بقلم: كريستوف نوريسير

(باريس, 13 ما موقع “لا غيفو انترنشيونال- “La Revue International الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

تعمل إدارة الرئيس جو بايدن على “إعادة تقييم” علاقاتها مع المملكة العربية السعودية, وذلك من خلال إسقاط ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان.

أصدر البيت الأبيض بقيادة بايدن في 3 مارس الجاري “توجهات الاستراتيجية المؤقتة للأمن القومي”، وهي الوثيقة التي من المفترض أنها تحدد الخطوط العريضة لسياسة الأمريكية الخارجية المقبلة.

يريد الرئيس بايدن توجيه الإدارة الجديدة، بحلول تاريخ نشره وبمضمونه، أن يبعث برسالة واضحة: يتعين علينا أن نطوي صفحة فترة حكم ترامب، وخاصة من خلال استئناف الزعامة الأميركية في المؤسسات الدولية, بيد أن بايدن، بقيامة بذلك, قد يواجه خطر مواجهة تعدد الحقائق الإقليمية المعقدة.

ومن بين أكثر الإعلانات المتوقعة تلك المتعلقة بتطور العلاقات الدبلوماسية مع النظام السعودي، وهي حليف صعب ولكن لا مفر منه ولا يمكن تجنبه.

وفي هذا الصدد، شدد رئيس الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكن على ضرورة عدم “كسر” بل “إعادة تقييم” العلاقات بين البلدين – في نص “إعادة تأكيد” المطالبة باحترام القيم الأمريكية، والمطالبة بتفكيك وحدة النخبة المسؤولة عن عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي, وهذا يعتبر بمثابة تطور ملحوظ بعد دعم ترامب غير المشروط للنظام في الرياض.

وقد ازداد هذا التطور من القشعريرة في الشرق الأوسط, حيث تضاءل الاعتماد على النفط السعودي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية إلى حد كبير بفضل تطوير قطاع الغاز الصخري الأمريكي.

وبالإضافة إلى ذلك، كانت محاولات التقارب مع إيران، الوحش الأسود الحقيقي للسعوديين، مصدر قلق كبير.

وهذا الأمر أصبح أكثر وضوحاً لأن الاستراتيجية الأميركية تشير بوضوح إلى الاستعداد لفض الاشتباك في المنطقة من أجل التركيز على التنافس المتزايد مع الصين والمعترف بها على أنها “المنافس الاستراتيجي”, وفي الأخير فأن التحول المعلن هو في النهاية تحول خجول جدا.

محمد بن سلمان الذي لا يمكن إيقافه:

ومع ذلك، فقد كان من غير الصواب بالنسبة للرياض، حيث قرر البيت الأبيض الإعلان عن تقرير صادر عن وكالة الاستخبارات الأميركية والذي حدد بوضوح ضلوع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باعتباره العقل المدبر وراء عملية اغتيال الصحفي في مدينة اسطنبول التركية مطلع أكتوبر من العام 2018.

كما أعلنت الإدارة الأمريكية في ردها على هذه المعلومات أن جو بايدن لن يكون على اتصال بعد الآن مع محمد بن سلمان، بل سيتعامل بشكل مباشر مع والده الملك سلمان.

وهذا الإعلان يرقى إلى الإطاحة بالزعيم الشاب بحكم الأمر الواقع، على الأقل أثناء فترة ولاية بايدن، حيث يشكل التحالف الأميركي السعودي أهمية مركزية بالنسبة للرياض، كما أن استبعاده يعادل فقدان الزعامة التي كان يحاول بناءها.

قال فارشا كودوفايور, المحلل السياسي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات, ان “ضرب السعودية ليس ما كان يتأمله الكثيرون”, وبالنسبة للإدارة الأمريكية، كانت الأولوية هي تجنب الانفصال الدبلوماسي.

يلخص الكاتب, بن صامويل, من على منبر صحيفة هآرتس الاسرائيلية: “إن الاعتقاد أو التفكير بأن إدارة بايدن في البيت الأبيض كانت ستقطع بالفعل العلاقات مع المملكة العربية السعودية بسبب عملية اغتيال الصحفي, كان من شأنه أن يقلل بشكل جدي من الأهمية الاستراتيجية لذلك البلد في أكثر المناطق حساسية في العالم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية”.

وبالتالي, ففي الواقع، يُعتبر محمد بن سلمان جزءاً لا مفر منه من المصفوفة السعودية.

البداية “حل وسط”:

أشارت آن غاديل، المتخصصة في قضايا الشرق الأوسط و مقرة معهد مونتين إلى أنه سيكون من الصعب جدا على جو بايدن أن يهمش محمد بن سلمان بشكل دائم، لأنه يجمع كل القوى تحت رايته, فهو ولي العهد، كما أنه وزير الدفاع, كما لا يمكن اغفال الذكر عن كونه تتركز بين يديه قوى اقتصادية قوية جدا.

وأضافت أن “الملك سلمان سيتركنا قريبا, لذلك أعتقد أنه على المدى الطويل، لن يكون أمام الولايات المتحدة خيار سوى استئناف اللغة مباشرة مع محمد بن سلمان، خاصة وأن لديه مفاتيح الكثير من الأزمات في المنطقة”.

إن عدم اتخاذ عقوبات شخصية ضد ولي العهد، على الرغم من الاعتراف الرسمي بمسؤوليته عن عملية الاغتيال الدنيئة بقدر ما هي تعسفية، يمثل نكسة وخطوة إلى الوراء لوعد بايدن في حملته الانتخابية “بجعل من وقف وراء هذه العملية يدفعون الثمن”.

وفي الأخير، يبدو أن الإدارة الأمريكية تتبنى طريقا وسطا للحفاظ على الفسحة اللازم للتعامل مع الدولة السعودية، بيد أن هذا النهج أثار الاستياء الكبير بين جماعات حقوق الإنسان.

ولم تخف هذه الأخيرة شعورها بالإحباط إزاء حالة يلخصها موظفو التحرير في صحيفة واشنطن بوست على نحو مناسب بأنها “ورقة قتل مجانية, لأي مستبد ذي مصلحة استراتيجية مع الولايات المتحدة”.

النهج الأمريكي الجديد بشأن اليمن:

يبدو أن الرئيس جو بايدن وضع أولويته في مكان أخر, ففي خطابه الرئيسي الأول عن السياسة الخارجية الذي ألقاه أمام موظفي وزارة الخارجية في فبراير الماضي, أعلن عن جملة من الخطوط العريضة للدبلوماسية الأمريكية الجديدة، لاسيما فيما يخص قضايا منطقة الشرق الأوسط:

نهاية الدعم للتحالف السني بقيادة المملكة العربية السعودية، الذي شارك في الحرب القاتلة في اليمن منذ العام 2015.

لم تكن التأثيرات طويلة في المستقبل: فقد تعهدت واشنطن بإلغاء ثلاث شحنات من الأسلحة إلى الرياض, كما أكدت تعيين دبلوماسي سابق من سفارة الرياض، تيموثي ليندركينج، كمبعوث خاص لليمن، في محاولة سياسية لإنهاء الصراع.

وأخيرا قررت إدارة بايدن إعادة النظر في قرار دونالد ترامب بتسمية الحوثيين بأنهم “منظمة إرهابية”.

هذا الإعلان هو محاولة علنية مفترضة لفتح الباب أمام حل سياسي للأزمة اليمنية, كما أنه السبيل الوحيد للخروج من هذه الصراعات المتعثرة, فهو يجبر الرياض على الذهاب إلى طاولة المفاوضات، ولكن هذا على الأرجح لا يثير استياء السعوديين.

وبالنسبة إلى فتحية دازي – هيني, من معهد البحوث الاستراتيجية التابع للمدرسة العسكرية: “إن استعداد جو بايدن لإجبار الرياض على وقف ضرباتها العسكرية في اليمن غير مرحب به في نهاية المطاف باعتباره قطعية, فهو يرى أن ذلك يمثل “طوق نجاة” للمملكة “الذي يجب أن يخرج بشكل قطعي من صراع مكلف من الناحية الإنسانية، كما يمثل كارثة عسكرية وسياسة دبلوماسية لسمعتهم”.

“وبالنسبة للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، من المرجح أن يؤدي إنهاء الصراع بين الرياض والحوثيين إلى مفاوضات مع الإيرانيين الذين يدعمون الحوثيين.

ومن جانبها, سوف تبذل واشنطن قصارى جهدها لتحقيق هدفين بضربة واحدة, مما يساعد حليفتها.

وفي المقابل, سوف تمد غصن الزيتون إلى الإيرانيين واستئناف المناقشات حول الصفقة النووية “خطة العمل الشاملة المشتركة”.

مناورة ذكية، ولكن أيضا ضرورية في سياق إقليمي متأجج, حيث قال المحلل بيير هاسكي في العمود الخاص بفرنسا إنتر: “مع هذه التضاريس المعقدة، يتقدم جو بايدن بحذر شديد، وربما بحذر أكثر من أن يتمكن من تغيير اللعبة”.

إن خطر التضحية بولايته لإصلاح الضرر الذي ألحقه سلفه سبب عدم إحراز تقدم حقيقي.

*كريستوف نيوسييه: محلل سياسي ومستشار استراتيجي ورئيس الرابطة الفرنسية والمتحدثة باسم “كريستوف نوريسييه” يعتبر قلما لعدة شخصيات في أوروبا وأفريقيا الناطقة بالفرنسية, الآن معلق سياسي. وعلى هذا النحو، فإنه يساهم في العديد من وسائل الإعلام على الإنترنت ويكتب بانتظام على الأخبار الدولية. وهو مدير النشر في مجلة “La Revue International”.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع