بقلم: أحمد عبد الكريم

(موقع “منتبرس نيوز” الإنجليزي- ترجمة نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

الحديدة، اليمن- أصبح النفط اليمني مستعبداً لشبكة معقدة ومتشابكة من النخب التي تتحكم في تهريب واردات الوقود وخلق بيئة مواتية للسوق السوداء.

لطالما كان حرمان اليمن من المشتقات البترولية سمة بارزة في الحرب السعودية التي استمرت ما يقرب من ست سنوات على اليمن.

ومع ذلك، فإن الحصار الأخير هو أكثر شمولاً بكثير من الحصار السابق ويأتي في وقت تتفشى فيه الاوبئة والأمراض بالتزامن مع انتشار الجوع بسرعة في جميع أنحاء البلد.

أحدثت النتائج الثانوية لهذا الحصار: انتشار داء البلهارسيا، والاقتصاد المتعثر في المناطق الخارجة عن السيطرة السعودية وازدهار سوق سوداء جديدة وخطيرة.

يُعرف داء البلهارسيا بالعامية باسم حمى الحلزون، وهو مرض نادر تسببه الديدان المفلطحة التي تتكاثر في المياه غير المعالجة، وهو ما يحصل الآن في اليمن بسبب انعدام وقود الديزل اللازم لتشغيل العديد من مرافق معالجة المياه في البلد.

خاصة تلك الموجودة في المناطق الريفية البعيدة عن أي تيار كهربائي بسبب انقطاع الشبكة بسبب الحصار المفروض منذ سنوات.

في قرية نائية في منطقة المراوعة، ينظر خالد عبده إلى ابنته النحيفة “جميلة” البالغة من العمر 12 عاماً، بحسرة وهي لا تزال مستلقية في كوخ للعائلة, حيث تعاني من آلام في البطن وإسهال ودم في البراز.

قال والدها إنها مصابة بالديدان في بطنها، وهي الآن منتفخة وبارزه في تناقض صارخ مع جسدها الهزيل.

تم تشخيص جميلة فيما بعد بمرض البلهارسيا وفقاً لعائلتها، مما يترك لها ثلاث إلى عشر سنوات أخرى فقط للعيش, إذا لم تحصل على الرعاية الطبية المناسبة، وهي رفاهية لا يمكن ان تحصل عليها في بلدها الذي مزقته الحرب.

بالقرب من كوخ العائلة، الذي تم بناءه من خليط بين الطين وعصي الخيزران والقش والقصب, تقف سيارة تويوتا هيلوكس قديمة، يغطيها الغبار وإطاراتها منخفضة دليل على أنها لم تتحرك منذ أسابيع.

قال خالد وعيناه صوب ابنته جميلة أن مشاكل الأسرة التي لا تنتهي, سببها عدم توفر الوقود :” لا يمكنني نقل ابنتي إلى المستشفى في عدن أو جلب الماء لعائلتي، حتى محطة المعالجة التي كنت أذهب إليها أصبحت مغلقة بسبب عدم وجود مادة الديزل, الآن، نشرب ونغسل ملابسنا وأدوات الطهي، ونفعل كل شيء باستخدام الماء من أحد الأبار القديمة.

معلم قاتم آخر:

مع اقتراب نهاية العام السادس للحرب في اليمن في مارس القادم، تواصل الرياض الغنية بالنفط وحليفتها الولايات المتحدة، منع ناقلات النفط من إيصال الوقود الذي تشتد الحاجة إليه, إلى المستشفيات ومحطات ضخ المياه والمخابز وعربات جمع القمامة, واليوم يغرق البلد بأكمله في أزمة وقود لا تنتهي.

قال الرئيس التنفيذي لشركة النفط اليمنية، عمار العذري لموقع مينتبرس، أن تسع ناقلات على الأقل محاصرة في ميناء جازان السعودي، الذي يقع على الساحل الغربي للمملكة بالقرب من الحدود اليمنية بصورة مأساويه.

وأضاف إن الناقلات محتجزة على الرغم من فحصها وإصدار تصاريح لها من قبل التحالف بقيادة السعودية والأمم المتحدة.

وأكد أن السفن محملة بالمشتقات النفطية وأن بعضها موقوف منذ أكثر من تسعة أشهر، ما أدى إلى توقف أكثر من 50٪ من القدرات التشغيلية في القطاعات الخدمية والصحية والصناعية والتجارية, فقد تسبب هذا النقص في الوقود في نقص حاد حتى في أبسط السلع الأساسية.

قال خالد: “أن أسعار الفواكه والخضروات والأدوية في ارتفاع هائل, ومزرعتي بلا حماية ضد التصحر”.

مثل العديد من المزارعين، أصبح خالد الذي تظهر عليه أعراض سوء التغذية مثل ابنته جميلة، غير قادر على تشغيل المضخات اللازمة لري حقوله، مما يجعله غير قادر على الزراعة لإطعام أسرته, فيما تتمدد رمال الصحراء إلى الحقول المهجورة.

يعتمد 80٪ على الأقل من سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة فيما وصفته الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم ومن المرجح أن يؤدي تدمير القطاع الزراعي المتبقي إلى زيادة هذا الرقم.

قال خالد إن “الحكومة [اليمنية] غير مبالية ولا مهتمة بمعاناة المواطنين، حتى في المناطق الواقعة تحت سيطرتها”.

كما اتهم الحكومة في عدن المدعومة من السعودية بتعمد مضاعفة المعاناة من خلال انتشار السوق السوداء ونقص الوقود, في المحافظات الشمالية ذلك الوضع ناتج عن الحصار لكن في عدن, لا نفهم ما يجري.

أزمة نفط مُفتعله:

من خلال خلق أزمة نفطية في اليمن، تستطيع السعودية إثارة الفوضى السياسية في البلد وإثارة السخط الشعبي ضد شركات النفط المحلية والتي تدير العديد منها المقاومة التي يقودها الحوثيون.

وكنوع من المكافآت الإضافية أدى نقص الوقود أيضاً إلى إعاقة ميناء الحديدة الذي يديره الحوثيون، مما أدى إلى ارتفاع  معدلات الفقر والبطالة واستنزاف السيولة النقدية من السوق، وفقاً لشركة النفط اليمنية.

أصدرت الشركة اليمنية للنفط بيانا حددت فيه الأضرار الاقتصادية المقدرة التي سببها رفض السعودية السماح للناقلات بتفريغ حمولتها بمليارات الدولارات.

وقالت الشركة أيضاً إن رسوم غرامات التأخير وصلت الآن إلى مستوى غير مسبوق, والذي بلغ ما يقارب 107 ملايين دولار وأن القوات السعودية احتجزت بشكل غير قانوني 72 ناقلة نفط متجهة إلى اليمن العام الماضي، مما أدى إلى انخفاض ما يقرب من 45٪ في كمية شحنات الوقود التي تشتد الحاجة إليها والتي وصلت الى الموانئ اليمنية.

لم يجبر حصار الوقود آلاف اليمنيين على الانتظار لأيام في طوابير على مد البصر، بل ترك مضخات المياه ومحطات المعالجة ومولدات المستشفيات بدون وقود.

يتم استخراج معظم مياه الشرب، لاسيما في المناطق الريفية باستخدام مضخات تعمل بالديزل.

بينما يعيش عدد كبير من النازحين على المياه التي يتم جلبها بواسطة الشاحنات التي تعمل بالديزل.

تتم معالجة الواردات الغذائية التي تصل عموماً عبر أحد موانئ الدولة وتعبئتها في منشآت تعمل بوقود الديزل أو المصانع في الحديدة أو عدن قبل نقلها عبر البلد أو بيعها محلياً.

خارج المدن الساحلية في البلد حيث يقيم أكثر من 60٪ من السكان، يتم نقل البضائع عن طريق البر تاركة المجتمعات النائية تحت رحمة الشاحنات التي يجب أن تعبر الطرق المليئة بالتعرجات والأضرار الناجمة عن الغارات الجوية.

يجب على القلة المستعدة للقيام برحلة خطرة أن تتعامل مع ارتفاع الأسعار الوقود وقلة توفيره, مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتوافر حتى أبسط السلع الأساسية كالغذاء والماء والأدوية.

خلق سوق سوداء مزدهرة:

من المؤكد أن أزمة النفط في اليمن ليست جديدة، لكنها ازدادت سوءاً مؤخراً وسط طفرة السوق السوداء التي تضاف إلى نوعية الحياة البائسة بالفعل لليمنيين.

تغمر الحكومة السعودية المناطق الجنوبية من اليمن الخاضعة لسيطرتها بالوقود الرخيص، مما يؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية وخلق بيئة مثالية لانتعاش المنتجات البترولية في السوق السوداء.

كما أن التباين الصارخ بين توافر الوقود في المناطق الخاضعة للسيطرة السعودية مقابل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين يتسبب أيضاً في أضرار اقتصادية يمكن التنبؤ بها، في ظل صعوبة المنافسة وسط الحصار الذي تفرضه السعودية.

ورغم الحصار الخانق المفروض على البلد، فإن المنتجات البترولية تُباع بشكل غير قانوني على جوانب الطرق والشوارع والمناطق المعزولة في جنوب وشمال البلد على حد سواء.

وغالباً ما يكون ذلك مقابل ضعف السعر الرسمي، حيث تصل الأسعار في بعض المناطق إلى 11 ألف ريال مقابل 20 لتراً.

كما يتم خلط المشتقات البترولية في السوق السوداء بالمياه ومواد أخرى وتدخل من الموانئ التي تسيطر عليها السعودية في ميناء عدن والمنافذ الحدودية مثل منفذ الوديعة والشحر ومحافظة مأرب الغنية بالنفط.

جاءت الأزمة وسط خلفية سرقة النفط الخام اليمني من قبل التحالف والمسلحين المدعومين منه, وهو حدث يومي في محافظتي مأرب وشبوه.

جلبت السعودية مؤخراً معدات حفر ثقيلة لتعميق آبار النفط الموجودة في حضرموت بهدف زيادة معدل استخراج النفط هناك.

إن تأثير الحصار على اليمن حاد، حتى عند مقارنته بالدول التي تعاني من العقوبات الأمريكية مثل إيران وسوريا وفنزويلا، حيث يتمكن الوقود بطريقة ما من إيجاد طريقه إلى المواطنين.

ومع ذلك، فإن جميع المناطق في اليمن تحت رحمة الرياض، مما أجبر الجيش اليمني المدعوم من الحوثيين على تصعيد حربه النفطية ضد المملكة في البحر الأحمر ووضع منشآت نفطية حساسة في عمق الأراضي السعودية لخطر الاستهداف كما فعلوا في السنوات الأخيرة بحسب القائد الميداني البارز اللواء يوسف المدني قائد المنطقة العسكرية الخامسة المنطقة المسؤولة عن السواحل اليمنية والمياه الإقليمية.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع.