“مقابلة”

في اليمن، شعب بأكمله محاصر في مصيدة فئران

بقلم: أرميلي كانتروت

(صحيفة “لوكروا” الفرنسية، ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

في هذا البلد (اليمن) المقسم منذ العام 2015 بسبب الصراع الدائر بين المتمرديين الحوثيين الشيعة الذين يتلقون الدعم من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين الحكومة اليمنية السنية والتي تتلقى الدعم بدورها من قبل المملكة العربية السعودية، يدفع السكان المدنيين التكاليف الباهظة لهذه الحرب من حصار خانق وتفجيرات وغارات جوية، كل هذا تمكن من حصد أرواح أكثر من 10 آلاف شخص.

يتجرع السكان القاطنين مدينة صعدة معقل جماعة الحوثي ويلات العذاب, فهم لا يستطيعون الهرب, فهؤلاء السكان يعيشون بدون كهرباء ودون مياه صالحة للشرب وبدون أدنى مقومات الرعاية الصحية.

يفترش فيها الكثير من الأطفال الشوارع ويلتحفون السماء, يبحثون في صناديق القمامة عن ما يسدون به رمقهم، وبالتالي نتج عن ذلك تفشي واسع لمرض سوء التغذية في المدينة، في الوقت الذي يتزايد فيه عدد المعاقين والأيتام.

إن من أهم أسباب تدني المستوى المعيشي في المدينة يعزى إلى تناول شجرة القات التي تعد الأكثر فتكاً في البلد.

أصبحت المدارس في مرمى نيران الغارات الجوية، كما يتم الدفع بالأطفال من قبل بعض المعلمين للانضمام إلى صفوف الحوثيين.

وعلى الرغم من كل هذه الفوضى التي يصطلي بنيرانها اليمن، يواصل الشباب فيها وخاصة الفتيات بأعداد كبيرة الانضمام إلى الجامعات والاحتفال بتخرجهم.

يحظى “مجلس حكومة الأطفال” الذي يضم في طياته 33 وزيراً جميعهم دون السن القانوني، والذي رأى النور لأول مرة على يد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بحق التصويت بصورة رسمية لمن هم دون سن 18عاماً.

ومع كونه أكثر من قوة رمزية، فإن “حكومة الأطفال” لا تزال في نضال مستمر ضد الفساد، وتجنيد الأطفال وزواج القاصرات، على الرغم من التهديدات والاعتقالات وعمليات التعذيب من قبل قوات الأمن الداخلي التابعة لجماعة الحوثي.

الجهات الفاعلة في الصراع المحتدم في اليمن:

  • فصيل جماعة الحوثي: عبارة عن حركة من أصل قبلي مسلح وسياسي, تنتهج الزيدية أحدى فروع المذهب الشيعي.
  • فصيل “علي عبد الله صالح” رئيس الجمهورية اليمنية من العام 1990 إلى العام 2012:

تحالف الرئيس “صالح” مع جماعة الحوثي بعد أن تم الإطاحة به عقب اندلاع ثورات الربيع العربي التي جابت البلد، ذلك في محاولة منه للعودة إلى السلطة.

ولكن لم يدم هذا التحالف طويلاً، حيث تم اغتيال الرئيس “صالح” على يد حلفاءه الحوثيون في ديسمبر 2017، الأمر الذي عمل على تغيير ملامح الجانبيين.

  • حكومة الرئيس “عبد ربه منصور هادي” اعتبارا من العام 2014: اعتلى الرئيس هادي سدة الحكم في اليمن بعد عملية انتخابات في العام 2012, والآن يعيش معظم الوقت في المملكة السعودية التي أخذت على عاتقها تقديم الدعم العسكري لحكومته.
  • تنظيم القاعدة: استفاد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من الحرب الأهلية الدائرة في اليمن، حيث تمكن التنظيم من السيطرة على الأراضي الجنوبية والشرقية من البلد.

“نص المقابلة”

عملت المصورة الصحفية “فيرونيك دى فيغيري” الحائزة على جائزة “الفيزا الذهبية الإنسانية” للتصوير الصحفي للعام 2018 والتي تمنحها اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تقديم تقرير مطول يلامس الوضع الحاصل في اليمن.

الصحيفة: لماذا اخترتي مهنة التصوير الصحفي؟ وما هي الأهداف التي تسعي إلى تحقيقها؟

فيرونيك دى فيغيري: بعد أن حصلت على درجة الماجستير في القانون، قرأت كتاباً عن مصورة صحفية, وغصت في أعماقه، حينها أدركت أنني أحب القيام بهذه المهنة، لذا غادرت إلى إنجلترا للدراسة التصوير الصحفي.

وخلال فترة عملي في إحدى الصحف المحلية، تم إرسالي إلى أفغانستان، البلد الذي وقعت في حبه، ومن ثم عُدت مرة آخرى لما يقرب من ثلاثة أشهر، وفي الاخير بقيت هناك مدة ثلاث سنوات.

الصحيفة: لماذا موضوع الحرب الخفية في اليمن؟

فيرونيك دى فيغيري: هذه الحرب لم تأخذ حقها في إظهارها إلى العالم، فنحن لا نتحدث كثيراً عنها، بما فيه الكفاية، فهناك أشياء تحدث، ولكن القليل من الصحفيين أتيحت لهم الفرصة للذهاب إلى اليمن.

الصحيفة: هل كان من الصعب العمل في اليمن؟

فيرونيك دى فيغيري: من الصعب للغاية الوصول إلى هناك، حيث يجب الحصول على التأشيرتين: الأولى للجنوب، والثانية للانتقال من الجنوب إلى الشمال.

عاماً كامل, كانت المدة التي أمضينها مع زميلتي الصحفية “مانون كوريل برونيل”، التي كنا نعمل معاً من أجل الحصول على التأشيرات والتراخيص وطريقة للانتقال إلى المناطق الشمالية ولكن بطريقة غير قانونية.

ففي أحدى المرات في مدينة عدن كان علينا الهروب من مراقبة الشرطة من أجل الانتقال إلى المناطق الشمالية.

في حين لم يكن الوضع أحسن حالاً في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة الحوثيون، حيث اضطررنا إلى تفاوض معهم في كل مرة نريد فيها إجراء مقابلة أو أخذ صورة.

رافقنا اثنين من الجنود التابعون لجماعة الحوثي, حيث كان المشرفين الحوثيين يسيطرون على كل ما نفعله، وبسرعة أدركنا أنه لا يمكننا العمل في ظل هذه الظروف، لذا كان علينا الهروب.

رحبت بنا أمة الله حسان ذو 17 ربيعاً، رئيسة وزراء “حكومة الأطفال” في منزلها.

نجح الحوثيون في مطاردتنا في كل مرة خرجنا فيها من العاصمة صنعاء، حيث اتهمونا بأننا جواسيس لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كما عملوا على تهددينا وكذلك أي شخص يساعدنا في القيام بعملنا.

الصحيفة: عززت المملكة العربية السعودية من الحصار المفروض على البلد, بالإضافة إلى تكثيف غاراتها الجوية وبالأخص على منطقة المطار، كنتم محاصرين لمدة شهر، حيث قام مجموعة من الحوثيين بإخراجكم من منطقة الخطر، وتم وضعوكم تحت الإقامة الجبرية في إحدى الفنادق، ومن جانبها، عملت وزارة الخارجية الفرنسية على تنظيم عملية تسريح كللت بالنجاح, كونكٍ امراة، هل هي ميزة جعلتكٍ تقومين بعملك بكل سهولة في هذا البلد؟

فيرونيك دى فيغيري: من الواضح أنه كان بإمكاننا أن نرتدي النقاب لتفادي عوائق نقاط التفتيش، المنتشرة في اليمن.

أعتقد أنه لو كنا جميعاً رجالًا، لكان الحوثيون قد وضعونا في السجن منذ الأسبوع الأول.

الصحيفة: هل كان لديك اتصالات حرة بشكل كامل مع السكان والنساء على وجه الخصوص؟

فيرونيك دى فيغيري: في ظل وجود مرافقين لنا من جماعة الحوثي بشكل دائم، لم نتمكن من العمل كما كان مخطط له.

بيد أن الأمور تغيرت نوعاً ما بعد ذلك، حيث تمكنا من الاقتراب من الناس دون أي عوائق، حيث التقينا بنساء وممرضات  يأتين إلى العمل كل يوم في الوقت الذي لم يحصلن فيه على أجرهن منذ أكثر من عام، كما التقينا ايضاً بفتيات صغيرات عقدن العزم على مواجهة مصيرهن، ولكن أيضا تحدثنا إلى أمهات يصارعٍ حقائق لا يمكن تحملها وأطفال يعانون من ويلات الجوع والمرض.

الصحيفة: ما هي “حكومة الأطفال”؟

فيرونيك دى فيغيري: تم إنشاء هذه الحكومة من قبل الرئيس الراحل “علي عبد الله صالح”، حيث كان لكل وزير في الدولة نظيره من حكومة الأطفال يقدم له كل الدعم، فهذه الطريقة كانت بمثابة مكافحة الفساد ومراقبة للوزراء.

لقد لاحظنا أن هؤلاء الأطفال وزراء مؤثرين، يحظون باحترام من قبل جميع الأطراف: الحوثيون، والسلطات المحلية، والسكان وأمراء الحرب.

كما أخذ هؤلاء الأطفال على عاتقهم مجابهة عملية تجنيد الأطفال وزواج القاصرات.

الصحيفة: كيف تصف الوضع الحالي في اليمن؟

فيرونيك دى فيغيري: انحدار نحو الجحيم بدون نهاية، شعب بأكمله قابع في مصيدة للفئران حيث الخطر والمعاناة والموت متربص به من جميع الجهات وبشكل مستمر.

الصحيفة: ما هي القصص الأخرى الأكثر أهمية بالنسبة لك؟

فيرونيك دى فيغيري: بطبيعة الحال, اشعر ببعض الضعف بالنسبة للقضية الأفغانية، ولكن التقارير التي تهمني هي تلك التي تسلط الضوء على الأرقام وقواعد البيانات والشائعات.

الصحيفة: ما هي الدروس التي تعلمتها من هذا التقرير والخاص من سنوات عمل التصوير الصحفي؟

فيرونيك دى فيغيري: للأسف, لم يولد الجميع  أحراراً ومتساويٍ, ولكننا محظوظون، لذا يجب ألا ننسى ذلك، إذ يتم التضحية بتلك الحقوق الأساسية، والإنسانية على مرأى ومسمع من المجتمع  الدولي.

فالعالم لا يمكن رؤيته بالأبيض والأسود, فهذا يجعل من الأمور أكثر تعقيداً بشكل كبير، حيث لا يوجد جانب واحد جيد والآخر سيئ, فهذه الرؤية الثنائية خطيرة للغاية ومصدرا لانبثاق النزاعات، لذا يجب علينا أن نذهب أبعد من ذلك، في محاولة لفهم ومعرفة أصول وجذور ما يحدث.