بقلم: جون سباكبا

(مجلة “فورين بوليسي” الاميركية – ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

استغرق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وقته قبل أن يهنئ الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بفوزه الانتخابي الأخير.

لم تكن هذه مجرد صدفة: على مدار السنوات الأربع الماضية، قاد ولي العهد حملة قصف عقيمة في اليمن، وربما يكون قد أفلت من مسؤولية القتل، وبدأ برنامجا سريا مع الصين لمعالجة اليورانيوم.

سيحث الأعضاء التقدميون في التجمع الديمقراطي الأمريكي الرئيس بايدن قريباً  على التخلي عن تحالف الولايات المتحدة مع السعودية، لكن على بايدن مقاومة هذا الطلب؛ نادرا ما يقود التخلي عن الحلفاء إلى سلوك أفضل.

بدلاً من ذلك، يجب على بايدن تشكيل تحالف من الحلفاء الغربيين ودول الشرق الأوسط – بما في ذلك السعودية – يمنح الولايات المتحدة المزيد من النفوذ لمنع السعودية من امتلاك أسلحة نووية وانتهاك حقوق الإنسان بشكل أكبر.

لقد سئم أعضاء الكونغرس الجمهوريون والديمقراطيون من السعودية.

ففي العام الماضي، استخدم الرئيس دونالد ترامب حق النقض (الفيتو) ضد قانون اصدره اعضاء من الحزبين كان من شأنه أن يمنع مبيعات الأسلحة للسعودية رداً  على حملة القصف في اليمن.

أيد كل ديمقراطي في الكونجرس صوّت مشروع القانون، لكن بشكل ملحوظ، فعل ذلك أيضاً  حلفاء ترامب مثل السناتور الجمهوري ليندسي جراهام, وفي انتقاده للسعودية، ذهب بايدن إلى أبعد من معظم أعضاء الكونغرس.

في نوفمبر 2019, خلال مناظرة أولية للحزب الديمقراطي قال بايدن إنه “سنجعل الامر بشكل واضح ونقول اننا لن نبيع المزيد من الأسلحة للسعودية، الأمر الذي “سيجعلهم … منبوذين كما هم”.

من المنطقي تحميل السعودية مسؤولية سعيها لامتلاك أسلحة نووية وانتهاكات لحقوق الإنسان.

السؤال هو كيف نفعل ذلك.

إن جعل المملكة دولة منبوذة لن يحد من طموحاتها النووية أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

إذا كانت واشنطن تريد الإصلاح في الرياض، فعليها أن تفكر في أكثر ما يقلق السعودية التخلي عنها من قبل الولايات المتحدة.

تعود جذور خوف الحكومة السعودية من الهجر من قبل الولايات المتحدة إلى فترة الربيع العربي، الذي بدأ منذ ما يقرب من عقد من الزمان.

في ذلك الوقت، دعمت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في مصر باعتبارهم حليفاً  ظاهرياً  للولايات المتحدة, ومن هنا أدرك أعضاء النظام الملكي السعودي أنه من الممكن أن يتعرضوا للخيانة هم أيضاً.

تصاعدت المخاوف السعودية منذ ذلك الحين, واعتُبرت السعودية أن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 محاولة أمريكية لخيانتها وإقامة علاقات صداقة مع إيران.

تفضل الرياض ترامب على أوباما، ويرجع ذلك جزئياً  إلى أن ترامب تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان وأثبت أنه أكثر عدوانية ضد إيران.

لكن حتى ترامب كان يسخر من الملك سلمان بشأن اعتماد السعودية على الولايات المتحدة بقولة “أيها الملك، نحن نحميك” كما قال أيضاً محذراً الملك سلمان في عام 2018 ” ربما لا تتمكن من البقاء في السلطة لأسبوعين بدوننا”.

الضغط الأخير في الكونجرس لإنهاء مبيعات الأسلحة للسعودية عزز مخاوف الرياض من التخلي.

ليس من قبيل المصادفة إذن أن ولي العهد أطلق برنامجاً  نووياً  سرياً  مدعوماً  من الصين، باعتبار استمرار النفوذ الإيراني في اليمن تهديداً وجودياً, حيث يشعر هو والعديد من النخب السعودية، على نحو متزايد بأن العلاقة مع الصين – لاسيما تلك التي تسمح للمملكة بشراء ترسانة أسلحة نووية خاصة بها – تبدو منطقية أكثر من الاعتماد المستمر على واشنطن.

إذا لم تقم الولايات المتحدة بصياغة نهج جديد، فقد يؤدي هذا السيناريو بسهولة إلى مواجهة نووية إقليمية: الأسلحة النووية السعودية موجهة إلى إيران، والأسلحة النووية الإيرانية تستهدف السعودية، وتركيا ومصر تصنع تقنيات نووية خاصة بها، وستتطلع إسرائيل بقلق الى زرها النووي.

إذا جعلت إدارة بايدن المملكة دولة منبوذة، فمن غير المرجح أن يتحسن سلوك المملكة حتى لو لم تحصل على الفور على قنبلة نووية.

الدول المنبوذة الأخرى التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات سوريا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا, هي بعض من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان (والناشرين النوويين) على وجه الأرض.

لقد كان العقاب بنبذهم عقاب لم يغيرهم ولن يغير السعودية.

إذا كانت إدارة ظهر الولايات المتحدة للسعودية لن تهدئ من طموحاتها في الحصول على أسلحة نووية أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان، فإن إظهار التزام طويل الأمد تجاه المنطقة قد يكون كذلك.

ما يمكن أن يخفف من حالة انعدام الأمن السعودية هو تشجيع الرياض على الانضمام إلى رابطة جديدة من الدول الغربية والشرق أوسطية التي تتعاون بشكل متعدد الأطراف في مسائل الجيش والطاقة والاقتصاد والتنمية الاجتماعية.

حتى لو بدأ التحالف صغيراً إلى حد ما – فقط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والدول العربية الأصغر مثل الأردن وعمان والإمارات والبحرين وتونس – فإنه سيثبت أن الولايات المتحدة لن تترك حلفاؤها الغربيون ومنها المملكة قريباً تحت رحمة إيران أو قوى خارجية أخرى.

هذا وحده يجب أن يهدئ مخاوف الرياض بما يكفي لجعل الأسلحة النووية وحملات القصف العشوائي أقل جاذبية بكثير بالنسبة لها.

من خلال مركز تدريب إقليمي مشترك جديد، ستدرب الاتفاقية وتجهز القوات المسلحة للدول الأعضاء لجعلها أكثر اكتفاءً ذاتياً  عسكرياً.

إذا تعرضت دولة عضو للهجوم، فسيتعهد الغرب بدعمها بالاستطلاع والقوة الجوية والمشغلين الخاصين ولكن ليس القوات البرية.

لقد استخدمت واشنطن بالفعل هذا النهج الأصغر بشكل فعال في حرب الخليج الأولى وفي حربها الناجحة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

يجب أن تركز مثل هذه الاتفاقية أيضاً على تمويل وخبرات القطاع الخاص في الولايات المتحدة وأوروبا على مشاريع البنية التحتية والتنمية وريادة الأعمال الواسعة النطاق التي تغري دول الشرق الأوسط.

ونظراً  لأن مؤسسة تمويل التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة يمكنها الآن ربط ضمانات القروض والتمويل مباشرة بأهداف السياسة الخارجية لواشنطن، فإن خطط الاستثمار الكبيرة من هذا النوع تكون أكثر جدوى مما كانت عليه في الماضي.

يمكن للدول الغربية أيضاً  استخدام بنوك التنمية لدعم الاستثمارات في بدائل الطاقة غير النووية مثل مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي ومشاريع خطوط الأنابيب.

في الشرق الأوسط الذي يتمتع بمصادر الشمس والغاز الطبيعي، تعتبر هذه مصادر للكهرباء أرخص بكثير من مفاعلات الطاقة النووية.

دبلوماسياً، سينشئ التحالف منتدى لأعضاء التحالف لتسوية نزاعات الطاقة الإقليمية والنزاعات الإقليمية الآخرى.

وفي المقابل، تلتزم السعودية وغيرها من أعضاء التحالف في الشرق الأوسط بعدم الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لعام 1968، والتخلي عن الأنشطة التي يمكن استخدامها لصنع مواد متفجرة نووية، والامتثال لمجموعة متفق عليها من معايير حقوق الإنسان اثناء العمليات العسكرية.

في حين أنه قد يبدأ صغيرا، يجب أن يكون للتحالف تطلعات أكبر, وقد يفتح تقارب إسرائيل مع الدول العربية الباب لها لتصبح أول عضو غير مؤسس في المجموعة، وسيتبع ذلك مغازلة مصر وتركيا.

مثل دعوة خطة مارشال إلى الاتحاد السوفيتي، يجب أن يظل الباب مفتوحاً  أيضاً  لإيران للانضمام إلى المجموعة.

ومع ذلك، فإن إيران – وجميع الدول الأعضاء المحتملة الأخرى في المنطقة- يجب أن تلتزم بدحر أنشطة التخصيب أو إعادة المعالجة ووقف العمليات العسكرية ضد الدول الأعضاء، ودعم الحرب بالوكالة.

حتى الآن، لم تبد طهران أي اهتمام بالوفاء بالشرطين الأخيرين, ومع ذلك، يجب على التحالف أن يسلط الضوء على المزايا الاقتصادية لمستقبل غير نووي والفوائد الأمنية لضبط النفس بشكل أكبر.

في غضون ذلك، ستتيح الاتفاقية نوع النهج متعدد الأطراف الذي تحتاجه الدول العربية وإسرائيل لمواجهة المغامرة الإيرانية بشكل فعال.

أخيراً، لإنجاح التحالف حقاً، يجب على واشنطن أن تثبت أن الاتفاقية يمكن أن تستمر بغض النظر عمن هم في البيت الأبيض.

وفي عالم مثالي، سيؤمن مجلس الشيوخ الأمريكي الاتفاقية كمعاهدة, وسواء حدث ذلك أم لا، يتعين على الكونجرس تمويل مساهمة الولايات المتحدة في الاتفاقية إلى الأبد.

قد يحصل أعضاء الكونجرس على الكرة من خلال كتابة قرار من الحزبين لدعم الخطة, وإذا أصبحت السعودية مقتنعة بأن الولايات المتحدة ستظل ملتزمة بالاستقرار في الشرق الأوسط، فستجد واشنطن نفسها في وضع أفضل بكثير لإبعاد الرياض والعواصم الأخرى عن أسوأ غرائزها.

عندما يتم قول وفعل كل شيء، قد يندم ولي العهد حتى على الانتظار طويلاً لتهنئة بايدن بفوزه في الانتخابات الأخيرة.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع.