بقلم: بقلم أندرياس كريج وسيباستيان بوسوا*

(صحيفة ” ماريان- marianne” الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة التحرير الأجنبي “سبأ”)

يرى أندرياس كريج وسيباستيان بوسوا, بنظرة سلبية قاتمة فيما يخص صفقة بيع الأسلحة التي تبلغ قيمتها 23 مليار دولار والتي وقعتها الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها مع دولة الإمارات.

لقد تم تسييس النقاش حول ملف بيع الولايات المتحدة الأمريكية لطائرات الحربية من طراز F-35 إلى دولة الإمارات إلى حد كبير في واشنطن, ولسوء الحظ في الغالب كانت لأسباب خاطئة.

وباسم الاستقرار والأمن الإقليميين في المنطقة، يتعين على الرئيس المنتخب جو بايدن أن يعيد النظر في ملف بيع مثل هذه الأسلحة المتطورة لدولة الإمارات التي تشكل أكبر مسببات اختلالات التوازن في الشرق الأوسط.

ففي العاشر من ديسمبر المنصرم، لم يتمكن مجلس الشيوخ الأميركي من منع صفقة بيع للأسلحة التي تبلغ قيمتها 23 مليار دولار مع الإمارات والتي كانت جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية المنتهجة من قبل إدارة الرئيس ترامب لإغراء أبو ظبي للتوقيع على تطبيع العلاقات الثنائية مع دولة إسرائيل والتي عرفت باسم اتفاقيات إبراهيم.

كان النقاش حول بيع طائرات F-35 لدولة الإمارات مثيراً للجدل في واشنطن, وكان رفض أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي التصديق على صفقة بيع الأسلحة سياسياً في الأساس, وذلك نظراً لكونه اتفاق أخر من قبل الرئيس ترامب الذي لطالما اعتبرت إساءة  لهم.

أما الأمر الذي كان موضع تجاهل إلى حد كبير فهو أن دولة الإمارات على النقيض من مصر والمملكة العربية السعودية وغيرها من شركاء الولايات المتحدة الذين لديهم سجلات مثيرة للشكوك حول حقوق الإنسان، أصبحت لاعباً مزعزعاً للاستقرار في المنطقة، والتي لا ترد إلا بتردد إن فعلت ذلك, على الضغوطات والأوامر التي تملى عليها من الإدارة الأمريكية.

حملة مناهضة للثورة:

إن الصعود السريع لإمارة أبوظبي، كقوة شرق أوسطية بعد اندلاع موجة ثورات الربيع العربي التي جابت المنطقة في العام 2011, قد حوّلت الدولة التقليدية الصغيرة حتى ذلك الحين إلى لاعب مستقل واثق من نفسه, بالإضافة إلى تنميته شراكاته بما يتجاوز اندماجها مع الغرب.

فقد سمحت السنوات الأربع الماضية لولي عهد أبو ظبي والزعيم الفعلي لها محمد بن زايد باستغلال الطبيعة التجارية لإدارة الرئيس ترامب, وذلك لمد البصمة الإماراتية في مختلف أنحاء المنطقة من دون أي شروط مسبقة تفرضها الإدارة الأمريكية.

وفي الدفاع عن الأهداف الإقليمية الرئيسية في البيت الأبيض أو على وجه التحديد حملة الحد الأقصى من الضغوط ضد إيران والدعم غير المشروط لإسرائيل، تلقت الإمارات بدورها الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لمواصلة حملتها المناهضة للثورة التي بدأت منذ العام 2011.

إن ملاحقة أبو ظبي لمبدأ “الاستقرار الاستبدادي” في الشرق الأوسط لا يتعارض مع القيم الليبرالية الأميركية فحسب، بل أنها تقوض أيضاً موقف أميركا في المنطقة مع تعميق الإمارات لتكاملها مع الأنظمة ذات الأفكار المماثلة في كلاً من روسيا والصين.

وقد مكّنت عمليات نقل التكنولوجيا من الصين إلى الإمارات – في مجال الذكاء الإلكتروني الاصطناعي- أبو ظبي من أن تصبح أكبر قوة معلوماتية في المنطقة وغالباً ما تكون موجهة على وجه الخصوص ضد المجتمع المدني في الداخل وفي العالم العربي الأوسع.

ومنذ ذلك الوقت تعمق التعاون مع موسكو بشكلٍ أكبر منذ أن دفعت أبو ظبي بالمرتزقة الروس في الصراع الدائر في ليبيا ودعم إعادة تأهيل روسيا لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا وتوفيرها طرق للوصول الروسي في جنوب اليمن.

وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت الإمارات قواتها الجوية – التي تعتزم اتفاقية الأسلحة الأمريكية الجديدة على توسيع نطاقها – ضد أهداف مدنية في كلاً من ليبيا واليمن بشكلٍ عمداً في بعض الحالات.

وباعتبارها القوة الخارجية الأكثر تورطاً في الحرب الأهلية في ليبيا، لم تقف الأمارات عند هذا الحد فحسب, بل فقد عملت على انتهاك الحظر المفروض على الأسلحة، حيث شكلت قوة بديلة تابعة للميليشيات المناهضة للثورة: الجيش الوطني الليبي.

كما استخدمت معدات عسكرية ايضا من الولايات المتحدة لضرب المقاتلين والمدنيين من أجل قلب مسار الحرب لصالح أمير الحرب في ليبيا الجنرال خليفة حفتر.

وفي اليمن، تحتفظ أبو ظبي بواحد من أكبر وحدات المرتزقة في العالم، بالرغم من أن  بعضهم سبق وأن شارك في عمليات اغتيال ضد قادة الميليشيات المدعومة منها.

وفي المقام الأول من الأهمية، انتهكت الإمارات اتفاقيات المستخدم النهائي التي أبرمتها مع الولايات المتحدة من خلال نشرها للأسلحة الأميركية الصنع بشكل غير قانوني والتي انتهى بعضها إلى أيدي جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة.

في غضون ذلك، عملت شبكة المعلومات الواسعة لأبو ظبي في واشنطن، بقيادة السفير الإماراتي بالتستر على جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة في مجال حقوق الإنسان التي ارتكبتها دولة الإمارات، من خلال جذب الانتباه في اليمن إلى السعودية وفي ليبيا إلى منافستها التركية.

ولكن بخلاف الشركاء الأمريكيين الآخرين, حيث يتم مراقبة مبيعات الأسلحة الأمريكية بشكل متزايد، كما يحدث في على سبيل المثال في السعودية أو مصر، فإن رد فعل الإمارات ضعيف إزاء الانتقادات التي يوجهها شريكها الرئيسي.

وفي حين حاولت الرياض والقاهرة في الماضي إيجاد سبل لتحسين سمعتهما في واشنطن، فإن الإمارات فضلاً عن القصص المتداولة الزائفة أكثر من غيرها، تواجه المنتقدين بشكل مباشر من دون أن تتهاون.

وبدلاً من الاستسلام للضغوط الأميركية، قال السفير الأماراتي لدى واشنطن الأسبوع الماضي إن الإمارات لديها خيارات أخرى في حال قررت الولايات المتحدة عدم بيع طائرات F-35  ذائعة الصيت.

لا نفوذ لواشنطن تقريباً:

تحاول الرياض الآن التي تعرضت لضغوط مماثلة في السنوات الاخيرة بسبب جرائم الحرب والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان, شراء الخدمات التي تقدمها ادارة الرئيس بايدن الجديدة من خلال إظهار حسن النية وذلك من خلال أيجاد حل للازمة التي تعصف  بالمنظومة الخليجية والحرب في اليمن.

والواقع أن أبو ظبي التي تُعَد الجاني الرئيسي في الحرب الإيديولوجية مع دولة قطر منذ منتصف العام 2017، تُظهِر قدراً حقيقياً من عدم الاكتراث الدبلوماسي بالجهود الأميركية الرامية إلى إيجاد حل للمشكلة.

وفي اليمن أيضاً، حيث تسعى الرياض إلى إيجاد السبل والوسائل الكفيلة لحل شامل لهذه الحرب المتعددة الأقطاب، تعمل دولة الإمارات على تصعيد سياستها القائمة على التقسيم للحكم بشكل أفضل، وتعزيز بدائلها المحلية وبالتالي ارتفاع وتيرة الاستقطاب والانقسام في البلد.

لذلك، في حين أن هذه ليست المرة الأولى التي لا يطبق فيها المشرعون الأمريكيون مبادئ حقوق الإنسان في ما هو واضح حول الجدل المسيس الدائر حول ملف مبيعات الأسلحة إلى الشريك الشرق أوسطي، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يبدو فيها أن تأثير واشنطن على هذا الشريك لا يكاد يكون معدوماً.

ويبدو أن الدولة الخليجية الصغيرة واثقة بالقدر الكافي من الثقة في القيام بها بمفردها، متجاهلة المخاوف الأميركية في مناسبات عديدة مع توطيد علاقاتها بالمنافسين الإقليميين للولايات المتحدة الأمريكية: روسيا والصين.

وإذا تمت الموافقة في نهاية المطاف على بيع الأسلحة، فإن الولايات المتحدة ستدعم بفعالية وبشكل غير معقد الحالة العربية الأكثر اضطراباً في الوقت الراهن.

*أندرياس كريج: أستاذ مساعد في كلية كينجز لندن.

*سيباستيان بوسوا: باحث مشارك في العلوم السياسية في جامعة بروكسل الحرة.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.