لينينغراد اليمن: العواقب غير المتوقعة لتصنيف وزارة الخارجية الامريكية للحوثيين
إن تصنيف الولايات المتحدة الأخير للحوثيين في اليمن يضمن عودة ظهور المتطرفين المدعومين من السعودية في المنطقة ويمكن أن يعمل على تحفيز الجماعة باعتبارها نصيراً قوياً ضد المخططات الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط.
بقلم: أحمد عبد الكريم
( موقع ” منتبرس نيوز” الإنجليزي- ترجمة: نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
تعيش اليمن التي مزقتها الحرب في خضم أكبر أزمة إنسانية في العالم، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الحرب التي تقودها السعودية والتي تغذيها الأسلحة الأمريكية.
الآن، ومع اقتراب الحرب من الذكرى السنوية السادسة في مارس، تلاشت أي آمال للتوصل إلى حل دبلوماسي بشكل أسرع من رئاسة دونالد ترامب، الذي أعلنت إدارته المنتهية ولايتها مؤخراً عن خطط لتسمية الحوثيين، القوة الرئيسية التي تقاتل السعودية- قائدة التحالف والقاعدة في اليمن، كمنظمة إرهابية أجنبية.
تقضي هذه الخطوة بشكل فعال على أي بصيص أمل لأكثر من 24 مليون شخص يكافحون من أجل البقاء وسط الحرب والحصار والمجاعة والأمراض والأوبئة التي لا حصر لها، وفقاً للأمم المتحدة.
قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في بيان إن وزارة الخارجية سوف تخطر الكونجرس بنيتها تصنيف جماعة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين، كمنظمة إرهابية أجنبية وكيان إرهابي عالمي محدد بشكل خاص.
وتجدر الإشارة إلى حقيقة أن أنصار الله لا يمتلكون شركة واحدة ولا يمتلكون حساباً مصرفياً واحداً خارج اليمن, وفي الواقع، نادراً ما يسافر الأعضاء رفيعي المستوى خارج حدود الدولة.
قوبل إعلان بومبيو بالجزع من قبل الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة الدولية والدبلوماسيين الذين حذروا من أن هذه الخطوة ستزيد من تأجيج الوضع على الأرض وتقلب أي أمل في محادثات السلام وتفاقم الأزمة الإنسانية في البلد.
وكما هو متوقع، فإن تحرك بومبيو يعامل السعودية كضحية بدلاً من الجاني، وربما ليس مفاجئاً للعديد من الكُتاب، يبدو أن المملكة والجماعات المسلحة التي تدعمها في اليمن قد أخذت هذه الرسالة على محمل الجد منذ صدور بيان بومبيو.
شنت الطائرات الحربية السعودية أكثر من 200 غارة جوية استهدفت مطار صنعاء الدولي ومحافظات مأرب وصعدة وحجة والجوف.
وتوقفت صفقات تبادل الأسرى المحلية وأعلنت اليونيسف عن خطط لوقف إمداد بعض مضخات المياه في صنعاء بالوقود، وفقاً لوزارة المياه في صنعاء، التي قالت إن هذه الخطوة قد تلحق الضرر بما يصل إلى أربعة مليون شخص، بما في ذلك العديد من النازحين الذين لجئوا إلى مدينة صنعاء هرباً من الاشتباكات والقصف في المناطق التي كانوا يعيشون فيها.
“هدم دبلوماسي محض”
حذرت الأمم المتحدة من تداعيات كبيرة على المساعدة الدولية لبلد يقترب من “خطر المجاعة المتزايد”.
وقال مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، عن التعيين “ما هو الأثر الإنساني المحتمل؟
الجواب هو مجاعة واسعة النطاق على نطاق لم نشهده منذ ما يقرب من 40 عاماً وأضاف أن الاستثناءات من السماح لوكالات الإغاثة بتسليم الإمدادات كما اقترحت واشنطن لن تكون كافية لتجنب المجاعة، مضيفا “ما الذي يمنعها؟ من نقض القرار”.
وردد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك نفس المخاوف، محذرا من أن “القرار من المرجح أن يكون له تداعيات إنسانية وسياسية خطيرة”.
كان دوجاريك يشير على الأرجح إلى حقيقة أن التصنيف من المرجح أن يثني الأطراف الثالثة عن الانخراط في أي معاملات مع سلطات الحوثيين خوفاً من الملاحقة الأمريكية.
لم تكن الأمم المتحدة وحدها هي التي أدانت هذه الخطوة أيضاً, حيث وصف ديفيد ميليباند، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، هذه الخطوة بأنها “تخريب دبلوماسي محض”، مضيفاً أن “آخر ما يحتاجه الشعب اليمني هو مزيد من انقطاع المساعدات والتدفقات الاقتصادية”.
كانت لجنة الإنقاذ الدولية قد صنفت اليمن بالفعل على أنها الأزمة الأولى في العالم المعرضة لخطر التدهور في عام 2021 وقالت إن 24 مليون يمني معرضون لخطر إنساني كارثي بعد تصنيف أنصار الله كجماعة ارهابية.
بينما قال المجلس النرويجي للاجئين، وهو أحد أكثر مجموعات الإغاثة نشاطاً في اليمن، إنه يجب على الولايات المتحدة ضمان أن العقوبات لن تمنع دخول المساعدات إلى “بلد يعيش بالفعل في وسط كارثة إنسانية كاملة”.
كما حذرت منظمة إنقاذ الطفولة من أن هذه الإجراءات يمكن أن “تهدد إمدادات الغذاء والوقود والأدوية المنقذة للحياة” وأعلنت مجموعة المعونة الفرنسية Action Contre la Faim أن التصنيف سيكون له “تأثير فوري”.
ليس من المستغرب أن القرار سيؤثر على المناطق التي تسيطر عليها أنصار الله في شمال اليمن أكثر من غيرها، ولكن ستظهر الآثار في جميع أنحاء البلد – مما يؤخر أو يوقف ليس فقط استيراد المواد الغذائية والأدوية والسلع الإنسانية الأخرى ولكن البضائع التجارية أيضاً، وفقاً للأمم المتحدة.
يستورد اليمن 90٪ من مواده الغذائية ومن المرجح أن يؤدي التصنيف الجديد إلى إبطاء أو حتى إيقاف الواردات في وقت يتعرض فيه الآلاف لخطر المجاعة.
قالت الأمم المتحدة “من المرجح أن يؤدي إجراء الحكومة الأمريكية إلى قلب الميزان نحو الانهيار الاقتصادي والمجاعة والموت”.
إن مقارنة قرار وزير الخارجية بومبيو بقرار تجويع هتلر المتعمد للينينغراد ليس من قبيل المبالغة.
شن هتلر حصاراً وحشياً على ثلاثة ملايين من سكان لينينغراد في عام 1941 في محاولة لتجويع المدنيين لإجبارهم على الخضوع في واحدة من أكثر الجرائم شهرة ووحشية في التاريخ.
من نواحٍ عديدة، يعتبر قرار وزارة الخارجية أسوأ بكثير ويشكل سابقة أكثر خطورة بكثير.
في الواقع، يمثل حصار لينينغراد في الحرب العالمية الثانية تذكيراً مخيفاً بالضرر الذي قد يتسبب فيه قرار إدارة ترامب على السكان المدنيين في اليمن، ولاسيما 13 مليون شخص يعيشون في شمال البلد.
تمهيد الطريق لعودة القاعدة:
قوبل تصنيف الحوثيين بغضب من حلفاء الجماعة وأنصارها في اليمن وخارجها, حيث يُنظر إليها على أنها محاولة لبلقنة البلد وإخضاع نصفها الغربي لنوع من المجاعة الدائمة والمعاناة التي عاشتها الصومال المجاورة.
كما أن هناك مخاوف من أن هذه الخطوة تعيق قدرة الحوثيين على محاربة القوات المتطرفة المدعومة من السعودية في اليمن، وخاصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وداعش، مما يسمح لهم باستخدام اليمن ومجموعة مطلقة للتخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية.
عمليات داخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفقاً لخبراء أمنيين يمنيين تحدثوا إلى موقع المنتبرس، تصبح البيئة في اليمن أكثر تشجيعاً لازدهار القاعدة وداعش بعد قرار واشنطن ضد قوات أنصار الله، التي طهرت معظم مناطق البلد الشمالية بما في ذلك محافظة البيضاء، معقل القاعدة في بلاد العرب وشبه جزيرة العربية.
قالت الحكومة التي يقودها الحوثيون في صنعاء والمعروفة باسم حكومة الإنقاذ الوطني في بيان إن خطة بومبيو لتصنيف أنصار الله هي عمل عدائي غير مسبوق.
وحذروا المجتمع الدولي والدول الراعية لعملية السلام في اليمن من عواقب هذه الخطوة، وقالوا: “لدينا الإرادة للدفاع عن بلادنا من خلال اتخاذ الخطوات المناسبة تجاه القرار الأمريكي إذا تم بما في ذلك المعاملة بالمثل”.
وأضاف البيان أن “صمود شعبنا وانحيازه الصادق لقضايا الأمة وخاصة القضية الفلسطينية ورفض مشروع التطبيع، لم يكن مقبولا لدى إدارة ترامب”.
حتى أن بعض المنافسين السياسيين لليمن في البلد عارضوا التصنيف, حيث قال حزب المؤتمر الشعبي العام، أكبر حزب سياسي في البلد وحزب الرئيس عبد ربه منصور هادي، في بيان، إن قرار إدارة ترامب سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على السلام والتسوية السياسية، وسيعقد الجهود الدولية.
كما أدانت منظمة الإصلاح الناصري بشدة قرار وزارة الخارجية ووصفته بأنه عمل عدائي وغير مسؤول يستهدف خدمة المصالح الشخصية للرؤساء الذين يكافحون للبقاء في البيت الأبيض.
وقال مجلس التماسك القبلي، أعلى هيئة قبلية في اليمن، “نعتبر قرار [الولايات المتحدة] مصدر فخر يظهر أن اليمنيين أصبحوا تحدياً لهم في المنطقة” ودعا زعماء القبائل إلى حشد المقاتلين.
ما وراء التصنيف؟
من جانبهم، قلل الحوثيون من تأثير القرار، محذرين من أنه لا يعني فقط أنه لا يمكن تحقيق اتفاق سلام ولكن يمكن الآن استهداف الولايات المتحدة بشكل مباشر من قبل الجماعة.
يقول المسؤولون إن تقييم إدارة ترامب للوضع في اليمن معيب، لأن الحوثيين لم يهددوا الولايات المتحدة أبداً على عكس القاعدة أو داعش أو طالبان.
وعلى عكس تلك الجماعات، فإن الحوثيين مسلحون جيداً بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار والزوارق الحربية، وكانت هجمات الحوثيين على التحالف الذي تقوده السعودية دائماً انتقامية وليست استباقية.
علاوة على ذلك، يحذرون من أن أي عمل عسكري أمريكي ضد الحوثيين بذريعة محاربة الإرهاب سيعمل على كسب المزيد من المؤيدين للجماعة في الشرق الأوسط، باعتبارها واحدة من الجماعات القلائل في العالم العربي الذين يقفون في وجه واشنطن لدعم سرقة إسرائيل للأراضي الفلسطينية المعترف بها دولياً.
يرى الحوثيون هذه السياسة كقوة دافعة رئيسية في قرار الولايات المتحدة بتعيينهم والإصرار على أنها ستعمل على حشد المزيد من الدعم لهم داخل اليمن وعبر العالم الإسلامي والعربي.
قال محمد علي الحوثي، العضو البارز في المجلس السياسي الأعلى اليمني، في سلسلة تغريدات إن “سياسة إدارة ترامب وأفعالها إرهابية. نحتفظ بالحق في الرد على أي تعيين صادر عن إدارة ترامب أو أي إدارة , كما دعا إلى “تشكيل لجان تحقيق مستقلة لكل جريمة ترتكب في البلد.”
في نهاية المطاف، يبدو أن قرار تصنيف الحوثيين يهدف إلى إثارة الفوضى في مسرح فوضوي بالفعل.
إنه يحفز على العنف باستخدام قرار سياسي كتكتيك شنيع لتحريض اليمنيين ضد الحوثيين من خلال مضاعفة معاناة من يعيشون في مناطق سيطرتهم.
إنه بديل عن المحاولة الفاشلة التي استمرت ست سنوات للسيطرة على الدولة بأكملها بالقوة العسكرية الغاشمة، على الرغم من حقيقة أن تلك المحاولة قد تم تغذيتها بأسلحة متطورة بمليارات الدولارات، ومعلومات استخباراتية، وتدريب بالإضافة إلى للمشاركة الفعالة في الحصار.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.