من قاعدتها العسكرية في إريتريا إلى ظهور دحلان مع آبي أحمد.. قراءة في الدور الإماراتي بأزمة سد النهضة
السياسية:
لم يكن مشهد هبوط الطائرة الهليكوبتر العسكرية الإثيوبية في منطقة سد النهضة وخروج رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد منها متأبطاً الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، مشهداً اعتيادياً في العلاقات الإثيوبية الإريترية، الجارتين اللدودتين، خصوصاً أن الزيارة المشتركة جاءت بعد الملء الأول لسد النهضة، فقد أراد رئيس الوزراء الإثيوبي أن يرسل رسالة لمصر على الهواء بأن محاولة الضغط عليها في مفاوضات سد النهضة عن طريق إريتريا هو محط أوهام لا يجب التعويل عليها.
ولم تدم الرسالة العلنية طويلاً حتى تم اختبارها على الأرض، فمع اندلاع الاضطرابات المحلية في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية وحكومة أقلية التيغراي، وأصبح السلاح هو الحكم بينهما، هنا ظهر الدور الإريتري الواضح الذي يريد ألا تراه العين لاعتبارات يراها غير ملائمة إقليمياً له.
وظهرت التقارير التي تتحدث عن دعم بقوات عسكرية للجانب الإثيوبي الحكومي ضد أقلية التيغراي، ولكن كان الشيء المستغرب واللافت للنظر هو استخدام قوات أقلية التيغراي الصواريخ لقصف مطار أسمرة الإريتري في محاولة للجم طرف آخر غير ظاهر للعيان ألا وهو دولة الإمارات، التي اتهمتها حركة التيغراي بمساندة القوات الإثيوبية والإريترية عن طريق استخدام طائرات بدون طيار من قاعدة عسكرية إماراتية في مطار أسمرة ضد قواتها، الأمر الذي أدى إلى قصر مدة الحرب لاختلال الميزان العسكري والتكنولوجي بين الحكومة والتيغراي.
وهكذا كان الظهور الأول المباشر للإمارات على ضفاف أزمة سد النهضة.
بتاريخ 7-1-2021 ومع ازدياد التوترات الحدودية بين إثيوبيا والسودان على خلفية نزاعات حدودية، وخلافات متنامية حول سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، وعمليات عسكرية في إقليم تيغراي، هنا ظهر رجل الشيخ محمد بن زايد ومستشاره الأمني القيادي الفلسطيني البارز محمد دحلان، المثير للجدل، بطريقة مفاجئة بجوار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في زيارة لمنطقة داورو كويشا بمقاطعة كونتا في إقليم شعوب جنوب غرب إثيوبيا، في مشهد يبدو وكأنه وقت الحصاد الإماراتي لمواقفه الحربية والاقتصادية الداعمة للنظام الإثيوبي، وشكل وقوف محمد دحلان بجوار رئيس الوزراء الإثيوبي استدعاءً تاريخياً لمندوب المستعمر القديم الذي يظهر عادة في الوقت المناسب ليعلن عن نفسه أمام الجميع بأن له مصالح في الصراعات يجب أن تؤخذ في الاعتبار، حتى لو كان المعلن منها أنها مشروعات سياحية وتنموية.
وهكذا شكّل الظهور الإماراتي العلني مرة أخرى شكلاً من أشكال الالتباس حول الدور الإماراتي حول ضفاف أزمة سد النهضة !
لم تكن القاهرة راضيةً تماماً عن الدور الخليجي في أزمة سد النهضة، فقد عبرت عنه القاهرة منذ البدايات، ففي جريدة الأهرام بتاريخ 7-1-2017 نشر مقال “خجول” بعنوان (إثيوبيا تتنفس بأموال الخليج.. السعودية تشرب القهوة بجوار “النهضة”)، فقد كانت السياسة المصرية متخوفة من الموقف الخليجي الذي لا يعنيه إلا استثماراته في إثيوبيا وأمن الخليج في القرن الإفريقي، ولكن قوة العلاقات المصرية الخليجية حالت دون التذمر العلني إلا أن الظهور الإماراتي الفج حول سد النهضة كداعم للنظام الإثيوبي ضد معارضيه قد أعطى القاهرة إشارات متضاربة حول الموقف الإماراتي، هل هو حليف يريد أن تحل الأزمة! أم لاعب جديد يريد أن يكون له دور في ترتيبات القرن الإفريقي على حساب الدور المصري؟!
أسئلة كثيرة طُرحت ولم تجد لها إجابات محددة، حول الدور الإماراتي في إثيوبيا وإريتريا وحول سد النهضة، ولكن القاهرة كانت لديها إشارات لا تخطئها العين للرد على بعض الأسئلة دون الحديث العلني في الصحف والميديا عن طبيعة الخلافات.
فالقاهرة وفي تطور مفاجئ قامت بالاتصال المباشر مع الحكومة الليبية بقيادة ايز السراج، الذي يقف ضد حليفها الجنرال خليفة حفتر، وتم الحديث عن عودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وهو ما اعتبر قراراً من القاهرة بالابتعاد ولو قليلاً عن الإمارات في ملف حيوي بالنسبة للدبلوماسية الإماراتية في منطقة حساسة تريد الإمارات أن تلعب فيها دوراً حيوياً.
وكذلك قيام القاهرة بالاستعراض والتدريب العسكري المشترك مع السودان، واللتان تلاقت وجهتا نظريهما في أن ترك مشكلة سد النهضة دون حسم هو أمر بالغ الخطورة، خصوصاً أن هناك لاعبين جدداً ظهروا على الساحة، وأن أي محاولة لتغيير معادلة القوى عبر الحدود الإثيوبية السودانية ستقابل من القاهرة بدعم كامل دون الأخذ في الاعتبار مصالح الخليج الاقتصادية.
القاهرة بعثت بإشاراتها، ولكن يبدو أن تعقيدات المشهد السياسي المتداخل بين مصر والإمارات سيؤجل إلى حين مدى استجابة الإمارات والخليج لمطالب مصر والسودان في أزمة سد النهضة.
إن نفاد صبر القاهرة قد أصبح وشيكاً، بسبب طول مفاوضات سد النهضة وعدم التوصل لاتفاق يحافظ لها على حقوقها في مياه النيل، وقد أصبحت أدوات الرد العسكري على مشارف سد النهضة، من طائرات الرافال الحديثة، وطائرات ميج 29 المحملة بصواريخ جديدة وحديثة ذات قدرات تدميرية عالية، لم تكن في حوزتها من قبل، وأن المناورات الحربية الجوية المشتركة مع السودان والمسماة “نسور النيل 1″، قد أعطت إشارات واضحة لإثيوبيا ومن يدعمها بأن صوت أزيز الطائرات قد أصبح يُسمع من على مسافة قريبة جداً من سد النهضة ومن استثمارات الداعمين لها، وأنه يجب أن تحل الأزمة دون اللجوء للحل العسكري الذي سيفجر صراعاً ممتداً في القرن الإفريقي سينعكس بالضرورة على أمن الخليج.
الحديث عن شروخ كبيرة في العلاقة بين القاهرة وأبوظبي هو حديث سابق لأوانه، حيث تتمتع العلاقات بدرجات دفء عالية، حيث تمتد العلاقات إلى مجالات كثيرة متنوعة ومتشعبة على كامل المساحة العربية والإقليمية والإفريقية، ولكن هناك تضارب في الرؤى حول بعض القضايا، ترى القاهرة فيها بحكم الخبرة أن تتريث في التعاطي معها، في حين أن طموح أبوظبي للسيطرة والنفوذ في مناطق كثيرة، مثل اليمن والقرن الإفريقي وليبيا، يولد مشكلات وصراعاً مكتوماً ترى القاهرة فيه عدم التصعيد وترى في بعث الإشارات تلو الأخرى وسيلة ناجعة في الوقت الحالي حتى تراجع أبوظبي سياساتها، التي تراعي فيها مصالح حلفائها.
ولكن سيبقى ملف سد النهضة علامة فارقة بين القاهرة وأبوظبي والحلفاء الخليجيين، حيث تنتظر منهم القاهرة دعماً وضغطاً يراعي مصالحها في مواجهة التعنت الإثيوبي، وإلا فإن القاهرة ستكون مجبرة على التصرف بمفردها بما يحفظ مصالحها مبتعدة عن الخليج، الذي يرى في إسرائيل حالياً حليفاً مستقبلياً يضمن له تمدداً في القرن الإفريقي يضمن أمنه.
هل تستطيع الإمارات أن تنزع فتيل الحرب حول سد النهضة وبالقرب من مصالحها ومصالح شركائها الخليجيين في إثيوبيا؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة، فقد حانت اللحظة التي تظهر فيها الإمارات والسعودية وباقي الخليج مواقفها الحقيقية تجاه مصر والسودان، تغليب مصالح أم رؤية عربية موحدة؟
بقلم: ياسر رافع
كاتب ومدون مصري
عربي بوست