الجزيرة نت: في زريقة الشام بلحج.. هكذا تعيش قرى يمنية عزلة الجغرافيا وحرمان الحياة
السياسية : رصد
من مدينة التربة، التي تبعد عن محافظة تعز 70 كيلومترا، بدأت رحلة الجزيرة نت باتجاه الجنوب الغربي، هبوطا وصعودا عبر طريق متهالكة بين جبال شاهقة ومنحدرات وعرة، وأودية تتدفق فيها سيول الأمطار التي ينتهي بها المطاف في البحر الأحمر بمحافظة عدن.
لم يدُرْ بخلدنا، أن رحلتنا التي استمرت 3 أيام في مناطق حدودية (جنوب اليمن) ستعيدنا عقودا إلى الوراء.. إلى ماض قديم تفصله عن عصرنا وعورة الجغرافيا، وعقود من العزلة القاهرة والحرمان.
بلاغة المعاناة
في قرى منطقة “المُلَيوي” في زريقة الشام (محافظة لحج)، استقبلتنا مشاهد البؤس والمعاناة المرتسمة على الوجوه الحزينة والشاحبة، حياة بدائية لأناس يقتاتون الألم ويعيشون على الكفاف.
حتى الأمنيات بغد أفضل، والتي ظل يحملها أبناء هذه المناطق، سلبتها منهم سنوات الحرب كغيرها من الحقوق الإنسانية المسلوبة، باستثناء مدرسة الإخلاص المكونة من 3 فصول دراسية.
لا شيء يربط سكان هذه المناطق بعصر التطور والتكنلوجيا، سوى حكايات ترويها شفاه القادمين عن نهضة عالم لا يعرفه سكان هذه المناطق، القابعين خلف أسوار العزلة والنسيان.
حياة بدائية يعيشها قرابة 20 ألف نسمة، هم سكان “زريقة الشام”؛ إلا أن رمزي الزريقي (37عاما)، الذي امتزجت كلماته المريرة بفرحة وصول وسيلة إعلام أجنبية إلى منطقته؛ لتسلط الضوء على مأساة إنسانية منسية.
يقول زريقي للجزيرة نت “الشام واليمن، كغيرهما من المناطق التي ظلمتهما الجغرافيا بوضعهما على الشريط الحدودي، وحرمتا من أبسط مقومات الحياة، ونحن هنا نعيش في زمن ما قبل ثورة 26 سبتمبر/أيلول، فالخدمات التعليمية والصحية والتنموية والطرقات، ومياه الشرب النظيفة شبه منعدمة، والمصدر الوحيد للشرب هي الآبار اليدوية المكشوفة، التي تجلب منها النسوة المياه على رؤوسهن وعلى الحمير في رحلة يومية شاقة.
التعليم خطوة متعثرة
“سأعود لرعاية الغنم والمواشي”، بتلك الكلمات الممزوجة بالحسرة، لخصت الطالبة اشتياق عبد الخالق (11 عاما) معاناتها وزميلاتها في مدرسة الإخلاص، عند سؤالنا لها عن وجهتها بعد إكمالها لدراسة الصف السادس الابتدائي؟.
فالعودة لممارسة مهنة الرعي كحرفة رئيسية لجميع أبناء المنطقة هو الخيار الإجباري الوحيد المتاح لهن؛ لعدم وجود تعليم إعدادي في المدرسة التي بنيت في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي؛ لذلك يكتفي أغلب طلاب وطالبات هذه المناطق بشهادة الصف السادس الأساسي، والتي بالكاد تمكنهم من التخلص من أميتهم الأبجدية، بينما يواصل القليل من الطلاب (الذكور) الذين تتوفر لديهم القدرة والإرادة على قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام، بحثا عن مدرسة لإكمال تعليمهم في مناطق بعيدة.
ما هو الحال بالنسبة للطالب أحمد مازن (15 عاما) الذي يقطع مسافات طويلة، حيث يغادر منزله من 4 فجرا من قرية “الغَوَدِّرَة ” قاطعا قرابة 30 كم على ظهر حماره، وصولا إلى منطقة الجمرك في رحلة مضنية بحثا عن حق في التعليم سُلب منه هو وأقرانه.
رحلة أطفال أبناء زريقة الشام اليومية الشاقة للحصول على التعليم لا تخلو من مآس إنسانية. فالطفل شوقي سعيد (11عاما) أصيب بشلل جزئي إثر سقوطه من شجرة، وهو في طريقه إلى المدرسة.
شوقي الذي يحصد المرتبة الأولى بين زملائه، ويطمح أن يكون مدرسا في المستقبل؛ لكنه يعتمد على مساعدة شقيقته أشواق، الأكبر منه سنا، وتتمتع بالقدر ذاته من النبوغ، وقد تحدثت معنا بمرارة عن وضع أسرتها المعيشي وأبيها المريض القابع في البيت بدون عمل، وأختها اعتصام ذات السنوات التسع، وهي الكفيفة والمصابة بتكسر الدم، ولا يجدون قيمة العلاج لإنقاذها.
مختار عبد الرب، المدرس ومدير مدرسة الإخلاص بمنطقة المليوي يقول إنه لا يوجد تعليم حقيقي في المنطقة، ولو بحدوده الدنيا، وتفتقر المدرسة إلى أبسط المقومات، وفيها 3 مدرسين، لا يتقاضون رواتب من الدولة، وهو ما جعل نسبة التسرب من التعليم تتجاوز 80%.
ويؤكد عبد الرب للجزيرة نت “مناشدتنا للجهات الحكومية لم تتوقف؛ لكن تلك المناشدات تصطدم بخذلان وتجاهل حكومي، ولا ندري ما هو السبب”.
الرعاية الصحية الغائبة
على الرغم من وجود 4 وحدات صحية في زريقة الشام؛ إلا أن تلك المرافق تفتقر للكادر الطبي المؤهل، والمستلزمات الطبية الضرورية، فيضطر ذوو الحالات المرضية لقطع عشرات الكيلومترات وصولا إلى مستشفى “خليفة بن حمد” بمدينة التربة لمداواة مرضاهم، وبعضهم يفارق الحياة على الطريق قبل بلوغ المستشفى بسبب وعورة الطريق.
وتنتشر في هذه المناطق أمراض الحمى والأوبئة وحالات من سوء التغذية الحاد، ونسبة الوفيات المرتفعة بين الأمهات الحوامل والأطفال؛ مما ينذر بكارثة إنسانية لا يكترث لها أحد.
كما لاحظنا تزايد حالات المرضى النفسيين بشكل غير طبيعي بين السكان، ففي منطقة “الدُريح” فقط، يوجد 36 مختلا عقليا ومريضا نفسيا، 10 منهم مدرسون، في ظل انعدام أي مرفق أو طبيب متخصص لعلاج تلك الحالات.
3 أيام قضيناها بالتنقل بين أودية وجبال لا تزورها الشمس، سوى ساعات قليلة من النهار. قرى لا يوجد أي فوارق بينها سوى في أسمائها وعدد المنازل المتهالكة.
المصدر: الجزيرة نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع