السعودية: هذه الجبهات الثلاث التي لا يملك محمد بن سلمان فرصة للنجاح فيها
يُنظر إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باعتباره الرجل القوي الجديد في منطقة الشرق الأوسط, وذلك بحسب العديد من المراقبين. ومع ذلك فقد واجه العديد من الصعوبات جراء الصراع الدائر في اليمن, منذ أكثر من خمس سنوات. كما قد يؤدي وصول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن إلى المكتب البيضاوي والدور الاقتصادي الذي تلعبه قطر من أن يثبط طموحات المملكة العربية السعودية وإفشال خططها. ولتسليط الضوء على مجريات الأحداث الدائرة في المنطقة, يستضيف منبر أتلانتيكو, الكاتب ألان رودييه*.
السياسية- ترجمات:
ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والأجنبي- سبأ
الصحيفة: في حين يتم وصف ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بأنه الرجل القوي الجديد في الشرق الأوسط، فإنه بالرغم من ذلك يواجه صعوبات جمة على الساحة الدولية، وخاصة في اليمن. هل انتهى به الأمر إلى حرباً لا تجلبه له شيئاً جيداً؟
آلان رودييه: من الجدير بالذكر أن الأمير محمد بن سلمان قد أحدث ثورة حقيقية في المملكة السعودية من الداخل.
فهو اليوم يمثل ديناميكية جيل الشباب والحريص على المضي قدماً في الاستعداد للمستقبل الذي سيقل تمويله من عائدات الريع النفطي.
ومن أجل ذلك، فقد اصطدم بشكلٍ مباشر مع الطبقة السياسية والدينية السعودية, وذلك بدعم من والده الملك سلمان بن عبد العزيز الذي يثق به ثقة عمياء، وبهذا الفعل، فقد خاطر بنفسه بالمعنى الحرفي والمجازي.
في مواجهة هذا الوضع المليء بالصراعات، اختار محمد بن سلمان استخدام الطريق الصعب في مواجهة المجتمع السعودي، الراسخ تماماً في امتيازاته.
باختصار، ففي نهاية العام 2017 وبداية العام 2018, عمل على أخافته من خلال قيامه باعتقال وسجن أكثر من 300 شخصية سعودية بارزة واجبرهم على تسليم الكثير من ثرواتهم.
كما أنه لم يفعل أي شيء غير معلن مع المعارضين الذين كان الصحفي جمال خاشقجي الضحية المثالية له في القنصلية العامة السعودية في مدينة اسطنبول التركية في 2 أكتوبر 2018.
وعلاوة على ذلك، وضع برنامجا طموحا للتنمية الاقتصادية تحت مسمى “رؤية 2030″، والذي من المفترض أن يخرج المملكة من خانة “اتكالاها على النفط”.
وعلى الرغم من أن أي معارضة مسموعة قد دُفِنت، إلا أن هناك من لا يزال يرتعد، وبصورة خاصة في الوقت الذي تمر فيه الإدارة الأميركية بفترة من الفراغ ريثما يتم تنصيب الرئيس الجديد في البيت الأبيض في يناير القادم.
وهكذا، في مطلع شهر ديسمبر، كان تركي بن فيصل آل سعود، الذي شغل منصب رئيس الإستخبارات العامة السعودية في الفترة ما بين العام 1979 إلى العام 2001- كان هو من جند أسامة بن لادن- ثم سفيرا لدى بريطانيا العظمى ثم لدى الولايات المتحدة الأمريكية, قد وصف إسرائيل (بينما كانت اتفاقات إبراهيم تنظم الوضع بين الدولة العبرية والإمارات ثم البحرين قد اختتمت لتوها) بأنها أخر قوى العالم الغربي الاستعمارية […] فقد ألقت القبض على الآلاف من الفلسطينيين ووضعتهم في معسكرات الاعتقال… دون محاكمة عادلة، وهدموا المنازل…
يبدي الأمير تركي الفيصل معارضة مباشرة لولي العهد الذي لحسن الحظ يؤيده شخصية بارزة أخرى, والمتمثل في شخص الأمير بندر بن سلطان, الذي شغل منصب السفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من بين العام 1983 إلى 2005، ومن ثم شغل منصب الأمين العام لمجلس الأمن القومي قبل أن يصبح مديرا لأجهزة الاستخبارات في الفترة من العام 2012 إلى 2014, والذي أنتقد السلطة الفلسطينية التي ترفض تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين.
أما عن التقارب (المتحفظ) بين الدولة العبرية والسعودية، فهو يعود إلى الوقت الذي كان فيه إيهود أولمرت رئيساً للوزراء ومئير داجان مدير الموساد.
والواقع أن هذين البلدين لهما عدو مشترك قوي، والمتمثل في إيران, لكن من دون أن تنسى الخصم المؤثر: تركيا.
أما فيما يخص الملف اليمني، كان قرار التدخل في اليمن في أواخر مارس من العام 2015, في أعقاب سيطرة الحوثيون على السلطة المركزية في العاصمة صنعاء في أواخر سبتمبر من العام 2014، بمثابة فشلاً ذريعاً, نظراً لكون الجيش السعودي لم يتمكن من السيطرة على الوضع.
وهناك خطأ آخر ارتكبه الاستراتيجيون العسكريون الشباب, وذلك عندما اعتقدوا أنه بإمكانهم الفوز بالحرب عن طريق العمليات الجوية.
وبعيداً عن المثال الياباني، ولكن بأي ثمن لم يتم الفوز بأي صراع من دون خروج جنود مشاة العدو من حفرته لإرغامه على الاستسلام.
فضلاً عن ذلك فقد نتج عن التعاون الكبير بين السعودية والإمارات العديد من العواقب الوخيمة التي لا يمكن قياس نتائجها اليوم.
والواقع أن العضوين الرئيسيين في منظومة التحالف العربي المناهض للحوثيين, لم يعد يدعمان نفس الجهات الفاعلة.
فمن جانبها, فقد دعمت الرياض الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به قانوناً من قِبَل المجتمع الدولي, في حين اختارت أبو ظبي بدورها دعم المجلس الانتقالي الجنوبي, الذي يسيطر في الأساس على العاصمة المؤقتة عدن وجزيرة سقطرى…..
وبعد خمس سنوات من الصراع المرير، أصبحت الصواريخ والطائرات المسيرة التي استهدف بها الحوثيون العمق السعودي بمثابة إهانة حقيقية للأمير محمد بن سلمان الذي أعتقد أنه سوف يتمكن من حل المشكلة اليمنية في غضون أسابيع قليلة.
وفي حين أن عمليات إطلاق النار هذه متفرقة بصورة نسبية، إلا أن القصف الذي طال المواقع التابعة للحوثيين يكاد يكون يومياً ويساهم في توسيع دائرة الكارثة الإنسانية في هذا الجزء من العالم.
الصحيفة: من الناحية الاقتصادية، هل ينجح الأمير محمد بن سلمان في فرض وجهة نظره؟ لا يبدو أن قرار مقاطعة قطر، على وجه الخصوص، يؤتي ثماره…
ألان رودييه: إن قرار مقاطعة قطر يشكل ثاني أكبر إخفاق للأمير محمد بن سلمان, وانتقد الدوحة لعدة أمور:
– الدعم الذي تقدمه لجماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنت “العداء” لآل سعود منذ العام 2014 (بعد أن رحبت بهم لما يقرب من نصف قرن).
– سياسة التعاون التي تنتهجها قطر مع إيران والمصالح الاقتصادية المشتركة الملزمة لدولتين في حقل “القبة الشمالية, جنوب بارس”، والذي يعتبر أهم حقل غاز بحري في العالم, والذي تملك قطر ثلثيه, في حين تمتلك إيران الثلث الأخر.
– قلل الأمير محمد بن سلمان تماماً من شأن تحالفات قطر التي سمحت لها بالتحايل على خطر الحصار الذي كان من المفترض أن يؤدي إلى انهيارها في غضون بضعة أشهر.
وكان خطأه الأكبر هو عدم رؤية للإدارة الأمريكية أنها لن تتخلى عن الدوحة بسبب وجودها العسكري الإستراتيجي على قاعدة العديد العسكرية التي تستضيف مقر القيادة المركزية الأمريكية ومقر القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية والسرب رقم 83 من القوات الجوية البريطانية وجناح المشاة الجوية رقم 379 التابع إلى القوات الجوية الأمريكية, بالإضافة إلى وجود عشرة آلاف عسكري أميركي.
كانت الحلول البديلة متاحة في البنتاغون، ولكن الأمر يستغرق سنوات لنقل مثل هذه البنية التحتية -إلى ما بعد فترة رئاسة أميركية- للتحرك.
وعلى نحو مماثل، استخف الأمير محمد بن سلمان في تقديره للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قدم دعمه الكامل لدولة قطر, وذلك نظراً لكون البلدين ينتميان لنفس المنظمة: جماعة الإخوان المسلمين.
أما تركيا، التي تتمتع باقتصاد أقوى بكثير مما يريد المراقبون الدوليون أن يعترفوا به، فقد ساعدت قطر بشكل كبير في كسر الحظر إلى الحد الذي كان فعّالاً حقا, ونتيجة لذلك, فإن قطر لم تفتقر قط إلى السلع الأساسية بل وحتى الرفاهية منها.
ومن جانبها, فركت إيران يديها بعد هذا التمزق الذي أصاب العالم العربي السني، وفعلت كل شيء لمساعدة قطر فقط من أجل إلحاق الضرر بعدوها السعودي.
وبالتالي, لا ينبغي لنا أن نخشى الكلام، فهذه البلدان “أعداء” حتى وإن لم تكن “في حالة حرب” لمجرد عدم توفر الوسائل الكافية.
وآخر الأخبار هي أن المفاوضات تسير على الطريق الصحيح عبر الوسيط العماني والكويتي لوضع حد لهذا الوضع.
الصحيفة: قدم الأمير محمد بن سلمان نفسه باعتباره أداة تحديث فيما يتصل بحقوق الإنسان، حيث اتخذ العديد من التدابير لصالح المرأة السعودية بشكل خاص. ورغم هذا فإن النساء لا يزلن يقبعاً في السجون السعودية بسبب مطالبتهن بالحقوق المدنية. هل هذا دليل على حدود عملها المجتمعي؟
ألان رودييه: من الممكن أن يكون صادقا على الرغم من أن صاحب البلاغ يشك في ذلك, وعلى عكس العديد من المسؤولين السعوديين، لم يكن يعرف سوى المملكة العربية السعودية وتقاليدها, ونتيجة لذلك، فإن نظامه الفكري – والقيم – غير مشبع بالنزعة الغربية بعد.
وبوصفه رجلاً ذكياً، أدرك ولي العهد, أن الشباب السعودي لا يعيش إلا على معاشاتهم التقاعدية من دون عمل.
لم تكن مشكلته إرساء “المساواة بين الرجل والمرأة” بل في وضع الشباب العاطل عن العمل… هذه هي الثورة الحقيقية.
أما ما تبقى فهو مجرد دخان ومرايا لإرضاء الغربيين وما يعتبره نزوات في مجال حقوق الإنسان.
فقد أجبر نفسه على تقديم بعض التنازلات في محاولة منه لتقديم نفسه على أهل الفكر في الغرب, وبالأخص بعد أن تعرضت صورته للتشويه بشكلٍ يدعو للقلق بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ومع رجال الأعمال، كان لديه مشاكل أقل؛ وكل ما كان عليه أن يفعله هو أن يدفع ثمناً باهظاً, بالرغم من كون الرياض لم تكن في حاجة إلى ذلك حقاً.
والجميع يدركون أن مصر، شريك رئيسي لأوروبا في القارة الأفريقية وفي منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، تُمول بالكامل من قِبَل الرياض.
الصحيفة: كان محمد بن سلمان على علاقة جيدة مع الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب, والآن مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، هل يمكن أن تزداد هذه الصعوبات سوءاً؟
ألان رودييه: مرة أخرى، يتعين علينا أن نتوخى الحذر, “ترامب الفظيع” الذي لا يزال ينسج اتفاقيات إبراهيم عندما لم يتحرك أي شيء لعقود، هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي لم يشن حرباً ولكنه عمل جاهداً من أجل إعادة الجيش الامريكي إلى دياره, لن يحل محله جو بايدن، زعيم حقوق الإنسان.
حين يتدخل الأميركيون أكثر مما ينبغي، يتهمهم الأوروبيون بأنهم يريدون ممارسة دور “رجال الشرطة في العالم”, وعندما يتقاعدون (كما هو متوقع في جزء من ألمانيا)، فإنهم ينعون “المظلة” الأمريكية…
بايدن هو سجين جماعات الضغط العسكرية الصناعية والاستخباراتية على الرغم من أنه هو نفسه ليس (حتى الآن) من المحافظين الجدد كما كانت المرشحة السابقة للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون.
وهدفه – مثل سلفه ترامب – بسيط وجدير بالثناء تماما (يجب على بعض رؤساء الدول أن يأخذوا البذور)، للدفاع عن المصالح المباشرة للمواطنين الأمريكيين حتى لو تسبب ذلك في إلحاق الضرر “للحلفاء”.
فقد انتُخِب بايدن بواسطة الأميركيين وليس بواسطة الأوروبيين (الذين كانوا ليفعلوا ذلك بلا أدنى شك).
والأمر الوحيد هو أن بايدن سوف يعود إلى الدبلوماسية التقليدية بصورة أكبر باستثناء التغريدات الانتقامية.
فهو أكثر ” قابلية للتقدمية”… أما بالنسبة لسياسته تجاه الأمير محمد بن سلمان, فإنه سوف يكون من الناحية النظرية أقل ودية ولكن السعودية كما هي إسرائيل أصلان لا غنى عنهما للمصالح الأميركية في هذه المنطقة من العالم.
*ألان رودييه: ضابط سابق في أجهزة المخابرات الفرنسية وهو نائب مدير مركز أبحاث المخابرات الفرنسية والمسؤول بشكل خاص عن مراقبة الإرهاب من أصل إسلامي والجريمة المنظمة, وهو صاحب كتاب: وجها لوجه: طهران – الرياض, نحو الحرب؟ وله العديد من المؤلفات: زاوية واسعة حول التجسس الروسي في الشرق الأدنى, زاوية واسعة حول الإرهاب, زاوية واسعة على المافيا, التهديد الخفي, من إيران: الحرب القادمة؟, تنظيم القاعدة, الروابط العالمية للإرهاب, والجريمة المنظمة في كندا.
كما ساهم أيضاً في كتابة العديد من الأعمال الجماعية، كان آخرها: “الوجه الخفي للثورات العربية”.
* موقع “أتلانتيكو- Atlantico” الفرنسي
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.