عقب تهدئة التوتر مع الكيان الصهيوني..خلوّ السياسة الخارجية التركية من الهوية الإسلامية
السياسية :
تركيا واسرائيل بدأتا مسار تهدئة التوترات بوساطة الرئيس الأذربايجاني إلهام علييف”. هذا عنوان الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام الصهيونية بدايةً ثم جرى تأكيده بتصريحات رجب طيب أردوغان. حيث تحدث أردوغان، الجمعة 25 كانون الأول 2020، عن رغبة تركيا في تهدئة التوترات مع الكيان الصهيوني.
يأتي ظهور خطة تهدئة التوترات بين تل أبيب وأنقرة في وقت اتجهت فيه العلاقات بين أنقرة وتل أبيب نحو الفتور خلال السنوات القليلة الماضية خاصة في العام الماضي، وكان التنافس بين اللاعبين الإقليميين واضحا في مختلف القضايا، بدءاً من المجابهة في القضية الليبية وشرق المتوسط وصولاً إلى معارضة أنقرة لمشروع تطبيع العلاقات بين العرب والكيان الصهيوني.
رغم ذلك، فإن النهج الذي تنتهجه السلطات التركية يأتي في وقت كان فيه هناك تعاون واسع النطاق بين تل أبيب وأنقرة في حرب قره باغ التي استمرت 45 يوماً بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا.
لكن هل يمكن أن تكون حرب قره باغ عاملاً في التجاهل المتبادل لخلافات السنوات الأخيرة؟ ما هي العوامل التي ساهمت في استدارة أردوغان المفاجئة؟
في الإجابة على هذين السؤالين، يمكن القول بشكل ما عن نهج السياسة الخارجية لتركيا أن حزب العدالة والتنمية يسير في مسار الابتعاد عن مُثله وأهدافه الأصلية، وهو ما يعكس بطريقة ما روح التوسعية في جهاز السياسة الخارجية التركية وخيانة أردوغان للهوية الإسلامية التركية.
أردوغان في مسار العبور من صفر مشاكل إلى ذروة كثرة التوتر
عقيدة السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية عرفت وتعرف منذ تأسيس هذا الحزب في عام 2002 تحت مسميات “العثمانية الجديدة” و “ما بعد الكمالية” و “المحيطية” و”إسلام الأناضول” ، لكن بلا شك يمكن تقييم المحور الرئيسي في تحليل السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية في إطار عقيدة “العمق الاستراتيجي” لوزير الخارجية ورئيس الوزراء والعضو السابق في حزب العدالة والتنمية أحمد داوود أوغلو. في الأساس، تقوم عقيدة أحمد داود أوغلو على نوع من العودة إلى نهج النظر الى الشرق والطبيعة الإسلامية لتركيا. فمن وجهة نظر داود أوغلو، تركيا بلد شرق أوسطي بلقاني قوقازي وآسيوي وسطي ومتوسطي ينتمي إلى الخليج الفارسي والبحر الأسود والذي يمكن أن يستخدم نفوذه بالتزامن في هذه المناطق والطموح بدور عالمي واستراتيجي في العالم.
لكن إحدى المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية التركية القائمة على عقيدة أحمد داود أوغلو، تُعرف باسم استراتيجية ” صفر مشاكل “. في الحقيقة، في عقيدة السياسة الخارجية التي يؤكد عليها حزب العدالة والتنمية، كان يجب أن يكون تقليل التوترات مع الجيران مدرج على جدول الأعمال، وهذه السياسة الجديدة لا تعني فقط انتقاد السياسات السابقة بل كان بمعنى ايجاد إطار إيجابي وبناء لأفق المستقبل، لكن خلال السنوات الأخيرة، خاصة في العام الماضي، تخلى أردوغان تماماً عن هذا النهج وتحول إلى كثرة المشاكل مع الجميع.
في العام المنصرم، كانت تركيا في حالة توتر مع أغلبية جيرانها والدول المقربة منها في المنطقة. دول مختلفة مثل بلغاريا واليونان وقبرص وسوريا والعراق وأرمينيا وإيران ومصر والسعودية والإمارات وحتى الجهات الدولية الفاعلة كأمريكا وفرنسا وألمانيا. بالمحصلة، يبدو أن سياسة صفر مشاكل قد تحولت إلى سياسة كثرة مشاكل مع العالم من حولها.
حلول روح التوسعية في الفكر العثماني الجديد لأردوغان
على مستوى آخر، يمكن القول إن سياسة حزب العدالة والتنمية اليوم ليست نفسها التي كانت في السابق، لأن الراديكاليين استولوا على السلطة. كان لحزب العدالة والتنمية في مرحلة ما مستوى واسعاً من العلاقات الودية مع مختلف البلدان، ولكن في الوضع الراهن، لا يوجد معتدلون آخرون مثل علي باباجان وعبد الله غول والاستراتيجي الخبير أحمد داوود أغلو لتبني استراتيجية عقلانية في التعامل مع جيرانهم.
قام حزب العدالة والتنمية بتحويل استراتيجية سياسته الخارجية نحو التوسعية ويسعى اليوم إلى التوسع من خلال استغلال الجماعات المتطرفة والإرهابية في مناطق مختلفة. فمن ناحية، تدعم تركيا مجموعة واسعة من الجماعات الإرهابية في شمال سوريا، ومن ناحية أخرى، تستخدم هذه الجماعات الإرهابية في أزمات مثل أزمة ليبيا وقره باغ. في الواقع، من خلال تبني سياسة توسعية ، اتبع أردوغان استراتيجية الاحتلال والتدخل النشط في الأزمات الإقليمية.
خيانة أردوغان للهوية الإسلامية التركية
على مستوى آخر، يمكن تقييم استراتيجية السياسة الخارجية التركية الأخيرة المتمثلة في تهدئة التوترات مع الكيان الصهيوني على أنها خيانة أردوغان للروح الإسلامية والهوية الإسلامية لتركيا. في الحقيقة، وفقًا لاستطلاع أجراه معهد إسرائيلي على 12 دولة إسلامية، فإن الشعب التركي يعارض بشكل أساسي تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وبحسب المعهد التابع لوزارة البنية التحتية التابعة للكيان، فإن 99 بالمائة من الشعب في تركيا اعتبروا قبول الحياة الطبيعية مع إسرائيل “خيانة”. كما أن هناك أدلة على أن المواطنين الأتراك يقدمون مستوى عالي من الدعم لحزب الله والحركات الفلسطينية وحركة حماس باعتبارهم المعارضين الرئيسيين للكيان الصهيوني.
وبالتالي، يمكن الآن اعتبار نهج أردوغان في تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني رمزًا بارزاً لمعارضته للهوية الأساسية للمجتمع التركي. ففي الحقيقة، جردت سياسات أردوغان السياسة الخارجية التركية من الصبغة الإسلاموية، كما يبدو أنه يسعى أكثر إلى التوسع والتأكيد على روح القومية التركية المتطرفة. فهو يحاول من خلال لعب دور السلاطين العثمانيين السابقين، التخلي عن تطوير وتنمية تركيا على أساس اتفاق الميثاق الوطني.
* المصدر : الوقت التحليلي
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع