بقلم: ناثان ديريديك*

( موقع “لو فون سو ليف- Le vent se lève” الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

في الثالث من يناير 2016، أعلنت المملكة العربية السعودية وإيران عن قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما.

وعلى الرغم من أن هذا التدهور المفاجئ في العلاقات بين القوتين العظميين في المنطقة لم يكن يُـنْـظَر إليه باعتباره صاعق او مفاجئ لأحد؛ وذلك نظراً لكون العلاقات بين الرياض وطهران كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون في حالة جيدة.

إذ تُعارض كل من الدولتين الأخرى من الناحية السياسية والدينية على حدٍ سواء في منطقة مُبتلاه بصراع الطائفي.

هل ينبغي لنا إذاً أن ننظر إلى الحرب الباردة بين السعودية وإيران باعتبارها منافسة دينية؟

رغم أن المتغير المذهبي لا ينبغي أن يُهمَل، فإنه أبعد ما يكون عن كونه المعيار الرئيسي الذي يُفسر الخصومة بين القوتين الإقليميتين تحت ستار صراع واضح بين السُنة والشيعة, فإن الصراع الدائر بين السعودية وإيران جغرافي سياسي في المقام الأول، حيث تخوض الدولتين حرب نفوذ في المنطقة.

أصول الانقسام في الدين الإسلامي:

في العام 632, عندما ارتقت روح النبي محمد إلى السماء، نشأت مسألة خلافية بين المسلمين عمن سيكون خليفته.

وفي أعقاب بعض الخلافات السياسية اندلعت حرب أهلية حقيقية في العام 655.

وبالنسبة لجماعة أهل السنة، فإن الخليفة الأول للنبي ليس سوى أبو بكر، الرفيق الأمين للنبي محمد، وبهذا عُيّن الخليفة عند وفاة الأخير.

وبالنسبة للشيعة، فإن الأمام علي، صهر وابن عم النبي، الذي أُعلن خليفةً له في العام 656, هو الأحق في خلافته, ومن هذا الانقسام وُلد مفهومين عقائديين متباينين للإسلام.

الشيعة الذين يتمتعون برؤية دينية عالية التسلسل، يفسحون المجال لتفسير معين للإسلام والقرآن، فضلاً عن عبادة الشهداء – أئمة الشيعة-  في حين يتم فصل القوى السياسية والدينية.

أما جماعة أهل السنة فيدعون من جانبهم إلى تطبيق أكثر صرامة للقرآن، الذي يعتبر عملاً إلهياً، ويرفضون تفسير وتأويل القران من قبل العلماء  بشكلٍ واسع، في حين أنهم يوافقون على ممارسة السلطات السياسية والدينية من جانب نفس السلطة.

وتشكل أغلبية أهل السُنّة اليوم نحو 85% من إجمالي عدد المسلمين حول العالم والبالغ عددهم 1.8 مليار نسمة.

في حين يشكل الشيعة أقل من 15%، يتمركزون بشكل شبه كامل في منطقة الشرق الأوسط.

إذ يستوطن غالبية أهل الشيعه في إيران والعراق وأذربيجان والبحرين, وفي حين توجد أقليات دينية في سوريا ولبنان وتركيا وأفغانستان واليمن والسعودية.

ومن ناحية أخرى، فإن وجود هذا المذهب في المغرب العربي وأوروبا وأفريقيا وآسيا لا يزال ضئيلاً بدرجة كبيرة.

يعيش ما يقرب من نصف الشيعة في إيران، الدولة الوحيدة في العالم التي تبنت التيار الشيعي بشكلٍ أساسي في الدولة.

كان ذلك, في أوائل القرن السادس عشر، عندما اختارت الأسرة الصفوية الحاكمة في بلاد فارس التيار الشيعي بصورة رسمية.

في أعقاب ثورة 1979 التي أطاحت بشاه ايران محمد رضا بهلوي، أعلن آية الله الخميني، وهو شخصية بارزة في المذهب الشيعي الإيراني، قيام جمهورية إيران الإسلامية والتي أصبح الزعيم الروحي الأعلى لها.

وفي اروقت هذه الثيوقراطية المستندة إلى كل المبادئ الإسلامية ومؤسسات الجمهورية والاقتراع العام, يتغلغل التيار الشيعي في كل من المجال الديني والمجال السياسي على حدّ سوا.

ورغم وجود التيار الشيعي أيضاً في السعودية، فإن أكثر من 90% من السعوديين يزعمون أنهم من اتباع التيار السُنّي للإسلام.

من الضروري العودة إلى الوراء قليلاً, بالتحديد إلى القرن الثامن عشر, لتسليط الضوء على تأسيس الخطوات الأولى للدولة السعودية، حين تحالف الزعيم القبلي محمد بن سعود مع الداعية السُنّي محمد بن عبد الوهاب، مؤسس الوهابية، بهدف تقاسم السلطة.

في العام 1932، بعد أن  تمكن عبد العزيز بن سعود من بسط سيطرته على المدينة المنورة ومكة، تم تأسيس المملكة العربية السعودية.

وبهذا أصبحت الوهابية، وهي فرع مستمد من التيار السنّي والتي تدعو إلى التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية، التيار المنتهج للدولة في هذه الملكية المطلقة.

إن العقيدة الوهابية متشددة جداً, حيث تدين أي تفسير من القرآن متعلق بتشيع وتعتبر المسلمين الشيعة كفاراً.

image.png

توزع الإسلام في العالم: باللون الأصفر المناطق ذات الأغلبية الشيعية, باللون الأخضر المناطق ذات الأغلبية السنية, باللون الأرجواني المناطق ذات الأغلبية الإباضية، تيار ثالث من أغلبية الإسلامية في سلطنة عمان.

منافسة دينية بسيطة؟

تضاف الخلافات التي كانت في البداية قائمة على النظام الديني بين السعودية وإيران إلى المعارضة المتوارثة بين العالم العربي والعالم الفارسي.

وكما قال العالم الجغرافي برنارد أوركيد* المختص في الشأن الإيراني: “من الواضح أن هذه التفسيرات العرقية والدينية لها نصيبها، ولكن من السُخف أن نريد أن نعطي هذين العاملين تفسيراً جوهرياً في حين أن المعارضة القائمة بينهما سياسية واقتصادية”.

والواقع أن العلاقات الاقتصادية بين الرياض وطهران حديثة نسبياً, ففي العام 1929، بدأت العلاقة بين السعوديون والإيرانيون بعد توقيع معاهدة صداقة.

وفي العام 1930, بدأ البلدين في تبادل السفراء وافتتحت أول سفارة إيرانية في جدة.

ولكن في حين تتعايش إيران والسعودية في المنطقة، فقد شهدت العلاقات بين الدولتين فترات من التوترات الدينية: أحداث حج مكة 1987, بعد مصرع أكثر من 400 شخص، معظمهم من إيران، أثناء أدائهم فريضة الحج، في منى إثر صدامات مع الشرطة السعودية.

والتوترات الجيوسياسية: عندما طالبت الدولة الإيرانية، تحت حكم الشاه البهلوي، بضم أراضي دولة البحرين حتى تم الفصل في ذلك على أثر الاستفتاء الذي تم في العام 1970، مما أثار غضب الرياض.

وعلى سبيل المثال، كان ظهور الجمهورية الإسلامية في إيران سبباً في تعطيل السياق الجغرافي السياسي في منطقة الشرق الأوسط إلى حد كبير.

وفي المقام الأول كان ذلك بمثابة الإشارة إلى نهاية العلاقات الطيبة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، اللتين أصبحتا الآن تعتبران “الشيطان الأكبر” و “الشيطان الأصغر” على التوالي, على حد تعبيرها.

وفضلاً عن ذلك فإن الإيرانيين يشككون في زعم السعوديين بأنهم الزعماء المهيمنين على الإسلام.

ومن ناحية، فهم يرفضون النموذج التنظيمي السعودي وإيديولوجية الوهابية.

تعتزم جمهورية إيران الإسلامية، بعد أن كانت مهمورة بنجاحها، تصدير ثورتها, وإن كانت إسلامية أكثر من مجرد شيعية, إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي باسم بعض الطوائف.

لذا، فمن الضروري بالنسبة لطهران أن تكافح عملة تهميش المسلمين الشيعة وأن تدعم التحرر العالمي للشيعة.

هذه «الصحوة الشيعية» وهذا الإسلام الثوري لا يخلو منهما قلق الرياض التي تعمل على تشويه صورة الثورة الإيرانية والإيديولوجية التي تنوي نقلها.

وبمساعدة التبشير الديني، تعمل المملكة العربية السعودية على تصدير مذهبها وعقيدتها الوهابية إلى المنطقة.

وهي تستخدم بشكل خاص فريضة الحج، وسيادتها على الأماكن المقدسة في الإسلام: مكة والمدينة المنورة، لتعزيز مكانتها باعتبارها ممثلة للمسلمين.

وبعد الثورة الإيرانية، دعمت الإدارة السعودية أيضاً الحركات الإسلامية والسلفية، حتى أنها عملت على تمويل الجماعات السُنّية المتطرفة, مثل العديد من الجماعات الإسلامية المسلحة في ثمانينيات القرن الماضي.

ثم اصطدمت الدولتين على الأرض الدينية برؤيتين متعارضتين جذرياً لنفس الدين، وبالتالي الكفاح من أجل الهيمنة على العالم الإسلامي.

ولكن السعودية وإيران تتنافسان أيضاً على فرض الهيمنة الإقليمية حيث “تتجاوز هذه المعارضة بين الشيعة والسُنّة بسرعة بالغة إلى ما هو أبعد من المنطق الديني”.

والحقيقة أن “الثورة الإسلامية تُولد الإرادة من الجانب السعودي والإيراني لتوسيع أنظمتها وبالتالي توسيع مجالات نفوذها” في المنطقة، مستغلة بذلك الجانب الديني من المعارضة.

ثم تبدأ حرب حقيقية بالوكالة, حيث العنصر الطائفي لا يستخدم إلا لإضفاء الشرعية على المصالح الاستراتيجية البحتة.

الرئيس الإيراني حسن روحاني أثناء عرض عسكري/ تصوير محمد حسيني

تحويل الدين في صراع بالوكالة إلى هيمنة إقليمية:

لم تمتد الثورة الإيرانية إلى العالم الإسلامي بأكمله, مما أدى إلى الاستياء الشديد من طهران، وبالتالي, فإن إنشاء حزب الله في لبنان في العام 1982 خلال الحرب الأهلية اللبنانية خلال الفترة بين عامي 1975-1990, كان من شأنه أن يعزز النفوذ الإيراني خارج حدودها.

هذا الحزب الشيعي النافذ، الذي هو أيضاً حركة سياسية وشبه عسكرية، هو بمثابة مُتابع للسياسة والأيديولوجية الإيرانية في المنطقة.

إن إيران تدعم حزب الله عسكرياً ومالياً، ونتيجة لذلك فإن علاقاتها بالنظام الإيراني قوية للغاية.

ومن ناحية أخرى، تساعد السعودية إلى حد كبير المجتمع السُنّي في لبنان، في حين تمارس نفوذاً قوياً للغاية على الحياة السياسية في البلد:

ففي شهر مايو 2008، أرغمت الرياض تيار المستقبل، وهو الحزب السُنّي الذي يتزعمه سعد الحريري، على رفض الاتفاق بين الجماعات السُنّية وحزب الله، الذي تعتبره الذراع المسلح لعدوها الإيراني.

بل إنها ذهبت إلى حد تصنيف «حزب الله» كمنظمة إرهابية في العام 2016.

وفي العام 2017، وأثناء وجوده في الرياض، أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته، مبرراً ذلك القرار نظراً لإحكام حزب الله وإيران المفرطة على السيادة في لبنان.

ويكمُن وراء هذا الإعلان المفاجئ في واقع الأمر, يد النظام الملكي السعودي، الذي يعتبر الحريري متساهلاً جداً مع «حزب الله» ويريد إجباره على ترك السلطة.

وبعد اكتشاف هذه المناورات، أثارت هذه المناورة السعودية احتجاجاً, ولكن المفاوضات التي قادتها فرنسا سمحت للحريري بالعودة إلى لبنان والبقاء في السلطة.

وفي الوقت نفسه، تزيد طهران من إحكام قبضتها على وكيلها اللبناني، مما يحد من استقلالها.

وعلى الرغم من معارضة حزب الله لدولة إسرائيل في المقام الأول، فهو لاعب رئيسي على الساحة اللبنانية، كما أنه يُكن العداء بشكل كبير تجاه النظام السعودي.

ففي سبتمبر 2019، حذر الأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله” السعوديين من مغبة التهور في الهجوم على إيران :” لأنهم سوف يدمرونكم”.

لقد كانت دولة الأرز، التي كانت رهينة حقيقية للصراع السعودي – الإيراني، في طليعة هذا الصراع من أجل فرض النفوذ.

 

مقاتلين تابعين لحزب الله اللبناني

البحرين، وهي ملكية ذات أغلبية شيعية، تحكمها أسرة مطيعة سُنّية، أسرة آل خليفة، والتي تربطها علاقات وثيقة للغاية مع النظام السعودي؛ ويرى البعض أنها تُشكل تابعاً حقيقياً للرياض.

وبهذا، فإن الأقلية السُنّية تسيطر على أغلب مفاصل السلطة، في حين يتم تهميش الأغلبية الشيعية.

ففي العام 2011، عندما اندلعت شرارة ثورات الربيع العربي، لم تُستثن البحرين من تلك الاحتجاجات العارمة التي جابت المنطقة.

إذ دعا المتظاهرون في البحرين الى إرساء الديمقراطية فى البلد وإقامة نظام ملكي دستورى, كما طالبوا بالمزيد من الحقوق للسكان الشيعة.

استمرت تلك الاحتجاجات لمدة شهر, حيث أختار المتظاهرون من ميدان اللؤلؤة فى وسط العاصمة المنامة, نقطة تجمع لهم.

ومن جانبها, تُراقب إيران الموقف عن كثب, ولكنها لم تُولي الأمر اهتماماً بالغاً, بيّدَ أنها قدمت الدعم على استحياء للمتظاهرين.

وبسبب قلقها من احتمال الإطاحة بالنظام الملكي البحريني والعواقب التي قد تترتب على الحركة الشعبية للأقلية الشيعية، تدخلت السعودية عسكرياً في المنامة لسحق حركة الاحتجاجات.

كان القمع وحشياً, حيث تم اتهام المتظاهرين  بالتواطؤ مع إيران, وسحقت الانتفاضة بعد أن تدخلت قوات عسكرية – ضمت 1200 عسكري سعودي و 800 جندي إماراتي- والمنضوية تحت لواء قوات درع الجزيرة وهي قوات مشتركة تابعة لمنظمة مجلس التعاون لدول الخليج, وذلك بناء على طلب من حكومة مملكة البحرين لحماية المنشآت الحيوية بعد اندلاع الأزمة البحرينية في مطلع العام 2011.

وعلى هذا, فإن الحركة الشعبية تتعرض للانتقاد، وقد وجد الجاني كل شيء: إيران، التي أشارت إليها البحرين والمملكة العربية السعودية، متهمة بأنها كانت هي من أشعل فتيل الاضطرابات.

سمح هذا الانقسام القسري في الاحتجاج للمملكة السعودية بوضع الحلقة البحرينية على منظور الصراع الشيعي/السُنّي، وبالتالي تكريسها في حربها بالوكالة ضد إيران.

لم يشهد العام 1979 انتصار الخميني والثورة الإسلامية فحسب، بل شهد أيضاً انتصار القومية البعثية العربية السُـنّية, حيث وصل صدام حسين إلى سُدة الحكم في العراق.

وفي العام 1980، هاجم النظام العراقي إيران، وفي غضون ثمانية أعوام من الحرب التي أعقبت ذلك، وجد العديد من المقاتلين الشيعة الذين اضطهدوا من قِـبَل السلطات العراقية الملجأ في النظام الإيراني، بينما كانت السعودية تمول نظام صدّام حسين إلى حد كبير.

وإذا نظر البعض إلى هذه الحرب باعتبارها حرباً ذات بُعد ديني، فإن الدوافع الحقيقية تكمن في الجغرافيا السياسية.

وعلى حساب مليون قتيل، انتهى الصراع العراقي -الإيراني في العام 1988 دون أي تمييز حقيقي بين الفائزين.

وفي أعقاب هذه الحرب، “عمل العراق كحاجز بين القوتين إلى أن أدى التدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2003 إلى الإخلال بالتوازنات الإقليمية”.

وأيضاً مع سقوط نظام صدام حسين، “حاولت القوتان على الفور احتلال الأرض”, حيث ترى طهران في ذلك فرصة لتوسيع نفوذها ودعم إنشاء حكومة جديدة موالية للشيعة.

وعلى النقيض من ذلك، فأن هذا الأمر حظي بموافقة الولايات المتحدة، التي تريد قبل كل شيء طي صفحة سنوات نظام الرئيس العراقي صدام حسين.

ومع قدر كبير من القوة الناعمة، تسعى إيران لمد نفوذها في العراق: فقد ضاعفت إيماءاتها نحو السكان العراقيين الشيعة وعززت علاقاتها الدبلوماسية مع جارتها, وكل ذلك مصحوب بتبشير ديني قوي.

وابتداءً من العام 2014، بالتزامن مع ولادة تنظيم «الدولة الإسلامية» أو ا عُرف ايضاً باسم تنظيم “داعش”, قدمت إيران المساعدة العسكرية لحكومة بغداد, حيث قادت طهران عمليات إنشاء ميليشيات شيعية عراقية قوية ضمنت لها تحولا سياسيا فعالا.

وفي سوريا كانت إيران على أرض مهزومة لفترة طويلة, ولكن العام 1980 جاء حاملاً في طياته تبشير ابرام تحالف مع النظام السوري في ظل حكم الرئيس السابق حافظ الأسد.

ورغم أن غالبية السوريين من أهل السُنّة، إلا إن عشيرة الأسد تنحدر من الطائفة العَلَوية (أحد فروع التيار الشيعي).

وبذلك، تشترك حكومة حافظ الأسد، ثم حكومة ابنه بشار، في العديد من المصالح المشتركة مع النظام الإيراني.

وتقاربهم الديني ومعارضتهم المشتركة للصهيونية وتعاونهم السياسي والاقتصادي جعل منهم شركاء متميزين, وبهذا سمحوا لطهران الحصول على دعم قوي بين الدول العربية في المنطقة.

فمنذ العام 2011 واندلاع الحرب الأهلية السورية، ضمن سياق ثورات الربيع العربي، تحاول كلاً من إيران والسعودية الاستفادة من هذه الفرصة.

ذلك أن طهران، التي تشكل مناصراً سياسياً وعسكرياً قوياً لنظام بشار الأسد، تنشر قوات من الحرس الثوري والميليشيات الشيعة لمحاربة المتمردين والجهاديين ودعم حليفتها.

فمن الناحية الجغرافية السياسية، لا تستطيع طهران أن تتحمل رؤية حليفتها العلوية يطيح بها لصالح حكومة متمردة.

أو ما هو أسوأ من ذلك، أن ترى جماعات سُنّية متطرفة مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية تبسطان سيطرتهم على السلطة المركزية في العاصمة دمشق.

ومن جانبها، تدعم السعودية الجماعات المتمردة, بما في ذلك أكثر الفصائل الجهادية تطرفاً من خلال تزويدها بالمال والسلاح.

وبالنسبة للرياض فإن ميزة سقوط نظام الأسد سوف تكون ذو شقين: فهي تسمح لحكومة سُنّية بالحصول على موطئ قدم في دمشق, في حين تدفع الإيرانيين إلى الخروج من سوريا.

ومع ذلك، وبفضل الدعم الروسي والإيراني، تمكن النظام السوري من استعادة الأفضلية واستمر في تحقيق النصر.

واليوم، وعلى الرغم من أن بعض المناطق لا تزال تفلت من قبضة سيطرة النظام السوري، يبدو أن بشار الأسد قد فاز باللعبة.

كانت الهزيمة مدمرة بالنسبة للسعودية التي أدركت في العام 2018 أن “بشار الأسد سوف يظل على رأس السلطة في سوريا”.

وبالنسبة لإيران، فإن النجاح في هذا هو نجاح كلي, فقد أصبحت طهران الآن لاعباً رئيسياً في القضية السورية، كما عملت على تعزيز نفوذها على نظام الأسد، الذي أصبح أكثر خضوعاً من أي وقت مضى.

الرئيس السوري بشار الأسد والمرشد الاعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.

 

منذ العام 2014، شهدت اليمن صراعاً عنيفاً وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

وفي أعقاب موجة ثورات الربيع العربي، أطاح الحوثيون الذين يتزعمون الزيدية الشيعية- وهي الجماعة التي تمثل نحو ثلث السكان في اليمن- بالرئيس عبد ربة منصور هادي في العام 2014, حيث بسطوا سيطرتهم على مساحات كبيرة من الأراضي الشمالية للبلد.

ومن جانبه, شن تحالف عربي سُنّي واسع بقيادة المملكة العربية السعودية, في أواخر مارس من العام 2015، هجوماً عسكرياً ضد الحوثيين، واتهمهم بالتواطؤ مع النظام الإيراني وحزب الله، زاعمين أنهم سوف يمثلون تهديداً أمنياً لهم وللمنطقة.

تخشى السعودية من إقامة نظام شيعي على حدودها الجنوبية وبالتالي فقدان القدرة على الوصول إلى البنية التحتية للميناء الاستراتيجي في مضيق باب المندب وخليج عدن.

ومن جانبها, تدين إيران التدخل السعودي في اليمن، وتدعم الحوثيين, ولكنها, لم تتدخل عسكريا في الصراع الدائر في البلد، حيث اختار النظام الإيراني بدلاً من ذلك تمويل الحوثيين  بالمال والسلاح.

الحوثيون لديهم المعدات العسكرية اللازمة لمقاومة الهجمات التي يشنها التحالف العربي وضرب عمق الأراضي السعودية، حيث يتضح هذا من خلال الهجوم المدمر الذي طال موقعين نفطيين سعوديين رئيسيين – منشأة بقيق وخريص التابعة لشركة النفط السعودية “أرامكو” – في 14 سبتمبر 2019, والذي استخدمت فيه صواريخ كروز وطائرات بدون طيار.

تحولت الحرب في اليمن تدريجياً إلى صراع جيوستراتيجي، على الرغم من مظاهره الذي لا يشمل على أي شيء طائفي.

فالحقيقة أن إيران والسعودية تأملان في الاستفادة من هذا الصراع لتعزيز نفوذهما في هذه المنطقة على حساب الطرف الآخر.

الوضع العسكري في اليمن حتى 1 يونيو 2020: باللون الوردي المناطق التي يسيطر عليها الموالون لحكومة هادي, باللون الأخضر المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون, باللون الأصفر، المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون من المجلس الانتقالي الجنوبي.

وإذا لم يحاربوا بعضهم البعض بشكل مباشر، فإن إيران والسعودية سوف تواجهان بعضهما البعض من خلال جهات وسيطة فاعلة.

ففي هذه الحرب التي يلعبها الوسطاء, لم تكن الدوافع طائفية؛ بل هي جغرافية استراتيجية بحته.

*محامي ومحلل دولي استراتيجي.

* برنارد أوركيد: عالم جغرافي متخصص في الشأن الإيراني, يشغل منصب مدير أبحاث فخري في المركز الوطني للبحث العلمي في فريق البحث “العالم الإيراني والهندي”,  ترأس ايضاً معهد الأبحاث الفرنسي في إيران من 1978 إلى 1993

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.

لقراءة المزيد…” الجزء الثاني”

الجزء الثاني : إيران والسعودية: وهم الصراع الديني