أليف صباغ
محلل سياسي مختصّ بالشأن الإسرائيلي
يرى الإسرائيليون والأميركيون أنَّ انضمام السعودية وقطر إلى مسار التطبيع هو مهمة إلزامية لضمان نجاح مخططهم لإنشاء “شرق أوسط جديد” تكون فيه “إسرائيل” القوة المهيمنة على جميع الصعد.
بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من القطيعة، التقت السعودية وقطر يوم الثلاثاء على أرض المملكة، في إطار اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي، تكليلاً لجهود المصالحة التي بذلتها الكويت بين البلدين، بعد أن ألغت قطر كلّ الدعاوى التي رفعتها ضد السّعودية وحليفاتها. في المقابل، ألغت السّعودية إجراءات المقاطعة والحصار المعروفة بالنقاط الـ13 التي فرضتها مع حليفاتها، مصر والبحرين والإمارات، ضدها.
شملت هذه المصالحة أيضاً توقيع اتفاق بين الدول المشاركة يضمن “التضامن والاستقرار في الخليج”، فهل عادت العلاقات إلى ما كانت عليه فعلاً أو أن الطريق ما يزال طويلاً؟ وما دور أميركا في الأزمة والمصالحة؟ وهل يعد ما حصل مقدمة للتطبيع مع “إسرائيل”؟
منذ أن احتدّ الصراع بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، واتهام الأخيرة بدعم الإرهاب في المنطقة، أي الإخوان المسلمين، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فرضت هذه الدول حصاراً ومقاطعة عليها، وأغلقت الحدود البرية والجوية في وجه وسائل النقل القطرية، واشترطت عودة العلاقات معها بتوقيعها على التزام من 13 بنداً، منها ما يفقدها سيادتها إلى حد كبير، الأمر الذي دفعها إلى التقارب مع إيران وتركيا، فارتفع مستوى التوتر مع السعودية والإمارات إلى حد التهديدات بحرب عليها.
وكان جون بولتون، مستشار ترامب آنذاك، صرّح في تشرين الأول/أكتوبر 2017 خلال ندوة لمؤسسة “راند” أن إدارة ترامب تلقَّت قائمة بثلاثة عشر بنداً من السعودية قبل إشهارها في وجه قطر، ووافقت عليها بالكامل، الأمر الذي يؤكد أن أميركا كانت تدير الأزمة بين السعودية وقطر لصالحها طيلة هذه الفترة.
لا شكَّ في أن الأزمة سبَّبت لقطر خسائر مادية كبيرة، وخصوصاً في بدايتها، إذ توقّف النمو الاقتصادي في السنة الأولى للأزمة، كما أن تركيا وإيران استفادتا من التوجه القطري إليهما بديلاً للسعودية والإمارات، وهذا ما أزعج السعودية أكثر وأكثر. إذاً، ما الذي جعل السعودية توافق على هذه المصالحة من دون تحقيق أي من الشروط التي رفعتها في وجه قطر على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة؟
لا ريب في أنّ تعاظم العلاقة بين قطر من جهة وإيران وتركيا من جهة أخرى، لم يكن في صالح السعودية، وخصوصاً أن الأخيرة ترى في إيران العدو رقم واحد الذي يدعم سوريا وحزب الله وأنصار لله ويعطّل المشاريع السعودية الإماراتية في الشرق الأوسط، كما ترى السعودية في تركيا خطراً أيضاً بسبب الطموحات العثمانية للرئيس إردوغان.
لكن ما حصل من تبدلات في الرئاسة الأميركية مؤخراً، وما حصل قبل ذلك خلال السنة المنصرمة من “تطبيع” للعلاقات بين الإمارات والبحرين والسودان والمغرب من جهة، وبين “إسرائيل” من جهة أخرى، بقوة السطوة الأميركية على هذه الأنظمة التابعة لها، وبرعاية وتشجيع سعوديين، وما يتضمنه هذا “التطبيع” من مشاريع اقتصادية وتحالفات أمنية استراتيجية تتوافق مع التوجه السعودي الأميركي الإسرائيلي لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد، يحتم على السعودية أن تكون طرفاً رسمياً في مسيرة التطبيع، وليس راعياً فقط.
السبب أن اتفاقيات “السلام” أو “التطبيع” لا قيمة لها، بل ستبقى شكلية إن لم تقترن بها وتعززها مشاريع اقتصادية مشتركة، مثل استثمارات مشتركة في التطوير التكنولوجي وشبكات الإنترنت والسايبر وغيرها، وإقامة بنية تحتية تكاملية، مثل شوارع وسكك حديد وخطوط إمداد ونقل للنفط والغاز، تصل بين منابع النفط الخليجية والشواطئ الإسرائيلية، إضافة إلى تحالفات عسكرية ملزمة وتبادل معلومات أمنية ضد عدو مشترك.
كل هذا يشكّل ضمانات لتحول هذا “التطبيع” من حبر على ورق إلى فعل على الأرض غير قابل للنقض، حتى إن تخطّى أو استمرّ في القفز عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة دولياً، والتي تصر الشعوب العربية على تجسيدها في دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وفق قرارات الشرعية الدولية، وهذا هو الحدّ الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، لأنَّ هناك من يصرّ على أكثر من ذلك بكثير، وهو حق الشعب الفلسطيني في كل فلسطين من النهر إلى البحر، وهو الحق الطبيعي.
من هنا، يرى الإسرائيليون والأميركيون أنَّ انضمام السعودية وقطر على الأقل في المدى القريب، من دون استثناء العراق وعُمان والكويت في المدى البعيد، هو مهمة إلزامية لضمان نجاح مخططهم لإنشاء “شرق أوسط جديد” تكون فيه “إسرائيل” القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية المهيمنة، والوكيلة لأميركا في الشرق الأوسط، وإن لم تكن بديلاً لها.
في هذا السياق، كتب المعلّق الإسرائيلي براك رافيد يوم 4/12/2020 (“واللا” العبري) أنَّ الزيارة التي قام بها كوشنير بداية شهر كانون الأول/ديسمبر 2020 إلى السعودية، ومن ثم إلى قطر، كانت تهدف إلى الحث على المصالحة بين البلدين. ونقل رافيد عن مصادر أميركية عليا أن “المصالحة المرجوّة ستؤثر في مسيرة التطبيع مع إسرائيل”، لأنَّ الأخيرة “امتنعت لغاية الآن عن التقدم في التطبيع مع قطر، خشية رد فعل السعودية”.
وأضاف رافيد أنَّ “إدارة ترامب حاولت خلال الأشهر الأخيرة أن تحقق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، ولكنها فشلت بسبب تمنّع السعودية، ما دامت الأزمة لم تحل مع قطر”، وأنَّ “حل الأزمة سيسهل عليها ذلك، وهو في نهاية الأمر مفيد أكثر للمنطقة”، وفق الموقف السعودي.
من هنا، نفهم أنَّ “تطبيع” السعودية مع “إسرائيل” مرتبط بتطبيع قطر أيضاً، كي لا تبقى خارج الدائرة، فتستطيع بمساعدة حلفائها، مثل إيران وتركيا، انتقاد موقف السعودية وتأليب جماعات داخل السعودية على النظام.
ويعتقد مراقبون آخرون أنَّ ابن سلمان يريد تأجيل التطبيع مع “إسرائيل”، لتكون له ورقة اعتماد يقدمها إلى إدارة بايدن التي تربطها بقطر وأميرها علاقات أفضل من علاقاتها معه، وهذا ما قد يسبّب حرجاً له، إن لم يبقَ في يديه أوراق قوية يقدّمها للإدارة الجديدة.
وكان موقع “واللا” قد نقل قبل ذلك (28/11/2020) عن مسؤولين أميركيين كبار أن “السعودية تراجعت عن موقفها للتطبيع مع إسرائيل بسبب فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية”. وفي وقت لاحق، 4/1/2021، وتحت عنوان “المصالحة السعودية القطرية، هل هي بشرى لإسرائيل؟”، كتبت صحيفة “إسرائيل اليوم” بالعبرية، نقلاً عن مسؤول أميركي كبير ومشارك في الجهود، “أن المصالحة شرط للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، وخصوصاً أنها تفتح الحدود البرية والجوية بين البلدين”، وأن قطر، وإن كانت متهمة من قبل السعودية بدعم الإرهاب، فإنَّها “تحت السيطرة الأميركية”، وأنها تقوم بدور مهمّ بالتنسيق مع “إسرائيل” في تقديم المساعدة المالية لحماس في قطاع غزة، وهذا “يخفف من العبء المالي والأمني على إسرائيل”.
أما صحيفة “مكور ريشون” الإسرائيلية، فقد نقلت عن لسان مسؤول سعودي يوم 5/1/2021 أن “الخشية من تفاهمات إدارة بايدن الجديدة مع إيران في ما يخصّ المشروع النووي هي المحرك الأساس لهذه المصالحة”.
من هنا، يمكن القول إن السعودية تحتاج إلى إقامة جبهة خليجية واحدة “متضامنة”، تكون فيها قطر تحت السيطرة الخليجية بعيدة عن التأثير التركي ومتحالفة مع “إسرائيل” في وجه إيران. هذه الجبهة تقدم للإدارة الأميركية الجديدة مطالب موحّدة لاستكمال مسيرة “التطبيع” من جهة، مقابل مواجهة إيران من جهة أخرى.
رغم ذلك، تبقى مسألة “التطبيع” بين “إسرائيل” والسعودية في تقدير العديد من المراقبين، بما في ذلك السعوديون، ليست قريبة، أي ليست واردة قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض لعدة أسباب.
السبب الأول هو أن التطبيع ورقة في يد ابن سلمان، ولا يستطيع استخدامها ما دام الملك سلمان على قيد الحياة، فليس من مصلحته أن يحرقها قبل وقتها، ولا يرضى الملك سلمان بالقفز فوق المبادرة العربية التي يلتزم بها ما دام حياً ويطلب منه التوقيع.
أما السبب الثاني، فيكمن في أن السعودية هي بلد الأماكن المقدسة الإسلامية، ولا ينبغي أن توقع على اتفاقية “تطبيع” مع من يحتل الأقصى وفلسطين، قبل أن تضعف القوى الإسلامية المعارضة لها في الخارج والداخل. من هنا، تبذل السعودية والإمارات وأميركا جهوداً كبيرة للضغط على الدول الإسلامية غير الخليجية، مثل المغرب وماليزيا وإندونيسيا وباكستان، للسير في قافلة “التطبيع”.
في الملخّص، يبقى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تمثله قافلة “التطبيع” العربي الخليجي والإسلامي مع “إسرائيل” ناقصاً ما لم تحصل مشاريع اقتصادية وأمنية، كما ذكرنا أعلاه، وهذا غير ممكن ما لم يتم التطبيع مع السعودية وقطر سوياً، وهو يتطلّب مصالحة بينهما.
هذه المصالحة قادتها الكويت، ولكنها كانت بتوجيهات وتكليف أميركي، فكما أدارت أميركا الأزمة بين الطرفين، وأعطت الضوء الأخضر لوثيقة الثلاثة عشر شرطاً، أدارت المصالحة أيضاً بالتنازل عن هذه الوثيقة من دون ذكرها.
وكلّ ذلك ضمن الهدف الاستراتيجي الأهم، وهو خلق شرق أوسط جديد يضمن الهيمنة الإسرائيلية برعاية أميركية.
*المصدر :الميادين نت
* المادة تعبر رأي كاتبها اوالمصدر بالضرورة لا تعبر عن موقع