السياسية:

تمثل شركة هواوي نموذجاً للغموض الذي يحيط بمسألة ملكية الشركات الصينية وعلاقتها بالحكومة. 

إذ يقول رئيس مجلس إدارة إدارتها، Jiang Xisheng، إن الشركة مملوكة لاتحاد عمالي يطلب التبرعات من الموظفين عندما يعاني زملاؤهم من مشاكل صحية وما شابه ذلك. 

وتعتبر ملكية Huawei أمراً غامضاً، لأن الشركة لم تبع أبداً الأسهم للجمهور، منذ أكثر من ثلاثة عقود من وجودها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

 تقول الشركة إنها مملوكة بالكامل لموظفيها، ولا تمتلك أي منظمات خارجية بما في ذلك أي منظمة تابعة للحكومة الصينية أسهماً، وهو أمر لايصدقه الكثيرون.

ويتكرر الأمر مع العديد من الشركات الصينية التي يبدو على الورق أنه ليس هناك علاقة تربطها بالحكومة الصينية.

لكن هذا القلق بشأن الدور الذي تلعبه الدولة الصينية ووكلاؤها في الاقتصاد قد يحتاج إلى نظرة مختلفة.

سيطرة الحكومة الصينية على الاقتصاد أقل مما يبدو

إذا كان دور الدولة في المجتمع يُقاس من حيث الإنفاق الحكومي بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإنَّ الصين تتضاءل فعلياً مقارنة بالاقتصادات الرئيسية الأخرى، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

وفي الواقع لم تزِد نسبة الإنفاق الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي للصين عن 30% في السنوات الأخيرة، وهو أقل بكثير مما قد يتوقعه المرء بالنسبة لاقتصاد اشتراكي ظاهرياً. ويصل متوسط هذه النسبة لدول ​​منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (التي تضم الدول المتقدمة) إلى 50% تقريباً.

ويرجع الكثير من هذا الاختلاف، وإن لم يكن بأكمله، إلى الدور الأصغر الذي تسهم به البرامج الاجتماعية في نفقات الحكومة الصينية، وأنَّ الشركات المملوكة للدولة تقدم بعض الخدمات العامة التي لا تظهر في الحسابات الحكومية، حسب مجلة Foreign Policy.

ووجد تحليل حديث أجرته شركة أبحاث Gavekal حول تكوين الاقتصاد الصيني أنه منذ أواخر التسعينيات، كانت النفقات والاستثمارات المجمعة من الحكومة والشركات المملوكة للدولة مستقرة بدرجة ملحوظة، وتمثل نطاقاً ضيقاً من 42 إلى 46% من ناتجها المحلي الإجمالي. ولو نظرنا إلى إنفاق الحكومة المركزية فقط حالياً، فسنجد أنَّ حصة الدولة في الاقتصاد تتراجع بالفعل.

وفي عام 2014، لخَّص الاقتصادي نيكولاس لاردي ذلك في كتاب بعنوان Markets Over Mao: The Rise of Private Business in China “الأسواق تتفوق على ماو: صعود الأعمال الخاصة في الصين”، الذي أشاد فيه بالعديد من النجاحات التي حققتها إصلاحات السوق وصعود أنشطة القطاع الخاص. ومن وجهة نظره، تشكل الحصص النسبية لاستثمارات الشركات المملوكة للدولة والشركات الخاصة في الأصول الثابتة (الاستثمارات في الآلات والأراضي والمباني وما شابه) مؤشراً رئيسياً. وفي عام 2010، استحوذ كل منها على نحو 42.5% من إجمالي استثمارات الأصول الثابتة في الصين. ثم بحلول عام 2015، ارتفعت حصة القطاع الخاص إلى 50 % فيما انخفضت حصة الدولة إلى 32%، وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء.

ومما أثار قلق مراقبي السوق، أنَّ حصة الدولة في استثمارات الأصول الثابتة قد ارتفعت مؤخراً إلى أكثر من 35%، في حين شهد القطاع الخاص انخفاضاً. ويشعر بعض المراقبين بالقلق من أنَّ هذا يعني أنَّ أبطال الدولة في الصين أصبحوا قوى مهيمنة على الاقتصاد الوطني، وبالتالي على الاقتصاد العالمي. في حين يشعر آخرون بالقلق من أزمة مالية محتملة ناجمة عن انهيار الشركات المملوكة للدولة التي عفى عليها الزمن والمتعسرة تحت جبال الديون المتراكمة أثناء الاقتراض لبناء أصول ثابتة جديدة.

لكن الزيادة الأخيرة في استثمارات الشركات المملوكة للدولة تنطوي على فوارق دقيقة. إذ ترجع معظم هذه الزيادة إلى مشروعات البنية التحتية مثل محطات معالجة المياه والطرق السريعة، وليس بسبب مساعٍ تجارية مثل ارتفاع سعة الصادرات المُصنَّعة من مؤسسات حكومية.

علاوة على ذلك، أفاد البنك الدولي بأنَّ الكثير من تلك البنية التحتية المُطوَّرة هي في المقاطعات الأفقر في أقصى غرب الصين، مثل التبت وشينغيانغ. ويتماشى هذا الإنفاق مع حملة الرئيس شي الشهيرة للقضاء على الفقر بحلول عام 2020 ورغبة الدولة في تعزيز الأمن في تلك المناطق.

وإذا كان محللو شركة Gavekal البحثية محقين في استنتاجهم بأنَّ دور الدولة في الاقتصاد كان مستقراً في السنوات الأخيرة، وأنَّ استثمارات الشركات المملوكة للدولة في البنية التحتية قد ارتفعت، فيجب أن يقترن ذلك بانخفاض الاستثمار التجاري للدولة. وهذا تثبته أيضاً البيانات، إذ تشير استطلاعات المكتب الوطني الصيني للإحصاء إلى أنَّ استثمارات الشركات المملوكة للدولة في أصول التصنيع قد تهاوت من نحو 20% في عام 2008 إلى 8% فقط في عام 2017.

الشركات المملوكة للإقاليم تفوق التابعة للحكومة المركزية

إضافة إلى ذلك، يزداد دور السلطات المحلية في إدارة الاستثمارات، وليس بكين.

ففي عام 2000 كان حجم استثمارات الأصول الثابتة التي تديرها السلطات المحلية مساوياً تقريباً لتلك المملوكة للحكومة المركزية. وبحلول عام 2017 كانت الشركات المحلية المملوكة للدولة تستثمر ستة أضعاف ما تستثمره شركات الحكومة المركزية. ويعكس هذا الهيكل المالي الغريب للصين، حيث لا تستطيع حكومات المقاطعات والبلديات فرض ضرائب واسعة النطاق ولا يمكنها الاقتراض مباشرة من البنوك، ومن ثم تنشئ الكثير منها “أدوات تمويل حكومية محلية”، التي تُصنَّف على أنها مؤسسات مملوكة للدولة لجمع الأموال وإدارة استثمارات البنية التحتية.

وبالنظر إلى ما سبق، يمكن أن يستريح مراقبو الأمن في الولايات المتحدة قليلاً. فعلى الرغم من أنَّ السلع العامة (التي تنتجها الحكومة)، بحكم طبيعتها، لها آثار غير مباشرة إيجابية في الاقتصاد الأوسع، من الصعب تخيل أنَّ هذا النوع من الاستثمار الحكومي المحلي له صلة كبيرة بمسألة تحول الصين إلى قوة تكنولوجية عالمية خطيرة.

طرق أخرى للسيطرة

بيد أنه في نهاية المطاف، قد لا يكون حجم ملكية الحكومة للشركات مهماً بقدر التأثير السياسي المتزايد للدولة.

فخلال فترة ولايته، وسَّع الرئيس شي نفوذ الحزب الشيوعي الصيني على الشركات المملوكة للدولة والخاصة على حدٍّ سواء. 

ووجد تحليل أجرته مجلة The Economist البريطانية لعقود تأسيس شركات صينية أنَّ أكثر من 40 منها تتضمن “بناء الحزب” ضمن مهام الشركة.

وقد ترى بكين أنَّ تدخل الدولة ضروري لتخفيف المخاطر المالية أو تشجيع الأنشطة التي ستجعل الصين قوة عظمى مبتكرة، لكن التنظيم الجيد يحتاج إلى أن يكون متوقعاً وشفافاً، لكن التقارير التي أفادت بأنَّ الرئيس شي أعطى الضوء الأخضر لإلغاء الطرح العام الأولي لمجموعة Ant Group المالكة لمجموعة علي بابا في البورصة، وصمت هذا النوع من تدخل الدولة بأنه تعسفي وشخصي. 

لكن مثل هذه الشركات الصينية لن تجد ملاذاً آمناً في الأسواق الغربية؛ لذلك ستكون الشركات الصينية هي التي ستعاني من النزوات المتقلبة لمنظمي الحكومة.

وقد يثير استبداد بكين التوتر لدى البعض بشأن أي شكل من أشكال التأثير الذي تمارسه على الاقتصاد. لكن يجب عدم الخلط بين تقييمات المخاطر الناشئة عن تأثير الدولة والواقع الاقتصادي. ويطمح الرئيس شي لجعل الصين قوة عظمى في مجال التكنولوجيا، وقد يستخدم قوة الدولة لتحقيق هذه الغاية، وإذا كان هذا هو ما يحرك خوف واشنطن، فإنَّ الحجج الاقتصادية ليست أساساً لتحدي الصين، لكن الاعتبارات الأمنية توفر هذا الأساس.

* تم ترجمة المادة الصحفية عن مجلة Foreign Policy الأمريكية ونشر بموقع عربي بوست