نصر القريطي

يبدو ان ملامح الفوضى الامريكية الخلّاقة التي قص شريطها “المجنون ترامب” لن تنتهي بدخول “بايدن” الى “البيت الابيض” بل على العكس لعلّها المفتتح الحقيقي لـ”ربيعٍ امريكيٍ” قارس وهذا ما تعكسه حالة الاصرار “الجمهوري الجمعي” على انكار نتائج الانتخابات التي فاز فيها الديمقراطيون.

يربط المحللون السياسيون تمسك الرئيس الامريكي المنتهية ولايته بالشخصية المزاجية المتقلبة لــ”ترامب” ويحصرون ذاك “الانكار الفوضوي” لتقبل نتائج الانتخابات بعقليته الربحية التي ترفض الاعتراف بالهزيمة..

لكن الحقيقة ان ملامح “الفوضى اللا ديمقراطية” التي تتجه نحوها الولايات المتحدة الامريكية سياسياً ليست من وحي شخصية “ترامب” وفريقه الرئاسي فحسب بل يبدو انها “ظاهرة أمريكية” باتت تطفو على سطح الاحداث بعد ان حاول الأمريكان اخفاءها تحت الطاولة لعقود تحت يافطة “الديمقراطية الامريكية” التي يجب ان يحث العالم كله الخطى للسير في ركابها وتقفي آثارها..

على هذا الصعيد أفصحت مواقف الكتلة النيابية للحزب الجمهوري في الكونجرس عن ان حالة الرفض لنتائج الانتخابات ليس رد فعل فردي لـ”ترامب” وفريقه الرئاسي فحسب بل انه موقفٌ مبدأي للحزب الحاكم في الولايات المتحدة وأن الجمهوريون عازمون على المضي فيه قُدُمَاً فيما يعكس ما يمكن وصفه بـ”ظاهرة فوضىً أمريكية” لم يستطيع مشعلو “الربيع العربي” ابعاد شبحها عن الوجه الابرز لديمقراطيتهم الديكورية الزائفة..

هذا ما أكدته “شبكة فوكس نيوز” الامريكية الشهيرة حيث كشفت عن ارتفاع عدد أعضاء الكونجرس الجمهوريين الذي أيدوا دعوى رفعتها ولاية تكساس أمام المحكمة العليا بعدم احتساب نتائج أصوات 4 ولايات أمريكية أخرى الى 126 عضواً الأمر الذي يؤكد بأن الحزب الجمهوري عازمٌ على المضي قدماً في معركة البحث عن ولاية رئاسية جديدة لـ”ترامب” ولكنها ليست عبر صناديق الاقتراع وانما عبر معارك جانبية يعتقد الجمهوريون أنها قد تنجح في كبح جماح قطار “بايدن” السريع المنطلق نحو البيت الأبيض..

وعلى الرغم من الضربة المدوية التي تعرض لها ترامب ومن خلفه الجمهوريون برفض هذه الدعوى التي كانت بالنسبة لهم المعركة القانونية الأخيرة في المحكمة العليا إلا أن ترامب وحزبه ماضون في هذا الطريق الذي اختاروه الذي وصفه الكثير من أعضاء الكونجرس ديمقراطيين وجمهوريين بالطريق المشوه للديمقراطية الانتخابية الهرمة للولايات المتحدة..

لربما ليست المرة الأولى التي ترفع فيها ولاية أمريكية دعوى للتشكيك في نتائج الانتخابات الى المحكمة العليا لكنها المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي تطلب فيها ولاية التدخل لمراجعة نتائج الانتخابات في ولايات أخرى الأمر الذي وصفه أحد أعضاء الكونجرس الجمهوريين الرافضين لهذا التحرك بأنه “يهدد فكرة الفيدرالية التي قامت الولايات المتحدة على أساسها”..

بلا أدنى شك ان هذا التحرك الجمعي للكتلة النيابية الجمهورية ليس انعكاساً لمخاوف محتملة من فرضية التزوير بقدر ما هو اصرارٌ جمهوريٌ على التمسك بالبقاء في البيت الابيض ولو كان ذلك على حساب الصورة المشوهة للديمقراطية الامريكية التي خلفتها هذه الانتخابات التي وصفها الرئيس الأمريكي الحالي في كل تغريداته بأنها الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة.

هذا الاندفاع الجمهوري نحو التصادم على السلطة ليس اولى الخطوات التي تدفعنا لاطلاق تسمية الصراع على السلطة في الولايات المتحدة بفوضى الربيع الامريكي فمن ملامح الفوضى الامريكية الخلّاقة أيضاً معركة الاقالات والاستقالات والتناقضات التي حصلت ولا تزال قائمة داخل ادارة ترامب والتي تعكس شرخاً كبيراً داخل التكتل الذي يفترض ان خطوطه العريضة غير منقسمة وموحدة..

بالعودة للمعركة القضائية التي قرر جمهوريّو ولاية تكساس اشعالها في وجه الديمقراطية الأمريكية فإن التصريحات التي أطلقوها مثيرة للجدل وهي أشبه بالتهديد باللجوء الى الفوضى..

فقد نقلت “شبكة “سي ان ان”الإخبارية الأمريكية عن المدعي العام لولاية تكساس القول بأن “الدستور أعطانا فرصة التوجه للمحاكم بدل الحرب بالسلاح”..

هذه التصريحات وعلى الرغم من أنها تمثل تطوراً خطيراً يشير الى الحالة التي وصل اليها الصراع على السلطة في الولايات المتحدة إلا أنها ليست بدون انعكاسات على الأرض ففي مظاهرات السبت التي تجمع فيها مناصرو ترامب في واشنطن لاحت بوادر عنفٍ قد يؤدي الى انفلات في الشارع وجرح فيها خمسة مؤيدين لترامب أحدهم تعرض لطلق ناري اثناء الالتحام مع معسكر المناهضين لترامب وشرطة العاصمة..

أما أبرز ملامح هذه الظاهرة الأمريكية الطارئة التي تجعلنا نشبهها بالبدايات الأولى للربيع العربي فهي التسريبات التي نقلها”موقع اكسيوس” الأمريكي عن ترامب والذي قال فيه ان ترامب يخطط للمشاركة في تجمع لمؤيديه في فلوريدا تزامنا مع حفل تنصيب بايدن في 20 يناير..

الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى انقسام المجتمع الأمريكي لشارعين الأول يدافع عن نتائج صناديق الاقتراع الثاني والآخر يتمسك بشرعية الشارع وهو ما يظل مجرد تكهنات إلى أن يثبت العكس..

إن المعركة التي تدور رحاها اليوم في المحاكم والاعلام الامريكي من الواضح انها ستنتقل في الغد القريب للشارع الامريكي المنقسم الذي ضاق من واقع تهميشه لحساب النخبة الحاكمة واللوبيات المتجذرة وجماعات الضغط التي لا تعبر عنه..

وهنا يبقى السؤال الأبرز: هل يخمد دخول “بايدن” الى “البيت الأبيض” نيران الربيع الأمريكي التي أشعلها ترامب.. أم أنه سيضرم النيران فيما تبقى من الحطب الأمريكي المتقد..!”