيام الأولى من رئاسة بايدن، حيث قال برانا: “سيكون الوقت قد حان لكشف إرث ترامب، حيث ستكون الصدمة عنيفة، كما أنه سيكون هناك ضرورة ملحة لتطهير كبير للناخبين الديمقراطيين الذي يعتزم بايدن إغلاقه في أقرب وقت ممكن من أجل طي الصفحة، وذلك للانتقال إلى مرحلة التهدئة من ولايته في أقرب وقت ممكن”.

يرجع فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 إلى حد كبير إلى العمل الجماعي الذي قام به التقدميون والناخبون من الأقليات الذين تمكنوا جنباً إلى جنب مع المعتدلين من الحصول بشكل جماعي على حوالي 80 مليون صوت، محطم بذلك الرقم القياسي الذي سجله باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية للعام 2008, حيث تمكن في الحصول على أكبر عدد من الأصوات التي تم الإدلاء بها في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

على الرغم من أن بايدن ليس الخيار الأول عموماً لأعضاء الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، إلا أن الكثيرين رأوا أن التحالف كان حاسماً في إقالة دونالد ترامب.

كما أن الانتخابات كانت شبيهة بالاستفتاء ــ “لصالح” أو ضد “ترامب” ــ فإن غالبية التقدميين قد صوتوا ضده وليس لصالح جو بايدن.

ومع ذلك، فإن وزن الجناح اليساري للحزب الديمقراطي أصبح الآن حاسم ويعتزم التأثير على خيارات الرئيس المقبل.

فخلال الحملة الانتخابية، وعد السيناتور بيرني ساندرز بالضغط على جو بايدن “ليصبح الرئيس الأكثر تقدمية منذ “فرانكلين ديلانو روزفلت”، والصفقة الجديدة الجديدة: تشريع مقترح في الولايات المتحدة الأمريكية يهدف إلى معالجة التغير المناخي وعدم التكافؤ الاقتصادي، حيث يشير الاسم إلى برنامج «الصفقة الجديدة» وهو مجموعة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية ومشاريع الأشغال العامة التي قام بها الرئيس فرانكلين روزفلت لمواجهة الكساد الكبير, تجمع الاتفاقية البيئية الجديدة بين منهج روزفلت الاقتصادي والأفكار العصرية كالطاقة المتجددة والكفاءة في استغلال الموارد.

رحب أكثر الناشطين اليساريين في الحزب بالانقسامات التي اعترف بها جو بايدن: التأمين الصحي للجميع، أو الإصلاح الجنائي، أو الصفقة الجديدة الخضراء)، حتى ولو لم يكن مرشحهم بيرني ساندرز بل أكثر المنتمين إلى الوسط كامالا هاريس هو من اختير ليكون زميله في الإدارة.

فاز بايدن بالرئاسة دون الالتزام بأولويات حزبه الأكثر تقدمية ــ بما في ذلك الرعاية الطبية للجميع و “الصفقة الجديدة الخضراء” ــ إلا أنه تبنى رؤية روزفلت التي تتضمن الخطة البيئية الأكثر طموحاً في تاريخ الولايات المتحدة.

وفقا لما أشار إليه، مارك جونز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة رايس في هيوستن، فإن حقيقة أن بايدن يسعى إلى الاتحاد الديمقراطي، هي ميزة بحد ذاتها للتقدميين الذين لديهم أجندة للمضي قدما, حيث يتزايد الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي.

من الوارد أن تكون هذه المجموعة متعاونة في أغلب الأحيان، ولكنها في الوقت نفسه ستحاول النهوض بجدول أعمالها الأيديولوجية، لكن الديمقراطيين يريدون الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يقاتلون أيضاً من أجل السيطرة على الحزب الديمقراطي تماماً كما فعلت حركة حزب الشاي- حركة أمريكية سياسيّة اقتصاديّة محافظة، ضمن الحزب الجمهوري- بين الجمهوريين مع ترامب.

يعيد بايدن نفسه بشكل تدريجي على التركيز أكثر على اليسار، في حين كان يدافع دائماً في الماضي عن مواقف اليمين، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الشركات[2].

وهذه المواقف بعيدة جداً عن اتهامات معسكر ترامب التي شجبت بالميول الاشتراكية والتقدمية وحتى الشيوعية للمرشح الديمقراطي.

ومنذ ذلك الحين، اتجه نحو القضايا العنصرية والاجتماعية، وبوصفه نائبا للرئيس، أيد في نهاية المطاف المساواة بين الزوج من نفس الجنس، واتصل بحركة “حياة سوداء مهمة” بعد مكافحة تدابير القضاء على التمييز في الماضي.

وقد تأكد هذا الانعكاس بشكل رمزي في أغسطس عندما أعلن اسم السيناتور كامالا هاريس، وهي من أب جامايكي وأم هندية.

وهو يمثل صورة إدارة متنوعة ومختلطة وملتزمة على طريق التكافؤ, كما كانت هذه هي المرة الاولى التي تصل فيها امرأة إلى منصب نائب الرئيس.

كما أصبحت نقطة التحول واضحة بفضل دعم شخصيات من الجناح اليساري للحزب الديمقراطي، مثل السيناتور بيرني ساندرز أو ألكساندريا  أوكاسيو كورتيز، أو بفضل قاعدتها الانتخابية بين الجالية الأفريقية الأمريكية الذين صوتوا له على نطاق واسع في انتخابات 3 نوفمبر.

تقدمية معتدلة أو محافظة منبوذ؛ الانتهازية السياسية, أم أنها علامة على أن الديمقراطي المحافظ قد تكيفت مع عصره؟

دورها مهم على أقل تقدير في تاريخ الحزب في التحول الكامل, وهكذا، فإن الرئيس الجديد هو على رأس الفريق الأكثر تنوعا في تاريخ الولايات المتحدة[3]، مثل أمريكا اليوم.

في غضون عقدين أو ثلاثة عقود، فإن البيض سوف يمثلون أقل من واحد من كل اثنين من الأميركيين.

ووفقاً لأستاذ العلوم السياسية في جامعة ماساتشوستس “راي لا راجا” فإن هذا الجيل الجديد الذي يصل إلى السلطة ليس جيلاً تلقائياً أو عفوياً، فقد أحاط باراك أوباما نفسه بالفعل قادة من مختلف العرقيات.

وقبله، كان بيل كلينتون, الأول في فتح أبواب البيت الابيض على نطاق أوسع, وبالتالي, فقد سمح هذا الماضي لجو بايدن بإيجاد أشخاص ذوي خبرة ليقوموا بالأدوار القيادية.

يقول راي لا راجا ايضاً: “في هذه المرحلة، يحاول جو بايدن إعطاء تعهدات للجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، الذي استثمر بكثافة في الحملة، على عكس العام 2016.

ومع ذلك، فإنه يخاطر بإحاطة نفسه مع توحيد جديد: “تتوافق هذه الملامح مع التنوع الديموغرافي الحقيقي، بما يتماشى مع التطور الديموغرافي للمجتمع الأميركي، وخاصة في المدن”.

“لكنهم جميعا يأتون من نفس المدارس الكبيرة، لذلك هناك المزيد من التنوع الديموغرافي، ولكن حول نخبة موحدة إلى حد ما”.

ثمة تحد كبير آخر ينتظر جو بايدن على الساحة الدولية، حيث سوف يتعين عليه تصحيح الوضع وعكس سلسلة من القرارات ذات الآثار الكارثية.

وأقل ما نستطيع أن نقوله هو أن ترامب لن يكون قد حطم إرث أوباما الدبلوماسي فحسب، بل فقد عمل أيضاً على تحطيم أساسيات الدبلوماسية الأميركية وأعدادها الثابتة.

وحتى اللحظة الأخيرة, تبنت إدارة ترامب قرارات متآكلة بالنسبة للقوة الناعمة الأميركية، على الأقل ما تبقى منها، والتعددية، والنظام والأمن الدوليين، والقانون والشرعية، والتزامات الولايات المتحدة بشكل خاص فيما يتصل ببلدان الأوروبية الغربية والقرارات التي تتحدث عن روح هذه الإدارة ومفهومها للقانون والعلاقات الدولية.

وحتى اللحظة الأخيرة كان العالم، وخاصة الشرق الأوسط، قد حبس أنفاسه، بأن إدارة ترامب المنخرطة في سباق مع الزمن سوف تكون قد تضاعفت، حتى أثناء الفترة الانتقالية المزعومة والقرارات الأحادية الجانب بقدر ما هي مثيرة للجدل بما في ذلك “الهدايا” لحلفائها الأقل تواتراً.

بالنسبة لنتنياهو وعدد كبير من الأنظمة الاستبدادية، فإن رحيل ترامب يمثل خسارة لا تقدر بثمن, حيث تمكنت في غضون بضعة أشهر فقط، هذه الأخيرة من توقيع سلسلة من اتفاقيات التطبيع مع البلدان العربية من خلال سياسة معاملات ومزيج من الحوافز والهدايا والابتزاز.

اتفاقيات تتحرك بدافع المصالح الثنائية، والعداء المشترك ضد إيران، وسباق التسلح والتأمين على الحياة لأسوأ الأنظمة الرجعية في العالم العربي.

وكل ذلك على حساب حقوق الشعب الفلسطينيي والاستقرار الإقليمي والقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير المصير والتطلعات الديمقراطية لشعوب المنطقة.

ومن بين جملة هذه القرارات:

–         الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، احتلال ضد احتلال آخر والذي يشكل جزءا من الخط الاستيعابي لإدارة اعترفت بالسيادة الإسرائيلية على القدس وهضبة الجولان ولكنها أعطت أيضا ضوءها الأخضر كجزء من صفقة القرن لضم 30 % من الضفة الغربية.

–         وضع أسم منتجات المستعمرات “صنع في إسرائيل”، التي لم تعد تعتبرها مخالفة للقانون الدولي.

–         وصف حركة الدفاع عن النفس بأنها معادية للسامية.

–         إدراج أسم جماعة الحوثيين في اليمن ضمن القائمة السوداء للمنظمات الداعمة للإرهاب.

–         فرض عقوبات جديدة على النظام في إيران.

–         إدراج إسرائيل ضمن اللجنة المركزية، وهي القيادة المركزية للولايات المتحدة التي تغطي منطقة الشرق الأوسط والخليج، وشمال أفريقيا، وآسيا الوسطى وجنوب غرب آسيا.

–         إعادة تعريف كوبا باعتبارها “دولة راعية للإرهاب”، وضرب الجزيرة بعقوبات جديدة من شأنها أن تشل وعد الرئيس المنتخب جو بايدن بتجديد العلاقات مع الجزيرة.

–         عقود بيع الأسلحة مع الإمارات العربية المتحدة التي وقعت في نفس يوم مغادرة ترامب، وعقود بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والكويت ومصر.

تشكل هذه الأعمال انتهاكات إضافية للقانون الدولي والشرعية الدولية، ولكنها تشكل، بالنسبة للبعض، انتهاكا لموقف الولايات المتحدة التقليدي.

وهذه كلها عقبات وعثرات من شأنها أن تعقد مهمة الإدارة الجديدة الملزمة الآن بقرارات سوف يكون من الصعب التراجع عنها.

ومن المؤكد، كما يشير العديد من المحللين، أن لن تشارك الولايات المتحدة في حروب جديدة، أو القيام بتدخلات عسكرية مباشرة أو الأمر بإرسال قوات إضافية.

بل على العكس من ذلك، سيكون قد خفض عدد القوات لاسيما في سوريا وأفغانستان والعراق وأوروبا.

حمام الدم الأمريكي ليس بالشيء الجديد، حيث أن ترامب لم ينشئه أو يوقفه ولكنه حافظ عليه، بينما يمهد الطريق أمام صراعات في المستقبل.

فقد عززت ودعمت الحروب المستمرة، وغطت التدخلات العسكرية، وشنت العديد من الحروب بالوكالة، ورعت الاغتيالات السياسية، وحماية الديكتاتوريات، وشجعت سباق التسلح وعسكرة الشرق الأوسط، وتفاقم التوترات الإقليمية والطائفية، وإضعاف عمليات السلام والجهود الدبلوماسية, وعدم الالتزام بالاتفاقيات المتعددة الأطراف وفتحت الباب على مصراعيه أمام حلفائها الأكراد.

ومن مصر إلى السعودية، ومن الإمارات إلى البحرين، ومن تركيا إلى إسرائيل، كفل إفلات أكثر الدكتاتوريين تعطشا للدماء من العقاب، ومنح شيكا على بياض فعلي لما يرتكبه نظامهم من تجاوزات وجرائم وقمع وانتهاكات لحقوق الإنسان.

أيد جرائم الحرب ضد الإنسانية، بما في ذلك الحرب في اليمن، وهي أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، كما وصل به الأمر إلى حد استخدام حق النقض ضد قرار صادر عن الكونغرس يهدف إلى منع بيع الأسلحة إلى السعودية والإمارات.

كانت “ميزة” ترامب تتلخص في إضفاء الطابع النسبي على موثوقية الحليف الأميركي، والكشف عن تنوعه، وبالتالي تطوير النقاش في مختلف أنحاء الأطلنطي نحو الدفاع الأوروبي الأكثر استقلالية.

وقد أدى إساءة استعمالها وتعسفها واستخدامها المنهجي لسلاح العقوبات الاقتصادية إلى التشكيك في تحويل التجارة إلى الدولرة- – تخلي دولة عن عملتها الوطنية لصالح الدولار الأمريكي أو عملة مرتبطة بالدولار الأمريكي. وهي تُتخذ من خلال شكلين: الدولرة الكاملة، يحل الدولار محل العملة الوطنية بالكامل؛ الدولرة الجزئية، حيث يحافظ الدولار على تعادل ثابت مع العملة الوطنية, يتم بعد ذلك دراسة العملة كعنصر تأثير في التأثير الثقافي للولايات المتحدة في العالم- وعزز البحث عن بديل للدولار من أجل الحد من اعتماد الجهات الفاعلة على واشنطن.

كما سيكون ترامب قد كشف أيضاً كل العيوب والشذوذ والاختلالات التي يعاني منها النظام الأميركي:

السخرية، والنفاق، وعدم الوضوح، وازدواجية القوة الناعمة الأميركية، وحقيقة المساومة السياسية والاقتصادية من دون مقدمات.

ففي فترة حكم ترامب، خرجت الولايات المتحدة من الغابة وتخلصت من الغطاء الأخلاقي والمعنوي الذي يخفي حقيقة سياستها الدولية.

وعلى وجه الخصوص، كشف عن حقيقة ملكية النفط في منطقة الخليج وكذلك النوايا الإسرائيلية.

كما قام بحماية ولي عهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالابتزاز السياسي والمالي, بالإضافة إلى تحقيق النصر الدبلوماسي من خلال توقيع اتفاقيات ابراهيم مع الإمارات والبحرين, حيث كان ينوي الاستفادة منها في السباق إلى البيت الأبيض.

إن صفاقة “صفقة القرن” التي من شأنها أفراغ عملية السلام المحتضرة بالفعل من خلال الجوهر والمضمون, تضع حدا نهائيا لوهم اتفاقية أوسلو والمفاوضات بشأن الوضع النهائي بإعلان “من على الطاولة” لجميع القضايا الشائكة والأساسية:

–         الخروج من قرارات مجلس الأمن.

–         الدولة الفلسطينية.

–         حدود 67.

–         وضع القدس.

–         تجميد المستوطنات.

–         حق عودة اللاجئين.

إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بضم هضبة الجولان من شأنهما أن يضعا حداً لمبدأ “الأرض مقابل السلام” وجرف ما تبقى من مبادرة السلام العربية لعام 2002.

وتم وصف هذا العمل من قبل الصحفي الاسرائيلي جدعون ليفي بأنها “المسمار الأخير في نعش هذه الجثة المتنقلة والمعروفة باسم حل الدولتين” التي خلقت واقعا ” لا معنى له في القانون الدولي وقرارات المجتمع الدولي ولاسيما المؤسسات الدولية”.

إنه تغيير في الأسلوب والطريقة ولكن في نهاية المطاف استمرارية كبيرة مع الإدارات السابقة وخاصة فيما يخص منطقة الشرق الأوسط حيث عمل ترامب خلال فترة حكمة على هز الخطوط الحمراء الافتراضية.

وبعيداً عن تمثيل انقطاع جذري مع اسلافة، فقد تحولت في المقام الأول إلى تجارب ومصاعب لتوجهاتها الحقيقية، حيث تقع أعمالها في إطار استمرار منطقي لسياسة جارية منذ عقود.

وعلى هذا فإن الأمر يتعلق بقطار التطبيع الذي تمزق في السطر الأخير من ولايته بفضل التوقيت المثالي واللجوء الشامل إلى سياسة المعاملات والموافقة النفعية البحتة.

وهذا التطبيع الذي حددت معالمه منذ وقت طويل, لم تضفي إلا طابعا رسميا على العلاقات التي مضى عليها أكثر من ثلاثة عقود.

من إيران إلى لبنان، ومن إسرائيل إلى فلسطين، ومن دمشق إلى دول الخليج، ومن تكلفة التطبيع إلى نهاية الاتفاق النووي، ومن الاغتيالات إلى مسألة حقوق الإنسان، يرث بايدن مزيجاً من الأزمات والعلاقات المختلة.

لذا، ستكون من أولويته تجميع القطع وإصلاح الضرر وتنظيف الفوضى التي خلقها ترامب.

ولكن هل يتمكن من ذلك فقط بواسطة الوسائل والإرادة؟ إلى أي مدى هو مستعد للابتعاد عن إرث إدارة ترامب وممارساتها الساحرة من كوشنر إلى فريدمان إلى بومبيو؟

وما هو أكثر من ذلك, فمنذ تولي ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الامريكية، حاول نتنياهو وحلفائه العرب في المقام الأول محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، بالفعل وضع العديد من العقبات في طريقه إلى الملف الإيراني.

أضف إلى ذلك العديد من الأولويات الأخرى ومع الأخذ في الاعتبار الكونغرس ووزارة الخارجية والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية وجماعات الضغط ولكن أيضا “مصارعة الذراع” داخل الحزب الديمقراطي, وبالتالي فإن كل هذه الاعتبارات تحد من مجال مناورته.

والأمر المؤكد هو أنها سوف تعمل على إحداث تحولا دبلوماسيا وتؤدي إلى تخفيف حدة العلاقات الدولية من خلال العودة إلى نهج أكثر سلاما وتفضيل مسارات التفاوض والدبلوماسية وتعددية الأطراف التي ضربها سلفها، لقد وعد بالفعل بعهد جديد بعد السياسة الخارجية المتدافعة التي استشفها سلفه.

وعد بايدن مرة أخرى في 4 فبراير في أول خطاب له عن السياسة الخارجية في وزارة الخارجية: “أمريكا عادت، الدبلوماسية عادت, نحن ذاهبون إلى إعادة بناء تحالفاتنا”.

كما قال إن “التحالفات الأمريكية هي أكبر وأعظم أصولنا”، مضيفا أن توجيه الدبلوماسية يعني ” الوقوف جنبا إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا الرئيسيين مرة أخرى”.

دافع ايضاً عن القيم الكلاسيكية للدبلوماسية الأمريكية مثل تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي قال أن دونالد ترامب قد تخلى عنها.

سوف يعمل بايدن على التراجع عن بعض القرارات, حيث سوف يعيد النظر فيها وبالتالي، سينهي سياسة ترامب التجارية وأسلوب الابتزاز الذي كان يفضله[4].

وهكذا، يمكن له، دون المساس بالمعايير التي يوافق عليها ويدعمها، أن يستعرض بعض الشروط والطرائق التي مكنت من التوصل إلى إبرامها من أجل عكس مسار القرارات المثيرة للجدل والتي تم اتخاذها على عجل، تبعا للحالة, وبالتالي, فإن هذا لن يضر بإسرائيل، بل على العكس من ذلك، ولا بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها.

ومن جانبه, قال وزير الخارجية الجديد أنتوني بلنيكن خلال جلسة إقراره في مجلس الشيوخ :”أعتقد أن هناك عدد من الأشياء، التي فعلته إدارة ترامب لما وراء حدودنا وأود أن أشيد…بالعمل الذي تم إنجازه للنهوض بتطبيع العلاقات مع إسرائيل, فهذا العمل يجعل من إسرائيل والمنطقة أكثر أمنا، إنه شيء جيد، وآمل أن نتمكن من البناء على ذلك النحو.

وفي الإحاطة الصحفية الأولى، قال نيد برايس، المتحدث باسم وزيرة الخارجية:”إن الولايات المتحدة ستواصل توصية البلدان الأخرى بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ولا شك أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستقود الموجة وتقترح توسيع نطاق اتفاقيات أبراهيم لتشمل دولا أخرى.

ومع ذلك, تبقى الحقيقة أن بايدن يبدو وكأنه يبطئ هذه العملية، على الأقل للتشكيك في بعض الطرائق التي يتبعها: فقد علقت الولايات المتحدة الأمريكية تسليم المقاتلات الحربية F-35 إلى دولة الإمارات فضلاً عن تعليق تسليم معدات حربية أخرى إلى المملكة الوهابية.

ومن المرجح أن تتخلى إدارته ايضاَ عن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية الممنوحة مقابل التطبيع مع إسرائيل.

وفي أيامها الأخيرة، صنفت إدارة ترامب الحركة الحوثية في اليمن كمنظمة إرهابية أجنبية، على الرغم من الخطر المحدق بمثل هذا العمل، والذي يلقي بظلاله على عمليات إيصال المساعدات الإنسانية إلى هذا البلد، ناهيك عن كون هذا القرار يمكن أن يؤدي إلى إنهيار الحوار الخجول الذي بدأ في اليمن.

واستشهادا بالشواغل والمخاوف الإنسانية، ألغى أنتوني بلينكين قرار سلفه مايك بومبيو الذي اتخذه في اللحظة الأخيرة من عمر ولاية ترامب.

ومع ذلك، فقد شددت وزارة الخارجية إلى أن إلغاء هذا التصنيف لا يعكس بأي حال من الأحوال وجهات نظر الولايات المتحدة بشأن الحوثيين.

في حين يمكن أيضا أن تنظر إيران إلى أن هذا القرار بمثابة بادرة حسن نية في الوقت الذي تستعد فيه الدولتان لإجراء مفاوضات معقدة لإنقاذ الصفقة النووية الإيرانية.

وفي إشارة أخرى إلى التهدئة، سحبت وزارة الدفاع الأمريكية حاملة الطائرات “يو إس إس نيميتز”، التي أرسلها ترامب إلى مياه الخليج الفارسي لإظهار القوة والضغط على طهران.

أسفر الأسبوع الأول من بدء فترة ولاية جو بايدن عن إدانة واضحة وصريحة لسياسات إدارة ترامب، حيث وعد بإعادة تأكيد التزاماته بالنهوض وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم, باستثناء الدولة العبرية بشكل ملحوظ.

والواقع أن الرئيس الأميركي تعهد مراراً وتكراراً بعدم فرض أي شروط على المساعدات العسكرية الأميركية، على الرغم من دعوات الديمقراطيين التقدميين إلى القيام بذلك.

وفي مايو المنصرم، أكد توني بلنكين، لمجموعة مؤيدة لإسرائيل أن إدارة بايدن “لن تربط المساعدة العسكرية بالقرارات السياسية التي تتخذها”.

ولذلك فإن القيم التي لا تزال بعيدة عن أن تكون مطلقة ونزيهة، ولن تنطبق على إسرائيل رغم انتهاكاتها الخطيرة للقانون الدولي.

كما وعدت إدارته بإعادة تقييم علاقاتها مع المملكة العربية السعودية على أساس حقوق الإنسان وإنهاء الدعم الأمريكي لحرب السعودية في اليمن.

قال بايدن في أول خطاب له عن السياسة الخارجية أمام موظفي وزارة الخارجية  “نحن نعزز جهودنا الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن التي خلفت كارثة إنسانية واستراتيجية”, مضيفاً أن “هذه الحرب يجب أن تنتهي” كما أكد على تعيين الدبلوماسي المخضرم تيموثي ليندركينغ مبعوثا لليمن.

“وللتأكيد على تصميمنا، فإننا ننهي كافة أوجة الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة”.

وعلى نحو ملموس، سوف تلغي واشنطن صفقة البيع المثيرة للجدل مع الإدارة السعودية والتي تتمحور حول ملف “الذخيرة الدقيقة” التي تم إبرامها خلال الايام الأخيرة من ولاية ترامب التي كانت دوماً تدعم النظام السعودي رغم كل الصعاب، لطالما كانت الرياض الركيزة الرئيسية إلى جانب إسرائيل لسياستها المناهضة لإيران.

هل يعني هذا التشكيك في الدعم للمملكة تغيير في استراتيجية[5] الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ؟ لا شيء أقل من ذلك.

وعلى الرغم من أن البيت الأبيض يعتبر هذا الملف “أولوية حاسمة”، إلا أن بايدن لم يذكر ذلك في خطابه “مسألة العودة إلى اتفاق العام 2015”.

إن إمكانية عودة الولايات المتحدة الوشيكة إلى هذا الاتفاق مطاردة حقيقية لكل من إسرائيل ودول الخليج على حد سواء، إذ لطالما نددت إسرائيل منذ فترة طويلة بهذه “الصفقة”، حيث ترى أن في العودة إلى ملف المحادثات يعتبر بمثابة حافز قصير الأجل بالنسبة لطهران لمواصلة نهج التصعيد النووي، بالإضافة إلى مضاعفة الحوادث الإقليمية.

ومن جانبهم، يعارض القادة الإسرائيليين بشدة أي عودة إلى هذا الاتفاق، حيث يمارسون بالفعل ضغوطا بكل الوسائل على الإدارة الجديدة من أجل ثنيها عن ذلك.

وفي مواجهة إعلان طهران قبل فترة وجيزة عن رفع معدل إنتاجها من اليورانيوم المخصب، الذي من شأنه أن يعمل على تقصير الوقت الذي يستغرقه صنع قنبلة نووية، فإن هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي التي تأخرت طويلا، تضاعف الآن التهديدات والإنذارات.

فعلى سبيل المثال، قال وزير الخارجية الإسرائيلي “غابي أشكينازي” إنه يجب على إسرائيل “أن تبقي خيارا عسكريا موثوقا به مطروحا على الطاولة”.

ومن على منبر قناة هاداشوت 13 التلفزيونية، قال الخبير تسفي يهيزكيلي، المتخصص في الشأن العربي والإسلامي، أن العملية الجوية التي جرت في 10 فبراير في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا، إنها رسالة “سامية” موجهة إلى الرئيس بايدن من أجل دفعه إلى اعتماد الخيار العسكري إزاء تصرفات إيران، ولجعله يفهم أن إسرائيل لن تتردد في القيام بذلك إذا لزم الأمر، ولكن أيضا لجعله يفهم أن المشكلة مع إيران تكمن في دعمها للإرهاب وبرنامجها الباليستي ومحاولتها لفرض الهيمنة الإقليمية.

قدم تقييم الاستخبارات الإسرائيلية السنوي توقعات مختلفة تماما, وذلك بعد بضعة أيام من تصريح وزير الخارجية الأميركي على شبكة “بي سي نيوز” بأن “إيران ستكون على بعد أشهر قليلة من امتلاك ما يكفي من المواد لصنع قنبلة نووية, وهي فترة زمنية يمكن اختصارها إلى” بضعة أسابيع “إذا استمرت الجمهورية الإسلامية في انتهاك الاتفاق الموقع مع القوى العالمية”.

ووفقا للتقرير الذي أعدته مديرية الاستخبارات العسكرية، فإن إيران سوف تستغرق قرابة العامين على الأقل للحصول على سلاح نووي إذا أراد النظام تجاوز هذه العتبة.

ووفقا لما ذكره بن كاسبيت, الصحفي والمحلل السياسي في صحيفة “المونيتر” وفي عدد من الصحف الإسرائيلية، فإن هذا التقرير كان يهدف في المقام الأول إلى تهدئة الشعور الأمريكي بالإلحاح في التفاوض مع طهران.

في حين اعتبرت تعليقات بلنكين في إسرائيل محاولة لتقديم حجة التغيب قبل قرار محتمل من الرئيس جو بايدن بشأن العودة السريعة إلى الصفقة النووية.

وعلى الرغم من الضغوط الإسرائيلية والمعارضة من جانب المحافظين الجدد، فإن اختيار روبرت ماللي ــ الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية، ومنسق البيت الأبيض لمنطقة الشرق الأوسط في عهد أوباما، وكبير المفاوضين في الملف الإيراني النووي ــ كممثل خاص لإيران يشكل إشارة قوية لتوجيه إدارة بايدن بشأن إيران ولكن أيضاً بشأن القضية الإسرائيلية الفلسطينية.

كما أإن تعيين مالي يعني أن بايدن جاد في إحياء الصفقة النووي مع النظام في إيران, حيث أثار هذا الاختيار, الذي أثار بدوره غضب المحافظين الجدد, القلق والمخاوف في إسرائيل واستياء جماعات الضغط الموالية لإسرائيل[6].

وإذا كانت نيته العودة إلى خطة برنامج العمل المشترك الشامل واضحة، فإن تكتيكاته تعتبر أقل من ذلك بكثير, وهل يعتقد أنه سيعود إلى اتفاق العام 2015 كما تم التوقيع عليه، شريطة أن تمتثل إيران مرة أخرى لبنوده؟

أم أن هناك مسألة إعادة التفاوض حول نقاط معينة، وإذا كان الأمر كذلك، فأيهما؟ وفي حين دعا المرشد الأعلى في إيران في وقت سابق إلى رفع العقوبات كشرط مسبق للعودة إلى اتفاق العام 2015, قال جو بايدن في مقابلة على شبكة “سي بي إس” في 7 فبراير أن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات حتى تفي إيران بالتزاماتها.

كما أجاب في نفس الوقت بالإيجاب, حول ما إذا كان يتعين على إيران وقف تخصيب اليورانيوم في بادي الأمر.

وفيما يتعلق بالملف الإسرائيلي- الفلسطيني، فمن الواضح بالفعل أن الإدارة الأمريكية سوف تعود بالفعل إلى اتخاذ عدد من التدابير الوخيمة والعقابية ضد الفلسطينيين والسياسات التي تعتبر منحازة للغاية لصالح إسرائيل.

ونتيجة لهذا، فقد أعلنت نائبه الرئيس كامالا هاريس عن أربعة تدابير فورية:

–         استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.

–         المساعدة المالية المباشرة من واشنطن.

–         إعادة فتح مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن.

–         استئناف تمويل الأونروا.

ومع ذلك، حتى لو كان الرئيس الديمقراطي قد عارض ذلك علناً، فإنه لا ينبغي عليه أن يعيد النظر في قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أو القرار المثير للجدل بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، كما قال أنطوني بلانكين، في جلسة الإقرار أمام مجلس الشيوخ.

ورفض في مقابلة مع شبكة “سي ان ان” الأميركية التعليق على ما إذا كان سوف يؤيد أن تصبح القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المقبلة، معتبرا أن على الطرفين “الاجتماع مباشرة والتفاوض حول قضايا الوضع النهائي هذا”.

ومع ذلك، فإن إعادة فتح القنصلية في القدس الشرقية هي خطوة الفروق الدقيقة في قرار ترامب: القدس، عاصمة إسرائيل، حيث يمكن أن تكون أيضاً دولة فلسطينية افتراضية.

في 4 فبراير, صوت مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ساحقة، مع ثلاثة فقط من أعضاء مجلس الشيوخ صوتوا ضد استمرار السفارة الأمريكية في القدس, وبالتالي, فإن هذا التعديل الذي وافق عليه 97 عضوا في مجلس الشيوخ يجعل  من نقل السفارة دائما.

ورغم أنه لا ينبغي لها أن تعود إلى الوراء، على الأقل في المستقبل القريب، بشأن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان الذي منحه ترامب في العام 2019, إلا أن إدارته تبدو وكأنها تتخذ موقفاً أكثر دقة من شأنه أن يفتح الطريق أمام التشكيك في شرعية هذا القرار.

وهكذا، وفي حين أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنه في ظل الظروف الحالية التي يدعم فيها سيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان، ألقى بظلال من الشك على قانونية قرار إدارة ترامب.

وبدلاً من ذلك، جادل بأن هذه الأراضي ضرورية لضمان أمن إسرائيل طالما كان بشار الأسد في السلطة في سوريا وأن إيران موجودة في سوريا والميليشيات التي تدعمها.

وقال بلكين لشبكة  سي أن أن “إن فرض السيطرة على هضبة الجولان في هذه الحالة لا تزال في الواقع ذات أهمية حقيقية لأمن إسرائيل”.

بيد أنه أشار إلى أن الولايات المتحدة قد تكون مستعدة في المستقبل لإعادة النظر في هذا الموقف, حيث قال “أن القضايا القانونية شيء آخر، ومع مرور الوقت، إذا تغير الوضع في سوريا، فهذا شيء ننظر إليه، لكننا لا نزال بعيدين عن ذلك”.

تتناقض تصريحات بلينكين بشكل صارخ مع تصريحات سلفه مايك بومبيو الذي قام بزيارة غير مسبوقة لمسؤول أميركي رفيع المستوى إلى مرتفعات الجولان في نوفمبر[7].

ولعل أولوية الرئيس الجديد لن تتلخص في اقتراح اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني جديد، بل قد تتمحور حول تجديد الحوار مع رام الله واستعادة الثقة.

بيد أن الرئيس جو بايدن يعتقد أن الحل العملي الوحيد القابل للتطبيق فيما يخص ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو “حل الدولتين”، كما قال بلينكين أثناء جلسة إقراره في مجلس الشيوخ، وهو العودة إلى الموقف التقليدي للدبلوماسية الأميركية.

كما قال بليكين في 19 يناير المنصرم “الرئيس يتفق معي على أن أفضل طريقة وربما الطريقة الوحيدة لتأمين مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، ومنح الفلسطينيين الدولة التي يستحقونها هو مبدأ ما يسمى ” الدولتين”.

وفي الأسابيع الثلاثة الأولى، لم تولي الإدارة الأمريكية اهتماماً علنياً يذكر لما يحدث بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث اتخذت نهجاً حذراً تجاه عملية السلام , كما تجنبت أي مبادرات رئيسية في الوقت الراهن.

وعلاوة على ذلك، لم تشغل إدارة بايدن بعد جميع المناصب الرفيعة المستوى في وزارة الخارجية، ناهيك عن إتاحة الوقت لوضع سياسة شاملة في هذا المجال.

ومن المرجح أن يرى بايدن أن الصراع لم يحن بعد للدبلوماسية الأميركية في هذا الوقت.

تفاصيل مهمة:

اتصل بايدن بالعديد من رؤساء الدول والحكومات، ولكنه لم يتصل برئيس الوزراء الاسرائيلي ببنيامين نتنياهو, إلا بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من توليه منصبه, وهذا خلاف لما فعلة كلاً من أوباما وترامب, حيث أتصلا برئيس الوزراء الإسرائيلي في الأيام الأولى من تنصيبهم.

ووفقا لما ذكره جاكوب كورنبلوه، كبير الصحفيين السياسيين لمجلة “فور ورد – Forward ” اليهودية الأمريكية، فإن السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة داني دانون أخبره بأن هذا الإغفال مقصود وأن الإدارة الجديدة تريد توجيه رسالة.

ومن جانبه, قال بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي لشؤون الاتصالات الاستراتيجية في إدارة أوباما، إن تردد بايدن في الاتصال برئيس الوزراء الأسرائيلي, لا ينبغي أن يكون صدمة، نظرا للطريقة التي تعامل بها مع إدارة بايدن السابقة.

ولكن تردد بايدن في الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي ليس دليلاً على أي رفض لمكانة ووضع إسرائيل باعتبارها واحدة من أكثر حلفاء واشنطن قيمة.

في 26 يناير 2021، أدلت إدارة بايدن بأول تعليق مفصل على سياستها تجاه القضية الإسرائيلية والفلسطينية في الخطاب الذي ألقاه المبعوث الأمريكي بالوكالة ريتشارد ميلز أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

كان أكثر ما كان جديراً بالملاحظة وذكر في خطاب ميلز هو الإشارة إلى أن الولايات المتحدة سوف تستأنف تقديم المساعدات المالية للأونروا التي تواجه عجزاً قدره 200 مليون دولار رغم أن ميلز لم يقترح استئناف المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة، ولم يدعو أي من الفلسطينيين والإسرائيليين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، حيث أكد أنه يحاول تشكيل وضع أفضل “لكلا الجانبين” من أجل الحفاظ على إمكانية التوصل إلى نتيجة الدولتين, وهو هدف أكثر وهمية وخادعاً من أي وقت مضى.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا البيان جاء بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للإعلان عن محتوى “صفقة القرن” الشائنة.

وبالنسبة للفلسطينيين، سيكون التغيير بارزا بسرعة على الأقل من حيث الشكل والأسلوب.

وسوف تتمثل أولوية جو بايدن في إصلاح العلاقة مع رام الله التي تضررت بشدة  من سلفه.

وأضاف أن السنوات الأربع الماضية كانت متوترة لدرجة أن توقيع اتفاق سلام في الأشهر المقبلة أمر لا يمكن تصوره.

يقول أوفير زالزبرغ، مدير برنامج الشرق الأدنى في معهد كيلمان لتحويل الصراعات, أن أول شيء يجب القيام به هو “الحد من حدة الصراع”.

يتطلب ذلك إيماءات استرضاء مثل استعادة المساعدة والتعاون الأمني وبرامج التنمية الاقتصادية للفلسطينيين.

وقد سبق أن أعلن عنها جو بايدن وكامالا هاريس خلال الحملة الانتخابية عن:

–         إعادة فتح مكتب القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية.

–         إعادة فتح مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن[8].

وعلى الرغم من كلمات بايدن المتفائلة، فإننا لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت أي تغييرات جوهرية سوف تطرأ على السياسة الخارجية الأميركية, كما أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هناك شروط إضافية لعودة المكتب الفلسطيني في واشنطن وبعثة الولايات المتحدة في القدس الشرقية.

وفي حين رحب الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه محمد اشتية بإعلانات الإدارة الجديدة، يخشى المسؤولون الفلسطينيون أن يضطروا إلى العودة إلى الوضع السابق حيث سوف يتم فيه استعراض وضع مكتب واشنطن كل ستة أشهر كجزء من تشريعات الكونغرس لمكافحة الإرهاب.

وعلاوة على ذلك، من غير الواضح كيف ستعمل بعثة الولايات المتحدة الأمريكية في القدس الشرقية عندما قالت إدارة بايدن إنها لن تتراجع عن قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.

إن رد فعل الفلسطينيين يعكس الحاجة الكبرى إلى العودة إلى الوضع الراهن الذي كان قائما قبل ضغوط ترامب لإجبار الفلسطينيين على الاستسلام للإملاء الأميركي الإسرائيلي والاعتراف بهزيمتهم.

كما إن قرار الولايات المتحدة بإعادة تنشيط دعمها المالي سوف ينهي بشكل فعال الحصار المالي المفروض على الحكومة الفلسطينية ومؤسساتها، وتخفيف الضغط بطبيعة الحال، ولكننا ما زلنا بعيدين عن أن نشهد جهدا جادا ومستمرا من جانب واشنطن للتوصل إلى حلول سياسية وممارسة قوة للنهوض بعملية السلام.

لا بد من القول إنه في غضون ذلك، سوف يتم دعوة الإسرائيليون والفلسطينيون من حيث المبدأ إلى صناديق الاقتراع، ولذلك سيتعين علينا أن ننتظر نتائج هذه  الانتخابات.

قبل أقل من أسبوع من تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرسوماً تنفيذياً بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في وقت لاحق من هذا العام, وقد فُسر هذا القرار على نطاق واسع على أنه بادرة للإدارة الأمريكية الجديدة.

لم تخفِ رام الله حقيقة أن قرار الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة كان مدفوعاً بتغيير الإدارة في البيت الأبيض.

ومن جانبه, قال مسؤول فلسطيني كبير طلب عدم الكشف عن هويته لصحيفة “تايمز أف اسرائيل” نحن نفعل ذلك لأنفسنا ومن اجل شرعيتنا الوطنية، لكنه أيضا في نفس الوقت رسالة إلى بايدن والمجتمع الدولي الذي يضغط من أجل إجراء انتخابات.

في الشهر الماضي، قالت حنان عشراوي عن السياسة الخارجية: “إنها إشارة إلى الرئيس جو بايدن والإدارة الجديدة التي تقول إنها ديمقراطية وتلبي مطالب اللحظة, فالقادة الفلسطينيون يرسلون إشارات أنهم مستعدون للعب اللعبة”.

ولكن إدارة بايدن لم تعترف علناً بعد بهذه الإشارات وردت على المبادرة ببرودة وصمت شبه تام تقريباً.

ومن الواضح أن البرودة إزاء الانتخابات الفلسطينية يمكن أن يعزى إلى حقيقة أن التصويت سوف يجبر واشنطن منذ البداية على مواجهة التعزيز المحتمل لحركة حماس التي ينبغي أن تحصل على مكاسب خلال التصويت وأن يكون لديها أقلية قوية على الأقل في البرلمان الفلسطيني المقبل.

أظهر استطلاع للرأي أجري في ديسمبر, أن 38% من الشارع الفلسطيني يؤيدون حركة فتح في الانتخابات العامة، مقارنة بنسبة 34% يؤيدون حركة حماس.

وقال العمري وهو باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى “إن أي سيناريو انتخابي سوف يشمل إدماج حماس في نظام السلطة الفلسطينية, كأقلية كبيرة في أحسن الأحوال”.

ومع ذلك، أصر مسؤول في وزارة الخارجية على أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الانتخابات الفلسطينية وسوف تعترف بالنتائج حتى لو فازت حماس فيها.

وفي وقت مبكر من العام 2014، قالت إدارة أوباما إنها مستعدة للعمل مع حكومة وحدة تكنوقراط بين حركتي فتح وحماس.

اليوم، تجري تل ابيب محادثات غير مباشرة مع حركة حماس وتساعد في تسهيل تدفق عشرات الملايين من الدولارات من قطر إلى الجماعة الإسلامية.

اعترف مسؤول سابق في إدارة أوباما مطلع على هذه المسألة بأن هذا “يخلق أيضاً اختباراً مبكراً ومعقداً لإدارة بايدن حول ما يجب القيام به مع حماس”.

إن وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض يعيد فتح مجال الإمكانيات أمام الفلسطينيين، حتى ولو كانت آمالهم وتوقعاتهم إزاء جو بايدن يجب أن تظل متواضعة قبل معرفة الموقف الأساسي والموضوعي للإدارة الجديدة بشأن القضايا الرئيسية، وإلى أي مدى سوف تضغط  على إسرائيل لصالح حل الدولتين.

إن الهدف هو تجنب الوقوع في فخ الانتظار والترقب والعودة إلى عملية مميتة تمهد الطريق لمتابعة سياسة تحقيق إنجازات, لا رجعة فيها على أرض الواقع.

كما أن التشكك يجب أن يظل قويا, أولا: لأن دعم إسرائيل يعتبر من البديهيات الأساسية للسياسة الأميركية, كما إن جو بايدن وكامالا هاريس، المعروفان بهوس الضغط المناصر للصهيونية في الكونغرس، ليسا استثناء.

وثانياً: لأن جو بايدن “ربما يتعين عليه أن يتعامل مع مجلس الشيوخ المقسم إلى معسكرين متساويين من 50 برلمانياً حتى ولو كانت نائبة الرئيس المنتخبة كامالا هاريس هي صاحب الكلمة الأخيرة في حال التعادل.

وبحسب المحلل عوفر زالزبيرجو, لن يتمكن جو بايدن من تنظيف الإرث السياسي لدونالد ترامب في المنطقة.

ومن الناحية العملية، فإن خطه ترامب للسلام والمعروف باسم “صفقة القرن”، لن تختفي, حيث “سوف يؤثر بايدن على بعض أجزاء هذا الاتفاق, ولكنه في نفس الوقت سوف يتعين عليه أن يحافظ على أجزاء أخرى”.

لطالما أشار الرئيس بايدن مرارا وتكرارا إلى أن إدارته سوف تعود إلى توافق الآراء الدولية بشأن هذه الملف الذي ظل غير واقعي إلى أن يشجب “صفقة القرن” ويعكس آثارها على أرض الواقع.

لأنه من المستحيل دمج صيغة الدولتين مع التغييرات التي أدخلها ترامب, حيث كان الحل القائم على حل الدولتين يشكل دوماً طريقاً للاستنفاد والإرهاق.

وسوف يتمحور رفض بايدن على إلغاء بعض قرارات ترامب, في حين كانت الموافقة على صيغة حل الدولتين بمثابة الوجه الجديد لضم أراض فلسطينية جديدة.

لن يشكل أي من التدابير الأولى للإدارة الجديدة, مهما كانت موضع ترحيب, في الوضع الراهن الكارثي والواقع القاسي الذي صاغته ودعمته الولايات المتحدة.

فمنذ توليه منصبه، أوضح الرئيس بايدن، وهو مؤيد قوي لدولة إسرائيل طوال مشواره السياسي الطويل, أن الولايات المتحدة ليس لديها أي نية لعكس مسار التغيرات السياسية المثيرة للجدل في فترة ولاية ترامب.

كما يرفض أيضا جعل المعونة الأمريكية لإسرائيل مشروطة بالامتثال للقانون الدولي, ففي مقابلة أجراها نهاية العام 2019″ أشار إلى إن فكرة أن نقطع المساعدات العسكرية لحليفنا وشريكنا الحقيقي الوحيد في المنطقة، هي فكرة سخيفة تماما”.

إن حقيقة أن بلينكن وبايدن قد أعربا عن معارضتهما لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات تشير إلى بعض الاستمرارية مع إدارة ترامب.

ومما يثير القلق بنفس القدر, تعليقات مبعوث الإدارة الجديدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، التي قالت خلال جلسة إقرارها في مجلس الشيوخ:”أجد أن الإجراءات والنهج اللذين تم إتباعهما تجاه إسرائيل غير مقبولين, فهذا يحد من معاداة السامية ومن المهم ألا يسمح لهم بالإدلاء بأقوالهم في الأمم المتحدة, اني اعتزم العمل بجد ضد ذلك, وليس لدى الولايات المتحدة صديق أقرب من دولة إسرائيل”.

خلال فترة ولايته، عمل ترامب بشكلٍ تدريجي على مساواة النقد ضد إسرائيل والصهيونية ومعاداة السامية، مما جعله يعاقب على خطاب الكراهية.

ويقتضي مرسوم العام 2019 من الوكالات الفيدرالية التي تحقق في شكاوى الحقوق المدنية في الجامعات العامة, استخدام تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست محرقة اليهود (IHRA) لمعاداة السامية الذي يربط بين النقد ضد إسرائيل ومعاداة السامية, والآن، أعلنت وزارة خارجية بايدن موافقتها على تعريف الرابطة لمعاداة السامية.

وبعيداً عن محاربة هجوم ترامب على حقوق الإنسان وحرية التعبير، فإن بايدن يسير على خطى سلفه.

وبالإضافة إلى تأييده لتعريف الرابطة الدولية لحقوق الإنسان، فإنه يسعى إلى تحصين إسرائيل من الانتقادات وضمان الإفلات التام من العقاب.

ومن المؤشرات الأخرى التي لا تبعث على التفاؤل, رد فعل إدارة بايدن المعارض لقرار المحكمة الجنائية الدولية التي قضت بإجرائها تحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية والمجازر التي ارتكبت بحق المدنيين في قطاع غزة.

في 6 فبراير المنصرم، أصدرت وزارة الخارجية بيانا قانونيا محايدا يعارض الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية[9] بينما شددت على أن الولايات المتحدة تشاطر أهدافها.

تأتي هذه الخطوة بعد يوم واحد فقط من ترحيب الولايات المتحدة بقرار المحكمة الجنائية الدولية ضد مجرم حرب أوغندي, دومينيك أونغوين, أحد قادة منظمة جيش الرب للمقاومة المتمردة، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وذهب المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس إلى أبعد من ذلك على تويتر, حيث قال “سوف نواصل الوفاء بالتزام الرئيس بايدن الراسخ والثابت تجاه إسرائيل وأمنها، بما في ذلك معارضة الإجراءات الرامية إلى استهداف إسرائيل بشكل غير عادل”.

ومن الواضح أن بايدن ليس بيرني ساندرز بل هو شخصية توفيقية ووسطية قادرة على تحقيق لغة مشتركة مع اليمين المتشدد للحزب الجمهوري وصديق لإسرائيل على أهبة الاستعداد لتغطية الأعمال وحقيقة الفصل العنصري وضمان الإفلات من العقاب.

قال ميشيل دون، مدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي لوكالة رويترز “سيحاول عرض صورة للعدالة والتوازن, لا شك أن سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط سوف تختلف تمام الاختلاف عن سياسة ترامب, والسؤال المطروح هو إلى أي مدى سوف تكون مختلفة عن تلك الخاصة بأوباما”.

وفي محاولة لتقويض الجهود القضائية الدولية التي تهدف إلى مساءلة ومحاسبة إسرائيل عن أفعالها، تسعى إدارة بايدن إلى إتباع نموذج ثنائي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يعود على الأقل إلى إدارة جورج دبليو بوش[10].

كانت هذه المسألة بمثابة اختبار حاسم لنوايا بايدن وأهم وعوده بالحملة الانتخابية:

–         العودة إلى التعددية.

–         استعادة دور الولايات المتحدة في تعزيز حقوق الإنسان.

–         صون نظام دولي يستند إلى قواعد القانون.

قال الباحث علاء طرتير، في مقال نشرته شبكة السياسات الفلسطينية، وهي مؤسسة فكرية مقرها الولايات المتحدة, “لا شك أن إدارة بايدن سوف تتبنى نفس السياسة تجاه إسرائيل مثل تلك السياسة التي انتهجها ترامب, حتى لو عمدت إلى إجراء تغييرات تجميلية طفيفة, لن يكون بايدن المنقذ بالنسبة للشعب الفلسطيني, ولا صانع السلام، ولكنه ربما يكون المنقذ لما تبقى من عملية السلام, وسوف تنفق إدارته مبالغ طائلة من المال والطاقة لمجرد إنعاشها وليس لتحقيق شكل من أشكال السلام الحقيقي والدائم”.

ومن حيث الأسلوب والطريقة, فإن نهج بايدن في التعامل مع المنطقة سوف يكون أفضل من النهج الذي سار عليه ترامب, حيث سوف يؤدي ذلك إلى العودة إلى المعايير الدبلوماسية القديمة الأمد، كما يتضح ذلك من خلال تصريحات وزير الخارجية في جلسة الإقرار في مجلس الشيوخ:

“إن السبيل الوحيد لتأمين مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية ومنح الفلسطينيين دولة يستحقونها, هو اللجوء إلى ما يسمى حل الدولتين, ففي الواقع، من الصعب أن نرى الآفاق القصيرة الأجل للمضي قدماً في هذا المجال”.

جو بايدن ليس ملزماً هو أو إرادته السياسية لعكس أسوأ تنازلات ترامب تجاه إسرائيل, وسوف تعمل على الأكثر, على نسخة ترامب الخفيفة.

ومن المحتمل أن نحصل على نفس المفردات التي أصبحت مألوفة على مدى عقود من فشل وإخفاقات الإدارتين الديمقراطية والجمهورية.

إن ظهور بايدن لأول مرة على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية يشير إلى العودة إلى سياسات عهد أوباما التي لن تعالج الضرر الذي ألحقه ترامب وفريقه.

وستعود الولايات المتحدة إلى سياسة التمني والإدانة الرسمية والتشدق بالكلام, فيما يخص معارضة الاستيطان وأي عمل انفرادي من كلا الطرفين.

التحدي أمام بايدن سوف يكون كافياً للعودة وليس فقط إلى سياسة ما قبل ولاية ترامب, كما لا يكفي العودة إلى المربع الأول إلى ما كان عليه, إلى الممارسات السابقة التي تم اختبارها بالفعل, ولابد أن يكون الانقطاع فيما يتعلق مع السياسات التي اتبعتها كل الإدارات السابقة وليس فقط إدارة أوباما.

ولا يكفي الانفصال عن إدارة ترامب بل أيضا التمكن من قلب مسار الأمور وتفكيك سلسلة من “الحقائق على أرض الواقع” التي تمثل عقبات لا يمكن التغلب عليها أمام السلام وتجريد الولايات المتحدة من الأهلية كوسيط وراعي لعملية السلام.

إن العودة إلى الوضع الذي كان عليه ترامب في السابق غير كافٍ وخاصة بعد مرور أربع سنوات على تفاقم الوضع على أرض الواقع وخلق واقع جديد- قائم على توازن القوى والإنجازات بالنسبة لإسرائيل ــ يتنافى مع احتمالات قيام دولة فلسطينية قادرة على البقاء ويجعل البحث عن حل أكثر تعقيداً وفقاً للبرامج التقليدية.

كان ترامب قد زعم أنه أدخل معايير جديدة, وذلك نتيجة فشل النهج السابق مع حجب أسبابها والمسؤولية المباشرة للولايات المتحدة.

وفي الواقع, كانت خطته من أجل “السلام” تسعى جاهدة لجعل الأمور جديدة مع القديم واستمرارية ما تم عمله حتى الآن.

ولن يكون ترامب قد فرض الخط فقط من خلال الذهاب إلى نهاية منطق أوسلو والتي هي فقط نتيجة للسياسة التي اتبعتها الإدارات المتعاقبة على مدى سبعة عقود.

ومن المؤكد أن للفلسطينيين نصيبهم من الفوضى الداخلية والفساد والاختلال الوظيفي السياسي.

وعليهم أيضا، من بين جملة من  أمور أخرى، تنظيم الشأن الداخلي الفلسطيني وأن يستعيدوا تماسك قضيتهم ووحدة نظامهم.

كما لا يجب عليهم بأي حال من الأحوال أن يسارعوا في العودة إلى فخ الوضع الراهن والمفاوضات المباشرة مع إسرائيل من دون ضمانات وتأكيدات قوية من الإدارة الجديدة والتي يجب أن تتضمن جدولا زمنيا وآفاقا محددة بوضوح ووسائل لتحقيقه.

وإلا فإنها سوف تجد نفسها مرة أخرى غارقة في مواجهة موقف مميت وجها لوجه ويحكمها اختلال التوازن في علاقات القوى.

إذا حدث تغيير حقيقي أثناء رئاسة بايدن، فمن المحتمل ألا يأتي من البيت الأبيض, بل من التجمع التقدمي الحالي في الكونغرس، حيث ينادي عدد متزايد من الأصوات الشابة بإنهاء الاحتلال غير القانوني الأكثر استمراراً في العالم.

إننا نشهد تغييرا كبيرا في الأجيال والأيديولوجية داخل الحزب الديمقراطي الذي يتغير اتجاهه ببطء وتدريجيا نحو دعم حقوق الفلسطينيين.

ففي حين أن 70% من الإسرائيليين مؤيدون لترامب، فقد صوت ثلثا اليهود الأميركيين لصالح المرشح الديمقراطي, مما أدى التنافر بين نتنياهو وترامب إلى إضعاف الدعم التقليدي من الحزبين لإسرائيل.

ولا يزال الطريق أمامنا طويلا حتى داخل الجناح التقدمي, حيث أن الانتهاكات المنهجية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني استمرت بلا هوادة في العام الماضي.

وعلى رغم كل الانتقادات المشروعة للمظالم الأخرى، فإن التقدميين، مع استثناءات قليلة, يديم تقليدا طويلا من الصمت عن المظالم التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.

باستثناء أولئك الذين أظهروا بالفعل التزامهم بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني مثل سيناتور من الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز عن ولاية فيرمونت، وإلهان عمر (الديمقراطي- مينيسوتا)، وراشيدا تلايب (الديمقراطي- ميشيغان)، فإن عدداً قليلاً من أعضاء الحزب الديمقراطي لفتوا الانتباه إلى انتهاكات حقوق الفلسطينيين التي تتفاقم أثناء الوباء.

بل على العكس من ذلك، احتفل الكثيرون “بالعودة إلى الوضع الطبيعي” للسياسة الخارجية الأميركية التي يمثلها الفوز الانتخابي للرئيس بايدن.

وبالتالي فقد فشل الليبراليون في إدراك الإجماع القوي بين الحزبين في ظل أسلاف الحزبين الديمقراطي والجمهوري ـ أو ربما تجاهلوا عمداً ـ الذي أرسى الأساس لسياسات ترامب العدائية الصريحة تجاه الفلسطينيين.

بعد كابوس سنوات ترامب، سوف تسعى الولايات المتحدة قبل كل شيء إلى العودة إلى وصفها الإمبراطورية القديمة المغلفة بمبادئ القوة الناعمة الضيقة والهيمنة غير المحسوبة من خلال دبلوماسية تشكل جزءاً من تعددية الواجهة.

* كاميل نجم: محلل وباحث ومستشار وصحفي سياسي مقيم بين جنيف وبيروت, له العديد من المؤلفات والدراسات والتقارير والمقالات الصحفية والمجلات، والافتتاحيات ، وأعمدة.

حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة جنيف.

مجالات التخصص والخبرة:: العلاقات بين الثقافة والدين والهوية والسياسة – الأقليات الدينية والثقافية والعرقية في العالم العربي – العلاقات الإسلامية المسيحية – المسيحية في العالم العربي – العلمانية والتشاركية والتعددية الثقافية – الفاتيكان – النظام السياسي اللبناني ، المؤسسات والديمقراطية – العديد من القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط (لبنان ، سوريا ، الصراع العربي الإسرائيلي).

[1] أعلن وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكين أن الولايات المتحدة سوف تعود إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف كعضو مراقب.

[2] في العام 1994, شارك في صياغة قانون لمكافحة الجريمة اقترض بشدة من السجل الجمهوري للأمر الضماني, ومن بين التدابير العديدة، يوسع القانون نطاق تطبيق عقوبة الإعدام، وينشئ معسكرات لإعادة التأهيل التأديبي، ويزيد من عدد أفراد الشرطة.

وثمة مثال آخر، في العام 1996, أيد قانون الدفاع عن الزواج الذي يقصر الارتباط الزوجي “رجل وامرأة”.

حتى العام 2019, كان يؤيد تعديل هايد الذي يحصر الإعانات الفيدرالية لعمليات الإجهاض في عدد قليل من الحالات القصوى (حياة الأم المعرضة للخطر، تابو زنا المحارم، والاغتصاب).

[3] ليندا توماس غرينفيلد، واحدة من الدبلوماسيين الأفارقة الأمريكيين الأكثر شهرة الذين عملوا في أفريقيا لفترة طويلة، سوف تعمل كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة, أليخاندرو مايوركاس سيكون أول أمريكي من أصل إسباني يشرف على سياسة الهجرة الأمريكية كوزير للأمن الداخلي, جانيت يلين، 74 عاما، الرئيسة السابقة لبنك الاحتياطي الفيدرالي، سوف تدير الخزانة الأميركية, طبيبة الأطفال راشيل ليفين, وهي امرأة متحولة جنسيا تدخل الحكومة لأول مرة كمساعدة لوزير الصحة, أفريل هاينز، سوف تقود الاستخبارات الأمريكية للمرة الأولى.

[4] حصلت كل دولة على شيء في مقابل التطبيع مع إسرائيل: توقيع صفقات بيع للاسلحة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين بما في ذلك تسليم المقاتلات الحربية من طراز F-35 إلى الإمارات. تأمين السودان اتفاقية مساعدات لتمويل سنوي قدره مليار دولار أمريكي من البنك الدولي, بالإضافة إلى شطبها من قائمة الولايات المتحدة الأمريكية لـ “الدول الراعية للإرهاب”. فعل المغرب ذلك في مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية المتنازع عليه، وهو تدبير عارضته أغلبية أعضاء الكونجرس الأميركي. إندونيسيا، أكبر دولة مسلمة في العالم، بحسب بومبيو، كانت على وشك الاعتراف بإسرائيل مقابل حفنة من الدولارات.

[5] سوف يواصل الجيش الأمريكي تبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالدفاع عن المملكة العربية السعودية ودعم مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية, وذلك بحسب ما أشار اليه المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي في 6 فبراير, بيد أنه  سوف ينهي تبادل المعلومات المتعلقة بالعمليات الهجومية وأنشطة التدريب للحد من الإصابات بين المدنيين.

[6] ماللي مؤيد قوي للتقارب مع الجمهورية الإسلامية, ندد بعملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، كما عارض الشروط ال 12 التي وضعها وزير الخارجية السابق مايك بومبيو لرفع العقوبات على النظام الايراني. ولكن هذا ليس السبب الوحيد الذي يجعل اسمها يثير المخاوف حاليا في أروقة السلطة في اسرائيل, كان أحد المفاوضين في محادثات كامب ديفيد في العام 2000,  وكان أحد الأصوات الرئيسية التي اعترفت بأن ياسر عرفات لم يكن مسؤولا عن فشل المحادثات, وفي مناسبات عديدة انتقد بشدة السياسة الإسرائيلية وأعرب أيضا عن شكه في اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل.

[7] قال وزير الخارجية السابق بومبيو في تلك المناسبة “لا يمكنك البقاء هنا والنظر إلى ما يحدث على الجانب الآخر من الحدود وإنكار الشيء المحوري الذي اعترف به الرئيس دونالد ترامب، والذي رفض الرؤساء السابقون القيام به, هذا جزء من إسرائيل وجزء مركزي من إسرائيل”.

[8] وهذا على الأقل ما هو وارد في جدول أعمال الحزب الديمقراطي لعام 2020, الذي يؤيد أيضا إنشاء دولة فلسطينية “قابلة للحياة” يكون فيها الفلسطينيون “أحرارا في حكم أنفسهم”.

[9] وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس “لا نعتقد أن الفلسطينيين يعتبرون دولة ذات سيادة وبالتالي ليسوا مؤهلين لأن يصبحوا دولة أو أن يشاركوا كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية”.

[10] في العام الماضي، فرضت إدارة ترامب عقوبات على الأفراد المشاركين في التحقيق مع أفراد إسرائيليين من موظفي المحكمة الجنائية الدولية في الولايات المتحدة أو ملاحقتهم قضائيا، حيث جمدت أصولهم الموجودة في الولايات المتحدة ورفضت منحهم تأشيرات دخول للولايات المتحدة. وجاء هذا القرار استجابة لرسالتين من الحزبين من كلا المجلسين, ويقال أن صاحب هذه الوثيقة هو استر كورز، المدير التشريعي لمجموعة الضغط الإسرائيلية القوية “أيباك”.

*  المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع