خطوة واشنطن التالية في اليمن: العمل مع أبو ظبي لإخراج الرياض
السياسية :
مع إعلان واشنطن وقف دعمها للحرب السعودية على اليمن، تجد الرياض نفسها وحيدة في هذا المستنقع، في ظلّ نأي حلفائها بأنفسهم عن تبعات العدوان. موقفٌ يفترض أن يدفع بالمملكة إلى إعادة حساباتها، خصوصاً في ظلّ معلومات عن نية الولايات المتحدة العمل مع الإمارات على إقناع السعوديين بإغلاق ملفّ الحرب، وإيجاد مخرج سياسي من دوّامتها
على رغم أن القرارات الأميركية الأخيرة في شأن اليمن، بدأت بوادرها باكراً في خلال السباق إلى البيت الأبيض، إلا أن صدورها فعلياً فاجأ أصدقاء واشنطن وخصومها على السواء، وأوقع الأطراف جميعهم في الإرباك، ليبدأ سريعاً استقصاء مدى جدّية خطوات الولايات المتحدة، والأثمان المطلوبة في أعقابها، وكيفية مقاربة ملفّات الحرب الشائكة، وقدرة قوى العدوان على الاستمرار فيها، فضلاً عن الدور الإسرائيلي في المرحلة المقبلة. على أن السؤال الرئيس المطروح يبقى هو: هل ستتكفّل واشنطن بمتابعة الملفّ اليمني مباشرة بعد أن كان دورها داعماً للوكيل السعودي؟ وهو أمر سعت الرياض إلى تفاديه طوال فترة الحرب لخشيتها من أن يُدخل الأميركيون الملفّ في بازار المساومات الإقليمية والدولية.
ظهرت السعودية كأكثر المتضرّرين من التوجّه الأميركي الجديد القائم على وقف الدعم العسكري والسياسي اللامحدود للمملكة في عدوانها، والعمل على وقف الحرب بالاحتواء والدبلوماسية، وإحياء المسار السياسي من خلال المفاوضات. ومع أن نصائح كثيرة وُجّهت إلى الرياض بضرورة البحث عن مخرج مشرّف يكفل لها حفظ ماء وجهها، إلا أن تعنّتها في رفع سقف الشروط والمطالب جعلها تجد نفسها اليوم في وضع المتلقّي العاجز، الذي يَنتظر أن يُقرّر الآخرون سياسته الخارجية وحماية حدوده ومصير الحروب التي شنّها. أمّا الدول الصديقة والحليفة التي انخرطت في ما سُمّي «التحالف العربي»، وعددها 16، فقد خرج معظمها من الحرب مبكراً، ومَن بقي منها تَحلّل تباعاً من تداعيات العدوان. حتى الحليف والشريك الرئيس للسعودية، أي الإمارات، تَحوّلت من مقاتل شرس وعنيف حتى العام 2018 إلى مرحلة التردّد والتذبذب والارتجاف. وهي سارعت، أخيراً، إلى تذكير الولايات المتحدة بأن قواتها أوقفت العمليات العسكرية منذ العام الماضي، في ادّعاء لم تثبت صحّته (لا تزال قواتها تحتلّ قاعدة الريان في حضرموت، ومنشأة بلحاف النفطية في شبوة، وجزيرتَي ميون وسقطرى الاستراتيجيتين. كما أن لها وجوداً قيادياً في عدن والمخا للقيام بمهام إدارة وكلائها). ويرى مراقبون أن أبو ظبي تعيش وضعاً سيّئاً، فلا هي قادرة على إعلان التخلّي عن الرياض وتركها وحيدة في حرب شنّتاها معاً، ولا في استطاعتها الاستمرار في الحرب بسبب تداعياتها على الوضع الداخلي الإماراتي.
ظهرت السعودية كأكثر المتضرّرين من التوجّه الأميركي الجديد
وفق معلومات «الأخبار»، فإن واشنطن ستعمل مع أبو ظبي على تليين موقف الرياض، وإقناعها بأن ملفّ الحرب يجب إغلاقه. وفي هذا السياق، يأتي الاتصال الأوّل بين المبعوث الأميركي الخاص بإيران روبرت مالي، ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، الذي أكد التزام بلاده العمل مع إدارة جو بايدن لخفض التوتر الإقليمي. مع ذلك، فإن السعودية، التي راهنت كثيراً على إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لا تزال – بحسب المؤشرات إلى الآن – غير جاهزة للتعاطي مع الاستراتيجية الأميركية الجديدة. لكنها، في نهاية المطاف، ستُرغم على قبول خسارة تدخّلها في الإقليم، وإن كان لا يزال لديها رهان أخير على الصديق الفرنسي الذي يضغط لإشراكها في المفاوضات النووية مع إيران.
الإرباك السعودي إزاء القرارات الأميركية الأخيرة بدا واضحاً من خلال إصدار بيانات متناقضة؛ فالبيانات الإنكليزية حاولت مسايرة الجانب الأميركي وكسب رضاه، فيما نُشرت تغريدات لنائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، ظهرت فيه بلاده كأنها لا تزال في المربّع الأول، من حيث إصرارها على «المرجعيات الثلاث» التي تجاوزتها الأحداث (علماً بأن جانباً من ذلك الإصرار يرتبط بتوجيه رسالة إلى الوكلاء المحلّيين بعدم التخلّي عنهم). لا تملك السعودية رفاهية الوقت، أو أيّ مجال للمناورة أمام تسارع الأحداث، أو القدرة على معارضة مصالح صنّاع القرارات الدوليين (فور إعلان واشنطن وقف دعمها لعمليات «التحالف»، كَرّت سبحة الدول الغربية التي أعلنت وقف صادرات السلاح إلى الرياض، مستفيقةً فجأة إلى أن اليمن يعيش أكبر مأساة إنسانية في العصر الحديث).
فالحرب على اليمن أُعلنت من واشنطن، والأخيرة تطالب اليوم بوقفها والتخلّص من تبعاتها، من خلال وقف دعمها ونزع الشرعية الدولية عنها. وليس أمام الرياض، إزاء ذلك، إلا الامتثال. أمّا محاولاتها رمي الكرة للوكلاء المحليين، وحرف مسار الحرب نحو الاقتتال الداخلي اليمني، فهي لم تكن صالحة في أيّ وقت، فضلاً عن أن الخارطة العسكرية المستجدّة وموازين القوى دحضتاها وأبطلتا مفاعيلها. لذا، وفي أيّ مفاوضات قادمة، ستُجلَب ما تُسمّى «الشرعية» كـ»ديكور»، فيما ستكون عملياً خارج أيّ تسوية، وتلك نتيجة تَحقّقت حتى قبل اعتماد الجيش اليمني و»اللجان الشعبية» على المبادرة والهجوم. وكلّما تأخّرت الرياض وأبو ظبي في الاعتراف بهذه الوقائع، ازدادت الكلفة عليهما.
على أن أكثر المتفائلين بقرب انتهاء الحرب لا يرون أن هذه النهاية ستكون وشيكة، بل يُرجَّح الدخول في مسار سياسي طويل ومعقّد، مع توقّعات بأن يعمد الأطراف إلى تجزئة الملفّات، والعمل وفق أولويات، فيما يبقى المطلب الأساسي لصنعاء وقف الحرب ورفع الحصار، على أن يصار لاحقاً إلى مناقشة بقية الملفات.
* المصدر : الأخبار اللبنانية
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع