السياسية:

فضيحة اقتحام أنصار دونالد ترامب مبنى الكونغرس كانت بمثابة الحريق الكبير الذي سبقته حرائق أصغر تخصص الرئيس الجمهوري في إشعالها، والسؤال الآن هل ينجح قادة الحزب في إخماد الحريق الكبير قبل أن يلتهم ما تبقى من الحزب الأحمر؟

بعض قادة الحزب يريدون إقالته.. ولكن

“أريده أن يستقيل. أريده أن يغادر. لقد تسبب في أضرار كثيرة”، بهذه الكلمات عبرت السناتور الجمهورية عن ولاية ألاسكا ليزا ميركويسكي عن رأيها في الكيفية التي يجب على الحزب الجمهوري التصرف بها حيال ترامب قبل يوم تنصيب الرئيس الجديد جو بايدن.

وعلى الرغم من أن ميركويسكي ليست العضو الوحيد الجمهوري في مجلس الشيوخ الذي تبنى هذا الرأي علناً بعد اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس لمحاولة منع التصديق على فوز جو بايدن يوم الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني الجاري، إلا أن خطوة عزل ترامب لا تزال تسبب شقاقاً داخل الحزب الجمهوري وزعمائه ومشرعيه، بحسب تقرير اليوم السبت 9 يناير/كانون الثاني لشبكة CNN.

وكان السناتور بن ساسي قد عبر أيضاً عن نفس الرأي الذي تبنَّته ميركويسكي وإن بصورة أقل حسماً، بقوله يوم الجمعة إنه “بالتأكيد سوف يدرس” أي تحرك لعزل ترامب من خلال مجلس النواب إذا ما تم تقديم مواد لعزله بالفعل.

فعلى الرغم من أن ترامب قد بدا وكأنه انقلب على أنصاره الذين حرضهم علناً على التوجه إلى مبنى الكونغرس وهو ما فعلوه، ثم وصف من اقتحموا المبنى بأنهم “وطنيون حقيقيون” ثم توعدهم لاحقاً بالمطاردة، إلا أن إعلانه أنه لن يحضر تنصيب بايدن وإصراره على مزاعمه بأن الانتخابات سرقت منه لصالح بايدن أظهر مدى الخطر الذي لا يزال يمثله على الديمقراطية الأمريكية بشكل عام وعلى الحزب الجمهوري بشكل خاص.

لماذا لا يزال الانفصال عن ترامب مسألة صعبة؟

السبب الرئيسي الذي يقف وراء هذا الانشقاق داخل صفوف الحزب الجمهوري ويجعل قرار الانفصال التام عن ترامب لا يحظى- حتى الآن- بالإجماع بين قادة الحزب هو الشعبية التي بناها ترامب بين قواعد الجمهوريين.

وقد ظهر ذلك الجدال بين المشرعين المخضرمين حول الانفصال، إذ واصل أكثر من 100 نائب جمهوري- لم يكترثوا لفوضى الكابيتول- في مجلس النواب جهودهم لمنع الكونغرس من التصديق على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن. وتبنّى بعضهم نظريات مؤامرة من المنافذ الإخبارية والشبكات الاجتماعية اليمينية بأنّ المخربين اليساريين هم من نفّذوا عملية العلم الكاذب الذي رُفِعَ في أروقة الكونغرس.

أنصار ترامب يقتحمون الكونغرس

وحين يتعلّق الأمر بترامب، فإنّ قلة هم من يفهمون صعوبة الموازنة بين المبادئ وبين النجاة السياسية بشكلٍ أفضل من السناتور تشيب روي من تكساس. إذ كان روي كبير الموظفين السابق للسناتور تيد كروز، لكنه انفصل عن رئيسه السابق وصار قائداً لمجموعة من المحافظين في مجلس النواب قاوموا ضغوط الرئيس لرفض التصديق على فوز بايدن، بحسب تقرير لصحيفة New York Times.

وقال روي في خطابٍ حماسي بمجلس النواب مساء الأربعاء: “نحن منقسمون حول كل شيء، الحياة والحرية والسعي وراء السعادة”. وقال إنّ هذه الكلمات كانت تُوحّد الأمة في وقتٍ ما، لكنّها الآن “تُمزّقنا لأنّنا نختلف حول ما تعنيه”.

والآن يتعرّض روي للازدراء من العديد من أنصار ترامب، ويُصارع حول كيفية تسخير الحزب للطاقة الشعبية التي ألهمها ترامب دون البقاء ضمن نطاق عبادة الشخص. وأوضح: “إذا كان الحزب الجمهوري يرتكز حصرياً على الرئيس ترامب نفسه، فسوف نفشل. ولكن إذا نسينا جانب رسالته الذي لاقى قبولاً من الناس المحبطين بشدة، فسوف نفشل أيضاً”.

هل ينهار الحزب الجمهوري؟

ويرى كثير من المحللين أن ترامب خلال سنوات رئاسته الأربع بشكل عام، وخلال الشهرين المنصرمين بشكل خاص قد وضع الحزب الجمهوري برمته في نقطةٍ أقرب إلى الانهيار. إذ بعد أن خسروا كرسي الرئاسة وأغلبية مجلسي النواب والشيوخ في عهد ترامب، صار الجمهوريون منقسمين بشدة لدرجة أنّ الكثيرين يصرون على ضرورة الانفصال الكامل عن الرئيس حتى يستعيد الحزب عافيته.

وتجلّت تلك الانقسامات الأسبوع الجاري تحديداً حين صوّت عشرات الجمهوريين في حزب النواب لصالح ترامب من أجل منع التصديق على نتيجة الانتخابات- في الجلسة التي عُقِدَت بعد اقتحام الحشود للكابيتول-، بينما رفض عشرات أعضاء مجلس النواب وجميع السناتورات الجمهوريين- باستثناء ثمانية- أن يحذو حذوهم.

والجمهوريون، الذين قضوا سنوات في تأجيل محاسبة ترامب على سلوكياته الخطيرة، بدأوا الآن يُواجهون احتمالاً مزعجاً: وهو أنّ حلقة عنف يوم الأربعاء التي حرّض عليها ترامب بتصريحاته قد تستمر لعقود بصفتها وصمة عار في تاريخ الحزب- كما فعلت فضيحة ووترغيت والكساد الكبير في سمعة الأجيال الأولى من الجمهوريين.

إذ قال عمدة نيوجيرسي السابق، الذي كان أول جمهوري بارز يُؤيّد ترامب: “كان سلوكه خلال الأسابيع الثمانية الأخيرة ضاراً للبلاد ومؤذياً تماماً للحزب”. وأضاف كريستي أنّ على الجمهوريين “فصل الرسالة عن الرسول لأنّني لا أعتقد أنّ الرسول يستطيع التعافي مما حدث البارحة”.

بينما طالب بعض المسؤولين الجمهوريين الذين انتقدوا ترامب في الماضي، مثل نائب إلينوي آدم كينزينغر والعمدتين فيل سكوت من فيرمونت ولاري لوغان من ماريلاند، بإقالة ترامب من منصبه.

لكن ماذا عن ملايين الناخبين من أنصار ترامب؟

لكن كبار الجمهوريين يواجهون مشكلةً فورية: لا يسعى ملايين الناخبين الجمهوريين إلى مثل هذا الانفصال عن ترامب، وكذلك زعيم الأقلية في مجلس النواب كيفين مكارثي، والعديد من زملائه في مجلس النواب ومن المشرِّعين في جميع أنحاء البلاد.

ففي الوقت الحالي على الأقل هم أكثر ولاءً لرئيسهم في مرحلة البطة العرجاء من ولائهم لقادة الحزب التقليديين الذين سبقوه.

ومع ذلك، مدفوعين بالتهديد الذي شعر به الكثيرون منهم على سلامتهم الجسدية وتحوّلهم إلى أقلية سياسية بعد خسارتين في جولتي إعادة انتخابات مجلس الشيوخ بولاية جورجيا؛ قالت مجموعة متزايدة من المشرعين والاستراتيجيين الجمهوريين علناً ما عبّر عنه الكثيرون في صفوفهم منذ فترةٍ طويلة: لقد حان وقت المضي قُدُماً.

شعبية ترامب تجعل الانفصال التام لا يحظى بالإجماع

إذ قال السناتور جون ثون من داكوتا الجنوبية، الذي طالب ترامب بإقالته في الانتخابات التمهيدية العام المقبل: “ما حدث في جورجيا وما حدث اليوم كلها أمورٌ تدل على أنّه يتوجب علينا أن نسلك طريقاً آخر. وأعتقد أنّ هويتنا بُنِيَت خلال السنوات الأخيرة حول فردٍ واحد، وعلينا أن نعود إلى الهوية المبنية حول مجموعةٍ من المبادئ والأفكار والسياسات”.

بينما كان عددٌ من المسؤولين الجمهوريين، وبينهم بعضٌ ممن يستعدون لإعادة انتخابهم العام المقبل، أكثر انتقاداً لترامب. لقد ظل الشقاق داخل الحزب الجمهوري في طور التكوين لسنوات، لكن الحزب لن يصنع انفصالاً سهلاً- إذا حدث الانفصال من الأساس.

ولم تكُن الفجوة بين الزعماء الجمهوريين ونشطائهم المحليين بالاتساع الذي هي عليه الآن منذ بدء عهد ترامب. وكما هو الحال حين ظهرت الانقسامات للمرة الأولى حين شوّه ترامب سمعة المكسيكيين والمسلمين والنساء، لا يتنازع الحزب حول أي أجندة سياسية كبرى. والموضوع برمته هو مجرد اختبار ولاء.

وبالنسبة لعددٍ من الجمهوريين الذين لطالما شككوا في ترامب، فقد كانت أحداث الشهرين الماضيين كاشفةً بما يكفي، بدءاً من رفضه المبدئي الاعتراف بالهزيمة وهجماته بدون هوادة على مسؤولي الولايات الجمهوريين، التي قوّضت آمال الحزب في الفوز بمقاعد مجلس الشيوخ في جورجيا، وصولاً إلى الهجوم على المشرعين ونائبه الشخصي قبل ساعات من أعمال شغب الكابيتول؛ أثبت ترامب أنّه يُثير الحرائق سياسياً.

وبدا أنّ العنف في واشنطن شجّع مجموعة من المشرعين الجمهوريين، وبينهم بعضٌ ممن تولّوا السلطة قبل بضعة أيام فقط، على إدانة تهوّر ترامب السياسي وحثّ الحزب على سلك مسارٍ مختلف. كما أنّ الخسارة المزدوجة المهينة للحزب في جورجيا، بعد يومٍ من ظهور ترامب في تجمعٍ هناك، زادت تحديد الخطر المتزايد على الجمهوريين داخل الأجزاء الأسرع نمواً والأكثر تنوعاً ثقافياً بالبلاد- التي باتت تسير على الطريق الصحيح نحو تكديس المزيد من القوة السياسية خلال العقد المقبل.

كما يُواجه الحزب تهديداً لقاعدته المالية أيضاً، إذ شجبت العديد من قوى اتحادات الأعمال الفوضى التي وقعت الأسبوع الجاري بعبارات لاذعة، شملت بياناً غير عادي من الرابطة الوطنية للمصنعين غير المهتمة بالسياسة في العادة، واقترحوا فيه أن يستدعي بنس التعديل الـ25 للدستور من أجل إقالة الرئيس من منصبه.

قال النائب توم ريد من نيويورك، الذي صار زعيماً للجمهوريين الأكثر اعتدالاً داخل مجلس النواب، يوم الخميس السابع من يناير/كانون الثاني إنّ الحزب بحاجة للبدء في “عدم القلق حول سياسات قاعدته الانتخابية بهذا القدر، والتصدّي لتلك القاعدة”. وجادل بأنّه يجب على الجمهوريين السعي إلى تشريع تسوية مع بايدن في قضايا مثل تغيّر المناخ، وتوقّع أن عدداً كبيراً من الجمهوريين سيسلكون ذلك المسار.

بينما قالت النائبة يانغ كيم، الجمهورية المُنتخبة قبل شهرين في كاليفورنيا الجنوبية، إنّها شعرت بـ”الاشمئزاز” من اعتداء يوم الأربعاء على الكابيتول وألقت باللوم على ترامب لعدم أمانته حين أخبر مؤيديه بأنّ أمامهم فرصة لقلب نتيجة الانتخابات. وأردفت: “يجب أن نكون قادرين على الوقوف واستخدام حكمنا المستقل”.

* ترجمة موقع عربي بوست