بقلم: برنارد آدم*

(صحيفة ” لا ليبر بلجيك -La Libre Belgique  “البلجيكية- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

تهدف الاتفاقية التي وقعتها الجمهورية الإيرانية في العاصمة النمساوية فيينا في منتصف العام 2015، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبي، إلى منع حصول إيران على أسلحة نووية.

وفي المقابل يتم رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام الإيراني, وبهذا فأن عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصفقة النووية الإيرانية التي أعلن عنها الرئيس المنتخب جو بايدن، يمكن أن تكون لها عواقب هامة تؤدي إلى تهدئة الشرق الأوسط.

ولكن الوضع اختلف عما كان عليه من قبل, ففي مايو 2018, أعلن الرئيس دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من هذا الإتفاق النووي, حيث أختار بذلك الانحياز والتماشي مع مطالب “أصدقائه” من قادة منطقة الشرق الأوسط: القادة الإسرائيليين والسعوديين، وبهذا القرار استئناف ترامب الموقف العدواني تجاه النظام الإيراني.

وبعد قرار ترامب، يتعين على إدارة بايدن أن تستأنف مسار السياسة التي بدأها الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي قرر أن يحدث تحولاً 180 درجة في العلاقات الأميركية الإيرانية في نهاية فترة ولايته الثانية.

علاقات معقدة منذ فترة طويلة بين واشنطن وطهران:

لطالما كان تاريخ العلاقات بين واشنطن وطهران معقدا جدا, حيث ظلت هذه العلاقات يشوبها التوتر والتعقيد لما يقرب من سبعين عاما.

ففي العام 1953, نظمت الأجهزة السرية الأمريكية والبريطانية انقلابا في طهران، تم على إثره الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً محمد مصدق، الذي كان قد عمل على تأميم النفط الإيراني.

كما عملت الأجهزة السرية الأمريكية والبريطانية على تعزيز سلطة الشاه رضا بهلوي, الذي تمتعت فترة حكمه بدعم عسكري قوي من واشنطن طوال فترة  الحرب الباردة.

وبهذا أصبح النظام في إيران في ذلك الوقت الحليف العسكري الرئيسي في المنطقة ضد الاتحاد السوفياتي.

ولكن من خلال فرض أسلوب غربي للحياة وإنشاء نظام قمعي، كان على الشاه أن يواجه العداء المتزايد للسكان والسلطة الدينية الإسلامية.

ونتيجة لذلك, قامت الثورة في إيران في العام 1979 والتي تمكنت من الإطاحة بنظام الشاه وشهدت قيام الجمهورية الإسلامية.

تبنت طهران في وقت لاحق سياسة عدائية ضد الأمريكيين لمدة خمسة وثلاثين عاما، مع عدم التسامح أو تهاون القادة الإيرانيين الجدد مع الشاه.

ارتباط القوة العسكرية الإيرانية:

وقد برر الرئيس باراك أوباما تغيير سياسته بالقول بإن “الإنفاق العسكري الإيراني لا يمثل سوى ثُمن الإنفاق على حلفاء واشنطن الإقليميين، وواحد من أربعين من الميزانية العسكرية للولايات المتحدة”.

ففي العام 2019, بلغ عدد سكان في إيران 84 مليون نسمة، في حين بلغ معدل الإنفاق العسكري 10 مليارات دولار أميركي، وهو ما يمثل 2.3% من ناتجها المحلي الإجمالي و 114 دولار للفرد الواحد.

وعلى سبيل المقارنة، بلغ عدد سكان المملكة العربية السعودية 35 مليون نسمة, في حين بلغ معدل الإنفاق العسكري 63 مليار دولار أميركي، وهو ما يمثل 8% من ناتجها المحلي الإجمالي و 1786 دولاراً للفرد الواحد.

في إسرائيل كان عدد السكان 9 ملايين نسمة, ومعدل الانفاق العسكري 20 مليار دولار، وهو ما يقدر بـ 5.3% من ناتجها المحلي الإجمالي و 2321 دولار للفرد.

وهنا تجدر الإشارة أيضاً إلى أن واردات إيران من الأسلحة لم تشكل سوى 3.5% من واردات السعودية بين عامي 2009 و 2018.

قدرة الإزعاج التي لا يمكن إنكارها:

فقدت القوات المسلحة النظامية الايرانية – 350 الف جندي بينهم 200 الف مجند- الكثير من قدراتها, وبالأخص خلال فترة الحرب العراقية الايرانية التي استمرت منذ العام 1980 إلى العام 1988.

ولا يزال لديهم ما يكفي من الموارد للدفاع ضد المعتدي الخارجي، ولكنهم لن يتمكنوا بذلك من شن حرب في المنطقة.

ومن ناحية أخرى، يتكون الحرس الثوري الإيراني والمعروف ايضاً باسم الباسدران من 170 ألف رجل، حيث يمتلك قدر محدود من الوسائل والإمكانيات، لكنه في نفس الوقت قادراً القيام بأعمال عسكرية مزعزعة للاستقرار.

على سبيل المثال، يتم شن العمليات الهجومية على حركة الملاحة البحرية في مضيق هرموز, حيث تمر 25% من إجمالي صادرات النفط في العالم, بواسطة زوارق سريعة مزودة بالصواريخ.

بالإضافة إلى ذلك، فإن قوات القدس والتي يبلغ قوامها ما بين 5000 و 15000 جندي فعالة بشكل هائل.

فهذه القوات هي المسؤولة عن العمليات الخارجية العسكرية أو المالية مع حلفاء طهران في المنطقة: حزب الله في لبنان، حماس الفلسطينية في غزة، الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق والحوثيون في اليمن.

الاتفاق النووي مفتاح السلام في إيران:

البلدان التي تريد الحصول على أسلحة نووية كانت مدفوعة برغبتها في حماية نفسها من خلال “تقديس” نطاقها الجغرافي في مواجهة أعداء خارجيين.

وهذا ما حدث مع الهند وباكستان وكذلك مع إسرائيل، العدو الأكبر للنظام الإيراني، حيث تمتلك حالياً ما يقرب من 80 رأساً نووياً من خلال برنامجها النووي، وبالتالي فإن إيران لديها نفس الدافع.

ومن شأن تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني أن يكون خطوة رئيسية إلى الأمام نحو تهدئة وإحلال السلام في البلد.

فمن ناحية، يمكنه منع طهران من امتلاك الأسلحة النووية, ومن ناحية أخرى، يمكن للبلد برفع العقوبات الاقتصادية أن ينعش اقتصادها.

وستكون النتيجة زيادة سلطة القادة المعتدلين مقابل تقليص سلطة رجال الدين المتطرفين الذين يتمتعون بشرعيتها من خلال التقشف وجود تهديد خارجي.

كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى سياسة أقل عدائية في التدخلات الخارجية للنظام الإيراني.

عواقب مهدئة في الشرق الأوسط:

ومن النتائج الأخرى لهذا الوضع الجديد في إيران هي تيسير تسوية وحل عدداً من الصراعات الدائرة في المنطقة.

يمكن أن تساهم المواقف الجديدة الأخرى التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي بايدن في هذا التطور، مثل معارضة إنشاء مستوطنات إسرائيلية جديدة في الأراضي الفلسطينية.

ووقف عمليات تسليم بعض الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية، في أعقاب الحرب في اليمن.

وكل هذا من شأنه أن يؤدي إلى اتخاذ المزيد من الخطوات نحو إنشاء الدولة الفلسطينية، وإنهاء الصراعات الدائرة في اليمن وسوريا والعراق والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب.

* برنارد آدم: مدير فريق أبحاث ومعلومات السلام والأمن من العام 1979 حتى العام 2010.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع.