عبدالباري عطوان*

يصادف يوم غد “الاحد” الذكرى السنوية الأولى لاغتيال اللواء قاسم سليماني الرجل الثاني والقوي في ايران ورفيقه أبو مهدي المهندس قائد الحشد الشعبي العراقي، مثلما يصادف أيضا انتهاء موسم الاحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، الامر الذي يعني عمليا تهيئة الأجواء في كل من ايران ومن ثم الثنائي الأمريكي الإسرائيلي، لترجمة تهديداتهما بالانتقام، او اشعال فتيل الحرب في غضون الأسبوعين القادمين الباقين من عمر إدارة ترامب في البيت الأبيض اذا كانت هناك نوايا وخطط حقيقية في هذا المضمار.

الامر شبه المؤكد، حسب رأي الكثير من الخبراء والمراقبين، البادئة بالحرب رغم التهديدات المتواصلة التي ترد على لسان قيادييها وخاصة في الحرس الثوري، وعلى رأسهم اللوائين حسين سلامي قائد الحرس، وإسماعيل قآاني خليفة سليماني في رئاسة فيلق القدس، ولعل ما ذكره السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية في احدث تصريحاته امس ان الرئيس ترامب يبحث عن “ذريعة” لشن هجوم على بلاده هو التوصيف الادق لما يمكن ان يحدث في الأيام القليلة المقبلة.

السيد عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي، الذي كان في السلطة يوم اغتيال اللواء سليماني في محيط مطار بغداد بعد وصوله قادما من سورية، كشف “متعمدا” سرا على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة معا، في حديثه يوم امس لقناة “الميادين” عندما قال ان الرئيس ترامب اتصل به قبل ثلاثة أيام من عملية الاغتيال وفوضه للتوسط مع ايران، ونقل رغبة أمريكية اليها لإيجاد حل للازمة، وتخفيض حدة التوتر، وبناء على هذه المكالمة جرى توجيه دعوة رسمية الى اللواء سليماني للقدوم الى العاصمة العراقية لتسلم هذه الرسالة وصياغة الرد عليها على أساس ان الأمريكيين لن يقدموا على اغتياله.

ما أراد السيد عبد المهدي قوله بطريقة غير مباشرة ان ترامب كذب كعادته، واستخدم هذه المكالمة الهاتفية كـ”طعم” لايقاع اللواء سليماني في المصيدة التي جرى اعدادها بدقة، وبمشاركة عملاء عراقيين من الداخل، والاجهاز عليه بالتالي ودفع ايران الى الاقدام على رد “متهور” يؤدي الى تدميرها بالكامل.

***
نعيش في الغرب منذ 40 عاما، والدرس الأول الذي تعلمناه انه لا يوجد رد عشوائي من قبل قيادته الأمنية والعسكرية، وان الاعداد للحروب او الاغتيالات يتم وفق خطط يجري طبخها على نار هادئة جدا، ووفق حسابات دقيقة، فالحرب الامريكية على العراق واحتلاله جرى التخطيط لها قبل اربع سنوات على الأقل، والشيء نفسه يقال عن عملية اغتيال اللواء سليماني، وكل علماء الذرة الإيرانيين وآخرهم محسن فخري زادة.

نعود الى مقولة السيد جواد ظريف حول بحث الرئيس ترامب عن “الذريعة” لتنفيذ هجماته على ايران، اذا كان هناك خطة فعلية في هذا المضمار، ويبدو ان هناك خطة بالفعل، فقط اكدتها صحيفة “نيويورك تايمز” في عددها الصادر اليوم (السبت) عندما قالت “ان ابلاغ ايران يوم امس وكالة الطاقة الدولية النووية في فيينا بعزمها على زيادة معدلات تخصيب اليورانيوم الى 20 بالمئة، قد يكون الذريعة التي يلجأ اليها ترامب لإصدار الأوامر بشن الهجمات عليها، وتدمير منشآتها النووية وبناها التحتية”.

الرئيس ترامب لا يحتاج الى ذريعة اذا كان يملك خطة للعدوان، فسلفه الجمهوري جورج دبليو بوش “فبرك” هذه الذريعة عندما ارسل اكثر 150 الف جندي امريكي لغزو العراق واحتلاله، واستخدم وزير خارجيته كولن بأول في حينها ليذهب الى مجلس الامن ومعه صور مزورة عن معامل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية العراقية المتنقلة، اعتمادا على “عميل” عراقي “مزور” ادعا انه كان يعمل في المعامل المنتجة لها، وانتهى به الامر نادلا او غرسونا في مطعم “بيرغر كنغ” في فرانكفورت وكانت مكافأة عمالته “إقامة لجوء” في المانيا.

الأجواء التي نعيشها هذه الأيام “أجواء حرب” بدأت تطغى وتتجاوز كارثة انتشار وباء فيروس الكورونا، فمعظم التقارير تؤكد ان اعلان حالة التأهب القصوى تسود ايران، مثلما تسود القواعد الامريكية في الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك “اسرائيل” القاعدة الأكبر والاهم، واحد المصادر اللبنانية المقربة من “حزب الله” اكد ان قوات الحزب وقواعده تشهد حالة استنفار مزدوجة، الأولى، تأهبا لاي محاولة لاغتيال السيد حسن نصر الله، امين عام الحزب، والثانية، المشاركة في أي رد فعل على أي هجوم امريكي إسرائيلي على ايران بقصف المدن والبنى التحتية الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة بعشرات الآلاف من الصواريخ، وربما اقتحام الحدود لتحرير الجليل الأعلى وربما اكثر.

احد النظريات المتداولة حاليا تفيد بأن قرار وزير الدفاع الأمريكي بالإنابة كويستوفر ميللر بسحب حاملة الطائرات “يو اس اس نيمتز” من منطقة الخليج مؤخرا لم يكن نتيجة نوايا بخفض التوتر، وانما نتيجة تقديرات تؤكد ان القيادة العسكرية الإيرانية قادرة بصواريخها الدقيقة والمتقدمة على تدميرها بالكامل في غضون ساعات.

***
لسنا خبراء في الشؤون العسكرية، ولكن من خلال متابعتنا للتقارير التي تصدر عن مراكز الأبحاث، او ما يرد على السنة الخبراء العسكريين في برامج التلفزة الغربية هذه الأيام، يمكن التكهن بأن هناك قناعة بأن عدوان على ايران سيواجه ردا قويا بصواريخ مجنحة و”هيبر صوتية” تسير وفق نظام “متعرج” وعلى ارتفاع منخفض (50 مترا) لا ترصدها الرادارات، ولا منظومات الصواريخ الدفاعية (باتريوت) ومزودة بتكنولوجيا تمكنها من تجنب الأبنية والعمارات، وتصيب أهدافها بدقة متناهية، واحد سلالتها الصاروخ اليمني الحوثي الذي ضرب مخازن أرامكو في جدة غرب السعودية.

والاهم من ذلك ان منشأة فيردو النووية الإيرانية المقامة في اعماق احد الجبال الشاهقة قرب مدينة قم وتتمركز في جوفها معظم أجهزة التخصيب النووي الاحدث سيكون من الصعب تدميرها.

اذا كان عام 2020 هو عام الكورونا وكوارثها، فإن العام الجديد قد يكون عام الحروب و”الحسم” بالإضافة الى ما تبقى من ذيول الكورونا بفيروساتها المتحورة او التقليدية “فوق البيعة” ولهذا قد يكون الأخطر.. والأيام بيننا.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع