تسارعت وتيرة استخدام السعودية للغطاء الدبلوماسي الأمريكي والأسلحة على حد سواء مع تفاني النظام السعودي في تعميق المأساة التي حلت باليمن.

بقلم: أحمد عبد الكريم

(موقع “منتبرس نيوز”- ترجمة: نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

صنعاء, اليمن- بينما تستعد إدارة دونالد ترامب للرحيل من البيت الأبيض والشرق الأوسط، فإن استخدام المملكة العربية السعودية للغطاء الدبلوماسي الأمريكي والأسلحة على حد سواء, قد اتخذ وتيرة محمومة مع تعمق المملكة من المأساة التي ابتليت بها اليمن، حيث ملايين المنسيين يكافحون ضد شتاء بارد ومجاعة وأوبئة وأسوأ حصار في العصر الحديث.

منذ 3 نوفمبر 2020، عندما بدأت الانتخابات الرئاسية التاسعة والخمسين التي تجرى كل أربع سنوات والتي أعقبها جدل واسع ودعاوى قضائية وإعادة فرز في العديد من الولايات، شنت المملكة الغنية بالنفط حملة “الأرض المحروقة” ضد محافظتي مأرب الجوف، وكذلك في العديد من المناطق: صنعاء، صعدة، حجة، عمران والحديدة.

ضربت الطائرات الحربية السعودية أحياء مأهولة بالسكان في صنعاء بما لا يقل عن 20 غارة جوية خلال الأسبوع الماضي، قُتل على أثرها شخص واحد وأصيب العشرات.

تم استهدف الكلية العسكرية بالقرب من سوق الروضة بصنعاء, حيث أصيب عدد من الخيول العربية الأصيلة في قصف, فيما أصابت سبع غارات جوية آخرى مبان حكومية تقع بالقرب من مضخات المياه.

كما ألقيت آلاف الأطنان من الأسلحة الغربية، وخاصة المصنعة في الولايات المتحدة، على مديريات متعددة في جميع أنحاء محافظات البلد, منها صعدة ومأرب والجوف.

التصعيد غير المبرر، الذي أعقب فترة قصيرة من الأمل سبقت الانتخابات الأمريكية الاخيرة، لم يكن مجرد هدية في اللحظة الأخيرة للسعودية من إدارة ترامب قبل مغادرته البيت الأبيض في يناير المقبل، ولكن أيضاً عملت على منع تقدم الجيش اليمني بدعم من أنصار الله (الحوثيين) ومقاتلي القبائل في محافظة مأرب الغنية بالنفط.

على الحدود اليمنية السعودية، حملة قصف سعودية مكثفة تهدف إلى إجبار السكان المتبقين في المنطقة على الفرار.

قالت مصادر لموقع “مينتبرس” أن السعودية تسعى إلى إقامة مناطق عازلة على الحدود داخل الأراضي اليمنية تحسبا لأي تطورات من جانب الإدارة الأمريكية القادمة بعد فشل الرياض في تحقيق هذا الهدف من خلال مفاوضات غير مباشرة مع صنعاء.

اليمن ترد الضربات:

ورداً على التصعيد السعودي، استهدف الجيش اليمني وجماعة أنصار الله قطاع النفط الحيوي في السعودية، وضربوا منشأة نفطية في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر.

تم استهداف المنشأة بصاروخ مجنح عالي الدقة (قدس- 2 (وهو جيل جديد من الصواريخ المجنحة محلية الصنع التي دخلت الخدمة مؤخراً بعد اختبارات ناجحة.

أظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب الهجوم عموداً من الدخان يتصاعد من ألسنة اللهب المشتعلة في المنشأة حيث يمكن سماع صفارات الإنذار لسيارات الطوارئ في الخلفية.

أتت هذه الخطوة قبل أيام فقط من تسريب أنباء تفيد بأن الحكومة البريطانية أرسلت سرا جنودا بريطانيين لحماية منشآت النفط السعودية في أعقاب هجوم مماثل في عام 2009 وحدث في اليوم التالي لاستضافة المملكة للقمة الافتراضية لدول مجموعة العشرين.

وقال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع في بيان عقب الهجوم إن المنشأة النفطية السعودية استهدفت ردا على العمليات العسكرية السعودية المستمرة والحصار.

وحذر الشركات الأجنبية العاملة في السعودية من “تجنب المنشآت الحيوية” التي يمكن أن تشارك في العمليات الجارية.

كان الهدف من الضربة هو إرسال إشارة إلى كل من السعودية وإسرائيل، وذلك وفقاً لمسؤولين في صنعاء.

تؤكد الضربة التي استهدفت منشأة أرامكو، التي تقع على بعد أكثر من 390 ميلاً من الحدود اليمنية، على قدرة اليمن المتزايدة على ضرب أهداف أعمق داخل السعودية بصواريخ كروز وصواريخ باليستية، فضلاً عن الطائرات بدون طيار.

قال مصدر رفيع المستوى في صنعاء لمينتبرس أن “عواقب أي تهور مجنون من قبل السعودية أو إسرائيل أو الإدارة الأمريكية الحالية في الوقت الضائع لولاية ترامب ستكون وخيمة على الرياض وتل أبيب ومصالح حلفائهم في المنطقة, ولم يذكر تفاصيل إضافية.

قالت وزارة الطاقة السعودية في بيان إن انفجارا وقع نتيجة هجوم إرهابي بقذيفة, أحدث حريق في خزان وقود بمحطة توزيع المنتجات البترولية شمال جدة.

وقال عبد الله الغامدي، مدير معمل السوائب في شمال جدة، للصحفيين خلال جولة بالمنشأة، إن أحد الخزانات الـ13 المستخدمة لزيت الديزل والبنزين ووقود الطائرات في المنشأة قد تضررت وخرجت عن الخدمة, وأضاف أن “الهجوم كان شبيها بما حدث في خريص وبقيق”.

وفقاً لسياسة المملكة منذ عام 2015، عندما بدأت الحرب، روجت السعودية للعالم على أن الهجوم ضد المنشات النفطية يستهدف المصالح الدولية.

وذهبت المملكة أبعد من ذلك واتهمت أنصار الله بمهاجمة ناقلة نفط في البحر الأحمر, حيث تعرضت ناقلة نفط ترفع العلم المالطي وتديرها اليونان لأضرار بسبب انفجار بالقرب من منطقة الشقيق جنوب غرب المملكة، لكن أنصار الله لم يعلنوا مسؤوليتهم عن الحادث بعد.

وقبل ذلك، زعم التحالف بقيادة السعودية يوم الثلاثاء أنه أزال ودمر خمسة ألغام بحرية في جنوب البحر الأحمر.

قتل أو أصيب 15 جنديا سعوديا بينهم ضباط يوم الأحد في هجوم انتقامي آخر، قام باستهداف معسكر تدوين التابع للتحالف الذي تقوده السعودية في مأرب، على بعد 20 كيلومترا شرق صنعاء.

ووفقا لما ذكره العميد سريع في بيان يوم الأحد إن القوات الصاروخية أصابت غرفة العمليات المشتركة بمعسكر التحالف في مأرب مما أسفر عن مقتل ثمانية جنود سعوديين وإصابة سبعة, وأضاف أن القوات اليمنية تراقب تحركات العدو و تستهدفهم أينما كانوا.

في أعقاب إعلان سريع، أعلنت وسائل الإعلام السعودية الرسمية مقتل جنود سعوديين في معركة دون ذكر الزمان والمكان الذي قتلوا فيه.

من جانبه قال محمد عبد السلام المتحدث باسم جماعة أنصار الله إن البكاء السعودي بعد كل انتقام مؤلم لهم هو المطلوب, وأضاف: “على المجتمع الدولي الضغط على السعودية لوقف العدوان والحصار لأن الشعب اليمني يحق له التعبير عن معاناته أيضا”.

 

يعاني اليمن من أسوأ أزمة إنسانية في العالم والناجمة عن خمس سنوات من القصف والحصار السعودي.

 

تفاقمت الأزمة الإنسانية هذا العام, حيث جفت التبرعات الدولية وعلقت إدارة ترامب المساعدات لشمال اليمن حيث يعيش معظم سكان البلد.

 

ومن جانبه, حذر الأمين العام للأمم المتحدة الأسبوع الماضي من أن اليمن يواجه أسوأ مجاعة منذ عقود، قائلاً إن البلد في خطر وشيك وأنه بدون اتخاذ إجراءات فورية قد نفقد أرواح الملايين.

 

هدية وداع ترامب:

 

بينما تستعد إدارة ترامب لمغادرة البيت الأبيض، يسعى التحالف الذي تقوده السعودية للحصول على هدية اللحظة الأخيرة بدفع الولايات المتحدة لتصنيف أقوى قوة مقاومة في اليمن، أنصار الله، كمنظمة إرهابية في خطوة من شأنها لا تؤذي “الحوثيين”، لكنها ستعاقب ملايين اليمنيين الأبرياء الذين يعانون بالفعل من انتشار سوء التغذية والجوع والمرض. ِ

 

وبحسب تقارير إعلامية, فإن إدارة ترامب تستعد لتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية قبل مغادرة البيت الأبيض في يناير.

 

كانت السياسة الأمريكية في اليمن وصمة عار على مدى السنوات الخمس الماضية، وأثارت الغضب داخل الأراضي الأمريكية وخارجها.

 

وفوجئ قلة من اليمنيين بأن إدارة ترامب ستسن مثل هذه السياسة في طريقها للخروج من الباب بعد أن علقت بالفعل المساعدات التي كانت تقدم لما يقارب 80 ٪ من السكان الذين يقيمون في شمال البلد.

 

إن تصنيف جماعة أنصار الله كمنظمة إرهابية سيجعل الأزمة الإنسانية الكارثية بالفعل أسوأ.

 

ويعيق عمل العديد من المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة المنقذة للحياة في البلد.

من شبه المؤكد أن التصنيف غير المتوقع من شأنه أن يمنع تسليم المواد الغذائية والإمدادات الطبية وغيرها من الامدادات الضرورية لمكافحة المجاعة، وفقاً للمنظمات الدولية.

قال جانتي سوريبتو، الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة إنقاذ الطفولة “حياة الملايين من الأطفال الضعفاء في اليمن معرضة بالفعل للخطر, وهذه السياسة ستزيد من معاناتهم من خلال تقييد وصول المساعدات الإنسانية إلى المجتمعات الضعيفة.

“لا تزال الأدلة الحديثة تشير إلى تفاقم أزمة سوء التغذية للأطفال, حتى إذا تم السماح بدخول المساعدات والإعفاء لأسباب إنسانية، فمن المحتمل أن يجعل هذا التصنيف الوصول إلى الأطفال والعائلات أكثر صعوبة وقد يزيد أيضا من المخاطر الأمنية موظفينا يعيق عملية السلام الهشة بالفعل”.

لن يزيد التصنيف من صعوبة الوصول إلى تسوية تفاوضية لإنهاء الحرب فحسب، بل سيضع المنطقة بأكملها، ولاسيما في البحر الأحمر، على حافة الهاوية.

من جانبهم، لن يبقى أنصار الله مكتوفي الأيدي، كما قال عدد من صناع القرار في حركة أنصار للمينتبرس نيوز، “يرون أقاربهم يموتون جوعاً في الوقت الذي ينعم الآخرون، ممن جعلوا البلد أسوأ مكان في العالم “.

هذه الرسالة، على ما يبدو، قد تم إيصالها إلى جدة على خلفية الدمار الذي أحدثه (قدس-2) الذي أطلقه أنصار الله حديثًا.