(موقع” نيوز 24- news24″ الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

أخرج الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة الأمريكية من الزعامة العالمية, فهل يستطيع جو بايدن إعادتها؟

ما الذي يواجهه بايدن؟

كانت السياسة الخارجية التي تبناها الرئيس ترامب تتلخص في “أميركا أولاً” والتي تعتبر بمثابة تغيير جذري في النهج المتعدد الأطراف الذي تبنته إدارة أوباما، كما عملت على تحويل المشهد الدولي.

فقد انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، واتفاق الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية عبر المحيط الهادئ، ومنظمة الصحة العالمية، ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كما انسحبت من جانب واحد من الاتفاق النووي المتعدد الأطراف مع إيران ومعاهدة القوات النووية المتوسطة المدى مع روسيا.

فبعد أربعة أعوام من تأنيب ترامب، لم يعد الحلفاء في أوروبا يعتقدون أنهم قادرون على الاعتماد على الولايات المتحدة أو التزامها بحلف شمال الأطلسي, على الرغم من إنهم بناء على إصرار الرئيس ترامب، بدءوا في إنفاق المزيد على الميزانية الدفاعية.

إن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين هي الأكثر توتراً منذ عقود من الزمان.

إن كل من كوريا الشمالية وإيران أكثر تقدماً في برامجهما النووية مما كانت عليه عندما تولى الرئيس ترامب مقاليد الحكم في البيت الابيض، حيث أظهر كيم جونغ أون المبتهج في الأونة الاخيرة, صاروخاً باليستياً جديداً عابر للقارات, يمتاز بإمكانية الوصول إلى كل مدينة في الولايات المتحدة.

ما الذي سيفعله أولاً؟

ويريد بايدن، الذي يتمتع بخبرة عقود في السياسة الخارجية كنائب للرئيس في ظل ولاية الرئيس باراك أوباما, ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أن يؤكد من جديد على الزعامة الأميركية بشأن أكبر الأزمات التي تواجه العالم.

وأكثر هذه الأزمات إلحاحاً يكمن في مواجهة وباء الفيروس التاجي, حيث سوف تنضم الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية وتسعى إلى تنسيق خطة دولية لتوزيع اللقاحات.

إن تغيير المناخ يشكل تحدياً رئيسياً أخر, وبمجرد عودته إلى اتفاقية باريس بشأن المناخ، يريد بايدن أن يقود الجهود العالمية الرامية إلى الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري من خلال خطة للطاقة النظيفة والبنية التحتية الأساسية والتي تبلغ قيمتها 2 تريليون دولار.

ويعتزم بايدن في الأسبوع الأول من توليه منصبه, إنقاذ أخر معاهدة للحد من الأسلحة النووية، “ستارت الجديدة*” التي تنتهي في فبراير.

وفي حين كان الرئيس ترامب راغباً في تغيير الاتفاقية، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على استعداداً كامل لمدها من دون تغيير لمدة خمس سنوات أخرى؛ ومن المحتمل أن يوافق بايدن على ذلك.

ولكن بايدن سوف يستعيد الدعم القوي لأوكرانيا، التي لا تزال في حالة حرب مع روسيا، ومن المحتمل أن يفرض المزيد من العقوبات على موسكو بسبب محاولاتها للتدخل في الانتخابات الأميركية.

ماذا عن الحلفاء الأمريكيين؟

إن إصلاح التحالفات الأميركية المتضررة يشكل قلب خطط بايدن, ولكن العديد من الحلفاء يشعرون بالقلق والانزعاج.

يقول بعض الأوروبيين، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن انسحاب أميركا من الزعامة الدولية لم يبدأ في ظل إدارة ترامب، بل في ظل إدارة أوباما، وذلك عندما لم تتحرك الولايات المتحدة ساكناً ضد استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية.

وحتى لو كان بايدن ملتزماً التزاماً حازماً بالدفاع عن الحلفاء التقليديين، فهم يدركون تماماً الإدراك أن الشعب الأميركي قد يصوت لصالح انعزالي أخر في غضون أربع سنوات.

تقول رئيسة الوزراء النرويجية السابقة غرو هارلم برونتلاند, إن الأوروبيين “لم يعودوا قادرين على افتراض أنهم يستطيعون الوثوق بالولايات المتحدة، حتى في الأمور الأساسية”.

لقد تغيرت أوروبا ذاتها: بخروج بريطانيا من الإتحاد  الأوروبي يعني أن المملكة المتحدة، أقرب حليف لنا، لم تعد لها صوت في الاتحاد الأوروبي، ولندن في حاجة ماسة إلى اتفاق تجاري موات مع الولايات المتحدة.

ماذا عن الشرق الأوسط؟

وعلى غرار ترامب، يرى بايدن أن آسيا، وليس الشرق الأوسط، هي التحدي الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية, لذا فمن غير الوارد أن يعيد بايدن إشراك قواته في سوريا وأفغانستان والعراق, ومع ذلك، ستكون هناك تغييرات كثيرة.

لقد باعت إدارة الرئيس ترامب ما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة إلى السعودية والإمارات، ولكن من المرجح أن تخفض إدارة بايدن  الإمدادات اللازمة للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، والتي قتلت الآلاف من المدنيين.

وبالمقابل معاقبة السعوديين على انتهاكات حقوق الإنسان مثل قتل الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة اسطنبول التركية مطلع أكتوبر من العام 2018.

كما أن العلاقة الإسرائيلية ستتغير أيضا, إذ لطالما كان بايدن مؤيداً قوياً لإسرائيل، لكنه لا يرى أن سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتطرفة مفيدة للمصالح الإسرائيلية أو الأمريكية.

سوف تحتفظ إدارة بايدن بالسفارة الأميركية في القدس، ولكنها ستعارض مواصلة بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية واستعادة المساعدات الأميركية للفلسطينيين.

ماذا عن الانتشار النووي؟

يسعى بايدن إلى الانضمام إلى الميثاق النووي الإيراني الذي تم المصادقة عليه في العام 2015، ولكن طهران زادت مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب على مدى السنوات الأربع الماضية, وبالتالي يتعين عليها أن توافق على التخلي عن التقدم الذي أحرزته نحو تصنيع السلاح النووي.

ومن غير المرجح أن نشهد المزيد من المحاولات للتفاوض مع كوريا الشمالية؛ ومن الواضح أن خطة بايدن هناك تتلخص في إعادة الارتباط بكوريا الجنوبية، والتخلي عن طلب الرئيس ترامب الذي تبلغ قيمته خمسة مليارات دولار لاستضافة قوات الولايات المتحدة.

ولكن لكي يوقف بيونج يانج، فهو في حاجة إلى التعاون من جانب أكبر مانحيه، والمتمثل في الصين.

كيف سيفعل ذلك؟

ومثله كمثل ترامب، يريد بايدن منع الصين من ترسيخ هيمنتها العسكرية في منطقة بحر الصين الجنوبي الاستراتيجي ووضع حد للسرقة الصينية للملكية الفكرية الأميركية.

ولكن نهج الرئيس ترامب، والمتمثل في الحرب التجارية، يلحق الضرر بالاقتصاد الأميركي من دون تقويض القرار الصيني.

ويتعين على بايدن أن يضع حداً للحرب الجمركية، وأن يركز بدلاً من ذلك على العمل مع بكين ومع الحلفاء الإقليميين لليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا, في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

ولكنه يقول أيضاً إنه سوف يحمل بكين المسؤولية عن انتهاكاتها البشعة والمروعة لحقوق الإنسان في منطقة شينجيانج الصينية وإسقاطها للحريات الديمقراطية في هونج كونج.

وسوف يكون من الصعب للغاية إيجاد التوازن بين هذه المصالح المتنافسة, حيث قال الدبلوماسي الفرنسي جان ماري غينو، وكيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة: “لا يمكن محو التاريخ, لقد تبخر ذلك النوع من القوة الناعمة الذي تمتعت به الولايات المتحدة في الماضي إلى حد كبير”.

“الحروب الأبدية” في أفغانستان والعراق:

قال بايدن في خطابه حول السياسة الخارجية أثناء الحملة الأنتخابية: “لقد حان الوقت لوضع حد للحروب الأبدية”.

وأضاف “نحن في احتياج إلى إعادة الغالبية العظمى من قواتنا إلى الوطن بعد الحرب في أفغانستان والشرق الأوسط, وأن نحدد مهمتنا على نحو ضيق الأفق باعتبارها هزيمة لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية”.

بيد أن كلاً من العراقيين والأفغان يشعرون بالقلق البالغ إزاء العواقب المترتبة على انسحاب القوات الأمريكية.

وبعد انسحاب إدارة أوباما من بغداد، مارست طهران قدراً أعظم من النفوذ هناك, في حين غزى تنظيم  داعش أجزاء كبيرة من البلد.

ومن جانبه, قال النائب العراقي ظافر العاني: “نحن لا نريد لسياسة أوباما أن تعود إلى بلدنا”.

وفي أفغانستان، من المرجح أن تستمر إدارة بايدن في تنفيذ الانسحابات التي خطط لها الرئيس ترامب, ولكنها تجعلها معتمدة على حركة طالبان التي تفي بوعودها بوقف الهجمات على القوات الأفغانية, وهو ما لم تفعله بعد.

وربما يظل السلام الحقيقي بعيد المنال.

*معاهدة ستارت الجديدة: توصلت الولايات المتحدة إلى معاهدة ستارت الجديدة مع روسيا والتي وقعها كل من الرئيسين أوباما ومدفيديف في 8 أبريل 2010 في مدينة براغ التشيكية، والتي تنص على تخفيض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية للبلدين بنسبة 30 %، والحدود القصوى لآليات الإطلاق الاستراتيجية بنسبة 50 % بالمقارنة مع المعاهدات السابقة.

وقد أعادت هذه المعاهدة التعاون والقيادة المشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا في مجال ضبط الأسلحة النووية, كما حققت تقدماً في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، وحافظت على المرونة التي تحتاج إليها الولايات المتحدة لحماية أمنها وأمن حلفائها.

قُدمت معاهدة ستارت الجديدة إلى مجلس الشيوخ للمشورة والموافقة على تصديقها,  وبعد التصديق، دخلت حيز النفاذ في 5 فبراير 2011, ومن المتوقع أن تستمر على الأقل حتى 2021.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.