آخر انقلابات ترامب في الشرق الأوسط
استغلال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب آخر أيام له في البيت الأبيض, حيث عمل على فرض عقوبات على جماعة الحوثيين في اليمن, وبالتالي فأن هذا القرار كفيلٍ لإحداث كارثة إنسانية في هذا البلد.
بقلم: ارمين عريفي
(صحيفة “لوبوان- le point” الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ” )
رغم أن أيامه في البيت الأبيض باتت معدودة، إلا أن الرئيس ترامب لم يتردد عن ترك أثر سلبي أخير في منطقة الشرق الأوسط التي لم يدخرها قط أثناء ولايته.
بين قرار نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس، والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني واغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، اتخذ الرئيس الأميركي جملة من القرارات التي عملت على تحويل المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عميق, ونتيجة لهذا سوف تكون عواقب تلك القرارات أبعد بكثير من فترة رئاسته.
كانت أفعاله تهدف في المقام الأول إلى محاباة دولة إسرائيل، الحليف الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وفي المقابل إضعاف النظام الإيراني، العدو المعلن للدولة العبرية والولايات المتحدة.
بعد الانسحاب من خطة العمل المشترك الشاملة في مايو 2018، مارس الرئيس ترامب سياسة “الضغط الأقصى” ضد الجمهورية الإسلامية بهدف خنق الاقتصاد الإيراني، ومنعه من بيع نفطه والتداول مع بقية دول العالم.
ويتلخص هدفها في إرغام النظام الإيراني على إعادة التفاوض على اتفاق شامل يعالج كل المخاوف الأميركية (النووية، والصواريخ الباليستية، والأنشطة الإقليمية).
فشل ترامب:
ومع ذلك، وبدلا من أن تذعن لإملاءات الإدارة الأمريكية، عملت طهران على استأنف أنشطتها النووية الأكثر حساسية, كما واصلت سياستها الإقليمية المتمثلة في دعم البلدان والحركات المعارضة للولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية, مثل: الميليشيات العراقية، والنظام السوري، وحزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية، والحوثيين في اليمن…..
ومن أجل الاستفادة من لحظاته الأخيرة في البيت الأبيض, قرر الرئيس ترامب استهداف واحدة من آخر الجماعات ووضعها على القائمة الأميركية السوداء للمنظمات الإرهابية, والمتمثلة في الحركة الحوثية, وذلك من أجل تقليص حيز المناورة المتاح لطهران في الشرق الأوسط قدر الإمكان.
فبعد أن تمكن الحوثيون من الاستيلاء على العاصمة صنعاء في أواخر سبتمبر 2014، واجهت هذه الجماعة المسلحة من الأقلية الزيدية (أحد فروع الإسلام الشيعي)، والتي تشكل في نفس الوقت الغالبية العظمى في المناطق الشمالية من اليمن، تحالفاً عربياً تقوده الرياض منذ ما يقرب من ست سنوات في صراع دامي حصد أرواح عشرات الآلاف من الاشخاص أغلبهم من السكان المدنيين.
ولهذا, تعتزم الرياض، الحليف العربي الأكبر لواشنطن، استعادة الحكومة الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، نظراً لكونها ترى في اليمن حديقتها الخلفية والحوثيين كحركة مأجورة من قبل النظام الإيراني.
يتمتع سلاح الجو الملكي السعودي بميزة التفوق التكنولوجي, بالإضافة إلى كون السعودية دولة تعتمد على النظام البتروموني, إلا أن القصف الجوي غالباً ما يكون عشوائياً.
ومن جانبهم، ضاعف الحوثيون من هجماتهم على المحافظات الجنوبية السعودية المتاخمة لهم، وخاصة ضد المنشآت النفطية.
أسلحة إيرانية:
وفقاً لواشنطن فإن هذه “الأعمال الإرهابية” تهدد “السكان المدنيين والبنية الأساسية والنقل البحري”, حيث قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي ربط مصير الحوثيين بالكامل بمصير إيران، إن القرار بمعاقبتهم يهدف أيضاً إلى تعزيز “الردع ضد الأنشطة الضارة للنظام الإيراني” في المنطقة.
وفي حين تعترف إيران بدعم جماعة الحوثي “سياسياً”، فإنها تنفي نفياً قاطعاً تزويدهم بالأسلحة.
إلا أن التقرير المقدم من قبل فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة الذي أحيل إلى مجلس الأمن في يناير 2020 يسلط الضوء على جملة من الشحنات المشبوهة من الأسلحة، بما في ذلك أنظمة الصواريخ البحرية إلى الحوثيين عبر سلطنة عمان والساحل الجنوبي لليمن.
ووفقاً للوثيقة التي كشفت عنها وكالة الصحافة الفرنسية، فإن بعض هذه الأسلحة كانت “ذات خصائص فنية مشابهه لتلك الأسلحة المصنعة في إيران”.
بعد مرور أكثر من خمس سنوات على بداية الصراع الدائر في اليمن، تجمدت المواقع العسكرية, ولا يزال الحوثيون يسيطرون على المناطق الشمالية والغربية من البلد.
كما لا يزالون يحتفظون بمحافظة وميناء مدينة الحديدة الإستراتيجي وهو نقطة الدخول الرئيسية للمساعدات الإنسانية، على الرغم من الحصار الجوي والبحري والبري الذي فرضته قوات التحالف العربي العسكري.
يقول جيل غوتييه، السفير الفرنسي السابق لدى اليمن: “إن الحوثيين يسيطرون الآن على كامل المناطق الشمالية من البلد والذي يشكل الجزء الأعظم من عدد السكان البالغ (20 مليون نسمة)، مع حكومته ووزاراته”.
حرصاً على تخليص نفسها من الصراع الذي غارقة فيه دون خسارة ماء وجهها كما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة في يوليو 2019، انخرطت السعودية في الخريف الماضي في مفاوضات غير رسمية تهدف إلى إنهاء الصراع المتأجج في البلد, والذي يبدو أن لا نهاية له.
مفاوضات السلام:
من المرجح أن يؤدي القرار الأميركي بتصنيف الحوثيين كحركة إرهابية إلى انهيار الحوار الخجول بين الجانبين, لاسيما بعد الهجوم الذي استهدف أعضاء الحكومة الشرعية في مطار عدن الدولي في 30 ديسمبر.
قال خبير غربي مختص في شأن اليمني طلب عدم الكشف عن هويته: “إن العقوبات الأميركية لن تشجع الحوثي على متابعة مفاوضات السلام”.
وبعيداً عن العملية السياسية، فإن القرار الأخير الذي اتخذه دونالد ترامب يهدد بتفاقم الوضع الإنساني الكارثي بالفعل في البلد.
فقد شهدت اليمن، الدولة الأكثر فقراً في منطقة شبه الجزيرة العربية، عشرات الآلاف من الوفيات، ناهيك عن نزوح الملايين من سكانها بسبب الصراع الذي وضع السكان على حافة المجاعة, واليوم يعتمد 80% من السكان المدنيين على المساعدات الإنسانية.
ومن جانبه, حذر مارك سكاكال نائب مدير البرامج في منظمة أطباء بلا حدود في اليمن من أن “اعتبار الحوثيون جماعة إرهابية من شأنه أن يهدد قدرتنا على مساعدة السكان الذين يعانون بالفعل”.
وأضاف أن هذا من شأنه أن يضيف حواجز جديدة إلى جانب تلك التي يعاني منها النظام الذي لا يغطي بالفعل الاحتياجات الأساسية للسكان، بين الحرب الأهلية وانهيار النظام الصحي، والإصابة بوباء كوفيد-19 ووباء الكوليرا”.
وضع انساني حرج:
ومن الناحية العملية, فأن وضع الحوثيون على قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة من شأنه أن يجعل من المستحيل إجراء أي اتصال بين المنظمات الإنسانية غير الحكومية والمسؤولين الحوثيين، أو حظر المعاملات المصرفية في المناطق الشمالية لليمن، أو حتى زيادة صعوبة شراء الغذاء والوقود هناك.
ويقول مارك سكاكال: “نحن نعمل في شمال اليمن مع وزارة الصحة المحلية التي هي في الواقع تخضع لسيطرة الحوثيين, وعلى نحو ما نجرم المساعدات الإنسانية، ونحن لا نشجع الجهات المانحة على الاستمرار في العمل من أجل اليمن, ومرة أخرى، سوف يعاني شعب اليمن في المقام الأول”.
وردا على الشواغل والمخاوف الإنسانية، أشار رئيس الدبلوماسية الأمريكية إلى أن الإدارة الأمريكية عملت على تقديم تدابير إعفاء بشأن بعض الأنشطة الإنسانية والواردات.
ومن جانبها, ردت منظمة أطباء بلا حدود على ذلك, حيث قالت: “إننا ننتظر لنرى على وجه التحديد ما سيكون عليه هذا الأمر، ولكن من الصعب أن نصدق أن هذا سوف يغطي كافة الاحتياجات الإنسانية للسكان في اليمن, إن الموقف سوف يكون أكثر تعقيداً، عندما كان الأمر بالغ الصعوبة بالفعل”.
يرى السفير الفرنسي السابق لدى اليمن أن القرار الأميركي بشأن الحوثيون هو “آخر ضربات الجنون” التي ارتكبها ترامب في منطقة الشرق الأوسط.
وقال: “من غير المعقول أن يتمكن الرئيس الأميركي المهزوم من تحقيق هذه الغاية قبل أن يترك السلطة ببضعة أيام فقط, وخاصة مع جو بايدن، فإن كل شيء سوف يكون مختلفاً في المنطقة.
والواقع أن التاريخ الذي اختارته إدارة ترامب لتنفيذ العقوبات -التاسع عشر من يناير – لا يدين بأي شيء للمصادفة.
تحدث الرئيس الأميركي القادم جو بايدن بشكل كبير عن الحرب في اليمن أثناء الحملة الرئاسية، كما أنه لم يخفي رغبته في استئناف الحوار مع إيران.
ومع ذلك، فقد أظهر التاريخ الحديث في الولايات المتحدة الأمريكية أنه من الصعب جداً- إن لم يكن شبه مستحيل تقريباً- على أحد سكان البيت الأبيض أن يتراجع سياسياً عن التصنيف الإرهابي.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع.