نظرة على الإنجازات التي سطرها الجنرال الرائد في مجال السلام الإقليمي وسلائف الحرب ضد الإرهاب.

بقلم: محمد رضا دهشيري*

( موقع” داكار أكت- “dakar actu السنغالي, الناطق باللغة الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

كانت الساعات الأولى من يوم الجمعة الرابع من يناير 2020 نقطة تحول هامة في تاريخ إيران والمنطقة, بل وحتى في التاريخ العالم بأسره, ففي فجر ذلك اليوم، وقعت واحدة من أكثر الفواجع اللإنسانية التي شهدها التاريخ الحديث.

في حادث مروع، اغتيل على يد القوات الأمريكية أحد أعظم الشخصيات والأبطال في الجمهورية الإسلامية الإيرانية “الجنرال قاسم سليماني” الذي بذل قصارى جهده لجعل شعوب المنطقة وإيران يعيشون في عالم يسوده الأمن والسلام.

هذه الخسارة الكبيرة جعلت الشعب الإيراني وكل من أحب الحرية والعدالة وكل الشعوب الحرة في العالم, يذرفون الدموع.

أصر كل من أصدقاء وأعداء الشهيد قاسم سليماني على حد سوء على أنه لعب دوراً فريداً وتاريخياً في هزيمة أكبر وأعتى جماعة إرهابية في التاريخ المعاصر والمتمثلة في تنظيم الدولة الإسلامية والذي يعرف ايضاً باسم تنظيم داعش, ففي خضم تلك المواجهات العنيفة لطالما كان على مقربة من الفوز بالشهادة.

ومن الواضح أن الفعل الإجرامي الأمريكي والمتمثل في قتل « الجنرال الأكثر سلاماً والرافض للعنف في المنطقة» و «المنتصر في الحرب ضد الإرهاب» كان سببه اليأس الذي توغل في صفوف صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية ضد محور المقاومة في إيران……

إن شخصية الجنرال سليماني كمثال على دعم المظلوم لها أبعاد إقليمية وعالمية، ويُعرَّف نطاق شخصيته خارج حدود إيران والعالم الإسلامي.

ومن جانبه, يرى آية الله خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن أبعاد شخصية وجود مثل هذا القائد الشهيد ينبغي أن تعتبر مدرسة فكرية، وعندها سوف تتضح قيمة هذا الرجل الخارق.

إن هذا المقال ليس بمثابة استعراضاً لكافة جوانب مدرسة الفكر التابعة للجنرال سليماني، بل فهو إشارة موجزة إلى الدور الكبير الذي يلعبه هذا المقاتل الدؤوب الذي لا يكل ولا يمل والبطل الوطني الساعي إلى استعادة السلام والأمن الإقليمي والاستقرار في منطقة غرب آسيا في مختلف المجالات المتنوعة: الجغرافيا السياسية والإستراتيجية والاقتصادية وحتى الجغرافيا الثقافية، وهي المنطقة التي تتجلى كمرتع لتضارب المصالح بين القوى الكبرى.

لعب الجنرال قاسم سليماني دوره كرائد للسلام والأمن في المنطقة بكل حنكة وذلك من أجل التغلب على التحديات المزعزعة للاستقرار مثل التطرف والإرهاب.

ونتيجة لهذا, فقد عمل الجنرال سليماني بلا كلل أو ملل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين، كما حاول القضاء على شبح الإرهاب والتطرف على الصعيد الإقليمي.

بل وعلى العكس من ذلك، فقد تمكن بمساعدة البلدان والدول المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب من الاضطلاع بدوره الإقليمي والعالمي في مكافحة العنف والإرهاب من أجل إرساء الاستقرار والسلام في المنطقة.

الدور الذي لعبه الجنرال سليماني في مكافحة الإرهاب التكفيري:

يدرك الجميع أنه في غياب التضحيات الجسام والشجاعة الكبيرة التي تمتع بها هذا الجنرال العظيم، لكان بوسع تنظيم الدولة الإسلامية أن يحكم سيطرته على العراق وسوريا، بل وربما كان ليهيمن على بلدان أخرى في المنطقة.

 

كان الجنرال سليماني هو الذي تمكن بعزمه وشجاعته من وقف قوى الشر التي كانت على مشارف بوابات دمشق وبغداد، حيث عمل على صد هذه القوى وإلحاق الهزيمة بها في نهاية المطاف في الموصل، معلنا نهاية تنظيم الدولة الإسلامية.

وهذا واضح إلى الحد الذي جعل العديد من الأكاديميين والباحثين والعلماء، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، بل وحتى بعض الشخصيات السياسية الأميركية، لم ينكروا الدور الذي لعبه الشهيد قاسم سليماني في الكفاح ضد الجماعة الإرهابية “داعش” في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا.

دحر تهديد تنظيم داعش من حدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية:

وفقاً للبيانات الصريحة والاعترافات الصادرة عن الزعماء السياسيين الأميركيين بما فيهم هيلاري كلينتون ودونالد ترامب…… فإن تنظيم الدولة الإسلامية تم تشكيله وتنظيمه وتجهيزه من قِبَل القوات الأميركية.

وثم بدأت هذه الجماعة الإرهابية عملياتها العسكرية في سوريا والعراق بدعم مالي من المملكة العربية السعودية.

وبعد أن سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على هذه المناطق، حاول وضع المنطقة برمتها في حالة من انعدام الأمن وعدم الاستقرار, بالإضافة إلى زعزعة الاستقرار في المناطق الحدودية والمدن الإيرانية, وهكذا تمكن الجنرال سليماني من إزالة تهديد داعش من الحدود الإيرانية.

مهندس إفشال الخطط الأميركية في المنطقة:

طبقاً للخطة الأميركية المقررة “للشرق الأوسط الكبير”، كان لابد من تقسيم سوريا والعراق إلى دول صغيرة من أجل الحفاظ على أمن النظام الصهيوني.

ومن جانبه, حال الجنرال قاسم سليماني- قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني, في إطار الاستراتيجية المتبعة في البلد, من أجل الحفاظ على السلامة الاقليمية والجغرافية لهذه البلدان- دون تفككها.

في العام 2013, من خلال تطورات الأحداث ومجريات الصراع في سوريا، تصور العديد من المحللين أن سوريا سوف تقع قريباً في قبضة تنظيم الدولة الإسلامية وأن لا أحد قد يتمكن من الحفاظ على النظام السوري.

ولكن مع وصول الجنرال سليماني ورفاقه في هيئة مستشارين عسكريين في سوريا، انهارت كل معادلات العدو في هذا البلد.وأصبح جلياً للعيان أن نظام الهيمنة الأميركي غير قادر على إحباط الإرادة القوية للمقاومة.

دور الجنرال سليماني في تطوير محور المقاومة:

خلال الأحداث التي شهدها العام 2011، كافح الجنرال سليماني وحارب الجماعات الإرهابية المتوغلة في المنطقة وذلك من خلال تشكيل وتدريب وتنظيم وتعزيز وإدماج جماعات المقاومة.

يقول المحللون أن تصرفاته في سياق «المقاومة النشطة» حولت «محور المقاومة» إلى «حركة المقاومة» وأخيراً تم تحويلها إلى «تحالف المقاومة».

كان لتحويل محور المقاومة إلى تحالف المقاومة سبباً في إضعاف الجماعات الإرهابية، الأمر الذي كان يعني إضعاف موقف الجهات الفاعلة التي دعمت الجماعات الإرهابية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الصهيوني.

واليوم يمتد محور المقاومة من لبنان والعراق وسوريا وأفغانستان وفلسطين إلى اليمن، حيث أصبح على استعداد لتغيير ميزان القوى بالكامل لصالح تحالف المقاومة.

كما أصبح محور المقاومة في اليمن قويا للدرجة التي فقدا فيها السعوديين، الذين هم من أكبر مشتري الأسلحة في العالم، زمام المبادرة في الحرب ضد الشعب اليمني, وهم الآن في وضع ضعيف, ويشير هذا الموقف إلى التغيير في معادلة القوة لصالح تحالف المقاومة في المنطقة.

الدور الذي لعبه الجنرال سليماني في بث أجواء الأخوة بين البلدين “إيران والعراق”:

إن الحرب التي دامت ثمانية أعوام بين إيران والعراق كان من الممكن أن تؤدي بطبيعة الحال إلى سنوات من العداوة بين البلدين المسلمين والمجاورين.

ولكن الجنرال سليماني لم يكن بوسعه أن يعمل على ترسيخ النظام والأمن في المنطقة فحسب، بل فقد نجح أيضاً في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتمهيد الطريق أمام تعزيز الأخوة والتعاطف المتبادل في إيران والعراق.

فخلال الفيضانات المدمرة التي اجتاحت خوزستان في أبريل 2009، استطاع الجنرال قاسم سليماني، بالتعاون مع الشهيد أبو مهدي المهندس، من إظهار مدى الوحدة والأخوة بين البلدين من خلال استقطاب مساعدة الشعب العراقي للحفاظ على المنازل من الفيضانات المستمرة.

عمل وجود الجنرال سليماني مع رفيقة أبو مهدي المهندس إلى جانب السكان المتضررين في خوزستان والقرى المتضررة من الفيضانات على إقامة علاقات ثنائية مع سكان خوزستان وتعبئة جميع المعدات اللازمة لمساعدة المتضررين من الفيضانات وقد أظهر روح الإنسانية وإحساسه بخدمته للشعب.

لقد أثبتت التضحيات التي قدمها هذا البطل الشعبي أن العمل الخيري لا يعرف الحدود, فقد كان دائما بين الناس وأحب أن يخدمهم, ولهذا السبب كان من الصحيح وصفه بأنه قائد القلوب.

دوره في تحقيق الاستقرار في السلامة الإقليمية لبلدان المنطقة وتعزيزها:

لعب الجنرال سليماني دور عامل الاستقرار والأمن في المنطقة من خلال الدفاع عن سيادة الدول وسلامتها الإقليمية ضد الجماعات الإرهابية.

فعندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا بتحريض من دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية, بالإضافة إلى دخول مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية المتعددة الجنسيات في حرب مع النظام السوري، أدى كل هذا إلى أزمة أمنية عميقة.

وكان الجنرال سليماني هناك بموافقة الحكومة السورية, حيث دافع عن السلامة الإقليمية للشعب السوري وأمنه، فأحبط المعادلات التي حُددت سلفاً من قِبَل قوى التدخل.

وعلاوة على ذلك، عندما احتل التنظيم الإرهابي “داعش” ثلث أراضي في العراق، لعب الجنرال سليماني مرة أخرى دوراً استشاريا رئيسيا في الدفاع عن الأمة وسلامة الأراضي العراقية وجغرافيته.

كان السبب وراء وجود الجنرال قاسم سليماني في العراق وسوريا يكمن في حاجة الشعب الضرورية والملحة له, وبدعوة رسمية من حكومات هذه الدول في إطار المعايير القانونية الدولية ووفقا للقانون الدولي, وفي المقابل, فقد تم امتداحه والإشادة بشجاعته وحضوره في جميع المحافل لهذه الدول.

وفي النهاية، تجدر الإشارة إلى أن دور الجنرال قاسم سليماني ووجوده في سوريا والعراق ساعد في إرساء الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة وقد أوتي ثماره.

فقد دافع عن السلامة الإقليمية والجغرافية لدول المنطقة، في حين صد تهديد تنظيم الدولة من حدود إيران والوسط الإقليمي.

فقد تمكن من إلحاق الهزيمة بأفظع الجماعات الإرهابية عنفاً في يومنا هذا, ونتيجة لهذا فإنه يظل بطل منطقة غرب آسيا إلى الأبد.

محمد رضا دهشيري: السفير الإيراني في السنغال

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.