الربيع العربي، لم ينته بعد
بقلم: فرانسوا بروسو (صحيفة لو دوفوار- le devoir” الكندية, الناطقة باللغة الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
قبل عقد من الزمان، أضرم بائع الفاكهة محمد البوعزيزي النار في نفسه أمام مبنى حكومي في تونس العاصمة.
وبهذا العمل اليائس, شهدت الجمهورية التونسية موجة ثورية أمتد صداها وأثرها إلى جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أثارت الانتفاضات التي اندلعت في الأسابيع التالية من تلك الحادثة حفيظة الحكام المستبدين وأطاحت بهم.
ولكن الأيام السحرية التي شهدتها فترة الربيع العربي في العام 2011 سرعان ما أفسحت المجال أمام الانقلابات والحروب الأهلية، مخلفة وراءها أطلال مشتعلة من الحروب في سوريا واليمن ودكتاتوريات شرسة في مصر.
واليوم، يريد عامة الناس, هنا وهناك, أن يروا أن هذه الانتفاضة كانت بمثابة فشلاً ذريعا كاملا.
وحتى في تونس، وهي الحالة الوحيدة الفريدة من نوعها من حيث النظام الديمقراطي الذي لا يزال قائماً، إلا أنها تعاني من مرارة هائلة في مواجهة عجز السلطات عن رفع مستوى البلد على الصعيد الاقتصادي.
هل هذا التقييم السلبي له ما يبرره؟ ولنفترض أن هذا سابق لأوانه, في مواجهة التاريخ الطويل، نستطيع أن ننظر إلى هذا العقد المأساوي باعتباره بداية لعملية ما، وليس باعتباره دورة كاملة مغلقة الآن.
لأن العنف المروع والترميم الدكتاتوري يمثلان كل شيء باستثناء الاستقرار أو العودة إلى الوضع السابق.
فبعد عقد من الآمال المحبطة، أصبح من السهل أن ننسى مدى قوة “لحظة” الثورة في العام 2011.
لم ير أحد حجم وسرعة وكثافة المظاهرات التي اندلعت في وقت واحد تقريبا في ستة بلدان على الأقل في المنطقة: تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا.
ومن جانبها, فقد اشتعلت وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية الفضائية مثل قناة الجزيرة، لنقل الصور والأفكار والمشاعر المشتركة حول فكرة الديمقراطية ولو أنها كانت مشوشة أو ساذجة أو فاضلة أو حتى خيالية.
يجب أن نتذكر سحر ذلك الوقت، سحر الحشود في ميدان التحرير في القاهرة، ميدان اللؤلؤة في المنامة (البحرين)، شارع الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة وساحة التغيير في صنعاء (اليمن).
بدأ كل شيء ممكنا, كان الحكام المستبدون يرتعدون من رأسهم حتى أخمص اقدامهم, ولم يكن أي شيء – لا الدعم العسكري الأميركي، ولا الأجهزة الأمنية المطلقة المفترضة، ولا الانقسامات العرضية بين المتظاهرين ـ قادراً على وقف الاحتجاجات.
كل هذا لم يكن مجرد سراب عابر, إن أسباب الربيع العربي لا تزال قائمة، بل كانت أكثر حدة في العام 2020 مقارنة بما كانت عليه في العام 2010.
وعلى الرغم من القيادة الواضحة للدكتاتوريات، والتدمير الحربي، والوباء، فإن الوعاء لا يزال يغلي.
ففي العام 2019 و2020، منعت الانتفاضات إعادة انتخاب الرئيس الجزائري، وأطاحت بالدكتاتور السوداني وتحدت النظام الطائفي والديني في كلاً من العراق ولبنان, كل هذا يتناقض مع فكرة استعادة النظام “المستقر” الآن.
أما بالنسبة للدول التي أدت فيها الانتفاضات السابقة إلى رد فعل عنيف أو حرب أهلية أو سمحت للإسلاميين بالتسلل, فلم يتم حسم أي شيء لا اقتصاديا ولا سياسيا.
في سوريا، هل نجح بشار الأسد وفلاديمير بوتن حقاً في «الفوز بالحرب»، وخلق نظام جديد مستقر وفعال، بل ودكتاتوري؟
وعلى الرغم من انتصارها الواضح، فإن معظم الأنظمة في المنطقة أطلقت العنان لانعدام الأمن وجنون العظمة بشكل واضح في العام 2020.
فقد عملت الحكومة المصرية على سحق المعارضة العامة، كما لم يفعل الرئيس حسني مبارك وجماعة الإخوان المسلمين ذلك قط.
حتى أن حكومة الإمارات أظهرت جنون العظمة في أواخر العام 2018, عندما أقدمت على اعتقال أكاديمي بريطاني بتهمة “التجسس”.
وهذا سلوك غير واثق وغير مؤمن عليه, فهم يخشون دوماً أن يعود الطلب الديمقراطي ـ الذي يعتبر التهديد الوجودي بالنسبة لهم ـ إلى الظهور من جديد.
لا شك أن السياق الدولي قد تغير, وبالتالي فإن حشد بعض الدول العربية لإسرائيل ضد إيران بتحريض من واشنطن يغير من الجغرافيا السياسية الإقليمية.
ومن جانبه, رفض الرئيس دونالد ترامب تقديم الدعم الأمريكي وحتى التشدق بالكلام لصالح أي حركة ديمقراطية عربية.
إن فكرة «الرأي العام العربي» الموحد أقل قوة مما كان عليه قبل عشر سنوات من الآن : فالجزيرة، التي أصبحت لعبة الدولة القطرية، لم تعد المنبر العظيم للنقاش وحرية التعبير التي كانت عليها في العام 2011.
ولكن غضب الشعب ومتطلباته ما زالت قائمة. وفي مواجهة التاريخ، فإن ما يبدو وكأنه نهاية قد يتحول إلى بداية جديدة.
* فرانسوا بروسو كاتب عمود إخباري دولي في هيئة الإذاعة الكندية “سي بي سي”.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.