مجاعة جماعية تلوح في الأفق مع اقتراب العملة اليمنية من السقوط المدوي التاريخي
بقلم: احمد عبدالكريم (موقع “منتبرس نيوز” الإنجليزي- ترجمة: نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
تعز، اليمن- يبدو أن كل من السعودية والإمارات يبذلان كل ما في وسعهما لمنع إنهاء المعاناة التي يعيشها اليمن.
حتى أولئك الذين يعيشون في المناطق الخاضعة للسيطرة الكاملة لممالك الخليج الثرية, يواجهون مخاطر عالية من الدمار, تشبه التدمير الكامل للمدن الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية.
مع عدم وجود حكومة عاملة لتزويد السكان بالمساعدات الأساسية ومواجهة الاقتصاد المنهار وسط مجاعة يمكن أن تعصف باليمن بأسره قريباً, وذلك وفقاً للأمم المتحدة، فإن انهيار العملة اليمنية، لاسيما في المناطق التي يسيطر عليها التحالف السعودي، يثبت أنها ستكون الضربة القاضية التي ستضمن للبلد مواجهة مستوى مروع من الدمار لسنوات قادمة.
عيناها السوداوان غارقتان تقريباً وتتحدث بصوت خافت يصعب سماعة، تبذل أم عبده قصارى جهدها لتروي قصتها لمينتبرس.
كانت تخفي وجهاً عظمياً وجسداً هزيلاً في عباءة سوداء ضخمة وحجاب:”أنا أجوع نفسي لإطعام أطفالي, من الصعب جداً الوصول إلى هذه القطعة”, تمتمت الأم الأمية لستة أطفال وهي تحمل قطعة من خبز.
تعيش أم عبده في حي فقير في محافظة تعز، وهي المدينة الواقعة في الجهة الغربية من اليمن والخاضعة لسيطرة بعض من أغنى دول العالم.
بعد ما يقرب من ست سنوات من الحرب، لا يزال اليمن موطناً لأكبر أزمة إنسانية في العالم.
يعاني الملايين من اليمنيين من الجوع والفقر المدقع، فيما يحتاج 80٪ على الأقل من السكان إلى المساعدة الإنسانية الضرورية أو الحماية.
الطفلة زهرة تعاني من سوء التغذية الحاد تستحم بواسطة والدتها في حوض غسيل/ تصوير: حمادي عيسى/ أسوشييتد برس
يواجه حوالي 13.5 مليون شخص نقصاً حاداً في الغذاء وقد يرتفع هذا العدد إلى 16.2 مليون في عام 2021, وفقاً لهيئات الإغاثة الدولية.
لقد انهار الاقتصاد بالفعل بالنسبة لكل يمني يعيش في الجنوب، باستثناء القلة الذين تمكنوا من الربح من خلال العمل مع السعودية أو الإمارات.
لقد استنفدت حسابات التوفير منذ فترة طويلة، وبحلول نهاية نوفمبر، انخفضت قيمة الريال إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 850 ريالاً للدولار الأمريكي الواحد، مما ترك معظم السكان غير قادرين على تحمل توفير حتى أبسط الضروريات.
مثل أم عبده، يقوم الناس بتقليل أحجام الوجبات وتخطي بعضها كنوع من “مؤشر إستراتيجية المواجهة”، وهو أحد الأدوات العديدة المستخدمة لقياس انعدام الأمن الغذائي.
أصبحت الفاكهة والأسماك واللحوم سلعة نادرة لا يحلم بها الكثيرون.
قال أحد المتسوقين لموقع مينتبرس “على الرغم من وجود طعام في الأسواق، إلا أنني لا أستطيع شراءه, ليس لأننا لا نملك المال، ولكن بسبب الأسعار الجنونية, لذلك قررنا تقليل الطعام لإبقاء أطفالنا على قيد الحياة”.
ومع ذلك، قد لا تكون هذه الاستراتيجية كافية لأن أسعار المواد الغذائية اقتربت من الضعف عما كانت عليه في أعقاب الانهيار الأخير للعملة.
وفقاً للمنظمات الدولية، فإن اليمن، ولاسيما المناطق الخاضعة لسيطرة الرياض وأبو ظبي، ستعيش مستويات مقلقة من انعدام الأمن الغذائي بحلول منتصف عام 2020، ويلوح في الأفق أزمة أمن غذائي كارثية.
وأفادوا أنه بحلول ديسمبر 2020، سيزداد عدد السكان الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (ما أطلقوا عليه المرحلة 3 وما فوقها) من 2 مليون إلى 3.2 مليون شخص.
سلط تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في أكتوبر الماضي والذي يغطي جنوب اليمن، الضوء على أن معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة هي الآن الأعلى على الإطلاق في بعض المديريات.
ويكشف التحليل عن زيادة تقارب 10 % في حالات سوء التغذية الحاد هذا العام.
كانت أكبر زيادة في حالات الأطفال الصغار الذين يعانون من سوء التغذية الحاد القاتل الذي زاد بنسبة 15.5%، مما ترك ما لا يقل عن 98000 طفل دون سن الخامسة معرضين لخطر الموت دون توفر علاج عاجل.
تعكس سلسلة من البيانات الصادرة عن كبار مسؤولي منظمات الإغاثة مدى خطورة الوضع، بما في ذلك تحذير من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأن “اليمن الآن يواجه خطر وشيك لأسوأ مجاعة شهدها العالم منذ عقود, لقد حذرنا منذ يوليو من أن اليمن على شفا أزمة أمن غذائي كارثية”.
قالت ليزا غراندي، منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن، الشهر الماضي: “إذا لم تنته الحرب الآن، فنحن نقترب من وضع لا رجوع فيه ونخاطر بفقدان جيل كامل من أطفال اليمن الصغار, إن البيانات التي نصدرها اليوم تؤكد أن سوء التغذية الحاد بين الأطفال وصل إلى أعلى المستويات التي شاهدناها منذ بدء الحرب”.
دقت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ناقوس الخطر بشأن ملايين اليمنيين الذين سيعانون من مستويات متفاقمة من الجوع بحلول منتصف عام 2021.
كما وصف برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الأزمة في اليمن بأنها “الأسوأ في العالم”.
وقال برنامج الأغذية العالمي في تغريدة على تويتر إن الملايين محاصرون في دائرة الصراع والجوع, وتزداد الحياة اليومية في اليمن صعوبة بالنسبة للملايين مع تضييق الخناق وإغلاق كل الحلول التي من شأنها تخفيف ومنع حدوث المجاعة, يجب أن نتحرك الآن”.
على الرغم من أن حدوث مجاعة جماعية قد يكون غير مرجح في المستقبل القريب، إلا أن المسؤولين في تعز حذروا من أن العديد من المناطق قد تبدأ قريباً في رؤية وفيات بسبب المجاعة.
يعاني العديد من الأطفال بالفعل من علامات سوء التغذية الحاد والقاتل، وهي المرحلة الأكثر خطورة من الجوع حيث تبدأ الساقين والقدمين في الانتفاخ.
قالت أم عبده: “كلنا ننام جائعين، ولا يوجد طعام كاف حتى لأطفالنا”.
بالنسبة لأم عبده وزوجها سعيد البالغ من العمر 37 عاماً، فإن انهيار الريال يعني الاستغناء عن بعض وجبات الطعام ليتمكنوا من العيش.
يعمل سعيد كمدرس للغة الإنجليزية وعمل كمرشد سياحي في وكالة سفر محلية قبل الحرب.
ومنذ أن فقد وظيفته بعد بدء الحرب، كان يكسب المال من بيع القات وهو منبه خفيف يمضغه الكثير من اليمنيين في فترة ما بعد الظهر.
ومع ذلك، فإن هذه الأموال لا تكفي لتغطية الإيجار، ناهيك عن الاحتياجات الأساسية.
الآن، يزداد وضعهم سوءاً حيث انخفض توفير القات بشكل كبير بعد أن أصبح الطقس بارداً قبل ثلاثة أشهر عندما بدأ الشتاء.
وبعد الانهيار الأخير للريال، أصبحت القدرة على جلب الطعام إلى المنزل شبه مستحيلة.
أم عبده وسعيد يفكران الآن في خيارات متطرفة, على مدى السنوات الست الماضية، شهدوا تفكك اليمن المستمر من دولة تأمل في الانتقال إلى الديمقراطية بعد الربيع العربي، إلى أمة مجزأة وأرض مقسمة إلى دويلات متناحره، ومعاناة جماعية ويأس.
لجأ العديد من جيرانهم إلى السرقة والاتجار بالبشر وبيع أعضائهم لتغطية نفقاتهم، أو حتى تزويج بناتهم لأنهم غير قادرين على إطعامهن.
قصة مدينتين:
يلقي المسؤولون في عدن، المركز الفعلي لقوة التحالف السعودي في اليمن، باللوم في انهيار العملة على حقيقة أن الاحتياطيات الأجنبية نفذت.
وبحسبهم، انخفضت تحويلات اليمنيين في الخارج، أكبر مصدر للنقد الأجنبي، بنسبة تصل إلى 70٪ نتيجة التدهور الاقتصادي العالمي الناجم عن الفيروس التاجي.
لكن بالنسبة إلى عمر، وهو مقاتل سابق في “المقاومة” في عدن أصيب أثناء قتاله مع قوات التحالف ضد الحوثيين في عام 2016, فإن هذه الحجج غير حقيقية على الإطلاق.
يعتقد عمر أن السعودية لديها خطة لتدمير العملة الوطنية من أجل تسريع المجاعة عن قصد.
“لماذا لا يوجد انهيار للعملة في مناطق الحوثيين رغم أنهم يعيشون في ظروف أسوأ منا؟”
الاختلاف في سعر الصرف بين صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون وعدن الذي يسيطر عليه التحالف كبير بالفعل، حيث تقل قيمة الريال اليمني في عدن بنسبة 35٪ عما هي عليه في صنعاء.
كان عمر أحد آلاف اليمنيين الذين خرجوا إلى الشوارع في تعز ومناطق أخرى هذا الأسبوع في احتجاج حاشد على التدهور المستمر للوضع الاقتصادي، مديناً دول التحالف بقيادة السعودية ومطالبتهم بمغادرة البلد.
واتهم المتظاهرون دول التحالف والرئيس اليمني المخلوع عبد ربه منصور هادي بممارسة سياسة التجويع لتحقيق أهدافهم الشخصية.
ورددوا هتافات معادية للسعودية والإمارات بعبارات مثل: “ثورتنا ثورة جياع” و “خذ مساعدتك واترك لنا نفطنا” و “خذ تبرعاتكم واترك لنا موانئنا” و “خذ صندوقك الاستئماني، وترك لنا ثروتنا”.
مستقبل قاتم:
وفقاً لخبراء اقتصاديين محليين تحدثوا إلى مينتبرس، فإن الأسباب الكامنة وراء انهيار الاقتصاد اليمني وعملته, عديدة ومتنوعة، لكن السياسة النقدية التوسعية التي اتخذتها السعودية هي أحد المحركات الرئيسية لانخفاض قيمة الريال اليمني.
قامت السلطات المحلية المدعومة من السعودية بطباعة الأوراق النقدية الجديدة بانتظام من أجل تلبية النفقات التي تفاقمت بسبب شراء العملات الأجنبية التي تتدفق إلى الأسواق من قبل المنظمات الأجنبية.
بحلول نهاية عام 2019، بلغ إجمالي السيولة المتداولة في البلد أكثر من ثلاثة تريليونات ريال، وفقاً لمصدر في البنك المركزي في عدن.
واعتباراً من بداية عام 2020، طبع البنك حوالي 300 مليار ريال من أجل معالجة عجز الميزانية.
اعتمدت حكومة الرئيس المعزول هادي إلى حد كبير على أداة السحب على المكشوف للبنك المركزي لتغطية نفقاته في الخارج، بما في ذلك الإيجار والسفر والترفيه.
في الآونة الأخيرة، كان وكلاء السعودية في جنوب اليمن يبيعون كميات كبيرة من الأوراق النقدية المطبوعة حديثاً من أجل شراء العملات الأجنبية من السوق وتجديد مقتنياتهم من العملات الأجنبية وقد أدى ذلك إلى زيادة الضغط الهبوطي على قيمة الريال وساعد في رفع التضخم.
دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الدول إلى تقديم مساعدات مالية لحل الأزمة الاقتصادية الحادة في اليمن، قائلاً في بيان صادر عن المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك في الذكرى الثانية لاتفاق ستوكهولم “أدعو جميع الدول الأعضاء إلى المساعدة لمعالجة الأزمة الاقتصادية الحادة في البلد”.
أم عبده ينتظرها مستقبل قاتم, ليس لديها ثقة في الأمم المتحدة أو وكلاء السعودية في الجنوب، الذين وصفتهم بأنهم “غارقون في الخيانة”.
ومع ذلك، فهي تعلق الأمل على الله وعلى رفاقها اليمنيين في أن يحرروا بلدها.
“في أي مكان آخر على وجه الأرض، يمكنك أن تجد أمة مرت كما حدث في اليمن، احتلها الأجانب، ودمرتها تفشي المجاعة والأوبئة، ومع ذلك بطريقة ما, ما زلنا قادرين على البقاء على قيد الحياة”.