السعودية وإخفاقاتها المتکررة في بناء التحالفات جنوب اليمن
السياسية :
تأثرت التطورات في جنوب اليمن منذ فترة طويلة بالانقسامات والخلافات الواسعة بين جبهة عدن، وقد فشلت جهود السعوديين لحل الخلافات في حكومة منصور هادي المستقيلة.
وفي هذا السياق، فإن السعودية التي أخفقت حتى الآن في محاولاتها المتكررة لتنفيذ اتفاق الرياض لتقسيم السلطة بين التيار الداعم لمنصور هادي وانفصاليي المجلس الانتقالي الجنوبي بهدف توحيد جبهة عدن ضد صنعاء، في الأيام الأخيرة ومع إعلان انسحاب قوات المجلس الانتقالي من عدن والانسحاب من محافظة أبين، يبدو أنها كثفت جهود الوساطة مرةً أخرى.
وفي هذا الصدد، قال عضو اللجنة المشرفة على تنفيذ اتفاق الرياض، السبت، لوكالة الأناضول التركية، إن قوات المجلس الانتقالي بدأت الانسحاب من عدن والتحرك باتجاه الخطوط الأمامية في محافظة “الضالع”.
ووفق المصدر، بدأت قوات الحكومة المستقيلة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي أيضاً انسحاباً متبادلاً من مناطق الحرب في محافظة أبين يوم الجمعة، وأكدت قوات المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات الانسحاب إلى محافظة “لحج”.
لكن على الرغم من الإعلان عن هذه الاتفاقية، فإن الأمل في إنهاء النزاع في عدن لا يزال يبدو هدفاً بعيد المنال. فمن ناحية، إن التجربة السابقة المتمثلة في عدم تنفيذ اتفاق الرياض عدة مرات، وعلى الرغم من التصريحات المتكررة من الجنوب بقبول وقف إطلاق النار، تظهر أنه من غير المرجح أن يستمر الاتفاق الحالي لفترة طويلة، خاصةً وأن الجنوبيين يشعرون بالتشاؤم العميق حيال الخطط السعودية لزيادة وجودها في المنطقة، ويعتبرون تاريخيًا أن التحالف مع القوى الشمالية مثل حزب الإصلاح والقوى المقربة من منصور هادي، عقبة أمام تطلعاتهم إلى الاستقلال.
ولکن من ناحية أخرى، حتى وإن ظل الاتفاق مستقرًا رغم التجارب السابقة الفاشلة، فإن الخلاف بين قوى حكومة هادي سيكون حتمياً، ذلك أن تقسيم المناصب الوزارية بالتساوي مع قوى الجنوب بموجب اتفاق الرياض، تسبَّب قلقاً واستياءً كبيرين من حزب الإصلاح.
وفي هذا الصدد، كتب موقع “الخبر اليمني” نقلاً عن مصادر مطلعة في اليمن، أن حزب الإصلاح الإخواني وهو التنظيم السياسي الأقوى في حكومة منصور هادي، يسعى لتشكيل مجلس معارضة من أفراد تمت الإطاحة بهم من حكومة هادي، إلی جانب أشخاص ينتمون إلى التيار القطري التركي.
ووفق هذا النبأ، سيحاول هذا المجلس بعد تشكيله أن يحلّ محل حكومة منصور هادي في المناطق التي يسيطر عليها حزب الإصلاح، ويقف ضد مطالب المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات.
وبحسب هذه المصادر، فإن “عبد العزيز جباري” نائب رئيس الوزراء السابق في الحكومة المستقيلة، “أحمد الميسري” وزير الداخلية بالحكومة المستقيلة، “صالح الجبواني” وزير النقل الأسبق، “محمد صالح بن عديو” محافظ شبوة و”رمزي محروس” محافظ سقطرى، هم أعضاء في هذا المجلس.
لكن بغض النظر عن صحة هذا الخبر، فإن ما يبدو مؤكدًا هو أن الخلافات بين السعودية والإخوان اليمنيين قد ازدادت في الأشهر الأخيرة، وأن انتهاء تحالف الرياض المصلحي مع حزب الإصلاح اليمني الإخواني وشيك في المستقبل، وقد تسبَّب ذلك في قلق شديد لحزب الإصلاح، بالنظر إلی السقوط الوشيك لمدينة “مأرب” كقاعدة تقليدية للنفوذ والقاعدة الاجتماعية للإخوان المسلمين في اليمن، على يد الجيش وأنصار الله.
حزب الإصلاح.. الإنتقال من الرياض إلى أنقرة
يبدو أن ابتعاد السعودية عن حزب الإصلاح في اليمن، يرتبط بالخلافات بين الرياض والمحور الإخواني بقيادة تركيا وقطر حول التطورات في الشرق الأوسط العربي.
وعلى الرغم من أن السعودية قد أعربت عن استعدادها لنزع فتيل التوترات مع تركيا وقطر في الأسابيع الأخيرة، من خلال عقد قمة مجموعة العشرين والإعلان عن استعدادها لحل الأزمة في مجلس التعاون، إلا أن هذه المواقف تتعارض بشكل صارخ مع الإجراءات العملية السعودية.
بعد مقاطعة البضائع التركية وفرض حظر على سفر المواطنين السعوديين إلى تركيا كسائحين، في إجراء هجومي آخر أصدرت هيئة كبار العلماء التابعة للبلاط السعودي مؤخرًا فتوى، اعتبرت فيها جماعة الإخوان المسلمين منظمةً إرهابيةً وجماعةً منحرفةً غير إسلامية. ولا شك أن هذه خطوة قد جاءت بضوء أخضر من الحكومة السعودية.
وعلى الرغم من أن هذا الإجراء تم للضغط على تركيا وقطر، إلا أن السعوديين لم يكونوا على دراية بأن جماعة الإخوان اليمنية لا يمكن أن تكون غير مبالية به، خاصةً وأن اتفاق الرياض سيقلل من حصة حزب الإصلاح في حكومة عدن. ويمكن ملاحظة ذلك في تصرفات بعض شيوخ الإخوان اليمنيين، مثل “عبد المجيد الزنداني” الداعية والقيادي البارز في الإخوان اليمنيين، الذي غادر السعودية إلى تركيا.
وسيعني ذلك تطوراً جديداً في العلاقات بين السعودية وحزب الإصلاح، والذي يقودهما من الوحدة إلى العداء في تطورات اليمن. وقد أظهرت التجربة أن تركيا دعمت بقوة جماعة الإخوان المسلمين، حيثما كان بإمكانها أن تلعب دورًا مهمًا في دفع أجندة أنقرة الجيوسياسية في المنطقة.
ولذلك، فإن التنافس بين أنقرة والرياض يمكن أن يمهد الطريق لتركيا للاستفادة من إمكانات الإخوان المسلمين لدخول القضية اليمنية، سواء من حيث خطط أردوغان المتعلقة بالعثمانية الجديدة أو من حيث الضغط على السعودية.
تدرك الحكومة التركية جيدًا أن السعوديين يشعرون بالضعف في اليمن، أكثر من أي مكان آخر تحدده السعودية على أنه عمقها الاستراتيجي. وفي ظل هذه الظروف، سيكون تأثير اقتراب حزب الإصلاح من تركيا وقطر، تصعيدًا جديدًا للتوترات على الجبهة الجنوبية لليمن والضغط علی حكومة منصور هادي المستقيلة.
* المصدر : الوقت التحليلي
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع