هجوم مأرب وليد اليأس في ظل عدم وجود مؤشرات لإنتهاء الحرب
بقلم: أحمد عبد الكريم
(موقع ” منتبرس نيوز-mintpressnews ” الانجليزي- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”(
مأرب، اليمن – للتغلب على مناخ صحراوي قاسي وشبيه بالصحراء وتحت النيران المستمرة للطائرات الحربية السعودية، شارك توفيق حسن، طالب الفصل الدراسي الثالث في كلية الحقوق، جنباً إلى جنب مع مجموعة من المقاتلين اليمنيين الشباب الآخرين، لتحرير وادي النخلة بالقرب من البوابة الغربية لمدينة مأرب.
قال توفيق لموقع مينتبرس: “إن استعادة مأرب ومواردها الطبيعية هي الفرصة الأخيرة لتأمين نفطها”, لكن بالنسبة لخالد مطهر، وهو جندي في الحرس الجمهوري اليمني، فإن تحرير مأرب واجب وطني, “إنهم يقصفوننا ويختطفون نسائنا ويمنعون الأدوية والوقود ويسرقون ثروتنا”.
اشتعلت المعارك حول محافظة مأرب الغنية بالنفط في اليمن، والتي تقع على بعد 100 كيلومتر فقط شرق العاصمة صنعاء، منذ عام 2015 عندما بدأت الحرب.
ووقعت الاشتباكات بين القوات الموالية لتحالف بقيادة السعودية وحلفائهم السلفيين المتشددين ضد القوات اليمنية المدعومة من الحوثيين وأنصارهم من القبائل المحلية. أصبحت تلك الاشتباكات أكثر شراسة مع اقتراب الحرب والحصار الذي تفرضه السعودية من دخول عامها السادس في 26 مارس الجاري، ووسط دفعة جديدة من صنعاء لتحرير آخر معاقل الحكومة التي تتلقى الدعم من التحالف الذي تقوده السعودية.
خلال الأشهر القليلة الماضية، خاضت القوات اليمنية حملة برية شاقة لاستعادة نقاط استراتيجية في ساحات القتال في مأرب، بما في ذلك القرى والمواقع العسكرية المحيطة بمدينة مأرب عبر الجبهتين الغربية والشمالية الغربية, حيث اندلعت اشتباكات عنيفة مع انضمام المزيد والمزيد من القبائل المحلية إلى المعارك لاستعادة المعالم القديمة من القوات السعودية.
التصعيد وليد اليأس:
التصعيد الأخير ليس فقط نتيجة الحصار الوحشي والقصف على اليمن، والذي ولّد إحساساً مجتمعياً باليأس، ولكنه أيضاً ولد من إدراك أنه لا توجد نوايا حقيقية من قبل السعوديين أو الأمريكيين لوقف الحرب.
لقد صب هذا الشعور باليأس ووقود له على شكل أعمال عنف ارتكبتها القوات السعودية التي تنتهك المبادئ الأساسية للشعب اليمني وأعرافه، ناهيك عن كرامتهم.
في الأول من فبراير، داهم مسلحون مدعومون من السعودية منازل عدد غير معروف من العائلات النازحة في مأرب واختطفوا سبع نساء, زُعم أنه تم بيعهن بعد ذلك إلى السعودية.
تم اختطاف خمس من النساء ليلة السبت، وبينما كان السكان المحليون ما زالوا في حالة من الذهول، عاد المسلحون في صباح اليوم التالي واختطفوا سيدتين أخريين
. سرعان ما انتشر الخبر في جميع أنحاء اليمن وتصاعد الغضب، مما أثار عشرات الاحتجاجات ضد القوات السعودية.
عقدت القبائل الكبرى في مأرب، التي حافظت لعقود على الحياد أو الولاء للسعودية، اجتماعاً في صنعاء لإعلان رغبتها في إنشاء جبهة موحدة وطرد القوات السعودية وحلفائها.
جاء هذا الإعلان في أعقاب معاهدات عدم اعتداء تاريخية تم توقيعها بين القوات اليمنية المدعومة من الحوثيين وشيوخ قبائل عبيدة ومراد وجهم والجعدان الأصلية في مأرب في الأسابيع التي سبقت عمليات الاختطاف.
القصص المأساوية هي الدافع وراء القتال
ساحات القتال في اليمن، ولاسيما في مأرب، صورة من التناقض, من ناحية، توجد أحدث الطائرات الحربية والأسلحة التي صنعتها شركات امريكية كبرى أمثال Raytheon” و “BAE ومقاتلون من خلفيات متنوعة، بما في ذلك القاعدة وداعش، ومصريون وخبراء أمريكيون وبريطانيون, وشبكة واسعة من عملاء المخابرات من جميع أنحاء العالم يراقبون كل شيء.
ومن ناحية أخرى، أنصار الشباب يحملون بنادق كلاشينكوف وبنادق آلية؛ وفي بعض الأحيان مدفعية أو صواريخ مثبتة على ظهر شاحنة بيك آب قديمة؛ وعبوات ناسفة، عادة ما تكون قذائف آر بي جي قديمة تعود للعهد السوفيتي, حيث يتقدمون في ظل الضربات الجوية الشديدة والقصف عبر التضاريس الوعرة، يرتدون عادة الصنادل ولكن في بعض الأحيان حفاة القدمين.
لا توجد قوى خارقة تساعد في تقدمهم، ولكن العزيمة والحافز ولد من اليأس.
البعض غارق في حب الوطن، والبعض الآخر يحمل شعوراً بالواجب الديني؛ لكن الغالبية مدفوعة بقصة مأساوية.
أحد أفراد أسرته فقد في غارة جوية أو بسبب الجوع أو المرض، وآخر غير قادر على السفر للخارج لتلقي العلاج.
اضطر آخرون إلى انتشال أفراد اسرهم وذويهم من تحت أنقاض منازلهم, ومعظمهم فقدوا وظائفهم أو منازلهم أو مزارعهم, لكن كل قصصهم تتحدث عن المعاناة التي يعيش فيها اليمنيون.
لا تقتصر حملة التحالف الذي تقوده السعودية في مأرب على الضربات الجوية الضخمة، ولكنها تعتمد بشكل كبير على مقاتلين مدفوعين أيديولوجياً من القاعدة وداعش والمسلحين بأحدث الأسلحة الغربية.
في ساحة معركة المراد، يضطلع أعضاء القاعدة بقيادة منصور مبخوت هادي المرادي، المعروف بالعامية باسم “الزبير المرادي” بالعديد من المهام بما في ذلك القصف المدفعي، وصنع القنابل، وتوزيع علاماتهم التجارية في جميع أنحاء البلد, كما أن من مهماتهم في الشرق الأوسط زرع العبوات الناسفة.
وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن وكالة الأمن والاستخبارات اليمنية، سهلت الحكومة السعودية تواجد هائل للقاعدة في محافظة مأرب الغنية بالنفط.
ويشمل ذلك مقراً مجهزاً بالكامل وملاجئ ومنازل ومزارع ومخيمات وفنادق تستخدمها الجماعات المرتبطة بالقاعدة بشكل علني.
أصدرت الهيئة أسماء أكثر من 100 شخص من قادة وأعضاء ما يسمى بـجماعة “ولاية مأرب” وكشفت المهام الموكلة إليهم.
وبحسب الهيئة، فإن قيادة التنظيم في “ولاية مأرب” أقامت ملاذاً آمناً للجماعة في محافظة شبوة، وأنشأت ملاجئ طبية واستقبلت مساعدة العمليات العسكرية التي تقودها السعودية.
كما تحولت قرى الختلة والفجير ومنطقة الجفينة والوكرة في مأرب إلى معاقل لتنظيم القاعدة.
في الواقع، أصبحت القاعدة أكثر تنظيماً ونشاطاً بشكلٍ علني, حيث أن لديهم هيكل تنظيمي يعمل بكامل طاقته مع سمير ريان، المعروف أيضاً باسم معتز الحضرمي، الذي تم تعيينه كـ “أمير ولاية مأرب”، وتم تعيين جمال القمادي، المعروف باسم أبو عبد الرحمن الصنعاني، في منصب ضابط طبي ومسؤول لوجستي عسكري, وأسامة الحسني، المعروف أيضا باسم معاذ الصنعاني، تم تعيينه رئيسا للقاعدة.
يشمل هيكلهم التنظيمي على مسؤول للإشراف على النقل، وممثل طبي في مستشفى المفوضية في مأرب، وموظف مشتريات وحتى مسؤولاً لرئاسة “الإسكان” في المنظمة.
“لا وجود لإيرانيون هنا”
بدأ وجه بكيل المرادي يحمر على الفور وظهرت ابتسامة على وجهه عندما سألت الشاب البالغ من العمر 35 عاماً، والذي تم القبض عليه في ساحة معركة العلم في مأرب، ما إذا كان يعتقد حقاً, أنه كان في مهمة مقدسة للدفاع ضد الإيرانيين.
فأجاب: “لا يوجد إيرانيون هنا، لكن هناك نقوداً سعودية ونحن بحاجة”, مثل معظم اليمنيين، سمع المرادي تحذيرات من التدخل الإيراني في اليمن من وسائل الإعلام الممولة من السعودية، لكنه لم يراهم بأم عينيه.
يسمع معظمهم أخباراً عن البرنامج النووي الإيراني أو جوانب أخرى من الدولة التي تقع على بعد ألفي كيلومتر لكنها ارتبطت بالحرب في اليمن إلى حد كبير.
نظراً لأن وسائل الإعلام تربط التطورات الأخيرة في اليمن بالمسألة النووية الإيرانية أو بمحاولات الحوثيين لتقديم أنفسهم بشكل إيجابي للمفاوضات المحتملة بقيادة أمريكية، فإن الحقيقة المأساوية على الأرض هي أن محنة 17 مليون يمني يتم تجاهلها بالكامل.
بدأ الهجوم على السعودية في مأرب الغنية بالنفط، وهي محافظة تقع في قلب اليمن، كجزء من محاولة لإنهاء أو على الأقل ردع الضربات الجوية السعودية المستمرة ضد أهداف مدنية وإجبار السعوديين على السماح بدخول السلع المنقذة للحياة.
لا علاقة لها ببرنامج إيران النووي أو بتسوية مستقبلية, في الواقع، أعلن معظم اليمنيين، بمن فيهم الحوثيون، مراراً وتكراراً أن مطلبهم الوحيد هو إنهاء الحصار المفروض على اليمن ووقف الضربات الجوية.
الحقيقة البسيطة للمعركة على مأرب هي أنه بغض النظر عن نتيجة الاتفاق النووي الإيراني، فإنها ستستمر حتى تتوقف الحملة المميتة للمملكة في اليمن.
الطائرات تلقي بالموت من الجو
تكررت مشاهد الرعب على وجوه الأطفال والعائلات وهم يفرون من منازلهم وسط تصاعد أعمدة الدخان بعد أن قصفت الطائرات الحربية السعودية حي النهضة المكتظ بالسكان وسط صنعاء.
استهدفت الضربات الجوية شارعا قرب مدرسة حليمة للبنات، وألحقت أضرارا بالمدرسة والمنازل المحيطة والمرافق المدنية.
كان الهجوم واحداً من أكثر من مائة غارة جوية سعودية استهدفت مناطق مأهولة بالسكان ومواقع عسكرية هذا الأسبوع في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك مركز علمي في منطقة أرحب.
ورداً على الضربات الجوية، شن الجيش اليمني المدعوم من جماعة الحوثي, 22 هجوما بطائرات مسيرة وصاروخية على أهداف سعودية، من بينها منشأة أرامكو النفطية في ميناء رأس تنورة، وهو الأكبر من نوعه في العالم والواقع شمال العاصمة من محافظة الدمام شرق المملكة العربية السعودية.
وجاءت الهجمات على خلفية ضربات يمنية أخرى على أهداف سعودية، بما في ذلك مطار أبها وقاعدة الملك خالد الجوية، بالقرب من خميس مشيط، على بعد حوالي 884 كيلومتراً جنوب العاصمة السعودية الرياض, حيث تم استخدام القاعدتين الجويتين لشن غارات جوية ضد أهداف في اليمن، وفقاً للمسؤولين.
كشف الجيش اليمني المدعوم من الحوثيين عن الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي استخدمت في هجمات على رأس تنورة, في حدث أكد فيه مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، أن الهجمات على السعودية ستتوقف إذا المملكة توقفت عن شن الضربات الجوية على اليمن ورفع الحصار عن البلد.
“كلمات متألقة”
حذرت الأمم المتحدة من أن الاشتباكات الأخيرة في مأرب قد تؤدي إلى نزوح آلاف المدنيين, حيث قال مارك لوكوك مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة “أي هجوم على المدينة سيعرض مليوني مدني للخطر مع احتمال إجبار مئات الآلاف على الفرار مع عواقب إنسانية لا يمكن تصورها” وحث على وقف التصعيد.
وفقاً للأمم المتحدة، نزح أكثر من 8000 شخص وفي منطقة صرواح منذ أوائل فبراير، العديد منهم فروا من مخيمات اللاجئين القائمة.
قالت صنعاء أن المعسكرات تستخدم كدروع بشرية وأن المسلحين المدعومين من السعودية يمنعون المدنيين من مغادرة المحافظة لعرقلة تقدم القوات التي يقودها الحوثيون نحو مأرب أو لإثارة غضب المجتمع الدولي في حال حدوث ذلك إذا ما واصلت التقدم.
أثار التقدم على مأرب حالة من الذعر بين السعودية وحلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي دعت “الحوثيين” إلى وقف العمليات العسكرية، محذرة إياهم من عدم تفسير حديث الرئيس جو بايدن العلني تجاه اليمن على أنه علامة ضعف.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية وضابط المخابرات السابق نيد برايس: “لدى الحوثيين انطباع خاطئ بأن هذه الإدارة تعتزم ترك قيادتها في مأزق, إنهم مخطئون بشدة”.
وأضاف وزير الخارجية، أنطوني بلينكن، أن “الولايات المتحدة تنضم إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة في إدانة هجمات الحوثيين على السعودية والهجوم في مأرب”، وخلص إلى قوله “ندعو جميع الأطراف للمشاركة في الجهود الدبلوماسية من خلال عملية الحوار لإحلال السلام في اليمن”.
ورد المتحدث الرسمي وكبير المفاوضين باسم أنصار الله الذراع السياسي للحوثيين محمد عبد السلام بتغريدة “الولايات المتحدة تصور معركة مأرب على أنها عدوان، وتطلب منا عدم الدفاع عن أنفسنا وترك مراكز تجنيد الإرهابيين للعمل معها بحريه”.
أصر عبد السلام على أن العملية العسكرية في مأرب لم تكن قراراً مفاجئاً، ولم يتم تقريره في 20 يناير، عندما تولى الرئيس بايدن السلطة.
وأضاف: “حتى الآن، ما زالت التصريحات الأمريكية مجرد كلمات, لم نلاحظ أي تقدم فعلي تجاه عملية احلال السلام وإيقاف الحرب والدليل استمرار الضربات الجوية والحصار بدعم أمريكي, الكلمات البراقة لن تخدعنا”.
قد يُفهم اندفاع اليمنيين لتحرير مأرب التي تضم احتياطيات نفطية كبيرة، في ضوء الأزمة الإنسانية الخانقة التي فرضت على البلد على مدى السنوات الست الماضية, لاسيما أزمة الوقود المستمرة، التي أغرقت جزء كبير من الشعب في الظلام والفقر. من غير المفهوم لكثير من اليمنيين أن الانتقادات الدولية قد ظهرت الآن بشأن التقدم في مأرب عندما لا يستطيع نفس النقاد إدانة المعارك والضربات الجوية والحصار الذي يضرب و يعاصر أكثر من 30 مليون شخص يكافحون بالفعل ضد المجاعة وتفشي فيروس كورونا .
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع