السياسية:

بعد 49 عاماً من الحكم العسكري، تراجع المجلس العسكري في عام 2011 وسمح لحكومة شبه مدنية أعادت الحقوق الأساسية. لكن بعد عقد واحد فقط من الحكم المدني، استعاد المجلس العسكري في ميانمار السلطة مرة أخرى، واعتقل الزعيمة المنتخبة للبلاد أونغ سان سو كي يوم الاثنين بعد أن زعم الجيش وقوع تزوير في فوز حزبها الساحق بالانتخابات التشريعية في شهر نوفمبر الماضي. ومع الانتشار السريع لأخبار الانقلاب العسكري تصدرت ميانمار الصحف العالمية.

وفيما يلي بعض المعلومات الأساسية عن الدولة شديدة التنوع، الواقعة بين الهند والصين، والتي تمت إدانتها لاضطهادها لأقلية الروهينغا المسلمة.

أطول حرب أهلية

ميانمار هي موطن لأكثر من 100 مجموعة عرقية. الغالبية هم من بورمان والبوذيين ولكن هناك أقليات مميزة كبيرة في دولة تقع على حدودها بنغلاديش وتايلاند ولاوس. وشنت بعض تلك الجماعات العرقية أطول حرب أهلية في العالم ضد الدولة المركزية منذ 70 عاماً، ولا يزال الصراع محتدماً في ولايتي كاشين الشمالية وشرق شان على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.

العقد الديمقراطي

بعد 49 عاماً من الحكم العسكري بالحديد والنار، تراجع المجلس العسكري في ميانمار عام 2011 عن سدة الحكم، وسمح بوصول حكومة شبه مدنية إلى الحكم، تلك الحكومة أعادت بعض الحقوق السياسية والاجتماعية الضرورية لمتطلبات الحياة.

وفي الانتخابات التشريعية التي أجريت بعد أربع سنوات، فازت رئيسة حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، المعارضة أونغ سان سو كي، فوزاً ساحقاً وأصبحت الزعيمة الفعلية للبلاد. وجسدت الفائزة بجائزة نوبل للسلام، التي أمضت ما يقرب من عقدين من الزمان رهن الإقامة الجبرية حتى إطلاق سراحها في عام 2010، موجة من الأمل في أن ميانمار كانت تتجه إلى طريق الديمقراطية.

الروهينغا

لكن استبداداً وقمعاً آخرين طويلي الأمد واقعين على أقلية الروهينغا المسلمة في البلاد شوّها صورة سو كي. فالروهينغا محرومون من الجنسية وحقوق المواطنة، ولا يمكنهم السفر والتنقل بحرية في ميانمار. وفي أغسطس 2017، أضرم الجيش النار في العديد من قراهم الواقعة في أقصى غرب ولاية راخين، ودفع نحو 740 ألفاً إلى بنغلاديش المجاورة.

قالت منظمة إغاثة أطباء بلا حدود إن ما لا يقل عن 6700 من الروهينغا قتلوا في الشهر الأول من عملية الإبادة تلك.

وشجبت الولايات المتحدة والأمم المتحدة العنف ووصفته بأنه “تطهير عرقي”.

سو كي منبوذة

دافعت سو كي بكل ما تملك من قوة عن الحملة القمعية على الروهينغا، ما أدى إلى دعوات لتجريدها من جائزة نوبل لأنها أصبحت منبوذة في الغرب والشرق لتأييدها ما يقع على مسلمي الروهينغا في مخالفة وتعارض صارخ لكل ما تدعو إليه من قيم وسياسات.

وقد قادت شخصياً دفاعاً عن تلك الجرائم الإنسانية داخل ميانمار في محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2019 بعد أن اتهمت غامبيا ميانمار بارتكاب جريمة “الإبادة الجماعية”.

وتم رفع قضيتين أخريين ضد ميانمار، كما تم فتح تحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

 ولا يزال حوالي 600 ألف من الروهينغا يعيشون في مقاطعة راخين في ما وصفته منظمة العفو الدولية بظروف “الفصل العنصري”.

المخدرات والياقوت

تنعم ميانمار بوفرة من الموارد الطبيعية، خاصة الياقوت واليشم والغاز والنفط وخشب الساج، ولذلك اشتهرت باسم “بورما الخصبة”، كما كانت تُعرف في السابق بوعاء الأرز في آسيا.

لكن ما يقرب من نصف قرن من السياسات الاقتصادية المدمرة للجيش جعلت شعب ميانمار يغوص في براثن الفقر، حيث أغرق الجنرالات البلاد في عزلة اقتصادية وثقافية وسياسية ألقت بظلالها على الحياة الاقتصادية.

ومع نهاية الحكم العسكري الصريح في عام 2011، تحسنت حظوظ الأمة بشكل كبير. تدفقت الاستثمارات وكانت معدلات نموها من بين أعلى المعدلات في آسيا. لكن بقي ثلث السكان البالغ عددهم 54 مليون شخص يعيشون في فقر ومع حالة البنية التحتية التي يرثى لها.

ومن المعتقد أن تجارة المخدرات غير المشروعة في ميانمار التي تقدر بمليارات الدولارات تتجاوز منافسيها الأكثر شهرة في أمريكا اللاتينية. فولاية شان الشرقية المتمردة هي بؤرة الإنتاج، حيث ترتبط شبكة من الجماعات المسلحة المحلية بعصابات التهريب العابرة للحدود.

انقلاب ميانمار يمكن أن يؤدي إلى أزمة دولية

يزعم الجنرالات الذين قاموا بانقلاب في ميانمار أنهم يعتزمون فرض حالة الطوارئ لمدة عام واحد. ستكون تلك كارثة ليس فقط على ميانمار؛ ولكن أيضاً على المنطقة. لذلك يلزم بذل جهد دولي قوي على الفور لمحاولة ضمان إلغاء القوانين القمعية وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين دون قيد أو شرط. يذهب دور الجيش في شؤون ميانمار إلى ما هو أبعد من الأمن والدفاع. إذ قالت الأمم المتحدة إن الحملة العسكرية ضد الروهينغا شملت عمليات القتل الجماعي والاغتصاب والحرق العمد، ونُفذت “بنية الإبادة الجماعية” وكل ذلك تم على يد الجيش.

في عام 2017، فر أكثر من 730 ألفاً من الروهينغا إلى بنغلاديش. الخوف من الجيش يمنع عودتهم. وإذا شدد الجيش قبضته على البلاد، فلن يؤدي ذلك إلا إلى زيادة بؤس الروهينغا وزيادة الضغط على مضيفيهم المرضى.

وسوف يخسر جيران ميانمار الآخرون الكثير من نتيجة الانقلاب، لكنهم لا يستطيعون العمل بمفردهم لقلبه أو تحجيمه. ينبغي أن توجد استجابة دولية قوية ومنسقة وفعالة. وينبغي أن يشمل ذلك حظراً عالمياً على بيع الأسلحة لميانمار يتم فرضه من خلال مجلس الأمن الدائم التابع للأمم المتحدة.

لكن عارضت الصين في السابق التدخل الدولي في ميانمار، ومع ذلك، فقد حثت الصين جميع الأطراف على حل خلافاتهم، لذلك وراء الكواليس، عليها تحذير قادة الانقلاب من الأزمة التي أحدثوها.
بقلم : محمد شعيب
كاتب ومحلل سياسي من بنغلاديش
* موقع “عربي بوست”
* المادة الصحفية تعبر فقط عن وجه نظر الكاتب