لماذا نعتقد ان العدوان الثلاثي فشل في تحقيق معظم اهدافه واعطى نتائج عكسية؟
عبد الباري عطوان
لماذا نعتقد ان العدوان الثلاثي فشل في تحقيق معظم اهدافه واعطى نتائج عكسية؟ وهل خرج الاسد الرابح الاكبر من بين بقايا الصواريخ المدمرة؟ وكيف سيكون الرد الروسي على هذه الاهانة للرئيس بوتين شخصيا؟ ولماذا ستكون قمة الظهران العربية ابرز الضحايا؟
ما يمكن استخلاصه من بين بقايا الصواريخ التي اطلقها العدوان الثلاثي على سورية وجرى اسقاط معظمها، انه لم يحقق معظم اهدافه، بل اعطى نتائج عكسية تماما، ابرزها انه عزز شعبية الرئيس السوري بشار الاسد داخل سورية وخارجها، واضاف زخما جديدا لتحالفاته الروسية والايرانية واللبنانية (حزب الله)، واكد على صلابة الجيش العربي السوري، واضعف الرئيس الامريكي دونالد ترامب.
نشرح اكثر ونقول ان الحليف الروسي ادار هذه الازمة باقتدار شديد، وضبط للنفس، وجعل هذه الضربة “الاستعراضية”، الرمزية، التي جاءت لانقاذ ماء وجه الرئيس ترامب تمر، رغم الانتقادات الشديدة التي جرى توجيهها لهذا الحليف في اوساط عربية ودولية عديدة، تتمحور حول عدم تصديه بقوة لهذا العدوان مثلما كان يأمل الكثيرون، وهي انتقادات تنطوي على بعض الصحة، ولكن هناك من يجادل بأن الرد الروسي كان غير مباشر، ومن خلال الصواريخ السورية الروسية التصنيع.
الخسائر العسكرية السورية كانت محدودة، لسببين، الاول انه جرى اخلاء معظم القواعد والمطارات العسكرية مسبقا، وارسال الطائرات الحديثة الى القواعد الروسية في حميميم وطرطوس، والثاني ان معظم الصواريخ جرى اسقاطها او حرفها عن اهدافها.
تصريحات السفير الروسي في واشنطن، اناتولي انتينوف، التي قال فيها ان هذا الهجوم الثلاثي يشكل اهانة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا، وسيكون هناك رد روسي عليه، ربما يؤشر الى خريطة التحركات الروسية في المستقبل في الازمة السورية والازمات العالمية الاخرى، فالرئيس بوتين لم يرد فورا وعسكريا على اسقاط تركيا لاحدى طائراته الحربية قرب الحدود السورية، واستطاع بدهائه ان يخرج تركيا من حلف الناتو عمليا، ويضمها الى المعسكر الروسي.
***
اذا اجرينا قراءة استشرافية للخريطة المستقبلية لسورية والمنطقة، يمكن الخروج من خلالها بعدة توقعات اساسية:
ـ الاول: استخدام الاسلحة الكيماوية كذريعة لتوجيه ضربات عسكرية على غرار تلك التي حدثت اليوم لم يعد مجديا، فالضرر الذي الحق بالسمعة الامريكية ومعسكرها كبيرا، خاصة انها جاءت في اليوم الذي كان من المقرر ان يبدأ فيه خبراء منظمة منع استخدام الاسلحة الكيماوية تحقيقاتهم ومعايناتهم لمسرح الجريمة المفترضة، مما اعطى انطباعا بأن هذا المعسكر يريد اجهاض مهمة الخبراء قبل بدئها.
ـ الثاني: ان الانتقام السوري الايراني الروسي ربما يأتي من خلال شن حرب عصابات ضد القوات الامريكية في سورية والعراق التي يزيد تعدادها 8000 جندي غير العسكريين والمدنيين الامريكان المتعاقدين.
ـ الثالث: قيام روسيا بتزويد الجيش العربي السوري بمنظومات دفاعية جوية حديثة تضم صواريخ “اس 300″ و”اس 400” للتصدي لاي صاروخ او طائرة حربية تستهدف سورية في المستقبل، وعلى رأسها الطائرات الاسرائيلية.
ـ الرابع: تراجع العلاقات الروسية الاسرائيلية الى حدودها الدنيا، بعد ان تبين ان اسرائيل شاركت في العدوان، وعلمت مسبقا عن موعده، وقدمت معلومات استخبارية عن المواقع السورية المستهدفة لدول العدوان الثلاثي.
ـ الخامس: احتمال ان تلقي روسيا بكل ثقلها خلف اي محاولة قادمة للجيش السوري وحلفائه لاستعادة مدينة ادلب والمناطق الجنوبية الغربية في درعا قرب الحدود الاردنية، كرد على هذه الضربة الامريكية الثلاثية.
ـ السادس: بعد قصف مطار “التيفور” العسكري قرب حمص واستشهاد سبعة ايرانيين وضعفهم من الجنود السوريين، باتت ايران دولة مواجهة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي التي قامت بهذا القصف من الاجواء اللبنانية، واصبحت القيادة الايرانية مطالبة بالرد على هذا العدوان من شعبها.
ـ السابع: كشف الضربات التي انطلقت من قواعد امريكية في قطر والسعودية، ومسارعة حكومتي البلدين الى تأييدها، حجم حلفاء امريكا العرب ودورهم، في الوقوف في الخندق الامريكي، والمشاركة في اي حروب تشنها في المنطقة، وخاصة ضد ايران في المستقبل المنظور.
ـ الثامن: تزايد احتمالات خسارة امريكا للعراق التي بلغت خسائرها فيه ما يقرب من خمسة تريليونات دولار، فالحكومة العراقية نأت بنفسها عن تأييد هذا العدوان، وكان معظم الشعب العراقي متعاطفا مع سورية.
***
من شاهد الآلاف من السوريين “يحتفلون” بصمود بلادهم وحكومتهم في مواجهة هذا العدوان يدرك ضخامة الخسارة الامريكية والاسرائيلية، مثلما يدرك ايضا ان الرئيس الاسد باق في موقعه، وان الدول الكبرى باتت وحلفاؤها العرب عاجزة عن الاطاحة به وتغيير نظامه.
هذا العدوان الثلاثي انهى القمة العربية التي من المقرر ان تبدأ غدا الاحد في الظهران قبل ان تبدأ، ووضع الزعماء المشاركين فيها في موقف حرج جدا، فها هي الدولة التي جمدة عضويتها تتعرض لاستهداف امريكي اسرائيلي لانها تقف في محور المقاومة، وليس لانها استخدمت اسلحة كيماوية مثلما يروج الاعلامان العربي والغربي معا.
لا نستبعد ان يمضي الرئيس ترامب قدما في قراره سحب قواته من سورية، وربما العراق ايضا، معترفا بالهزيمة وتقليصا للخسائر، ويتخذ من هذه الضربة “الذريعة” لتبرير هذا القرار.
الرئيس ترامب كان يريد ان يظهر بمظهر القوي ويعيد لبلاده هيبتها، ولكنه فشل في الحالين، وظهر كمن اطلق النار على قدميه.
عدوان ثلاثي آخر دخل تاريخ العرب، انتهى بالانتصار، واذا كان الاول قد وضع نقطة النهاية للامبراطورية البريطانية، فان الثاني قد يسجل بداية الانسحاب الامريكي من منطقة الشرق الاوسط اعترافا بالهزيمة، وانتصار سورية على المؤامرة واستعادة عافيتها وسيادتها على كل اراضيها.
راي اليوم