“ميدل إيست آي”: كيف تُرهب “إسرائيل” لبنان من السماء
تأتي الخروقات الإسرائيلية المستمرة للأجواء اللبنانية فيما لا تزال البلاد تترنح جراء انفجار بيروت والكارثة الاقتصادية.
السياسية :
كتبت الصحافية الأميركية بيلين فرنانديز مقالة في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني قالت فيه إنه في الساعات الأولى من صباح عيد الميلاد، تلقت رسالة نصية من صديق لبناني فلسطيني في بيروت، أرسلها من ردهة شقته. كان قد ركض إلى هناك بعد أن اهتز من نومه بصوت الطائرات الإسرائيلية – التي ورد لاحقًا أنها طائرات و / أو صواريخ إسرائيلية في طريقها إلى أهداف في سوريا – وإحساسه بأن شيئاً ما في الجوار كان على وشك الانفجار.
وأضافت: بالطبع، ليست الخروقات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية جديدة. لطالما اشتهرت “إسرائيل” بانتهاكها ليس فقط سماء لبنان – وأراضيه بشكل عام – ولكن كذلك لطبلات آذان اللبنانيين ورفاهيتهم العقلية والعاطفية.
يصف الصحافي البريطاني الراحل روبرت فيسك في كتابه “ويلات أمة” Pity the Nation حول الحرب الأهلية اللبنانية في الفترة من 1975 إلى 1990، الضجيج المذهل الذي تولد حوالى عام 1978 حيث قامت طائرتان إسرائيليتان “بكسر حاجز الصوت أثناء طيرانهما على مستوى منخفض فوق غرب بيروت، ما أدى إلى تحطيم زجاج النوافذ الأمامية لمتجر في شارع الحمرا [الشهير في المدينة] بجدار الصوت”.
وأضافت الكاتبة أنه من المؤكد أن هذا الانتهاك الإسرائيلي ليس موضوعاً يجذب انتباه وسائل الإعلام كثيراً، ولكن إذا قضى المرء بعض الوقت على موقع البحث غوغل Google، فستظهر المشكلة بالفعل. كان هناك تقرير من رويترز عام 2017 حول الانفجارات الصوتية التي “حطمت النوافذ وهزت المباني” في مدينة صيدا بجنوب لبنان، كما تسببت في “الذعر”.
ثم هناك تقرير مكتوب في صحيفة “جيروساليم بوست” الإسرائيلية عام 2007 حول الانفجارات الصوتية فوق النبطية ومرجعيون – الأخيرة مدينة ذات أغلبية مسيحية كانت في السابق مقراً لما يسمى “جيش جنوب لبنان”، وهي ميليشيا عميلة لـ”إسرائيل” قامت بتعذيب وإرهاب اللبنانيين خلال العقدين الإسرائيليين. انتهى احتلال جنوب لبنان في أيار / مايو 2000.
وهناك عنوان رئيسي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عام 1998: “الطائرات الإسرائيلية تخلق ارتباكاً بواسطة جدار الصوت فوق لبنان”، حول الغارات الوهمية التي شنّها سلاح الجو الإسرائيلي فوق بيروت وضواحيها.
ومن المؤكد أن عدم الاهتمام النسبي لوسائل الإعلام ليس بسبب نقص المعلومات. لا يكاد لبنان يتردد في الإعلان عن الانتهاكات غير القانونية الصارخة لمجاله الجوي من قبل “إسرائيل”، وقد قدم في مناسبات مختلفة شكاوى إلى الأمم المتحدة – كان آخرها هذا الشهر.
توثيق الأمم المتحدة
في آذار / مارس 2019، أفاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن “إسرائيل” “واصلت انتهاك المجال الجوي اللبناني بشكل شبه يومي، في انتهاك للقرار 1701 (الصادر عام 2006) وللسيادة اللبنانية”. تم تبني القرار 1701 في نهاية العدوان الإسرائيلي على لبنان والذي استمر 34 يوماً وأسفر عن استشهاد حوالى 1200 شخص في البلاد، غالبيتهم من المدنيين.
وبالنظر إلى سجل “إسرائيل” في لبنان، وهو تاريخ شرير يتضمن أيضاً اجتياحه عام 1982 الذي قتل نحو 20.000 (لبناني وفلسطيني)، كالعادة، معظمهم من المدنيين – ليس من الصعب أن نرى سبب تسبّب التحليقات الجوية والتفجيرات الصوتية في إثارة “الذعر” والإرهاب.
وأشار غوتيريش في تقريره إلى أنه منذ تشرين الثاني / نوفمبر 2018 حتى شباط / فبراير 2019، سجّلت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل، والتي يعود تاريخها إلى عام 1978) “96.5 انتهاكاً للمجال الجوي شهرياً، بمعدل 262 ساعة طيران”. وقال إن الطائرات من دون طيار “مثلت نحو 77 في المئة من الانتهاكات، فيما تتعلق الخروقات المتبقية بطائرات مقاتلة أو طائرات مجهولة الهوية”.
وعقلت الكاتبة بالقول: “يمكن للمرء أن يتخيل فقط نوبة الهسهسة الهائلة و / أو الحرب الإقليمية التي كانت ستنجم عن ذلك لو كان حتى جزء صغير من هذه الانتهاكات يحدث في الاتجاه المعاكس. في الواقع، لقد استوعبت “إسرائيل” النظرة العالمية لصديقها الإمبراطوري الأميركي، والتي بموجبها تعتبر حدود الوطن مقدسة ولكن يمكن الدوس على أي شخص آخر حسب الرغبة”.
الحرب النفسية
وأشارت الكاتبة إلى أن قطاع غزة هو منطقة أخرى تستخدم فيها “إسرائيل” انتهاكات المجال الجوي المستمرة كوسيلة للحرب النفسية – بعبارة أخرى، لجعل السكان الفلسطينيين في حالة صدمة.
في مقال نشر عام 2013، نقل الصحافي البريطاني جوناثان كوك عن حمدي شقورة من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن انتشار الطائرات الإسرائيلية بدون طيار في غزة، على الرغم من “الانسحاب” الإسرائيلي المفترض من المنطقة في عام 2005: “هذا الطنين هو صوت الموت. لا مفر، لا يوجد مكان خاص. إنه تذكير بأنه مهما أكدت إسرائيل والمجتمع الدولي، فإن الاحتلال لم ينته”.
يجب التأكيد على أن “صوت الموت” ليس من قبيل المبالغة. من بين المدنيين الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد طائرات إسرائيلية بدون طيار مزوّدة بصواريخ كان هناك أربعة أطفال يلعبون على شاطئ غزة في عام 2014، وهي جريمة برأت “إسرائيل” نفسها من ارتكابها في العام التالي.
وبالعودة إلى لبنان، أدى الارتفاع الأخير في نشاط سلاح الجو الإسرائيلي إلى نشر عنوان وكالة “أسوشيتيد برس” الأميركية في 10 كانون الأول / يناير: “الطائرات الإسرائيلية التي تحلق على ارتفاع منخفض فوق لبنان تنشر التوتر”.
وفي إشارة إلى “إرهاب” سكان بيروت في زمن عيد الميلاد، يتابع المقال ليشير إلى حسابات اليونيفيل بأن “إسرائيل ارتكبت”، بين حزيران / يونيو وتشرين الأول / أكتوبر 2020، ما معدله اليومي 12.63 انتهاكاً للمجال الجوي، مع طائرات بدون طيار تمثل حوالى 95 بالمئة من الانتهاكات.
الإرهابيون الحقيقيون
كانت “التوترات” اللبنانية حادة بشكل خاص في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن احتمالية حدوث نوع من الحريق الإقليمي في الأيام الأخيرة من رئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تتحقق. وما يزيد العذاب النفسي الناجم عن العقاب الجماعي الجوي الإسرائيلي سوى ظروف لبنان الحالية. فلا تزال البلاد تعاني من انفجار آب / أغسطس الذي دمر بيروت، والانهيار الاقتصادي المحلي ومعدلات فيروس كورونا المرتفعة، من دون إضافة المزيد من الانفجارات الصوتية والطائرات بدون طيار إلى هذا المزيج.
ومع إصرار “إسرائيل” على تصوير نفسها بلا هوادة على أنها الضحية الأولى للإرهاب في العالم، فإن الأمر يستحق تتبع من يقوم فعلاً بالإرهاب.
*بيلين فرنانديز مؤلفة كتابي “المنفى: رفض أميركا والعثور على العالم” و”الرسول الإمبراطوري: توماس فريدمان في العمل”. هي محررة مساهمة في مجلة “جاكوبين” Jacobin.
* المصدر : الميادين نت – هيثم مزاحم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع